ماذا ننتظر من قتلة الأنبياء؟

إن تاريخ اليهود أسود من الليل البهيم، فقد تعنَّتوا مع الأنبياء، فطلبوا من موسى – عليه السلام – أن يروا الله جهرةً؛ ﴿ وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً ﴾ [البقرة:55]. فأنزل الله عليهم العذاب الأليم، وضرب عليهم الذلِّة والمسكنة والغضب؛ ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ﴾ [البقرة:61].

وأخطر ما اتصف به اليهود حبُّهم وتعطشهم للدماء، فقد قتلوا الأبرياء، وتجبَّروا حتى قتلوا الأنبياء؛ ﴿ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ ﴾ [آل عمران:21]؛ لذا حذَّرنا الله منهم مع أول جريمة قتل تقع، فعندما ذكر قَتْل قابيل لهابيل، قال – سبحانه – بعدها: ﴿ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا ﴾ [المائدة:32]، لماذا يا ربُّ حذَّرت العالم كله من هؤلاء المجرمين؟ ولماذا خُصُّوا بالاسم مع أن جريمة القتل وقعت بين أخ وأخيه؟! لقد أدرج القرآن الإجابة عن هذه الأسئلة في أكثر من موضع، حيث ذكر لنا أسباب التحذير من هؤلاء الصهاينة، وسبب التحذير أنهم اعْتدوا في يوم السبت الذي أُمروا فيه بعدم الاصطياد، ويأتي العصر الحديث يثبت لنا أنهم اعتدوا يوم السبت كذلك على إخواننا في غزة، فاليهود هم اليهود، يضاف إلى ذلك قسوة قلوبهم المتحجرة التي هي أشد قسوة من الجبال الراسيات، ومعذرة والله للأحجار والجبال، فإنها تشعر وتلين وتخشع وترحم؛ ﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا ﴾ [الحشر:21]، أما قلوب اليهود، فقال عنها ربُّنا: ﴿ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ﴾ [البقرة:74].

وقالوا: قلوبنا غلف:

إنَّ قلوب اليهود لا تلين ولا يدخلها الرحمة؛ لأنها مغلَّفة بالبغض والحقد للمسلمين، وهذا باعتراف اليهود أنفسهم؛ ﴿ وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ ﴾ [البقرة:88]، والواقع يُبرهن بُرهانًا جازمًا لا يَقبلُ الشكَّ على قسوة قلوبهم، حيث مَزقوا أجساد الأطفال الأبرياء بقنابل عُنقودية وفسفورية لا تُبقي ولا تذر، وروَّعوا الآمنين، وأشاعوا الرَّهب والخوف، وذبحوا النساء والشيوخ بلا رحمة ﴿ لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ﴾ [التوبة:10]، فهم لا يعرفون إلا لغةَ القوة وإيقاد نار الحرب؛ ﴿ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ ﴾ [المائدة:64].

الشعارات الزائفة:

ولقد تمادى الاحتلال الصِّهيوني في غيِّه، حتى وصلت يده الخبيثة إلى مقدساتنا المحرَّمة عقديًّا وثقافيًّا وحضاريًّا؛ لتحفر نفقًا جديدًا باتجاه الأقصى، والمحكمة الإسرائيلية العليا تؤكِّد- وبكل وقاحة – أن الحفريات في القدس ضرورية لمعرفة تاريخ الشعب اليهودي، وتاريخ ثقافة الإنسان والبشرية بشكل عام – على حد تعبيرهم – ولقد كشفت (مؤسسة الأقصى للوقف والتراث) عزم إسرائيل على شقِّ نفق جديد تحت بلدة سلوان، يصل طوله إلى أكثر من 120 مترًا، وبعرض متر ونصف، وبارتفاع ثلاثة أمتار، يتجه شمالاً باتجاه المسجد الأقصى، ويسعى الاحتلال كذلك إلى ربط هذا النفق بآخر يتم حفره في حي وادي حلوة في بلدة سلوان؛ بهدف ربط هذا النفق الجديد بشبكة الأنفاق المحفورة التي لا تزال تُحفر تحت البلدة، وتتجه كلُّها نحو المسجد الأقصى، كما تهدف سلطات الاحتلال إلى ربط هذا النفق بالأنفاق التى حفرتها، ولا تزال تحفرها في محيط المسجد وأسفله.

كل هذه الحفريات، وهذه العربدة، والكلُّ صامت لا يحرك ساكنًا، وكأن هذه المقدَّسات لا تعنينا في شيء، فهل سلَّم بعض الطيبين فعلاً أنه بإمكاننا أن نقيم أقصى آخر في مكان آخر، وكلها مساجد والسلام، وأهم حاجة القلب! أو أننا اقتنعنا واعتقدنا وسلَّمنا أننا ضعفاء، ولابدَّ أن نسلِّمَ رقابنا لأعدائنا، وأنه ليس باليد حيلة، ومن باب أوْلى أن نسلِّمَ بالأمر الواقع، ألم يعلم المليار وثلث المليار أن القدس والأقصى جزء من عقيدة الأمة؟! وليست مُجرَّد قضية وطنية لثمانية ملايين من الفلسطينيين، ولا مجرد مُشكلة قوميَّة لأقل من ثلاثمائة مليون عربي، إنها عاصمة الوطن الفلسطيني، ومِحور الصراع العربي الصِّهيوني، وفوق كل ذلك، إنها عقيدة إسلامية، وحرم مقدَّس، والربط بينها وبين الحرم المكي هو التجسيد لعقيدة المسلم.

وإذا كانت هذه هي الأبْعادَ الحقيقية للذي يجب أن يكون من المسلم تجاه الأقصى والقدس، فلماذا نرى العالم كله يقف موقف المتفرِّج الصامت، ووالله لو كان هذا الحفرُ تحتَ بيته الذي تَعِبَ في بنائه ما وقف هكذا مَكتوف الأيدي، بل تَجده يُدافع عن بيته الذي تعب في بنائه، الذي هو مأواه بكلِّ كيانه، وإن آلَ الأمر أن يدفعَ حياته كلَّها من أجل هذا البناء، فكيف لا يقدم هذه الدماء من أجل نُصرةِ عقيدته وعزَّته؟!

فإن اليهود ومن عاونهم يرفعون شعارات ذات مدلولٍ طيب، ولكن الحال أصدقُ من المقال، فقد جاء في بروتوكولات الصهاينة: ضرورة استعمال القوةِ في تسخير الناس الغرباء، واستعمال الخديعة في إقناعهم، واللجوء إلى الخيانة والرِّشوة كلما أمكن ذلك، ومع ذلك فمن الضروري رفع شعارات ذات مدلول طيب بلا ناتج عملي.

وقد جاء فى البروتوكول العاشر وما بعده:

إن الأميين غير اليهود كقطيع من الغنم، وإننا الذئابُ، فهل تعلمون ما تفعل الغنم حينما تَنفذُ الذئاب إلى الحظيرة؟ إنها لتغمض عيونها عن كلِّ شيء، وإلى هذا المصير سيدفعون، فسنعِدُهم بأننا سنعيد إليهم حُريَّاتهم بعد التخلص من أعداء العالم، واضطرار كلِّ الطوائف إلى الخضوع.

أشد الناس عداوة:

إنَّ أشدَ الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا؛ لذا وجدنا التحالف اليهوديَّ الصليبي قد تضامن مع بعضه؛ لأن كراهيتهم للمؤمنين واحدة، وهذا ما نبَّه عليه القرآن؛ ﴿ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ﴾ [المائدة:82].

إن عداوة اليهود والمشركين للطائفة المؤمنة واقعٌ مَلموس في كل تصرفاتهم وأعمالهم، وقد ظهر ذلك في كثرة الاعتداءات على المسجدِ الأقصى وأهله، ومحاولة تقسيم الأقصى وإحكام السيطرة عليه، واستخدام العنف ضد المقدساتِ والإنسانية، بل واستخدام الحربِ الباردة، عن طريق نشر الفاحشة بين العالم.

وقد أصبحت هذه العداوة من المعلوم من الدين بالضرورة، لا تَحتاجُ إلى بُرهان أو إعمال فكر، ومن يُنكر ما جعله القرآن مَعلومًا من الدين بالضرورة، فقد غيَّر فِطرته وعقيدته؛ لأن الذي أخبر عن حالهم هو خالقهم (الله).

فيا أمة الإسلام:

هذا هو عدوُّكم أظهره الله لكم؛ كي نأخذَ حِذْرنا ونعدَّ لهم العدة؛ ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ﴾ [الأنفال:60]، فاليهود ومن عاونهم لا يؤمنون إلا بسلاحِ القوة، وهذا ما فعله رسولنا – صلَّى الله عليه وسلَّم – معهم عندما أراد أن يظهروا قوتهم، فعرَّفهم النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – قدرهم، وتغيرت سياسته معهم بعدما كشفوا عن وجههم القبيحِ، فعندما نقض بنو قينقاع العهود حاصرهم الرسول – صلَّى الله عليه وسلَّم – خمس عشرة ليلة حتى نزلوا على حكمه، فأمر بإجلائهم أذلاَّء عن المدينة، ولما حذا بنو النضير حذو إخوانهم من بني قينقاع في إظهار مكرهم بالمسلمين وتربُّصهم بهم، فواجهوا نفس المصير، وأدَّب – كذلك – بني قريظة، وذلك بسبب نقضهم العهد وانضمامهم إلى الأحزابِ من قريش وغطفان ويهود بني النضير في حربهم للمسلمين، ولما رأى بنو قريظة جيشَ المسلمين، خارت قواهم وضعفتْ نفوسُهم، فتبرؤوا مما ارتكبوه، وأرسلوا إلى الرسول – صلَّى الله عليه وسلَّم – أن يصالحهم كما صالح بني النضير من قبلهم، فيخرجون من المدينة بما تحمل الإبل من المتاع والأموال، ويأخذون نساءهم وذراريهم، ويتركون الأرض بما فيها والدور والحصون والسلاح للمسلمين.

فهل تأمَّل مسلمو القرن (21) في جبن اليهود الذين لا يقاتلون المسلمين إلا في قرًى مُحصَّنة أو من وراء جُدُر، وهذا ما فعله يهود خيبر، حيث تحصَّنوا في حصن ناعم، وحصن القَمُوص، حتى انتهوا إلى حصنين منيعين، وهما حصنا الوَطِيح والسُّلالِم، ولم تغن هذه الحصون عنهم شيئًا، فقد استطاع المسلمون الاستيلاء عليها، فطلب اليهود الصلح وهم أذلِّة صاغرون، وكانت هذه هي نهاية هؤلاء اليهود الذين نكثوا عهودهم مع رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – وكانوا يتحيَّنون الفرصة المناسبة للقضاء على الإسلامِ، وهذا ديدنهم في كل عصرِ، وينبغي أن يكون لنا في رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – أسوة حسنة في أسلوب التعامل مع هؤلاء الغادرين، الذين لا يجدون في مؤمن إلاًّ ولا ذمة، والذين شهد التاريخ بمؤامراتهم منذ عهد رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – وإلى وقتنا المعاصر، فاعتَبِروا يا أولي الأبصار.