إن المتأمل في المشهد الثقافي والإعلامي والاجتماعي المعاصر، يشهد حجم الانفتاح الفكري الكبير، وهذا يحمل معه جملة من الأفكار والمذاهب والمعتقدات الغريبة عن المجتمع والتي تحمل في طياتها شبهات تشكك إما في فروع الدين أو أصوله التي يقوم عليها، وسنعرض هنا المنهجية الصحيحة للتعامل مع أي شبهة تطرأ على الإنسان، وذلك من خلال مسارين: الأول وقائي قبل وقوع الشبهة، والثاني معالجة بعد وجودها.

أولا: قواعد وقائية من الشبهات:
1. القاعدة الوقائية الأولى: تعزيز اليقين بأصول الإسلام، ومن وسائل تعزيز اليقين: إحياء وإشاعة عبادة التفكر في آيات الله الكونية، إشاعة عبادة التفكر في آيات الله الشرعية، وربط الناس بالقرآن، والعناية بالكتب التي اهتمت ببيان دلائل صحة أصول الإسلام، والاهتمام في الخطاب الدعوي بالحديث عن الله وصفاته وعظمته ووحدانيته، والاهتمام بعبادة القلوب في الدعوة والعلم والعمل، ومتابعة قصص المسلمين الجدد.


2. القاعدة الوقائية الثانية: تكوين العقل الناقد، فيكون على دراية بطرق البحث العلمي ومهاراته، وكذلك يمتلك المهارة الذاتية في عملية النقد والتفنيد، ولا يكون مجرد متلقي سلبي ينقل ما يسمع ويقرأ دون تمحيص.


3. القاعدة الوقائية الثالثة: الاهتما بالتأصيل الشرعي
[1]، وذلك بدراسة أصول العلم الشرعي الأساسية خاصة معرفة منهجيات التلقي والاستدلال.


4. القاعدة الوقائية الرابعة: تحديد مصادر التلقي والمعرفة والموقف من كل مصدر.
[2] حيث إن لكل مجال مصدره المعرفي، والخلط بين هذه المجالات يؤثر على عملية المعرفة والحكم عليها.


5. القاعدة الوقائية الخامسة: عدم التعرض لخطاب الشبهات من غير المتخصص، لأن الأصل هو الابتعاد منها لا البحث عنها، فالوقاية من المرض خير من علاجه.


6. القاعدة السادسة: القراءة الوقائية في كتب الردود على الشبهات، وذلك يكون بعد عملية التأصيل الشرعي، حيث تتناول هذه الكتب الشبهات المتكررة مع تقديم إجابات واضحة ومباشرة عنها، ويتم معرفة هذه الكتب من خلال سؤال المهتمين في هذا الباب.


7. القاعدة الوقائية السابعة: ترتيب هرم الغائيات الكبرى على حسب مراد الله، كالتعبد والاستقرار والحرية والعمران وتحقيق الذات وقضاء الشهوة واكتساب الأموال ونحو ذلك، وأي اختلال في هذه الغايات الكبري سيؤثر على ترتيب تحقيق الغاية من الخلق، وهو الهدف الذي خلق الإنسان من أجله.


8. القاعدة الوقائية الثامنة: تعزيز البرامج الجماعية والصحبة المفيدة فكرياً وعاطفياً، فالإنسان ضعيف بنفسه قوي بأصحابه.


9. القاعدة الوقائية التاسعة: الدعاء والابتهال،
[3] فسؤال الله العون والتوفيق من أعظم أسباب الحفظ والهداية.

ثانيا: قواعد للتعامل مع الإشكالات والشبهات بعد ورودها:
1. القاعدة الأولى: استعمال التفكير الناقد والتوثيق العلمي في التعامل مع المعلومات والأفكار، فيجب ألا يكون لأي معلومة قيمة تستحق النظر والنقاش، ما لم تكن تتوفر على أدنى درجات التوثيق العلمي، وكذلك ربما تكون المعلومة صحيحة ولكن الاستدلال بها على المطلوب غير صحيح.


2. القاعدة الثانية: سؤال المتخصصين، وهم ذوي المعرفة والقدرة على الإجابة، فلا يطرح سؤاله على أي شخص وإنما يتحرى عن أهل القوة العلمية والأمانة الدينية.


3. القاعدة الثالثة: مراجعة الجهود السابقة في الرد على نفس القضية المُستشكلة، ولا يكاد يمر سؤال أو استشكال متعلق بالإسلام وثوابته إلا وقد طُرح قبل ذلك وعولج، فلا تكاد تجد شبهة إلا وقد رد عليها السابقون واللاحقون، ولكن مشكلة كثير مما يتعرض لهذه الشبهة أنه لا يبحث ولا يقرأ لأهل الاختصاص.


4. القاعدة الرابعة: رد المتشابه إلى المحكم، إن قضية المحكم والمتشابه من الأمور المنهجية المهمة في فهم القرآن، وهي الفرقان بين الراسخين والزائغين. وهذا يقودنا إلى أمر في غاية الأهمية؛ ألا وهو ضرورة استعراض سائر نصوص الباب وعدم الانتقاء والاجتزاء، فقد يكون النص متشابهاً، فلا يستبين إلا بالمحكم الذي نعرفه بنصوص أخرى.


5. القاعدة الخامسة: التماسك أمام الشبهة التي لم يُعرف جوابها، إن عدم علمنا نحن أو من نسأله بالجواب لا يعني أنه لا يوجد جواب، وحين ندقق في بعض هذه الإشكالات التي أوجبت الريب نجد أن الكلام فيها قد قُتل بحثاً، والمقصود أن عدم معرفة الجواب نقص في المسؤول لا نقص في الدين.


6. القاعدة السادسة: دراسة سلبيات الانتقال إلى الأفكار المخالفة للقرآن والسنة، فالأسئلة والواردات ستتضاعف ولن تقل، ويجب أن يعرف الإنسان مآلات قراراته الفكرية والإيمانية، فالأمر جد وليس بهزل، حيث إن بعض القرارات لا تستطيع التراجع عنها بعد حين.


7. القاعدة السابعة: عدم التعامل مع الوسواس كالتعامل مع الشبهة، فالحل مع الوساوس ليس في الجواب عنها، فإنها لا تنتهي بذلك ولو كُرر الجواب مائة مرة، وإنما حلها في الإعراض عنها.
[4] لذلك لا بد لنا من التميز بين ما يشكل إشكالا معرفيا بحق وما هو إشكال نفسي أو عاطفي.

ويبقى الأصل المهم أنه لا بد للإنسان من أصول كلية يرد إليها الشبهات، فعندما تؤمن أن الله كامل العلم والحكمو والرحمة، وتوقن أن شريعته أكمل الشرائع وأحكمها، فهذه أصول محكمة قطعية يجب رد كل الإشكالات المتشابهة إليها، نسأل الله أن يعيذنا وإياكم من فتنة الشهوات والشبهات.

 

———————
[1] ومن أهمها مفهوم التسليم للنص الشرعي، انظر: التسليم للنص الشرعي، فهد العجلان، 17 وما بعدها، وانظر: ينبوع الغواية الفكرية، عبد الله العجيري، ص67.
[2] انظر: مدخل إلى نظرية المعرفة، أحمد الكرساوي، ص20.
[3] انظر: سابغات، أحمد السيد، ص41.
[4] انظر: سابغات، أحمد السيد، ص53، وانظر: منهج التعامل مع الشبهات، د. محمد السعيدي، صيد الفوائد، وانظر: أصول الخطأ، أحمد السيد، ص4، وانظر: منهج التعامل مع الشبهات، لافي الصاعدي، مجلة البيان، العدد 326.