للعاقلات فقط، 100 وقفة تربوية للمرأة مع رسول الله (3)

فضيلة الشيخ / جمال عبد الرحمن

21- العاقلة والصراحة المنصفة

هذه هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان، وصفوها بأنها من عقلاء النساء، كانت قبل إسلامها لا تكره أحداً مثلما تكره بيت النبي صلى الله عليه وسلم وبعد أن أسلمت لم تكن تحب أهل بيت مثلما أحبت بيت النبوة، وها هي تصارح النبي صلى الله عليه وسلم بتلك المعلومة التي تحمل في طياتها اعتذاراً عن شقها بطن عمه حمزة رضي الله عنه وهو مقتول بمعركة أحد، وإخراجها كبده ومضغها تشفياً وكراهية، وهي تعلم أن ذلك أثر في نفس النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أن أرادت بعد إسلامها أن تثبت صدقها في حبها لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، قدمت أولاً أنها لم تكن تكره بيتاً أشد من بيته صلى الله عليه وسلم، واعترافها بهذا راضية غير مكرهة وصدقها فيه يدل على صدقها في الأخرى وهي حب آل بيته صلى الله عليه وسلم.

 

 

عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: جاءت هند بنت عتبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، والله ما كان على ظهر الأرض أهل خباء أحب إلي أن يذلوا من أهل خبائك، ثم ما أصبح اليوم على ظهر الأرض أهل خباء أحب إلي أن يعزوا من أهل خبائك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(وأنا أيضا والذي نفسي بيده) الحديث[1]. رحم الله هند بنت عتبة.

 

لقد عفا عنها النبي صلى الله عليه وسلم وقبل منها وقابلها بنفس شعورها، وأقسم على ذلك رغم ما فعلته في عمه حمزة رضي الله عنه، لكنها فعلت ذلك تحت وطأة الكفر الذي يكنّ للإسلام كل عداوة، ثم بعد ذلك أسلمت، والإسلام يجب ما قبله؛ أي يمحو كل ما سبقه من انحراف، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جاء ليدخل الناس في الإسلام لا لينتقم لنفسه منهم، فلذلك لم يعد أهل بيت أحب إلى قلب هند من أن يعزوا من بيت النبي صلى الله عليه وسلم.

 

22- العاقلة وتحري الصدق

عن أسماء بنت عميس قالت: كنت صاحبة عائشة التي هيأتها وأدخلتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعي نسوة، قالت: فوالله ما وجدنا عنده قِرَى – شيئاً يضيفنا به -ـ إلا قدحاً من لبن، فشرب منه ثم ناوله عائشة، فاستحيت الجارية – عائشة -، فقلنا لها: لا تردي يد رسول الله، فأخذت منه على حياء فشربت، ثم قال: {ناولي صواحبك}. فقلنا: لا نشتهيه، فقال صلى الله عليه وسلم:(لا تجمعن جوعاً وكذباً). فقلت: يا رسول الله، إن قالت إحدانا لشيء تشتهيه: لا أشتهه، أيعد ذلك كذباً؟ قال:(إن الكذب يكتب، حتى تكتب الكذيبة كذيبة)[2]. يعني: كل ما هو كذب ومخالف للحقيقة يكتب حتى الكذيبة – الكذبة الصغيرة -، وحتى ما يسمونه الكذبة البيضاء – أو الكذب الأبيض، وإنه لأسود فاقع السواد، قال النبي صلى الله عليه وسلم:(إن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً)[3]. قال الله تعالى:﴿ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ.. ﴾ [الزمر: 60].

 

23- العاقلة وخاطبها

عن أنس رضي الله عنه قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم على جليبيب امرأة من الأنصار إلى أبيها، فقال: حتى أستأمر أمها – يعني يأخذ رأيها – فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(فنعم إذن). قال: فانطلق الرجل إلى امرأته، فذكر ذلك لها، قالت: لا هاالله، إذن ما وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا جليبيباً وقد منعناها من فلان وفلان؟ قال: والجارية في سترها تسمع، قال: فانطلق الرجل يريد أن يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك – برفض زوجته – فقالت الجارية – البنت العروس -: أتريدون أن تردوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره؟ إن كان قد رضيه لكم فأنكحوه، قال: فكأنها جلت -كشفت الغشاوة – عن أبويها، وقالا: صدقت، فذهب أبوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن كنت رضيته فقد رضيناه، قال صلى الله عليه وسلم:(فإني قد رضيته). قال: فزوجها.

 

ثم فزع أهل المدينة – للحرب – فركب جليبيب، فوجدوه قد قتل وحوله ناس من المشركين قد قتلهم[4]. وقصة ذلك كما أخرجها مسلم في صحيحه [5] عن أبي برزة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في مغزى له، فأفاء الله عليه، فقال لأصحابه:(هل تفقدون من أحد؟) قالوا: نعم، فلاناً وفلاناً وفلاناً، ثم قال:(هل تفقدون من أحد؟) قالوا: نعم، فلاناً وفلاناً وفلاناً، ثم قال:(هل تفقدون من أحد؟) قالوا: لا، قال:(لكني أفقد جليبيباً فاطلبوه)، فطلب في القتلى فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم ثم قتلوه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فوقف عليه فقال:(قتل سبعة ثم قتلوه، هذا مني وأنا منه، هذا مني وأنا منه).

 

قال: فوضعه على ساعديه ليس له إلا ساعدا النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فحفر له ووضع في قبره ولم يذكر غسلاً.

 

سبحان الله! جاء الخاطب جليبيب وهو عبد، لكنه زكّاه سول الله صلى الله عليه وسلم واختاره، واختار له المخطوبة، وفي لحظة غفلة كاد الأب والأم أن يرفضا، لكن البنت التي تعلمت من الإسلام أعظم المبادئ تذكر أبويها حين همّا بالرفض فتقول: أتريدون أن تردوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره؟ هذه هي العروس التي نتمناها لكل مسلم، كم من عروسين ينتسبان إلى الإسلام، ولا يمت عرسهما إلى الإسلام بصلة، كم من أوامر لله ورسوله ترد، وكم من سنن تترك ومعاصي ترتكب وبدع تمارس من يوم أن يخطب الخاطب مخطوبته إلى ما شاء الله؟! فاعتبروا يا أولي الأبصار بجليبيب وبعروس جليبيب.

 

وعن ابن داجة عن أبيه قال: لما مات عبدالله بن عبدالملك، رجعت هند بميراثها منه، فقال عبدالله بن حسن لأمه فاطمة: اخطبي علي هنداً، فقالت: إذاً تردك، أتطمع في هند وقد ورثت ما ورثته؛ وأنت تَرِبٌ لا مال لك؟ فتركها ومضى إلى أبي عبيده فخطبها إليه، فقال: في الرحب والسعة، أما مني فقد زوجتك، مكانك لا تبرح، ودخل على هند، فقال: يا بنية، هذا عبدالله بن حسن، أتاك خاطباً، قالت: فما قلت له؟ قال: زوجته. قالت: أحسنت، قد أجزت ما صنعت، وأرسلت إلى عبدالله، لا تبرح حتى تدخل على أهلك! قال: فتزينت له، فبات بها معرساً من ليلته، ولا تشعر أمه، فأقام سبعاً ثم أصبح يوم سابعه غادياً على أمه، وعليه ردع الطيب، وفي غير ثيابه التي تعرف، فقالت له: يا بني، من أين لك هذا؟ قال: من عند التي زعمت أنها لا تريدني[6].

 

بهذه السهولة واليسر عفت هذه المرأة نفسها، وكانت سبباً في عفة رجل، وهذا من أهم أسباب البركة، ولم يثنها أنها غنية وهو فقير كما تخوفت أمه، وقد ساعد في هذا أيضاً الأب العاقل الذي ييسر على الناس؛ لعل الله ييسر عليه.

 

24- العاقلة ومصارحتها خاطبها بأحوالها

أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يخطب أم سلمة – رضي الله عنها – بعد وفاة زوجها أبي سلمة، فلما انقضت عدتها بعث إليها عمر بن الخطاب يخطبها عليه، فقالت: أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أني غَيَرى – شديدة الغيرة من الضرائر -، وأني مصبية – ذات صبية صغار ولا تريد أن تضيق بهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم – وليس أحد من أوليائي شاهداً[7]– فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك، قال:(ارجع إليها فقل لها: أما قولك: إني امرأة غَيرى فأسأل الله أن يذهب غيرتك، وأما قولك: إني امرأة مصبية فتُكفين صبيانك، وأما قولك: إنه ليس أحد من أوليائك شاهداً، فليس من أوليائك شاهد ولا غائب يكره ذلك) فقالت لابنها: يا عمر، قم فزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فزوجه، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيها ليدخل بها، فإذا رأته أخذت ابنتها زينب فجعلتها في حجرها، فينقلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعلم بذلك عمار بن ياسر وكان أخاها من الرضاعة، فجاء إليها فقال: أين هذه المقبوحة التي آذيت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأخذها فذهب بها، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليها فجعل يضرب ببصره في جوانب البيت، وقال:(ما فعلت زينب؟) قالت: جاء عمار فأخذها فذهب بها، فبنى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:(إني لا أنقصك مما أعطيت فلانة؛ رحائين وجرتين ومرفقة حشوها ليف). وقال:(إن سبَّعْتُ لك سبعت لنسائي)[8].

 

هذه أم سلمة تخبر النبي صلى الله عليه وسلم بكل صراحة بكافة أحوالها، ومن من النساء تتحصل على الزواج من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لكن أم سلمة رضي الله عنها لم يمنعها ذلك من أن تعلمه بالحقيقة ولو كانت النتيجة الرفض منه، إلا أننا نرى نساء إذا جاءهن الخاطب قالت هي وأهلها: فرصة لا نضيعها، افرشوا له الأرض بالحرير، وحلوا له الكلام بالعسل، وابتسموا في وجهه، وإن لم يكن هذا طبعكم، واكتموا عنه كل شيء يسيئه، ثم بعد ذلك يا سادة، نعلمه أين يخبئ القرد أولاده!! حتى إذا ما عقدوا العقد كشرت الحية عن أنيابها، وشبت الحرب الأهلية، حتى يقول الزوج: يا ليتي مت قبل هذا وكنت نسياً منسيا.

 

هذا يحدث في العادة، فأين يا قوم السعادة!! لكن أم سلمة الشريفة العاقلة، العفيفة الفاضلة تعطينا الدرس.

 

ودرس آخر: تقول أم سلمة رضي الله عنها: أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمني وبيننا حجاب فخطبني… الحديث[9].

 

فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم التقي النقي، وهذه أم سلمة المبشرة بالجنة، قبل أن يحدث بينهما رؤية شرعية يكلمها أولاً أنه يريد الزواج منها، فكان الكلام من وراء حجاب، وتلك هي الأخلاق والآداب، فما بال الذين جاءونا بدين جديد؟! يتعرفون أولاً ثم صداقة، واختلاط وعلاقة، وتجربة وحب، وإذا سألتهم: قالوا حب شريف! ألم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف الحب الشريف حتى عرفتموه للأمة؟! (من سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيء)[10]. نسأل الله السلامة.

 

25- العاقلة ومهرها

عن أنس رضي الله عنه قال: خطب أبو طلحة أم سليم – قبل إسلامه وهي مسلمة، فقالت: إني آمنت، فإن تابعتني على ديني تزوجتك، قال: فأنا على مثل ما أنت عليه، فتزوجته أم سليم وكان صداقها الإسلام، وفي رواية: قالت: ألست تعلم أن إلهك الذي تعبد نبت من الأرض؟ قال: بلى، قالت: أفلا تستحي؟ تعبد شجرة؟ إن أسلمت فلا أريد منك غيره -ـ أي لا أريد منك صداقاً غير الإسلام -ـ قال: حتى أنظر في أمري، فذهب ثم جاء، فقال: أشهد ألا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فقالت: يا أنس – ابنها – زوج أبا طلحة، فزوجها[11].

 

لقد كسبت أم سليم زوجاً، وكسبت ما هو أعظم من ذلك، هداية رجل على يديها يظل في ميزانها إلى أن تلقى ربها يوم القيامة. (لأن يهدي بك الله رجلاً واحداً خير لك من الدنيا وما فيها).

 

إنها تعرف حقاً معنى الزواج؛ زوج مسلم صالح، وبيت مؤمن ناجح. أذلك خير أم التي تبحث عن المظاهر والتكاثر، من كل عرض الدنيا على حساب الدين والمبادئ والأخلاق ثم بعد ذلك تشكو من زوجها الأمرين؟!

 

26- العاقلة وجهاز عرسها

أخرج ابن سعد في طبقاته عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما زوجه فاطمة بعث معها بخميلة[12]ووسادة أدم حشوها ليف، ورحاءين – لتطحن بهما الحب – وسقاءين – إناءين للشرب[13].

 

فاطمة واحدة من سيدات نساء العالمين، وهذا مهرها؟ فلماذا كل هذا التخفف؟ لأن الزواج بناء أسرة في الحقيقة وليس بناء مستعمرة أو ثكنة عسكرية مكتظة بكافة الآلات والمعدات. وبناء الأسرة السعيدة لا يقوم إلا على عمودين أساسيين: زوج صالح، وامرأة عاقلة ذات دين.

 

وقد مر بنا في الفقرة قبل السابقة جهاز أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها وهو عبارة عن رحائين وجرتين ومرفقة حشوها ليف.

 

27- العاقلة وغناء الأفراح

ليس معنى الأفراح الخروج عن الجادة، وليس معنى الغناء؛ تعاطي الفجور بين تبرج وسفور، وردي الكلام وفاحش القول، وليس معنى أن الزواج مرة في العمر – تقريباً – أن يستهين المرء بفعل وقول ما يغضب الله، ولو كان يوماً في العمر؛ بل لحظة، ولكن الحق أن ذلك اليوم إما أن يكون تأسيساً لبنيان الزوجية على تقوى من الله ورضوان، وإلا؛ فهو على شفا جرف هار، فانهار بذل وهوان، وخيبة وخسران.

 

وسأحدثكم الآن عن عرس وفرح من أفراح سلفنا الصالح: عن نبيط بن جابر عن جدته أن نبيط قالت: أهدينا جارية لنا من بني النجار إلى زوجها، فكنت مع نسوة من بني النجار ومعي دف أضربه وأنا أقول:

أتيناكم أتيناكم
فحيونا نحييكم
ولولا الذهب الأحمر
لما حلت بِواديكم

 

قالت: فوقف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:(ما هذا يا أم نبيط؟) فقلت: بأبي أنت وأمي يا نبي الله، جارية منا من بني النجار نهديها إلى زوجها. قال:(فتقولين ماذا؟) قالت: فأعدت عليه قولي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قولي: ولولا الحنطة السمراء لما سمنت عذاريكم[14] والحنطة: نوع من الدقيق يفضله العرب، وهذا الغناء ومثله جائز في الأفراح إن لم يصحبه آلة لهو محرمة كالمزمار والعود وغيره، فإن صاحبه شيء من هذه الممنوعات لم يجز هذا الغناء؛ لا أداء ولا استماعاً، وقد امتثلت أمهات المؤمنين لمثل هذا المفهوم الذي يغالط فيه كثير من أبناء المسلمين وبناتهم.

 

فعن أم علقمة أن بنات أخي عائشة خُتِنَّ، فقيل لعائشة: ألا ندعو لهم من يلهيهن؟ قالت: بلى، فأرسلت إلى فلان المغني فأتاهن، فمرت عائشة في البيت فرأته يتغنى ويحرك رأسه طرباً – وكان ذا شِعْر كثير، فقالت: أف، شيطان، أخرجوه، أخرجوه[15].

 

فانظري أيتها المسلمة، هذه أم المؤمنين أذنت أن تأتي من ينشد الشعر لتسلية بنات أخيها حال اختتانهن وهن بنات صغيرات، لكنهن يفهمن الشعر والعربية، فلما رأت عائشة رضي الله عنها هذا الشاعر لم يقتصر على أداء الشعر، بل كان يتمايل ويحرك رأسه طرباً، فتأففت من وجوده ووصفته بأنه شيطان، وأمرت بإخراجه، فأخرج.

 

فهل عرفت أيتها العاقلة ما هو الغناء وما هي ضوابطه؟

 

وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيكون في الناس من يستحل المعازف – أي يجعلها حلالاً – بعد إذ حرمها الله تعالى، قال صلى الله عليه وسلم:(ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحر – الفرج – والحرير والخمر والمعازف)[16]. وهي آلات العزف والموسيقى.

 

وقال صلى الله عليه وسلم:(ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف، ولينـزلن أقوام إلى جنب علم تروح عليهم سارحتهم، فيأتيهم آت لحاجته فيقولون له: ارجع إلينا غداً، فيبيتهم الله ويضع العلم ويمسخ منهم آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة)[17].

 

وعن عبدالرحمن بن عوف قال: أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيدي، فانطلقت معه إلى ابنه إبراهيم وهو يجود بنفسه، قال: فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم ووضعه في حجره حتى خرجت نفسه، قال: فوضعه ثم بكى، فقلت: تبكي يا رسول الله وأنت تنهى عن البكاء؟ فقال:(إني لم أنهَ عن البكاء، ولكن نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين؛ عند نعمة؛ لهو ولعب ومزامير شيطان، وصوت عند مصيبة، لطم وجوه وشق جيوب، وهذه رحمة)، ومن لا يرحم لا يرحم، يا إبراهيم لولا أنه وعد صادق، وقول حق، وأن آخرنا سيلحق بأولنا؛ لحزنا عليك حزناً أشد من هذا، وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون، تبكي العين، ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرب عز وجل}[18].

 

وقال صلى الله عليه وسلم:(صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة: مزمار عند نغمة، ورنة عند مصيبة)[19].

 

وروى ابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(يمسخ قوم من أمتي في آخر الزمان قردة وخنازير). قالوا: يا رسول الله، أليس يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؟ قال:(بلى، ويصومون ويصلون ويحجون).

 

قالوا: فما بالهم يا رسول الله؟ قال:(اتخذوا المعازف والقينات[20] والدفوف وشربوا الأشربة فباتوا على شربهم ولهوهم فأصبحوا وقد مسخوا قردة وخنازير، وليمرن الرجل على الرجل في حانوته يبيع فيرجع إليه وقد مسخ قرداً أو خنـزيراً). قال أبو هريرة: لا تقوم الساعة حتى يمشي الرجلان في الأمر فيمسخ أحدهما قرداً أو خنـزيراً ولا يمنع الذي نجا منهما ما رأى من صاحبه أن يمضي إلى شأنه حتى يقضي شهوته. قاله الشوكاني، قال المنذري: وأخرجه البخاري تعليقاً، وانظر عون المعبود (11/59).

 

وهل تخلو مجالس الغناء ومسارح الطرب في أنحاء من الدنيا كثيرة من رقص خليع فاجر، وخمر يدار، وصياح السكارى، وكلمات فاحشة مثيرة للشهوات والفواحش، واختلاط شائن بين الجنسين، وتحلل وإباحية، وآلات اللهو المحرمة، فأين الحلال في هذا الغناء أو جزء منه أيها الضالون المكذبون؟!

 

28- العاقلة وحفظ سر زوجها

(إن من شر الناس منزلة يوم القيامة الرجل الذي يجامع زوجته ثم ينشر سرها أو تنشر هي سره)[21].

 

وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم {إنما مثل ذلك مثل شيطانة لقيت شيطاناً في السكة فقضى حاجته والناس ينظرون إليه}[22].

 

ولا شك أن مثل هذا السر من أعظم الأسرار، وإفشاؤه من أخطر الأخطار، ولا يفعل ذلك إلا حمار!

 

والعاقلة تحافظ على سرها وسر زوجها، بل كل سر يسر إليها به ينبغي الحفاظ عليه، وها هي فاطمة – رضي الله عنها – يسر إليها أبوها صلى الله عليه وسلم حديثاً فلما سألتها عائشة عنه قالت: ما كنت لأفشي سره. وكذلك أم سليم -رضي الله عنها – تقول لابنها أنس: لا تخبرن بسر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً[23].

 

29- العاقلة وحفاظها على غيرة زوجها

الغيرة فطرة فطر الله البشر عليها، تزيد وتنقص بين الناس، فتزيد عند البعض حتى إنه لربما شدد على زوجته فحرم عليها ما أحل الله، وتقل عند البعض حتى إنه ليحل لزوجته ما حرم الله، فيتركها تخالط الرجال ويخالطونها، يجلسون معها ويصافحونها، مثل هذا لاشك في أن النبي صلى الله عليه وسلم وصفه بأنه (دَيُّوث) لا يغار على أهل بيته ومحارمه.

 

ودرْسنا هنا مع أسماء بنت أبي بكر – رضي الله عنها -التي تلقن المسلمات درساً في الغيرة، فكانت تمشي يوماً تحمل على رأسها علفاً لفرس زوجها الزبير رضي الله عنه تقول: فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر – بضعة أفراد – فدعاني، فقال: إخ، إخ – للجمل – ليحملني خلفه، فاستحييت وذكرت الزبير وغيرته، قالت: فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم…[24].

 

قال النووي: قال القاضي عياض: هذا خاص للنبي صلى الله عليه وسلم، بخلاف غيره، فقد أمرنا بالمباعدة من أنفاس الرجال والنساء، وكانت عادته صلى الله عليه وسلم مباعدتهن ليقتدي به أمته، قال: وإنما كانت هذه خصوصية له؛ لكونها بنت أبي بكر، وأخت عائشة، وامرأة للزبير، فكانت كإحدى أهله ونسائه، مع ما خص به صلى الله عليه وسلم أنه أملك لإربه، وأما إرداف المحارم فجائز بلا خلاف بكل حال[25]. أقول: فهل يفهم أهل التخليط والهوى؟!!

 

30- العاقلة وواجباتها الزوجية

قال النبي صلى الله عليه وسلم عن الزوجة الصالحة:(خير النساء امرأة إذا نظرت إليها سرتك، وإذا أمرتها أطاعتك، وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك)[26].

 

ومن حفظ المرأة لنفسها في غياب زوجها ألا تدخل عليها أحداً يكرهه، ومعنا قصة المرأة التي كان زوجها غائباً في الحرب في جيش عمر بن الخطاب، فجلست وحيدة لا أنيس لها، فقالت شعراً في ذلك تبين فيه أنها رغم وحدتها وخلوتها فإنها ستحفظ زوجها في غيابه بحفظ نفسها، فلن تدخل أحداً عليها فيدنس فراشه وينتهك حرمته، وكان مما قالته:[27]

طال هذا الليل تسري كواكبُه
وأرقني ألا خليل ألاعبُه
فوالله لولا الله أني أُراقبُه
لَحُرك من هذا السرير جوانبُه
مخافة ربي والحياء يصدني
وإكرام بعلي أن تنال مَراكِبُه [27]

 

ومن اهتمام العاقلة بحقوق زوجها ما فعلته زوجة رياح القيسي؛ إذ قال رياح: ذكرت لي امرأة فتزوجتها، فكانت إذا صلت العشاء الآخرة تطيبت وتدخنت – أي من البخور -ولبست ثيابها – أي ملابس الفراش – ثم تأتيني فتقول: ألك حاجة؟ فإن قلت: نعم كانت معي، وإن قلت لا، قامت فنزعت ثيابها ثم صفت بين قدميها حتى تصبح[28].


[1] البخاري (ج 3، ح 3613)، ومسلم (ج3، ح 1714)، وابن حبان وغيرهم.

[2] رواه أحمد في (مسنده) (6/438)، وانظر سير أعلام النبلاء (2/172ـ173). وانظر السلسلة الضعيفة (ح 2400)، وضعيف الجامع (ح 1521). لكن الرواية الصحيحة، عن أسماء بنت يزيد قالت: أتي النبي صلى الله عليه وسلم بطعام فعرض علينا، فقلنا: لا نشتهيه، فقال: (لا تجمعن جوعاً وكذباً)، (حسن)، الألباني في صحيح ابن ماجه (2667).

[3]البخاري (ج5، ح 5743)، وابن حبان وغيرهما.

[4] رواه أحمد في مسنده، وانظر تفسير ابن كثير سورة الأحزاب (36).

[5]مسلم (ج4، ح 2472).

[6] الأغاني (10/136).

[7] أحمد (6/313) وإسناده صحيح، صحيح ابن حبان (ج7، ح 2949).

[8]صحيح ابن حبان (7/2949).

[9] أخرجه ابن سعد (8/90)، وأحمد (6/313)، وإسناده صحيح.

[10] مسلم (ج 2 ح 1017).

[11] أخرجه النسائي (6/114) في النكاح، وسنده صحيح، والحاكم (2/2735) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وله شاهد صحيح على شرط الشيخين.

[12] الخميلة: القطيفة، الوسادة: المخدة، الأدم: الجلد.

[13] الإصابة لابن حجر (4/379).

[14] الإصابة في تمييز الصحابة (ج 8، ص 315) لابن حجر العسقلاني، وقال: هذا حديث عزيز، أخرجه ابن مندة وابن الأثير.

[15] صحيح الأدب المفرد ح 945، والسلسلة الصحيحة ح 722.

[16] أخرجه البخاري من حديث أبي مالك أو أبي عامر الأشعري (ج5، ح 5268).

[17] البخاري (5/5268)، وصحيح الجامع (5496)، ومعنى (يبيتهم الله) أي: يهلكهم ليلاً، {ويضع العلم} أي: يوقعه عليهم إن كان جبلاً فيدكدكه وإن كان بناء فيهدمه.

[18] مجمع الزوائد (3/17)، وما بين المعكوفين صحيح الجامع ح 5194 عن جابر.

[19] (حسن). صحيح الجامع ح 3801 عن أنس.

[20] المعازف آلات العزف، القينات: المغنيات.

[21] مسلم وأبو داود بلفظ: (شر الناس منـزلة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى المرأة، وتفضي إليه، ثم ينشر شرها).

[22] أحمد وأبو داود عن أبي هريرة. وانظر صحيح الجامع (7037).

[23] رواه مسلم، كتاب فضائل الصحابة (ح 3453).

[24] البخاري (9/281)، ومسلم (2182).

[25] شرح النووي على صحيح مسلم (14/166).

[26] السلسلة الصحيحة للألباني (ح 1838).

[27] تقدم تخريجه في الفقرة (1) ص 5.

[28] صفوة الصفوة ج 4، ص 44.

رابط الموضوع: https://www.alukah.net/social/0/41346/#ixzz63lJjxRvi