﴿ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ: لِبَاسٌ لَهُنَّ ﴾

جُملتينِ قصِيرتينِ، ليس فيهما إلا ستُّ كلماتٍ، لكنَّها حوت من المعاني مجلدات.. وهكذا هو أسلوبُ القرآنِ العظِيمِ: وتلك هي بلاغتهُ وروعتهُ، وجمالهُ وبراعتهُ.

﴿ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ﴾.. تعبيرٌ مُوجزٌ، وبيانٌ مُعجِز.. فيهِ من قوةِ المشاعِرِ المتبادَلةِ، وحميميةِ الوِصالِ والمغازلةِ، ما لا تجدهُ في روايةٍ غرامِيةٍ مُطولةٍ.. ودُونَ أن يستخدِمَ الفاظاً فاضِحةً، أو إيحاءاتٍ غراميةٍ خادِشةٍ.

﴿ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ﴾.. تصويرٌ بديعٌ بليغٌ، في غاية الرُّقيِ والعِفةِ، وفي مُنتهى الدِّقةِ والحِشمةِ.

﴿ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ﴾.. جُملتينِ قصيرتينِ مُتشابهتين، لكنَّها تُوحي بمئات الصورِ والمعاني.. هُنَّ سكنٌ لكم وأنتم سكنٌ لهنَّ.. هُنَّ سِترٌ لكم وأنتم سِترٌ لهنَّ.. هُنَّ جمالٌ لكم، وأنتم جمالٌ لهنَّ.. هُنَّ إكمالٌ لكم، وأنتم إكمالٌ لهنَّ.. هُنَّ وطرٌ لكم وأنتم وطرٌ لهنَّ.. هُنَّ دِفءٌ لكم وأنتم دِفٌ لهنَّ.. هُنَّ فقطٌ لكم وأنتم فقطٌ لهنَّ.. هُنَّ بحاجةٍ لكم وأنتم بحاجةٍ لهنَّ.. وغيرها كثير.

وإذا كان كِلاهما للآخر لِباسٌ، فلا بُدَّ في اللباسِ من تناسُبِ المقاسِ.. ولا بُدَّ أن يكونَ تبادُلَ المسؤوليةِ هو الأساسُ.. ﴿ وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ﴾ لِباس.

﴿ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ﴾.. عبارةٌ مُوجزةٌ مُركزةٌ.. لكنها قالت كلَّ شيءٍ بصورةٍ مُذهِلةٍ مُعجزةٍ.. صدقت يا ربّ.. ﴿ قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾.

اللهم فقِهنا في الدِّين، واجعلنا هُداةً مُهتدِين.