في البداية كارل بوبر واحد من أشهر فلاسفة العلم على الإطلاق، كان مشروع بوبر هو وضع الأسس للتفريق بين العلم واللاعلم، التفريق بين العلم والخرافة.

في سبعينيات القرن الماضي أدلى كارل بوبر باعترافه الشهير الذي قال فيه: “نظرية التطور هي قضية ميتافيزيقية، مجرد قفزة إيمانية؛ نظرية التطور فرضية وليست بعلم يخضع للملاحظة أو التجربة”.[1]

ومن دواعي القول هنا أن نقرر أن كارل بوبر هو شخص ملحد لا أدري، فاعترافه هذا ليس بدوافع دينية مثلاً.

ظلت لكارل بوبر مراجعات ومداولات في هذا الموضوع  طيلة حياته البحثية إلى أن اعترف للساينتفيك أمريكان قبل عامين فقط من وفاته أنه ما زال غير راضٍ عن نظرية التطور، ما زال غير مقتنع بهذه النظرية.

وقد عرضت الساينتفيك أمريكان اعترافات بوبر وغيره من الباحثين تحت مقال بعنوان:

Dubitable Darwin:

Why Some Smart, Nonreligious People Doubt the Theory of Evolution?

داروين المشكوك فيه: لماذا مجموعة من العلماء والباحثين وحتى الملحدين يشكون في نظرية التطور؟

لكن التحليل الدقيق لأسباب اعتراض بوبر على نظرية التطور قام بعرضه في آخر كتاب كتبه قبل وفاته بعام واحد وهو كتاب Evolutionary Epistemology .

في هذا الكتاب نقل كارل بوبر اعترافات كبار علماء نظرية التطور عبر تاريخها في مسألة الانتخاب الطبيعي

فنقل عن أحد عظام الداروينية -على حد تعبيره- وهو كارل هال وادينجتون C. H. Waddington نقل قوله أن: “الانتخاب الطبيعي ليس أكثر من طاوطولوجيا”.

وطاطولوجيا تعني تكرارية حشوية لا يمكن أن تنضبط بأدلة، وبالتالي فهي ليست قضية علمية!

وكارل وادينجتون قائل هذا الكلام هو مؤسس الإيفو ديفو Evo-Devo وهو علم دراسة تطور الأعضاء.

يكمل بوبر ويقول: “نفس كلام وادينجتون يوجد لدى داروينيين عظام من أمثال: رونالد فيشر Ronald Fisher عالم الإحصاء والأحياء التطورية، ومؤسس الداروينية الحديثة.

يقرر رونالد فيشر أيضا أن الانتخاب الطبيعي طوطولوجيا.

ولمن لا يعرف رونالد فيشر، فإن ريتشارد دوكينز حين سُئل عن أعظم بيولوجي بعد داروين؟

قال: هو رونالد فيشر.

أيضًا جون هالدِن J. B. S. Haldane عالم الوراثة والأحياء التطورية البريطاني، وشريك فيشر في تأسيس التركيبة الداروينية الحديثة يعترف أن الانتخاب الطبيعي طاطولوجيا.

أضف إليهم عالم الحفريات الأمريكي الأكثر تأثيرًا جورج سيمسون George Gaylord Simpson، والذي عمل لأكثر من ثلاثين عاماً في إدارة متحف التاريخ الطبيعي في أمريكا، كل هؤلاء يؤكدون أن الانتخاب الطبيعي طاطولوجيا.[2]

فمفهوم الانتخاب الطبيعي كما يقول بوبر هو مفهوم فلسفي –طاوطولجيا-؛ كأنْ تقول كل الطاولات طاولات، وليس مفهومًا علميًا.

فمتى نقرر أن الكائن الحي الذي ظل حيًا تم انتخابه طبيعيًا؟
هل لمجرد أنه ظل حيًا؟
ما مبرر قولنا أن ما جرى هو انتخاب؟
لماذا لا يكون شيء آخر أبقى على هذا الكائن؟

فأي كائن سيبقى سنقول أنه تم انتخابه؛ وهذه فلسفة وليست بعلم!

وفي تجربة علمية أُجريت مؤخرًا بجامعة ولاية ميتشيجان تم فيها تحفيز تكاثر 60 ألف جيلا من الباكتريا لدراسة هل سيحصل انتخاب طبيعي أم لا.

وفي هذه التجربة ظهرت تريليونات الباكتريا، ومضى مليون عام بيولوجي من التطور داخل قوارير معامل جامعة ولاية ميتشيجان فماذا كانت النتيجة؟

لم يظهر بروتين واحد جديد!

هذه هي نتيجة الانتخاب الطبيعي.

الانتخاب الطبيعي لم يعمل!

الانتخاب الطبيعي لم يأت ببروتين جديد فضلا عن نوع جديد.[3]

يقول عالم البيولوجيا التطورية والوراثة السكانية الأمريكي الشهير ويليام بروفاين Provine  يقول: “الانتخاب الطبيعي لا يعمل على أي شيء. فلا هو ينتخبُ لصالح شيء أو ضده، ولا هو يقهر، ولا يُكثّر، ولا يخلق، ولا يعدّل، ولا يُشكّل، ولا يشغّل، ولا يقود، ولا يصطفي، ولا يحافظ على شيء ما، ولا يدفَع، ولا يكيّف. الانتخاب الطبيعي لا يقومُ بشيء”.[4]

الانتخاب الطبيعي لا يستطيع تحمل العبء الغير عادي المُلقى على عاتقه من قبل دعاة النظرية.

الانتخاب الطبيعي لم يؤد لقدوم الأصلح، وليس له دور مُثبت في بقاء الأصلح!

فما قَدّمه بوبر تم تأكيده مختبريًا!

 

[1] “I have come to the conclusion that Darwinism is not a testable scientific theory, but a metaphysical research programme”

Karl Popper, “Darwinism as a Metaphysical Research Programme” Methodology and Science, p.103-119.

[2] Evolutionary Epistemology, Rationality, and the Sociology of Knowledge, with Contributions by Sir Karl Popper (1993), Edited by Gerard Radnitzky.

[3] http://cutt.us/a2G18

[4] Provine, W.B. (2001) the Origins of Theoretical Population Genetics, p.199.