تحرير: شيخة البهاويد
«يجب أن يُرجم حتى الموت»، هذه هي العبارة التي كتبها الكويتي حسين قمبر على غلاف كتابه المغمور «Apostate Son»، الذي روى فيه قصة ارتداده عن الإسلام إلى المسيحية وتغيير اسمه إلى روبرت عام 1995، وتمثل تلك العبارة تحريضًا أطلقه ضده أحد أعضاء البرلمان الكويتي آنذاك. فما قصة قمبر؟ وماذا تخبرنا عن قوانين العالم العربي في ما يخص الردة عن الإسلام، أو الإلحاد، أو حرية الاعتقاد الديني بوجه عام؟
حسين قمبر.. عفوًا، روبرت قمبر

غلاف كتاب حسين قمبر

 

أثارت قصة روبرت قمبر ضجة عارمة في الشارع الكويتي، حين أعلنت بعض الصحف المحلية تفاصيل تحوله إلى المسيحية وتركه ديانة ميلاده. كان الجزء الأهم من القصة يدور في ساحات القضاء، فقد حذر المحامي نجيب الوقيان من التعرض لموكله قمبر بالإيذاء الجسدي، وطالب السلطات بتمكينه من رؤية أطفاله، تنفيذًا لحكم قضائي سابق قضى له بحق رؤيتهم.

وضَّح مصدر من قصر العدل أن قضية قنبر سابقة في تاريخ القضاء الكويتي، إذ صدر له حكم بتمكينه من رؤية أبنائه لسِتِّ ساعات كل أسبوع، وكان مسلمًا حين صدر الحكم، إلا أنه ارتد عن الإسلام وقت تنفيذه.

وقد علَّق محاميه للصحف بأنه لا يمكن سحب كل الحقوق من موكله نتيجةً لقراره بالتحول عن الدين الإسلامي، لكنه أشار في الوقت نفسه إلى أن هناك حقوقًا ستتأثر بقرار التحول هذا، كما علَّق رئيس جمعية المحامين الكويتية آنذاك، جمال العثمان، لجريدة «السياسة» قائلًا إنه «من المستحيل أن يحصل على حق الحضانة في هذه الحالة».

ترك قمبر منزله في مدينة القرين الكويتية إلى جهة غير معلومة كي ينجو بنفسه من الجماهير الساخطة، وخوفًا من تهديدات تلقاها بالقتل، وعرضت عليه أوساط محلية وأجنبية الإقامة لديها إلى حين انتهاء النظر في قضيته، ثم تبين لاحقًا أنه غادر إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

في المحكمة وأمام دائرة الأحوال الشخصية، مَثُل قمبر وأقر بوضوح أمام القاضي بتبديل ديانته من الإسلام إلى المسيحية، وطلب إحالة الدعوى إلى المحكمة الدستورية، دافعًا بعدم دستورية بعض نصوص قانون الأحوال الشخصية التي تحرمه من بعض حقوقه كأب بسبب تغيير ديانته، بالمخالفة للمادة 35 من دستور دولة الكويت التي تنص على حرية الاعتقاد.

لم تقبل المحكمة، وأصدرت حكمها في 29 مايو 1996 في سابقة قضائية بإعلان ردة قمبر عن الإسلام، وفنَّدت دفعه بعدم دستورية قانون الأحوال الشخصية في حيثيات الحكم.

((وسؤالنا هنا هو: ما حكم القانون في الإلحاد والردة؟))

ورغم أن قانون الجزاء الكويتي لا يجرِّم الردة والإلحاد، وهو ما أكدته وبينته الحكومة الكويتية في بيان لها أصدرته سفارتها في بريطانيا عقب إثارة الموضوع، إلا أن منظمات حقوقية دولية مثل منظمة العفو الدولية كانت قلقة من أن يُتَّخذ الحكم ذريعةً وحجةً للجماعات غير الحكومية لاغتيال قمبر، تطبيقًا لحد الردة المذكور في الشريعة الإسلامية.

رفع ثلاثة محامون مستقلون دعوى قضائية للمطالبة بإسقاط جنسية حسين قمبر الكويتية وتجريده من حق المواطنة، إلا أن بعض الصحف نشرت لاحقًا خبر عودة الرجل إلى اعتناق الإسلام، ونطقه الشهادتين أمام بعض شيوخ الدين لتأكيد ذلك.

https://www.youtube.com/watch?time_continue=18&v=

الشيخ مصطفى العدوي يصف الملحدين بأنهم أكفر من كفار قريش

ليست قضية قمبر في الكويت، ولا الشاعر الفلسطيني أشرف فياض في السعودية، ولا المفكر نصر حامد أبي زيد في مصر، ولا الطبيبة والأم لطفلين مريم يحيى في السودان، ولا سامر محمد العايدي في الأردن، هي الأولى من نوعها، ولن تكون الأخيرة من بين تلك الملاحقات القضائية الكثيرة التي يحفل بها التاريخ العربي القديم والحديث، لمن اتُّهم بقائمة الإلحاد والزندقة والهرطقة والتجديف وازدراء الأديان وسب المقدسات والردة وتبديل الدين.

وسؤالنا هنا هو: ما حكم القانون في الإلحاد والردة؟

رغم أزمة التعريف التي نواجهها للتمييز والتفريق بين المصطلحات المسطورة ووضع حدٍّ فاصل بينها، فإننا سنتفق على أن نتجاوز ذلك تسامحًا، وعلى أن نُعرِّف الإلحاد بأنه الاعتقاد بعدم وجود إله أو آلهة، وأن نُعرِّف اللاأدرية بأنها التوقف في مسألة وجود الإله دون نفي ولا إثبات، وأن نُعرِّف الردة بأنها الانتقال من العقيدة الإسلامية إلى أي دين أو اعتقاد آخر ينافي ضروريات الإسلام وثوابت العقيدة فيه، وأن نُعرِّف تبديل الدين بأنه الانتقال من أي دين إلى دين آخر.

1. الدستور: أنت حر في اعتقادك، لكن ﻻ تمارسه

 

https://www.youtube.com/watch?v=N3ctqElFR58

تنص المادة 64 من الدستور المصري على أن «حرية الاعتقاد مطلقة، وحرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة لأصحاب الأديان السماوية حق ينظمه القانون». أما واقعيًّا، فمنذ انطلاق الثورة المصرية في 25 يناير 2011، أعلن كثير من الشباب إلحادهم، وحوكم 63 شخصًا بتهم ازدراء الأديان خلال عامي 2011 و2012. وعلى الرغم من أن الدستور والقانون المصري لا يجرِّمان الإلحاد، إلا أن تُهم ازدراء الأديان تُستخدم بحق مَن يعبِّر عن معتقداته اللادينية.

وتكفل المادة 35 من الدستور الكويتي حرية الاعتقاد، وتعتبرها حرية مطلقة لا يجوز للمشرِّع أن يقيدها، ولكنها تميز بينها وبين حرية ممارسة الشعائر الدينية، التي تعتبر من الحريات الجائز تقييدها لأنها تمس المجتمع، فلا يجوز أن تكون ممارسة الشعيرة الدينية مخالفة للنظام العام والآداب العامة فيه، ولا شك أن مفهوم النظام العام والآداب العامة نسبي ومطاط.

تتحدث المذكرة التفسيرية للدستور الكويتي صراحةً عن عدم الاعتقاد بدين ما، وتعتبر ذلك ضمن نطاق حرية الاعتقاد. ولا شك أن عدم الاعتقاد بدين يشمل عدة مفاهيم مثل الإلحاد واللاأدرية، بل وحتى الألوهية، أي الاعتقاد بوجود إله عادل دون إيمان بالأديان والنبوات.

ويُلاحَظ في ما يتعلق بالتفرقة بين حرية الاعتقاد وحرية ممارسة الشعائر أن الاعتقاد أمر قلبي من أعمال السرائر لا يظهر للعلن، ومن هنا يتبين أن النص على هذه الحرية وعدم جواز تقييدها، رغم حُسنه، لا يغير في الواقع العملي شيئًا، إذ لا يمكن للسلطات العامة أن تفتش في الصدور وتشق عمَّا في الضمائر.

إلا أن النص قد يكون مرشدًا وهاديًا للسلطة، يحول بينها وبين أن تسلك منحى نَصْب محاكم التفتيش وتسعى لمعرفة بواطن المعتقدات، فحتى لو ظهر شيء من الاعتقاد من السريرة إلى العلن دون أن يرقى إلى مستوى ممارسة شعيرة دينية، فإن ذلك يكون من الحريات المطلقة التي لا يجوز تقييدها بتاتًا.

2. القانون الجنائي: قد ﻻ نحاكمك بالردة، لكنك زعزعت الاستقرار

 

https://www.youtube.com/watch?v=0705HhGvWeI

كيف حوكم الفلسطيني أشرف فياض في السعودية بسبب أبيات شعر؟

 

هناك قاعدة مهمة في القانون الجنائي (قانون الجزاء أو قانون العقوبات)، هي أنه «لا عقوبة ولا جريمة إلا بنصٍّ في القانون». ورغم أن هذه القاعدة ممَّا يقرره القانون الطبيعي والتشريعات القديمة، إلا أن الدساتير الحديثة نصَّت عليها وأكدتها، فطالما لم يكن هنالك نص قانوني يعتبر فعلًا ما جريمة، فإن الفعل يكون مباحًا أخذًا بقاعدة «الأصل في الأشياء الإباحة».

وبالرجوع إلى التشريعات الجنائية في القانون الكويتي، لا نجد أي نص يجرِّم الإلحاد ولا اللاأدرية ولا الردة ولا تبديل الدين، بما يدل على أن هذه الأفعال لا تُعدُّ جرائم وفقًا للقانون، ما لم تندرج تحت عنوان آخر مثل ازدراء الأديان وانتهاك حرمتها.

هذا هو الحال في دول عربية أخرى، رغم وجود انتهاكات على مستوى التطبيق والممارسة والتكييف القانوني أحيانًا، إذ كتب الدكتور نائل جرجس في مقال له بعنوان «الردة الدينية في الأردن»: «صحيح أنه لا توجد عقوبة جنائية صريحة للردة في الأردن، على خلاف بعض دول العالم العربي كالسعودية والسودان، ولكن غالبًا ما يُزَج بالمرتد في السجن  تحت تهم جنائية أخرى، مثل زعزعة الأمن العام والوحدة الوطنية أو ازدراء الأديان».

وبالعودة إلى قانون الجزاء الكويتي رقم 16 لسنة 1960، فقد تطرقت مواده من 96 إلى 109 إلى مجموعة من الجرائم المتعلقة بالأديان، ورتبت عليها عقوبات متفاوتة بين الحبس والغرامات أو إحدى هاتين العقوبتين.

من بين الجرائم المذكورة في تلك المواد: تخريب أو إتلاف أو تدنيس مكان مُعَدٍّ لإقامة شعائر دينية، أو إذاعة آراء تتضمن سخريةً أو تحقيرًا أو تصغيرًا لدين أو مذهب ديني، سواءً كان ذلك بالطعن في عقائده أو في شعائره أو في طقوسه أو في تعاليمه. ويُشترط في هذه الجريمة ركن العلانية، أو نشر كتاب مقدس في عقيدة دين من الأديان مع التحريف فيه عمدًا على نحو يغير معناه، بقصد الإساءة إلى هذا الدين.

إلا أن المادة 112 من قانون الجزاء الكويتي نصَّت على بند مبيح يخفف من وطأة التجريم، إذ تنتفي الجريمة إذا أذيع بحث في دين أو في مذهب ديني خلال محاضرة أو في مقال أو كتاب علمي بأسلوب هادئ متزن خالٍ من الألفاظ المثيرة، وإذا ثبت حسن نية المتهم باتجاهه إلى النقد العلمي الخالص، وهو نص متوافق مع دستور الكويت الذي كفل حرية التعبير والبحث العلمي.

أما المملكة العربية السعودية، التي تتخذ من الشريعة الإسلامية مصدرًا تشريعيًّا وقانونيًّا، فإنها تطبق حد الردة على من تثبت عليه تهمة التجديف أو إهانة الذات الإلهية والدين الإسلامي، وهو ما حدث مع الشاعر الفلسطيني أشرف فياض، الذي حكم عليه بالإعدام بتهمة الردة حتى مع إعلانه التوبة، التي رأى القاضي أنها لم تكن كافية لتجنب العقوبة، وذلك بسبب بعض الأبيات التي كتبها.

اقرأ أيضًا: إهانة الذات الأدبية: أشرف فياض تحت المقصلة دون تهم

وفي السودان، الذي يستمد قانونه من الشريعة كالمملكة، فقد تم تعديل القانون الجنائي في 2016 بعد ضغوط دولية، بحيث رُفِع منه لفظ «الردة».

وتنص المادة 259 من قانون العقوبات اليمني على أن «كل من ارتد عن دين الإسلام يعاقَب بالإعدام بعد الاستتابة ثلاثًا وإمهاله 30 يومًا، ويعتبر ردةً الجهر بأقوال أو أفعال تتنافى مع قواعد الإسلام وأركانه عن عمد أو إصرار، فإذا لم يثبت العمد أو الإصرار وأبدى الجاني التوبة فلا عقاب».

أما القانون الموريتاني فيذهب إلى أبعد من ذلك، إذ قد يؤدي بك مجرد الامتناع عن الصلاة إلى الإعدام.  وتنص المادة 306 على أن «كل مسلم مكلف امتنع من أداء الصلاة مع الاعتراف بوجوبها يؤمر بها ويُنتظر إلى آخر ركعة من الضروري، فإن تمادى في الامتناع قُتِل حدًّا، وإن كان منكِرًا وجوبًا قُتِل كفرًا، ولا يُفعل في تجهيزه ودفنه ما يُفعل في موتى المسلمين، ويكون ماله لبيت مال المسلمين، ولا تثبت هذه الجريمة إلا بالإقرار».

3. قانون الوحدة الوطنية: لن تجرِّمك المواد،حظًّا سعيدًا مع القضاة

https://www.youtube.com/watch?v=qgSIzedPl9I

مكن أن نلاحظ قوانين أخرى تتعرض للحريات الدينية غير قانون الجزاء وتتضمن مواد جنائية، مثل تلك المسنونة لحماية الوحدة الوطنية، ومنها القانون الكويتي رقم 19 لسنة 2012، فالمادة الأولى منه تجرِّم إثارة الفتنة الطائفية أو نشر الأفكار الداعية إلى تفوق أي مذهب ديني، كما تحظر بث أو إعادة بث أو نشر أو طبع أو إنتاج أو تداول كل ما من شأنه أن يؤدي إلى ذلك، ويفرض عقوبات شديدة تصل إلى الحبس سبع سنوات والغرامة مئة ألف دينار كويتي.

ولعل قائلًا يقول بأن لا صلة لمثل هذه البنود بتجريم الإلحاد أو تبديل الدين أو اللاأدرية أو الألوهية أو الردة، فتجريم ازدراء الأديان وإهانتها وترويج الفتنة الطائفية أمر مختلف عن العناوين السابقة، وهذا صحيح، إلا أن التشخيص والتقدير والتكييف في الميادين العملية يتفاوت من محكمة إلى أخرى ومن قاضٍ إلى آخر، وهنا تكمن الخطورة.

قد يتسع تفسير محكمة لنص من هذه النصوص فتبسط نطاقه على محض الإلحاد أو الردة، فتعتبر ذلك ازدراءً للدين أو نشرًا للفتنة الطائفية أو إهانةً للدين المرتد عنه، وهو تفسير فاسد خارج عن نطاق مفهوم النص ومنطوقه ومقاصد المشرِّع، ورغم ذلك فثمة معضلة فلسفية لا يمكننا تجاوزها هاهنا، هي أن التكييف القانوني يخضع، كما هو الحال مع سائر عمليات التفسير والتأويل، إلى القبليات المعرفية والخلفيات الثقافية للسلطة القائمة على تطبيق النص التشريعي.

4. قانون الأحوال الشخصية: إما أن تلتزم بالدين أو ستسود عيشتك

تتبنى غالبية التشريعات العربية قواعد الفقه الإسلامي في تنظيم مسائل الأحوال الشخصية والأسرة، ومن خلال الخوض في التشريع المذكور يمكننا أن نقول بحق إنه حجر الزاوية والسلاح التشريعي الرئيسي الذي ينال من المرتد أو الملحد ويوقع به أشد الجزاءات المدنية والاجتماعية، ومن تلك الأوجه التي يمكن تلمُّسها ما يلي:

أولًا: فسخ الزواج

https://www.youtube.com/

لا يجوز في الفقه الإسلامي زواج المسلمة من غير المسلم، كما لا يجوز زواج المسلم من غير المسلمة إذا كانت غير كتابية، وقد أسهب الفقه الإسلامي ويتبعه قانون الأحوال الشخصية في شرح مسائل تبديل الدين، ومن أهم الحالات التي تعني بحثنا هذا عند ارتداد الزوج أو الزوجة عن الإسلام خلال قيام العلاقة الزوجية، وعن ذلك يتحدث نص المادة 145 من قانون الأحوال الشخصية الكويتي قائلًا:

«أ- إذا ارتد الزوج فُسِخ الزواج، لكن إذا وقعت الردة بعد الدخول، وعاد إلى الإسلام خلال الردة، أُلغي الفسخ، وعادت الزوجية. ب- وإذا ارتدت الزوجة فلا يُفسخ الزواج».

بينت المذكرة الإيضاحية للقانون أن ردة أحد الزوجين هي فسخٌ مجرد للزواج بغير طلاق، وأن الزوجة إذا ارتدت تبقى في عصمة الرجل، وقد علل فقهاء مسلمون ذلك بأنه سدٌّ لباب احتيال المرأة على الخلاص من الرجل، وردٌّ لقصدها السيئ بارتكاب كبيرة من الكبائر بهدف إنهاء الحياة الزوجية، على حسب تعبيرهم، ولا حاجة لحكم قضائي ليقضي بفسخ عقد الزواج في حال ردة الزوج، فهو يقع تلقائيًّا بمجرد ارتداده عن الإسلام.

هذا هو ما حدث في الدعوى التي رُفعت على المفكر المصري نصر حامد أبي زيد لتفريقه عن زوجته بتهمة أنه مرتد، بدعوى تسمى «دعوى الحِسبة»، وقد قالت محكمة النقض المصرية في تعريفها في حيثيات حكمها على أبي زيد إنها:

«فعل ما يُحتسب عند الله من أمر بمعروف ظهر تركه أو نهي عن منكر ظهر فعله، وهي من فروض الكفاية وتصدر عن ولاية شرعية أصلية، أو مستمدة، أضفاها الشارع على كل من أوجبها عليه وطلب منه القيام بها، وذلك بالتقدم إلى القاضي بالدعوى أو الشهادة لديه، أو باستدعاء المحتسب أو والي المظالم (النيابة العامة)».

«ودعوى الحسبة تكون فيما هو حق للَّه أو فيما كان حق الله فيه غالبًا، مثل الدعوى بإثبات الطلاق البائن، أو بالتفريق بين زوجين زواجهما فاسد، أو بسبب ردة أحدهما برجوعه عن دين الإسلام».

إذًا، دعوى الحسبة تُمكِّن أي فرد في المجتمع من تحريك قضية ضد المرتد لتفريقه عن زوجته، حتى لو لم يكن لرافع الدعوى مصلحة مباشرة منها، وهذا ما لم يأخذ به كثير من علماء القانون، إذ جعلوا ذلك منوطًا بالنيابة العامة، دون أن تُعقد الصفة لمن ليست له مصلحة مباشرة بأن يحرك مثل تلك الدعوى.

كانت دعوى الحسبة، طبقًا لما انتهت إليه محكمة النقض المصرية، مأخوذًا بها في القانون المصري، وجاءت وبالًا على أبي زيد، وقد فاضت حيثيات حكمه بمناقشة جوانبها وتفاصيلها القانونية، وأكد الحكم أن الاحتساب فرض كفاية على أفراد المجتمع، إما أن ينهض به بعضهم أو أن يأثموا جميعًا.

قد يهمك أيضًا: رحلة في موجة الإلحاد والثورة الاجتماعية في العالم العربي

ثانيًا: عدم استحقاق الحضانة

https://www.youtube.com/watch?v=xyrzyCzs5b4

تنص المادة 190 من قانون الأحوال الشخصية الكويتي على شروط الحاضن، ومنها شرط «الأمانة والقدرة على تربية المحضون وصيانته صحيًّا وخُلُقيًّا». وقد شرحت المذكرة الإيضاحية للقانون مفهوم «الأمانة» بأنها تكون «بحفظ كلٍّ من الدين والمال، حسب المتَّبع من فقه المالكية».

ونصت المذكرة الإيضاحية، التي هي تفسير قانوني تشريعي ذو قوة ملزمة، على أنه «لا يُشترط إسلام الحاضنة أُمًّا كانت أو غيرها، لأن الحضانة مبناها على الشفقة والحنان ولا يؤثر فيهما اختلاف الدين، ما لم يتبين خطر على دين المحضون، بأن بدأت حاضنته تعلمه أمور دينها، وأصبح المحضون يعقل ذلك، واتضح أن فيه خطرًا على دينه، فإنه في هذه المسألة يسقط حقها في الحضانة».

ومن ناحية أخرى، نصت المادة 192 من ذات القانون على أن «الحاضنة غير المسلمة تستحق حضانة الولد المسلم حتى يعقل الأديان، أو يُخشى عليه أن يألف غير الإسلام وإن لم يعقل الأديان، وفي جميع الأحوال لا يجوز إبقاء المحضون عند هذه الحاضنة بعد بلوغ السابعة من عمره».

يُلاحَظ ممَّا سبق عدم اشتراط «الإسلام» في الحاضنة ما لم يكن في حضانتها خطر على دين المحضون، هذا هو الأصل (قبل سن سبع سنوات هجرية)، ولكن للقاضي الحق في تقدير ما لو كان في حضانة الحاضنة خطر على دين الطفل،  أو كان ثمة خشية عليه بأن يألف غير الإسلام، أو أن يكون شرط الأمانة مختلًّا بمجرد ارتداد الحاضنة عن الدين أو إقرارها بالإلحاد.

أما بعد سن سبع سنوات، فلا تستحق غير المسلمة الحضانة في جميع الأحوال، لأن هذا هو سن التمييز في الأعم الأغلب كما يراه المشرِّع، ومصدر هذه المادة مذهب الحنفية.

إن كان الحاضن رجلًا، فلا بد أن يكون دينه هو نفس دين المحضون دائمًا، لأنهم شبَّهوا الحضانة بالولاية، وقالوا إنه لا ولاية لغير المسلم على المسلم. واشترط المذهب الجعفري الإسلام حتى في الحاضنة الأنثى، ولو كانت أُمًّا للمحضون، إذا كان المحضون مسلمًا تبعًا لإسلام أبيه، وذلك تعميمًا لقاعدة أن لا ولاية لغير المسلم على المسلم لتشمل المرأة الحاضنة.

هذا هو ما يذهب إليه القانون العراقي، إذ يشترط «أن لا تكون الحاضنة مرتدة لأنها لا تصلح لهذه المهمة، فإن هي عادت إلى الإسلام عاد لها حق الحضانة».

ثالثًا: سلب الولاية على القاصر

 

يُقصد بالولاية أن يتولى شخص راشد أمور آخر قاصر. والولاية نوعان: ولاية على النفس وولاية على المال، فالولاية على النفس تتعلق بشخص القاصر ونفسه، مثل التزويج والتعليم والتطبيب والعمل، أما الولاية على المال فهي أن يتصرف الراشد في أموال القاصر بما يحقق مصلحته، وقد خصصت قوانين الأسرة والأحوال الشخصية قواعد عديدة فيها لتنظيم أحكام الولاية.

تبين المادة 211 من قانون الأحوال الشخصية الكويتي شروط الولي وتنص عليها، ومنها أن يكون متحدًا مع القاصر المولى عليه في الدين، فإذا فقد الولي هذا الشرط سُلبت ولايته وغُلَّت يده عن القاصر حتى لو كان ابنه أو ابنته. ويترتب على ذلك أن ارتداد الولي عن الدين أو إلحاده، مع كون القُصَّر المشمولون بولايته مسلمين أو مختلفين عنه في الدين، يؤدي إلى سلب ولايته عنهم،  لأن القاعدة أنه «لا ولاية لغير المسلم على المسلم».

يتفق الفقه الجعفري مع السُّني في هذا الشرط، وهو ما يؤيده القانون السوري، الذي ينص صراحةً على أن الإسلام شرط من شروط الوصاية لتحقق الأمانة وحُسن السمعة.

رابعًا: الحرمان من الميراث

https://www.youtube.com/watch?v=0E908ANB_Xg

 

كاد فقهاء المسلمين يُجمِعوا على أن اختلاف الدين من موانع الإرث، وبذلك أخذ قانون الأحوال الشخصية الكويتي، الذي نصَّ في المادة 293 على أن «لا توارث بين مسلم وغير مسلم»، وبيَّنت المادة التالية رقم 294 بلفظ قاطع حكم المرتد في الميراث، فنصت على ما يلي:

«أ- لا يرث المرتد من أحد. ب- ما للمرتد قبل الردة أو بعدها يكون لورثته المسلمين عند موته، فإن لم يكن له ورثة من المسلمين، يكون ماله للخزانة العامة. ج- إذا تجنس المرتد بجنسية دولة غير إسلامية يعتبر في حكم المتوفى ويؤول ماله لورثته المسلمين. د- إذ عاد المرتد إلى الإسلام بعد تجنسه بجنسية دولة غير إسلامية، يكون له من ماله ما بقي بأيدي ورثته أو بالخزانة العامة».

وبينما لم ينص القانون العراقي على ما يتعلق بدين الورثة والمورثين، فإن محكمة التمييز العراقية ذهبت إلى التفسير بمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية، فقضت بأن يرث المسلم الكتابي ولا يرث الكتابي من مسلم.

5. قانون الجنسية: لست مِنَّا إذا تركت ديننا

https://www.youtube.com/watch?v=fsyk-UQf2bU

 

 

 

وضع البرلمان الكويتي، بموجب القانون رقم 1 لسنة 1982، شرطًا جديدًا لاكتساب الجنسية هو الديانة، فقصر التجنيس على المسلمين، وعدل المادتين الرابعة والخامسة من قانون الجنسية. وقد اشترطت الفقرة الخامسة من المادة الرابعة على طالب الجنسية ما يلي:

«أن يكون مسلمًا بالميلاد أصلًا، أو يكون قد اعتنق الدين الإسلامي وأشهر إسلامه وفقًا للطرق والإجراءات المتبعة، ومضت على ذلك خمس سنوات على الأقل قبل منحه الجنسية الكويتية، وتسقط عنه هذه الجنسية بقوة القانون، ويُعتبر المرسوم الصادر بمنحه إياها كأن لم يكن بارتداده عن الإسلام أو سلوكه مسلكًا يقطع بنيته في ذلك، ويترتب على سقوط الجنسية الكويتية عنه في هذه الحالة سقوطها عمَّن يكون قد كسبها معه بطريق التبعية».

لا شك أن هذا التعديل لا يسري بأثر رجعي على من اكتسب الجنسية الكويتية من غير المسلمين قبل إقراره، ويُلاحَظ أن الحظر المفروض على تجنيس غير المسلمين في المادة مقصور على بعض الفئات فقط ممَّن يتجنس دون الأخرى، فهو لا يسري على حالة اكتساب زوجة المتجنس وأولاده القُصَّر للجنسية الكويتية بالتبعية، وبالتالي يمكن اكتسابها حتى لو بقوا على ديانتهم غير الإسلامية.

إذا ارتد المتجنس عن الدين الإسلامي يفقد جنسيته بقوة القانون دون حاجة إلى قرار تصدره الجهة المختصة، ويفقد جنسيته الكويتية كذلك كل من تجنس معه بطريق التبعية، مثل زوجته وأولاده، حتى لو كانوا مسلمين ولم يرتدوا عن الإسلام، فيؤخذون بجريرة والدهم على أي حال حتى لو كانوا قد بلغوا سن الرشد.

وقد انتقد أستاذ القانون في جامعة الكويت، الدكتور رشيد العنزي، هذا التعديل انتقادًا لاذعًا، فقال فيما قاله إن «الدولة الإسلامية، حتى في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، قبلت بوجود عناصر غير إسلامية تحت سيطرتها، واعتبرتهم من مواطنيها، وأعطتهم وضعًا قانونيًّا متصلًا بها يختلف عن الأجانب من أهل دار الحرب، وأطلقت عليهم أهل الذمة، تمييزًا لعلاقتهم الخاصة بالدولة الإسلامية وبالمسلمين».

 

صبح واضحًا أنه، وإن خلا القانون من عقوبة جنائية على الردة والإلحاد واحتوى على ضمانات دستورية تكفل حرية العقيدة وممارسة الشعائر والتعبير والبحث العلمي، فإن قوانين أخرى غالبًا ما نجدها في مسائل الأحوال الشخصية، التي تُستَقى أولًا وأخيرًا من الشريعة الإسلامية، تعدم المرتد اجتماعيًّا بتفريقه عن زوجته وحرمانه من حضانة أبنائه وسلبه صلاحياته كولي عليهم وحرمانه من الميراث.

لا شك أن هذا التفاوت بين نصوص الدستور من ناحية، وقانون العقوبات من ناحية ثانية، وبقية القوانين الأخرى، إنما هو ناشئ عن اختلاط مصادرها، فالمشرِّع الكويتي بشكل خاص، والعربي بشكل عام، لم ينتهج فلسفة متكاملة متسقة متناسقة تكون أساسًا لتشريعاته وقوانينه، وبالتالي لا هو حفظ الحقوق المدنية العلمانية وصانها، ولا هو طبق الشريعة الدينية بحذافيرها.​