طرائق المنصِّرين في إثارة الافتراءات على الدِّين

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفُسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهدِ اللهُ فلا مضلَّ له، ومُن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

وبعد:
فإن انتشار الإسلام العظيم، واكتساحَه لكل ربوع العالم، ودخولَ الناس فيه، وإقبالَهم عليه مِن كل حدبٍ وصوب – قد أثار فزعَ ورعْب أعداءِ الدِّين، لا سيما النصارى والمنصِّرين، الذين ارتعدتْ فرائصُهم، وطاشتْ عقولهم، وجُن جنونهم، ولم يجدوا بُدًّا حيالَ ذلك إلا إثارة الافتراءات والشبهات حول الإسلام، في محاولة يائسةٍ للنيل مِن هذا الدين العظيم، وصدِّ الناس – وخاصة أبناء ملَّتِهم – عنه، وربما تصِل أطماعهم إلى الرغبة في فتنة المسلمين أنفُسِهم عن دينهم، وصرفِهم عن عبادة ربهم، مِن خلال حملات منظَّمة تدعمها دولٌ ومؤسسات كبرى، وتسخر في خدمتها الأموال، والإعلام، والنفوذ.

إنهم يُحاولون خلْع أقنعة قبحٍ زائفة على الوجه المُشْرق للإسلام العظيم، مستخدمين في ذلك طرائقَ الدجل والزخرف الكاذب؛ ليلبسوا الحق بالباطل، ويصدُّوا الناس عن الدين الحق، لكن كيدهم ومكرهم لا تلبث أمواجُه تتحطم على صخور الحُجج الواضحات، والأدلة البيِّنات، الصادرة مِن نصوص الوحي كتابًا وسُنَّة.

فإن الكاذب لا يملك مِن حجةٍ على كذبه إلا المزيد مِن الكذب؛ لأن الباطل لا يستدل عليه إلا بالباطل، وكلُّ ما أسِّس على الباطل فهو ضعيف واهٍ، لا يثبت أمام قوى الحق، ولا يصمد أمام دلائل الصدق؛ لأن الحق أبلج، والباطل لجلج، وإذا جاء الحق فإن الباطل يزهق ويتلاشى.

ولذلك؛ فإن لجوء الشخص للكذب يُعَدُّ علامةً واضحة على عجزه عن المجيء بما يُثبت دعواه بالحق؛ لأنه إن وجد مِن الحق ما يستدل به على مذهبه، ما اضطر إلى الكذب، ولا ريب أن الكذاب يجب أن يفقد مصداقيته عند الجميع، ولا يوثق في كلامه مطلقًا.

وفي ظل هذه الحرب التي يشنُّها أعداؤنا على الإسلام، يجب على كل مسلم أن يكون على وعيٍ بطرائق المنصِّرين التي يسلكونها محاولين ترويج أكاذيبهم، ومعرفةٍ بِحِيَلِهم وألاعيبهم التي يتَّبعونها لتمرير أباطيلهم؛ بحيث يأمن مكرَهم ولا ينخدع بباطلهم من جهة؛ وليمكنه التصدي لحربهم ورد كيدهم لنحورهم من جهة أخرى.

ومن خلال السطور التالية أعرض لأهم طرائق المنصِّرين في إثارة الافتراءات على الدين، مع الإشارة إلى الأسلوب الأمثل في مواجهة كل طريقة:
الطريقة الأولى: الكذب في طرح الافتراء:
ويقصد بذلك أن يطرح المنصِّر الافتراءَ مشتملًا على مقدمة كاذبة، توضع كأنها حقيقة مسلَّمة، ينطلق من خلالها لمناقشة الافتراء.

مثال هذه الطريقة:
قول المفتري: لماذا خالف النبي صلى الله عليه وسلم شرع الإسلام؛ بأن زوَّج نفسه مِن زينب بنت جحش، زوجة ابنه زيد بن حارثة؟

فقد اشتمل الافتراء على مقدمات فاسدة، هي:
1- أن زيدًا بن حارثة كان ابنًا للنبي صلى الله عليه وسلم.
2- أن زينب بنت جحش كانت زوجته حين تزوَّجها النبي صلى الله عليه وسلم.
3- أن النبي صلى الله عليه وسلم زوَّج نفسه بها.
4- أن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك قد خالف الشرع الذي جاء به.

والرد عليها كما يلي:
1- زيد بن حارثة ليس ابنَ النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولكنَّه كان دَعِيَّهُ؛ أي: ابنه بالتبنِّي، ثم ألغى الله التبنِّيَ، فلم يعُد زيد ابنَه بأي وجه؛ قال الله تعالى: ﴿ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 40].
2- زينب بنت جحش رضي الله عنها لم تكن زوجةَ زيد بن حارثة رضي الله عنه حين تزوَّجها النبيُّ صلى الله عليه وسلم؛ بل كانت مطلَّقتَه.
3- النبي صلى الله عليه وسلم لم يزوِّج نفسَه مِن زينب بنت جحش رضي الله عنها؛ وإنما زوَّجها اللهُ تعالى له؛ فقد قال عز وجل: ﴿ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا ﴾ [الأحزاب: 37].
4- النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يُخالِف شرعَ الله؛ لأنه الذي يُبلِّغ هذا الشرعَ، والشرعُ إنما يُعرف مِن جهته، وفعلُه صلى الله عليه وسلم دليلٌ على المشروعية؛ ولذلك جاء زواجُه صلى الله عليه وسلم من زينب بنت جحش رضي الله عنها؛ ليزيل أيَّ حرجٍ في قلوب المؤمنين مِن الزواج مِن مطلَّقات أدعيائهم؛ قال الله تعالى: ﴿ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا ﴾ [الأحزاب: 37].

الأسلوب الأمثل في مواجهة هذه الطريقة:
التدقيق في مفردات السؤال، مع المطالبة بالدليل على كل جزئية.
ففي الافتراء السابق مثلًا يسأل المفتري: هل كان زيدُ بنُ حارثة ابنَ النبي صلى الله عليه وسلم؟ وأين الدليل على هذه البُنُوَّة؟ وما هي الصلة بينهما بعد إلغاء التبنِّي؟
وهكذا في كل جزئيات السؤال.

الطريقة الثانية: التحريف اللفظي للنصوص:
ويُقصد بهذه الطريقة تعمُّد المنصِّر تحريفَ نَصِّ الآية أو الحديث، بتغيير ألفاظه؛ للاستدلال به على معنى فاسد.

مثال هذه الطريقة:
أحد رجال الكنيسة المصرية الرسميِّين، وهو برتبة قمص، قال في محاضرة له محاولًا تبريرَ عقيدة تجسُّد الإله في النصرانية: إن الله سبحانه وتعالى في القرآن تجسَّد في النار، وقال: إن الدليل على ذلك هو قوله تعالى: (إني آنست نار العلي)، والعليُّ هو الله، فهي نار الله؛ أي: إن الله تجسَّد فيها.

وفوق سخافة ذاك الاستدلال، فهذا تحريف واضح للآية الكريمة التي جاءت على لسان موسى عليه السلام: ﴿ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ ﴾ [طه: 10]، فهي ﴿ نَارًا لَعَلِّي ﴾ ، وليست “نار العلي” كما زعم ذلك القمص.

الأسلوب الأمثل في مواجهة هذه الطريقة:
مراجعة النصوص التي يَستدلُّ بها المنصِّرون من القرآن والسُّنَّة مراجعةً دقيقة، والتأكد مِن ضبط الكلمات والحروف جيدًا.

الطريقة الثالثة: تأويل النصوص، ولَيُّ أعناقها، والاستدلال بها على ما لا تدل عليه:
ويُقصد بهذه الطريقة تعمُّد المنصِّر تحريفَ معنى الآية أو الحديث، والاستدلال به على معنى فاسد لا تدل عليه، وهو ما يمكن أن نسميه بالتحريف المعنوي.

مثال هذه الطريقة:
قول المفتري عند قول الله تعالى: ﴿ فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا * يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا ﴾ [مريم: 27، 28]: كيف يذكر القرآن أن مريم هي أخت هارون النبي (وهو أخو سيدنا موسى) عليهما السلام؛ رغم ما بينهما مِن زمان طويل؟

والحقيقة أن ما جاء في القرآن هو: ﴿ يَا أُخْتَ هَارُونَ ﴾، ولم يقل: هارون النبي، ولا: هارون أخو موسى، ليس المقصود في الآية هارون النبي؛ بل رجل سُمِّيَ بهارون على اسم النبي، ومِن المألوف أن يُسَمَّى الناسُ بأسماء أنبيائهم، وهذا ما ردَّ به النبيُّ المعصومُ صلى الله عليه وسلم على تلك الفرية، فعن المغيرة بن شعبة قال: لما قدمتُ نجران سألوني فقالوا: إنكم تقرؤون: ﴿ يَا أُخْتَ هَارُونَ ﴾، وموسى قبل عيسى بكذا وكذا، فلما قدمتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم سألتُه عن ذلك، فقال: ((إنهم كانوا يُسَمُّون بأنبيائهم والصالحين قبلهم))[1].

الأسلوب الأمثل في مواجهة هذه الطريقة:
مراجعة تفاسير القرآن وشروح الأحاديث مراجعة دقيقة، والتأكد مِن معنى النص والمقصود منه؛ لبيان فساد المعنى الذي يريد المفتري تقريرَه.

الطريقة الرابعة: الاعتماد على الضعيف الذي لا يحتج به:
ويقصد بهذه الطريقة أن يَستدلَّ المنصِّر بأحاديثَ ضعيفةٍ أو موضوعة لا يُحتج بها.

مثال هذه الطريقة:
استدلال المنصِّر بقصة الحمار يعفور، التي جاء فيها: لما فتح الله على نبيِّه خيبرَ، أصابه مِن سهمه أربعة أزواج خفاف، وعشر أواقي ذهب وفضة، وحمار أسود، فقال للحمار: ما اسمُك؟ فقال: يزيد بن شهاب، أخرج الله مِن نسْل جدِّي ستين حمارًا، كلهم لم يركبْه إلا نبيٌّ، ولم يبق مِن نسْل جدِّي غيري، ولا مِن الأنبياء غيرُك، وقد كنتُ قبْلك لرجلٍ مِن اليهود، وكنتُ أَعْثُر به عمدًا، وكان يُجيع بطني، ويَضرب ظهري، فقال: قد سمَّيتُك يعفور، أتشتهي الإناث؟ قال: لا، وكان النبيُّ يَبعث به إلى باب الرجل، فيأتي البابَ فيقرعه برأسه، فإذا خرج إليه صاحب الدار، أومأ إليه أنْ أجبْ رسولَ الله، فلمَّا قُبض رسولُ الله، جاء إلى بئر كانت لأبي الهيثم بن التيهان فتردَّى فيها جزعًا.

وهذا الحديث موضوع لا أصل له؛ بل هو مِن وضع الكذَّابين الراغبين في الطعن في الإسلام، فلا يجوز الاحتجاج به، ولا يجوز روايته إلا مع التنبيه على ضعفه، وهذا ما حكم به علماءُ الحديث على هذه القصة المكذوبة.
قال ابن الجوزى: “هذا حديثٌ موضوع، فلعَن اللهُ واضعَه، فإنه لم يقصد إلا القدحَ في الإسلام، والاستهزاء به”[2].
وقال ابن حبان: “لا أصل له، وإسناده ليس بشيء”[3].
وقال ابن كثير: “وقد أنكره غيرُ واحد مِن الحفاظ الكبار”[4].
ونقل ابن الأثير عن أبي موسى الأصفهاني قوله: “هذا حديث منكَر جدًّا إسنادًا ومتنًا، لا أحلُّ لأحدٍ أن يرويه عني إلا مع كلامي عليه”[5].

الأسلوب الأمثل في مواجهة هذه الطريقة:
النظر في صحة الدليل، ومعرفة حكم علماء الحديث عليه، فإن ثبتَ ضعفُ الحديث، يسقط الاحتجاج به.

الطريقة الخامسة: الاحتجاج بما لا يُعتبَر حجة في نفسه، وإن صح عن قائله:
ويقصد بهذه الطريقة أن يستدلَّ المنصِّر بما لا يُعَدُّ حجة في نفسه، حتى إن صح عن قائله، كالاستدلال بقول عالِم مِن العلماء في مسألة بعينها، أو الاستدلال بالإسرائيليات.

مثال هذه الطريقة:
ما يدَّعيه المنصِّرون مِن وجود خرافات وأخطاء علمية في الإسلام، ويَستدلُّون على ذلك بما ذكَرَه بعضُ المفسرين كالطبري والسيوطي عند قوله تعالى:﴿ ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ﴾ [القلم: 1]، مِن أن (نون) هو حوت يسمى اليهموت، وأنه خُلق فبسطَت عليه الأرض، فاضطرب النون، فمادَت الأرض، فأثبتتْ بالجبال، وهذا مما نقل عن ابن عباس بأسانيدَ مضطربةٍ، والظاهر أنه مِن الإسرائيليات التي ألصقَتْ به.

وقال ابن القيم: “ومِن هذا: حديث أن (قاف) جبل مِن زمردة خضراء، محيط بالدنيا كإحاطة الحائط بالبستان، والسماءُ واضعةٌ أكنافَها عليه.

وحديث أن الأرض على صخرة، والصخرة على قرن ثور، فإذا حرَّك الثور قرنه، تحرَّكت الصخرة”.

ثم قال: “لا ريب أن هذا وأمثاله مِن وضع زنادقة أهلِ الكتاب، الذين قصدوا السخرية والاستهزاء بالرسل وأتباعهم”[6].

الأسلوب الأمثل في مواجهة هذه الطريقة:
توضيح أن أقوال العلماء والإسرائيليات ونحو ذلك ليست حجةً في الإسلام؛ إنما الحجة فيما قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، أو ما أجمعَتْ عليه الأمَّة، وكل مَن هو دون النبي صلى الله عليه وسلم فيُؤخذ مِن كلامه ويُردُّ؛ لأنه بشَرٌ غير معصوم، قد يُخطئ مرة أو مرات.

الطريقة السادسة: المغالطات اللغوية:
وأقصد بهذه الطريقة أن يفسِّر المنصِّر لفظةً في النص بأحد معانيها أو استخداماتها، لكنه ليس المعنى المقصودَ في النص.

مثال هذه الطريقة:
قول المفتري: لماذا خالفَ النبي صلى الله عليه وسلم شرعَ الإسلام بأنه كان يجامع زوجته وهي حائض؛ كما ثبت في الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حضتُ يأمرني أن أتَّزِرَ ثم يباشرني”[7]؟

وهذا خطأ؛ لأن المباشرة هنا لا تعني الجماع، ولكنها تعني ملامسة البَشَرة للبشرة، وهذا هو الأصل في كلمة المباشرة، وإن كانت يُكنى بها عن الجماع أحيانًا، ولكنها هنا بمعناها الأصلي، وهو الملامسة بالإجماع.

قال المباركفوري: “(ثُمَّ يُبَاشِرُني): مِن المباشرة، وهي الملامسة، مِن لمس بشرة الرجل بشرة المرأة، وقد ترد المباشرة بمعنى الجماع، والمراد ها هنا هو المعنى الأول بالإجماع”[8].

ومما يدل على أن المقصود هنا ليس الجماعَ أمرُ الرسول صلى الله عليه وسلم لعائشةَ أن تتَّزر؛ أي: تشدَّ إزارَها على وسطها، قبل أن يباشرها.

الأسلوب الأمثل في مواجهة هذه الطريقة:
مراجعة المعاجم اللغوية والتفاسير والشروح؛ للتأكد مِن معاني المفردات والكلمات، وما تدل عليه مِن معانٍ، وإن كان للكلمة أكثر مِن معنى، فينظر إلى التفاسير والشروح؛ لمعرفة المعنى المقصود في النص مِن خلال السياق.

الطريقة السابعة: المغالطات النحوية:
يقصد بهذه الطريقة أن يقوم المنصِّر بافتراض إعرابٍ معيَّنٍ لكلمةٍ مِن آيات القرآن، ثم يدَّعي أن القرآن فيه خطأ نحوي؛ لمخالفته ذلك الإعرابَ الذي افترضه.

مثال هذه الطريقة:
في قول الله تعالى: ﴿ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 124]، يزعم المنصِّر أن كلمة (الظالمين) في الآية فاعل، والمفترض أن يُرفع بالواو؛ لأنه جمع مذكر سالم؛ ولذلك يجب أن يكون (الظالمون) بالواو، وليس (الظالمين) بالياء.

والجواب على ذلك باختصار شديد أن كلمة (الظالمين) مفعول به منصوب وعلامة نصبه الياء، وليست فاعلًا؛ بل الفاعل هو كلمة (عهدي)، فيكون المعنى: وقوع عدم النوال مِن عهد الله على الظالمين، وليس مِن الظالمين على عهد الله، فكيف يتعيَّن تخريجٌ ينسب النص إلى خطأ إعرابي أو غيره، مع صحة تخريجٍ آخَر لا يلزم منه هذا الخطأ، اللهم إلا مِن جاهلٍ أو مغرض كما هو شأن المنصرين؟!

الأسلوب الأمثل في مواجهة هذه الطريقة:
مراجعة كتب النحو وكتب إعراب القرآن، وكذلك التفاسير التي تهتمُّ بذكْر وجوه الإعراب المختلفة، مثل: “الكشاف” للزمخشري، و”البحر المحيط” لأبي حيان، و”روح المعاني” للآلوسي، و”التحرير والتنوير” لابن عاشور.

تنبيه مهمٌّ: لا يمكن وجود خطأ نحوي في القرآن؛ لأن القرآن هو مصدر هذه القواعد ومرجعها الأول.

الطريقة الثامنة: المغالطات العلمية:
يقصد بهذه الطريقة أن يدَّعي المنصِّر أن آية من القرآن أو حديثًا مِن السُّنَّة مخالفٌ لإحدى الحقائق العلمية.

مثال هذه الطريقة:
ادِّعاء المنصِّر أن ما جاء في القرآن عن أطوار الجَنِين يُخالف الحقائقَ العلمية.
وكلام المنصِّر هو المخالف لشهادة أهل التخصص مِن الأطباء والعلماء، وعلى رأسهم العالِم البروفيسور كيث مور[9]، الذي أقرَّ بصحة كلِّ ما جاء في القرآن عن أطوار الجنين؛ بل اعتبر ذلك مِن الإعجاز العلمي في القرآن، وقال: “الاستنتاج الوحيد المعقول هو أن هذه الأوصاف قد أوحيتْ إلى محمد صلى الله عليه وسلم مِن الله؛ إذ ما كان له أن يعرف مثل هذه التفاصيل؛ لأنه كان أمِّيًّا، ولهذا لم يكن قد نال تدريبًا علميًّا”[10].

الأسلوب الأمثل في مواجهة هذه الطريقة:
مطالبة المنصر بإظهار الدليل العلمي على ادعائه من خلال مصادر معتبرة وموثقة من أهل الاختصاص، ولا شك أنه سيعجز عن الإتيان بذلك؛ لأنه لا يمكن أن يكون في نصوص الوحي – قرآنًا وسُنَّة – شيءٌ واحد مخالف لحقيقة علمية.

ومن جهة أخرى يُفضَّل مراجعة أهل العدل والثقة من العلماء في هذا الاختصاص، والاسترشاد برأيهم.

تنبيه مهم: الوحي لا يُخالف الحقائقَ العلمية الثابتة بيقين، والتي ليست عرضة للتغيير، أما النظريات العلمية التي لم تثبت بعدُ، فقد تُخالف الوحي؛ لخطأ فيها، لا في الوحي.

الطريقة التاسعة: المغالطات التاريخية:
يقصد بهذه الطريقة أن يدَّعي المنصِّر وجود خطأ تاريخي في القرآن أو السُّنَّة.

مثال هذه الطريقة:
ادِّعاء المنصِّر أن ما جاء في القرآن عن قصة إبراهيم عليه السلام، وبنائه هو وابنه إسماعيل للكعبة مخالفٌ للتاريخ؛ لأنه غير موجود في الكتاب المقدس عند النصارى.

والحقيقة أن بناء إبراهيمَ وإسماعيل عليهما السلام للكعبة مِن العِلم الذي كان مستفيضًا منتشرًا بين العرب قاطبة في جزيرة العرب قبل وبعد الإسلام، ولم يُنكِر أو يشكِّك أحدٌ في ذلك، ونسْل إسماعيل كان موجودًا ومعروفًا لدى العرب، ومنهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.

وكون ذلك مُثبتًا في القرآن هو خيرُ دليلٍ على وقوعه؛ لأن القرآن هو أوثق الكتب على وجه الأرض، أما عدم وجوده في الكتاب المقدس عند النصارى، فهذا الكتاب لا حجة فيه؛ لإيماننا بتحريفه من جهة، ولاشتماله على تناقضات وأخطاء تاريخية تُسقط مصداقيتَه والوثوق به من جهة أخرى.

الأسلوب الأمثل في مواجهة هذه الطريقة:
مطالبة المنصِّر بإظهار الدليل التاريخي المؤيِّد لادعائه من خلال مصادر معتبرة وموثقة مِن أهل الاختصاص، بحيث تكون هذه المصادر منقولة بطريقة تقطع بثبوتها، مع مراجعة كتب التاريخ الموثوقة والمعتمدة عند الإخباريين.

الطريقة العاشرة: اتباع المتشابهات:
يقصد بهذه الطريقة أن يستدلَّ المنصِّر بنصوص متشابهات ظنِّيَّة الدلالة، على معانٍ مخالفة لما دَلَّتْ عليه النصوصُ المحكمات القطعية الدلالة؛ كما قال الله سبحانه: ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ﴾ [آل عمران: 7].

مثال هذه الطريقة:
ادعاء المنصِّر أن المسيح هو الله في القرآن، مستدلًّا بما ثبت للمسيح في القرآن مِن معجزاتٍ دالة على صدْق نبوَّته، كإحيائه للموتى، وإبرائه للأكمه والأبرص بإذن الله.

والآيات المحكمات تقطع بأن المسيح ليس إلهًا، وأن مَن قال: إنه الله، فهو كافر ضالٌّ، ومن ذلك قول الله تعالى: ﴿ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ﴾ [المائدة: 17].

الأسلوب الأمثل في مواجهة هذه الطريقة:
مراجعة التفاسير والشروح؛ لمعرفة التأويل الصحيح للآيات المتشابهات، مع إبطال استدلال المنصِّر بها، بردِّها للآيات المحكمات الدالة على خلاف المعنى الذي يزعمه المنصِّر.

كان هذا عرضًا موجزًا لأهم طرائق المنصِّرين في إثارة الافتراءات على الدين، سنتبعه – بمشيئة الله – بسلسلة من الردود العلمية على أهم وأشهر افتراءاتهم، نسأل الله العون والتيسير والتوفيق والسداد، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد خير الأنام، وعلى آله وصحبه ومَن تبِعهم بإحسان.

ـــــــــــــــــــــ
[1] مسلم (3982).
[2] “الموضوعات” (ص294).
[3] “اللآلئ المصنوعة” (1/253).
[4] “البداية والنهاية” (6/166).
[5] “أسد الغابة” (3/252).
[6] “المنار المنيف” (ص78).
[7] البخاري (1890)، ومسلم (440)، والترمذي (122).
[8] “تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي” (1/157).
[9] كيث مور: هو صاحب كتاب أطوار خلق الإنسان “The Developing Human”، وهو مرجع علمي عالمي، مترجم لثماني لغات، وقد اختارتْه لجنة كوّنت في أمريكا على أعلى مستوى كأحسن كتاب في العالم ألَّفه مؤلف واحد.
[10] التقى عدد من علماء المسلمين من هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسُّنَّة بالبروفيسور كيث مور، ودار بينهم حوار منشور وموثق بالصوت والصورة على موقع الهيئة على شبكة المعلومات الدولية، ذكر فيه هذا الكلام: http://www.nooran.org/ShowArticle.aspx?ArtID=428

رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/8735/#ixzz62K0UiHHO