صفات المتقين مع أنبياء الله المرسلين

1- الإيمان بهم جملةً وتفصيلًا:

قال الله تعالى: ﴿ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ ﴾ إلى قوله: ﴿ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 177].

ذكر ابن كثير في تفسيره (1 /269) عند قوله: ﴿ وَالنَّبِيِّينَ ﴾: قال: وآمن بأنبياء الله كلهم من أولهم إلى آخرهم، خاتمتهم محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين؛ ا.هـ.

 

2- اتباع ما أمروا باتباعه من شرائع الأنبياء والرسل الأُول عليهم الصلاة والسلام، والأخذ بكل ما جاء به رسولنا صلى الله عليه وسلم، وترك ما سواه:

قال الله تعالى: ﴿ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ ﴾ إلى قوله: ﴿ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الأعراف: 156- 157].

 

قال ابن كثير: في “تفسيره” (2 /352) قوله: ﴿ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ ﴾؛ أي: القرآن، والوحي الذي جاء به مبلغًا إلى الناس؛ ا.هـ.

 

وقال أيضًا في “تفسيره” (1/ 58) عند قوله: ﴿ والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ﴾ ما مضمونه: وقد أمر الله المؤمنين بذلك، فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ ﴾ [النساء: 136]، وقال تعالى: ﴿ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ ﴾ [العنكبوت: 46]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم ﴾ [النساء: 47]، وقال تعالى: ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَنُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِن رُسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾ [البقرة: 285]، وغيرها من الأدلة؛ ا.هـ؛ بتصرف.

 

وروى الإمام أحمد في “المسند” (5 /434)، عن رجل من الأنصار أنه أخبر عطاء أنه قبَّل امرأته على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صائم، فأمر امرأته، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن رسول الله يفعل ذلك»، فأخبرته امرأته، فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم يرخص له في أشياء، فارجعي إليه، فقولي له: فرجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: قال إن النبي صلى الله عليه وسلم: يرخص له في أشياء، فقال: «أنا أتقاكم لله، وأعلمكم بحدود الله». والحديث في “الصحيحة” برقم (329) وفي “الصحيح المسند” (1658).

 

فعلم أن المتقي لله يستسلم لما جاء به صلى الله عليه وسلم في كل شيء، حسب استطاعته، والله أعلم.

 

3- توقيرهم والتأدب معهم أحياءً وأمواتًا:

قال الله تعالى: ﴿ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ﴾ إلى قوله: ﴿ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الأعرف: 157].

قال ابن كثير في “تفسيره” (2 /348) قوله: ﴿ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ﴾ الآية؛ أي: سأجعلها للمتصفين بهذه الصفات؛ ا.هـ.

 

وقال عند قوله: ﴿ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ ﴾؛ أي: عظِّموه ووقروه؛ ا.هـ.

 

قلت: وانظر إلى تأدُّبِ أتقى خَلْقِ الله، وصحابة رسول الله صلى ومن تبعهم، قال الله تعالى مخبرًا عنهم قولهم: ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾ [البقرة: 285].

 

وتقدم في الصفة قبل هذه، صور من التأدب معهم، وتوقيرهم، واحترامهم، والله أعلم.

 

وقال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [الحجرات: 3].

 

وعن عمر رضي الله عنه أنه سمع صوت رجلين في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهما: أتدريا أين أنتما؟ ثم سألهما: من أين أنتما؟ قالا: من الطائف: فقال: لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما ضربًا، رواه البخاري برقم (6477)، ومسلم (2988).

 

وروى البخاري برقم (4846)، ومسلم (314) عن أنس رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ﴾ الآية، جلس ثابت بن قيس في بيته، وقال: أنا من أهل النار، واحتبس عن النبي صلى الله عليه وسلم، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ، فقال يا أبا عمرو: «ما شأن ثابت اشتكى؟»، قال سعد: إنه لجاري وما علمت له بشكوى، قال: فأتاه سعد، فذكر له قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقال ثابت: أنزلت هذه الآية، ولقد علمتم أني من أرفعكم صوتًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنا من أهل النار، فذكر ذلك سعد للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بل هو من أهل الجنة».

 

قال ابن كثير في “تفسيره” (4 /384): قال العلماء: يكره رفع الصوت عند قبره صلى الله عليه وسلم كما يكره في حياته؛ لأنه محترمٌ حيًّا وميتًا؛ ا.هـ.

 

وفي الباب أيضًا: سبب نزول قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللَهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الحجرات:1]، اختلف أبو بكر وعمر رضي الله عنهما حتى قال ابن أبي مليكة: كاد الخيران أن يهلكا، والقصة في “البخاري” برقم (4847).

 

4- الولاية لرسل الله صلوات الله وسلامه عليهم وولاية الأنبياء لهم:

في الباب أحاديث معاذ بن جبل وغيره من الصحابة رضي الله عنه، بسطتها مع الكلام على كل حديث منها تخريجًا وحكمًا، في (باب الفضائل)، فتراجع، والله المستعان.