“أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْيَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًاأَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْكَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)”
“وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ” — يوجد اكثر من قولعن هذه الطيور، بالغت بعض التفاسير المأثورة في وصفها فجعلتها أغرب منالخيال، لها أكف كأكف الكلاب ورؤوس كرؤوس السباع، بينما فسر الايات بعض المعاصرين على غير معناها الظاهر وقالوا انهاذباب أو بعوض تحمل جراثيم.

الطير والحجر ليست مصطلحات غريبة أو مفردات متشابهة تحمل أكثر من معنىحتى تحتاج الى تأويل وتفسير.. واذا وجدنا من الطيور منيحمل الحجارة ويحلق بها ثم يرميها، بقصد اللعب أو التسلية أو لأي سبب كان،فلابد انها المقصودة في الاية.

أحد الطيور المعروفة بحمل الحجارة هو الطير الظاهر في الصورة، ويسمىطائر الابلق، يعيش في أوربا وأسيا ودول المغرب العربي، وهو طائر صحراوييعيش في المناطق الجبلية، والطيور تهاجر على حسب فصولالسنة، والاحتمال انه في عام الفيل هاجرت هذه الطيور الى مكة،ارسلها الله الى هناك لتدمير جيش ابرهة.

توجد محاولات من المختصين في علم الطيور لمعرفة السبب الذي يجعل هذاالطائر يصنع عشه على حجارة يجمعها.. بعض هذه البحوث على الروابط التالية:
The function of stone carrying in the blackwheatear, Oenanthe leucura
https://goo.gl/tVRZyD
http://www.sciencedirect.com

من الرابط اعلاه، وزن كل حجر يتراوح بين 3 الى 9 جرام، ويحمل الطير كميةتصل الى 2 كيلوجرام في فترة بين 2 الى 22 يوم.

ليس الموضوع هنا عن الطير حتى نبحث في تفاصيله، ولكن ها نحن نجد طيرا منطبيعته وجزء من حياته حمل الاحجار والتحليق بها. وإن لم يكن طائر الابلق هوالطير الذي القى الحجارة على جيش ابرهة، فبكل تأكيد طير آخر يحمل نفس صفاتهذا الطير بالضبط، يحمل الحجارة ويحلق بها.

“حجارة من سجيل” — سجيل تعني طين، وهذه الحجارة طين متحجر.

لون الحجارة الابيض (انظر الصورة) يدل على انها من طين، بقايا صخور رسوبية،ولا نعلم ان كان الطير يستخدمحجارة الطين فقط أو كل انواع الحجارة دون استثناء، ولكن اشارة القرآن الىالطين بالتأكيد لها سبب، ربما للتعرف على الطير أو على المنطقة التي وقعفيها الهجوم.

“فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَاوَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَبِبَعِيدٍ (83)” — هود

“قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (32) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ (33) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (34)” — الذاريات

الآيتين في الاعلى عن قوم لوط، وكما ترى، آية وصفت الحجارة بأنها منسجيل، والاخرى وصفتها من طين، وعلى هذا فإن السجيل هو الطين.

أبابيل تعني مجموعات، فُرق، سربا وراء سرب.

“فجعلهم كعصف مأكول” — العصف هو ورق الشجر.. بعض البهائم تأكل الورق،وفي هذه الحالة تأكل الورقة كلها، والمقصود على ما يبدو الورق الذي يأكلهالدود، فتجد فيه فتحات كثيرة ولكن الورقة لا تزال باقية.

لا يوجد في الايات ما يدل على ان ابرهة وجنوده ماتوا عن آخرهم، كما انهلا يوجد في روايات التاريخ ما يقول ان قريش ذهبوا الى معسكر الجيش فوجدوهمميتين.. أصيبوا بجروح واصبحوا كالعصف المأكول، كورق الشجر الذي اكله الدود،ولكنهم عادوا من حيث اتوا.. بعد ان غادروا الموقع توقف الطير عن مهاجمتهم.. وإن كان قد هلك بعضهم، نظرا لإلتهاب الجراح وعدم توفر العلاج، فهي حالات استثنائية.

سأل احد اصدقاء صفحة الفيسبوك إن كان وزن الحجر 9 جرام ممكن ان يؤذي انسان؟وكانت الاجابة: اذا سقط الحجر سقوطا حرا فالاحتمال ضعيف ان يؤذي، ولكن لابد انتأخذ في حسابك سرعة الطير والمسافة التي يرمي منها الحجر.. فمثلا اذا رميت حجراوزنه 9 جرام من سيارة تسير على سرعة 100 كلم/ساعة وسقط الحجر على زجاج السيارةالتي خلفك فسيترك اثرا على الزجاج الامامي لتلك السيارة، واذا ضرب الحجر انسانايسير على الشارع على راسه أو على وجهه فسيصيبه اصابة بليغة.. والعامل النفسييلعب دور مهم، وبمجرد ان يرى الجنود بعض زملائهم يسقطون بإصابات خطيرة فسوف يدبالرعب في قلوبهم ويولوا هاربين.. لم نجد معلومات على الانترنت عن سرعة هذهالطيور.. الصقر يطير بأقصى سرعة 300 كلم/ساعة، والطيور العادية تطير بمعدل 80 كلم/ساعة، واذا افترضنا ان سرعة هذه الطيور سرعة عادية، في حدود 80 كلم كأقصىحد، فهذا يؤهلها ان ترمي حجرا يترك اثرا بليغا في جسم المصاب.