الحياة

الوقت المنصرم منذ نشأة الكون إلى وقتنا الحالي غير كافٍ لنشأة عُضية واحدة من مئات العُضيات الموجودة داخل السيانو باكترياCyanobacteria أول الكائنات على وجه الأرض على الإطلاق،” فالسيانو باكتريا أول كائن ظهر على وجه الأرض طبقًا للداروينية لأنه لو لم يظهر هو لما ظهر أي كائن آخر فهو مصدر الأوكسجين الذي سمح لبقية الكائنات بالظهور”. والعُضية الواحدة من عضيات السيانوباكتريا بها تشفير معلوماتي داخل الشريط الوراثي يتجاوز 1500 بت أو حرف– والبِت هي وحدة تشفير – لو ظهرت بِت واحدة مكان أُخرى ما نشأت السيانو باكتريا ولا قامت بوظيفتها، وهذا يعني 1500 حرف بمنتهى التنسيق والضبط، في حين أن عمر الكون كله لا يسمح إلا بظهور 34 بت بحساب نظرية الإحتمالات، لأنه قد مضى منذ الإنفجار الكبير 10 أس 17 ثانية فقط وهي تعادل 14 مليار سنة، و34 بت تحتاج إلى 10 أس 17 ثانية من أجل الوصول إلى الترتيب الصحيح وهو عمر الكون- هذا في حال افترضنا أن هناك بتِ جديدة تضاف كل ثانية-.
لكن عضية واحدة من مئات العضيات التي تعمل معًا داخل السيانوباكتريا تحتاج كحد أدنى 10 أس 750 ثانية لتشكيل 1500 بت وهو ما يعني مليارات مليارات أضعاف عمر الكون.
أمام هذه المعضلة افترض الملحد ريتشارد داوكينز بصحبة برنامج ريتشارد هارديسون أن هناك برنامج سيحتفظ بالحروف الجديدة الصحيحة- البتات الصحيحة- ثم يبني عليها بعشوائية وهكذا إلى أن يصل إلى الحرف الجديد الصحيح حتى تكتمل 1500 بتِ الأولى في أول عضية من عضيات السيانو باكتريا.
لكن لم يقل لنا عبقري كل الأزمنة وفلتة العقلاء، ماذا سيحدث لو تم الاحتفاظ بحرف خاطيء ؟ ألا يعني ذلك توقف التجربة لأن العضية لن تتشكل وستهلك السيانوباكتريا فورًا ؟
ولم يقل لنا ما هي الآلية التي ستعيد الحروف مرةً أخرى ؟
وكيف نسي العلامة أن برنامج الكمبيوتر يحتاج لوعي وتصميم وإرادة وصنع وضبط ومعايرة دقيقة، فلماذا اشترط ذلك في تجربته ورفض أن ينسبه للخالق في بيئة الأرض الأولى ؟
بل إن ظهور الشيء لا يعني دوام استمراره فما معنى تشكيل عشر بتات ؟ ما الذي يضمن استمراريتهم أو وجود معنى لهم أصلاً، وما قيمتهم الوظيفية حتى تحتفظ بهم السيانوباكتريا التي لم تتشكل بعد، وكيف تتحول بتات ملتصقة إلى وظيفة حياتية تخصصية داخل كائن آخر؟
ثم ألا تدل آلية خلق الحياة إلى خالق يعجز كل جهابذة الأرض عن محاكاة أبسط حياة ثم يفترضون ظهورها بالصدفة في كل مكان ؟
لماذا أمام كل هذه البديهيات يرفضون الخالق ويفترضون المستحيل العقلي ؟
ثم لم يقل لنا الفلتة النحرير كيف تخلق لنا البتات منظومة معرفية تُعطي وظيفة؟ فالبتات كالكلمات المكتوبة على ورق تصف هيئة وظيفية بطريقة رمزية! كيف تتحول هذه الرموز إلى وظيفة حيوية داخل الكائن الحي الأول، كيف يتم فك الترميز ثم إنتاج معطى وظيفي حيوي، والسؤال الأهم: مَن الذي قام بالترميز قبل أن يتم فكه وما أدرى الكائن بحاجته إليه ليتم ترميزه ثم استخدامه في المستقبل وقت الحاجة؟
ثم كيف يكون الكائن الحي على علم مسبق بمجموعة البتات المطلوبة – 1500 بت- في كل عضية، وهو لم ينشأ بعد ولم يقم بأي وظيفة ؟
وكيف يكون على علم مسبق بما يريد بحيث يحتفظ بالبتات الصحيحة ويترك الخاطئة ؟
ولو لم تكن هناك خطة مسبقة كاملة للسيانوباكتريا، فكيف توجد التخصيصة الوظيفية للعضيات ؟
أيهما أقرب للمنطق والعقل؛ الإيمان بهذه المستحيلات العقلية التي مستحيل عقلي واحد منها كفيل بترك القضية بالكلية، أم الإيمان بالخالق الذي توافرت الأدلة والقرائن على روعة صنعه وضبط خلقه وقدرته؟
نعلم أن الإيمان بالمستحيل العقلي لا يكلف شيئًا، لذا هو أسهل في عقل كاره للدين وهارب من تكاليف الشرع، وهذا هو المبرر الوحيد للإلحاد!
فبرنامج الكمبيوتر الذي يفحص المتتابعات ويختار أكثرها شبهًا بالتتابع المطلوب الذي تم تحديده مسبقًا، يعني أن العملية تجاوزت التطور العشوائي إلى تصميم واختيار ذكي للوصول إلى تتابع تم تحديده مسبقًا بتوجيه من عقل خارجي، فهذا خلق موجه نحو غاية محددة مسبقًا يهيمن عليها عقل ذكي، وهذا غاية ما يريد المؤمن من الملحد الاعتراف به!
فالتطور عشوائي وليس عقلاني وليس له أي دور إنشائي، ثم إن المحاولات المتكررة لجمع 1500 بت هي وقائع مستقلة independent events ،محاولات لا يؤثر بعضها في بعض، فمثلاً لو تضخمت الأحماض الأمينية مليارت مليارات المرات، فستظل النسبة الإحتمالية هي نفسها في كل مرة، لأن المحاولات وقائع مستقلة وكل مجموعة أحماض أمينية تتصرف بانعزال عن بعضها البعض فتظل نفس الاحتمالية بنفس القيمة قائمة، وهذا يُسقط مفهوم الصدفوية ككل.
المشكلة أن ريتشارد داوكينز ببرنامج ريتشارد هارديسون يطلب هدف مُحدد منذ البداية يسعى البرنامج إليه، وفي كل مرة يقوم الكمبيوتر بمقارنة النتائج وفحصها للاحتفاظ بالحروف المبرمجة لديه واستبعاد الباقي، إنه تدبير موجه برعاية خاصة وعناية فائقتين وعقل ذكي ووعي وحكمة وإرادة وقصد وهذا غاية ما يحدثكم عنه المؤمن في قضية الخلق.