اريد أن أسأل عن خاتم سليمان. ماذا نعرف عنه وما هي التفاصيل التي وردت في الكتب الإسلامية عنه؟ هل أعطت الملائكة سليمان الخاتم وسيطر سليمان على الجن باستخدامه؟

الحمد لله

أولا : ورد ذكر خاتم سليمان عليه السلام في بعض الأحاديث النبوية ، غير أنها لا تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا تقوم بها حجة .

ومن هذه الأحاديث :

روى أحمد (7877) والترمذي (3187) وابن ماجة (4066) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (تَخْرُجُ الدَّابَّةُ وَمَعَهَا خَاتَمُ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ، وَعَصَا مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ – عَلَيْهِمَا السَّلَامُ – فَتَجْلُو وَجْهَ الْمُؤْمِنِ بِالْعَصَا، وَتَخْطِمُ أَنْفَ الْكَافِرِ بِالْخَاتِمِ، حَتَّى أَنَّ أَهْلَ الْحِوَاءِ لَيَجْتَمِعُونَ، فَيَقُولُ: هَذَا يَا مُؤْمِنُ, وَيَقُولُ هَذَا: يَا كَافِرُ).

والحديث : ضعفه الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة (1108) وقال عنه : منكر .

وهناك أحاديث أخرى موضوعة ذكر فيها خاتم سليمان ، انظر سلسلة الأحاديث الضعيفة (701، 702) .

وليس في هذا الحديث – مع ضعفه- ولا في غيره إلا ذكر الخاتم ، دون أدنى إشارة إلى أنه كان سبب ملكه عليه السلام ، أو أن الجن والإنس دانوا لسليمان عليه السلام بهذا الخاتم .

وإنما ذكر ذلك بعض الإخباريين، ونقلوا في ذلك آثارا عن بعض السلف – وهذه الآثار- إن صحت عمن نسبت إليه من السلف – فإنها مأخوذة عن أهل الكتاب ، وفيها من الطعن في سليمان عليه السلام ما هو ظاهر .

فإنهم ذكروا أن سليمان عليه السلام كان يسيطر على الجن والإنس بهذا الخاتم ، وأنه كان إذا أراد شيئا حرك خاتمه ، ثم إن الشيطان تمثل بصورة سليمان وخدع امرأته وأخذ منها الخاتم ، فدانت له الشياطين والإنس والجن ، ونزع من سليمان ملكه ، وجلس هذا الشيطان (المتمثل بصورة سليمان) على عرش سليمان ، وكان يقضي بين الناس ، حتى إنهم ذكروا أن هذا الشيطان كان يأتي نساء سليمان ، بل زاد بعضهم : (وهن حيض) ! حتى استرد سليمان خاتمه ، وعاد إليه ملكه .

ينظر : تفسير ابن جرير الطبري (2/324) وتفسير ابن كثير (1/346) .

وهذه القصة مكذوبة ، وهي من افتراءات اليهود وكذبهم على الأنبياء ، فإن طوائف منهم لا يعتقدون بنبوة سليمان عليه السلام ، وإنما يقولون : إنه كان ملكا ساحرا، ولعلهم اختلقوا هذه القصة ليروجوا سحرهم على الناس ، وليقنعوا جهلة الناس أن السحر لا بأس به ، وأنه من الممكن أن يكون لك مثل ملك سليمان عليه السلام عن طريق السحر .

وقد بين العلماء بطلان هذه القصة بخصوصها ، كما بينوا  وحذروا من نقل الإسرائيليات في كتب التفسير والاعتماد عليها .

قال ابن كثير (7/69) : “إسناده إلى ابن عباس قوي ، ولكن الظاهر أنه إنما تلقاه ابن عباس -إن صح عنه-من أهل الكتاب، وفيهم طائفة لا يعتقدون نبوة سليمان عليه السلام ؛ فالظاهر أنهم يكذبون عليه” انتهى.

وقال النسفي في تفسيره (4/42) : “وأما ما يروى من حديث الخاتم والشيطان ، وعبادة الوثن في بيت سليمان عليه السلام : فمن أباطيل اليهود ” انتهى .

وقال الزمخشري في “الكشاف” (3 / 329) بعد أن ذكر قصة الخاتم : “ولقد أبى العلماء المتقنون قبوله، وقالوا هذا من أباطيل اليهود” انتهى .

وقال القرطبي تفسيره لسورة ص : “وقد ضعف هذا القول من حيث إن الشيطان لا يتصور بصورة الأنبياء، ثم من المحال أن يلتبس على أهل مملكة سليمان الشيطان بسليمان ، حتى يظنوا أنهم مع نبيهم في حق، وهم مع الشيطان في باطل” انتهى من تفسير القرطبي (15/201).

وقال القاضي عياض في “الشفا (2 / 167) : ” ولا يصح ما نقله الإخباريون من تشبه الشيطان به، وتسلطه على ملكه، وتصرفه في أمته بالجور في حكمه ، لأن الشياطين لا يسلطون على مثل هذا، وقد عصم الأنبياء من مثله” انتهى .

وقال أيضا (8 / 158) : “لا تلتفت إلى ما سطره الأخباريون من أهل الكتاب الذين بدلوا وغيروا، ونقله بعض المفسرين، ولم ينص الله تعالى على شيء من ذلك في كتابه، ولا ورد في حديث صحيح” انتهى .

قال ذلك عن قصة داود عليه السلام ، ولكن الكلام ينطبق على كل ما يذكر عن أهل الكتاب ولم يثبت عندنا من الكتاب والسنة ما يؤيده .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في “مجموع الفتاوى” (15/149): في معرض حديثه عن قصة يوسف عليه السلام ، وما زاده فيها أهل الكتاب مما فيه غض على نبي الله يوسف :

“وما ينقلونه في ذلك ليس هو عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا مستند لهم فيه إلا النقل عن بعض أهل الكتاب، وقد عرف كلام اليهود في الأنبياء ، وغضهم منهم، كما قالوا في سليمان ما قالوا، وفي داود ما قالوا، فلو لم يكن معنا ما يرد نقلهم ، لم نصدقهم فيما لم نعلم صدقهم فيه، فكيف نصدقهم فيما قد دل القرآن على خلافه” انتهى .

وقال الشيخ أبو شهبة رحمه الله في “الإسرائيليات في التفسير” (ص 382) بعد أن ذكر بعض هذه الروايات : ” وهذه كلها من الإسرائيليات … وكلها أكاذيب وتلفيقات …

أي ملك أو نبوة يتوقف أمرهما على خاتم يدومان بدوامه، ويزولان بزواله!

وإذا كان خاتم سليمان عليه السلام بهذه المثابة ، فكيف يغفل الله شأنه في كتابه الشاهد على الكتب السماوية ولم يذكره بكلمة؟” انتهى.

وقال الصابوني في كتابه ” النبوة والأنبياء” (ص305) : “وعلى كل حال ، فإن ما ورد في قصة الخاتم كله باطل وبهتان” انتهى .