تفسير قوله تعالى: كذبت ثمود بالنذر

الشيخ عبد القادر شيبة الحمد
الشيخ عبد القادر شيبة الحمد

تفسير قوله تعالى: ﴿ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ.. ﴾

قال تعالى: ﴿ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ * فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ * أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ * سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ * إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ * وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ * فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ * فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ * إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ * وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر: 23 – 32]

المناسبة:

لما كانت ثمودُ تَعْقُبُ عادًا في التاريخ، أَتَى بها عُقيبها في الذكر.

القراءة:

قرأ الجمهور: (أبشرًا منَّا واحدًا) بنصبهما؛ وقرئ: (أبشرٌ منا واحدٌ) برفعهما، وقرأ الجمهور (سيعلمون) بالياء، وقرئ بالتاء.

المفردات:

(واحدًا)؛ أي: منفردًا لا تبعَ له، أو واحدًا، يعني: من آحاد الناس وليس بملك ولا من أشرافهم، (نتبعه) ننقاد له، (ضلال) حيرة وميل عن الصواب، وذهاب عن الجادة، (سعر)؛ أي: جنون، من قولهم: ناقة سعورة إذا كانتْ تفرط في سيرها كأنها مجنونة، قال الشاعر:

كَأَنَّ بِهَا سُعرًا إِذَا الْعِيسُ هَزَّهَا *** زَمِيلٌ وَإِزْجَاءٌ مِنَ السَّيْرِ مُتْعِبُ

وفَسَّر قتادة السُّعُر بالعناء، وقيل: السُّعرُ النيرانُ، جمع سعير، وهو وقود النار، (أَأُلْقِي) أأُنزل، (الذكر) الكتاب والوحي، (أشر)؛ أي: متكبر بطر يريد العلو علينا، (غدًا) يراد به هنا الزمان المستقبل لا اليوم الذي يلي خطابهم، قال الطِّرِماح:

أَلَا عَلِّلَانِي قَبْلَ نَوْحِ النَّوَائِحِ وَقَبْلَ اضْطِرَابِ النَّفْسِ بَيْنَ الْجَوَانِحِ وَقَبْلَ غَدٍ يَا لَهْفَ نَفْسِي في غَدٍ إِذَا رَاحَ أَصْحَابِي وَلَسْتُ بِرَائِحِ

يريد وقتَ الموتِ لا غدًا بعينه، (مرسلو الناقة)؛ أي: موجدوها ومخرجوها من الصخرة، (فتنة)؛ أي: ابتلاء واختبارًا، (فارتقبهم): فانتظرْ يا صالح ما هم صانعون، وما يصنع بهم، (اصطبر)؛ أي: اصبر على أذاهم وتجمل بالصبر، (ونبئهم): أي أخبرهم إخبارًا عظيمًا عن أمر عظيم، (قسمة)؛ أي: مقسوم لها يوم ولهم يوم، (شرب) نصيب من الماء، (محتضر) يحضره صاحبه في نوبته، (فنادوا)؛ أي: دعوا رجلًا ليقتلها، (صاحبهم) هو قدار بن سالف كما رُويَ عن محمد بن إسحاق.

(فتعاطى) فتناول السيف، والتعاطِي: تناولُ الشيء بتكلف، (فعقر)؛ أي: فقتل الناقة، من العقر: وهو الجرح، أو من عقر النخلة: إذا قطع رأسها، (كهشيم)كحشيش يابس يجمعه صاحب الحظيرة لماشيته فتفتته، أو ما يتفتت من الشجر الذي يتخذه للحظيرة، (المحتظر) صانع الحظيرة، وهي ما يصنعه العرب وأهل البوادي للمواشي والسكن من الأغصان والشجر والقصب، من الحظر وهو المنع؛ لأنها تمنع ما بداخلها، وتحفظه من الذئاب والسباع والحر والبرد.

التراكيب:

قوله: (أبشرًا منا واحدًا نتبعه) الهمزة للاستفهام الإنكاري بمعنى النفي، و(بشرًا) مفعول به لفعل محذوف يُفسره المذكور بعده، و(منا) صفة، وواحدًا صفة ثانية، وجملة (نتبعه) تفسير للفعل المحذوف لا محل لها من الإعراب.

وأما على قراءة (أبشرٌ منا واحدٌ نتبعه) بالرفع فيهما، فـ(بشر): مبتدأ، و(منا واحد) صفتان له، وخبره (نتبعه)، والتنوين في إذًا عوض عن المضاف إليه المحذوف؛ أي: إذا اتبعناه، والاستفهام في قوله: (أألقي) للإنكار، وقوله: (ستعلمون) بالتاء على الالتفاف لتشديد التوبيخ، أو على حكاية ما أجابهم به صالح، وقوله: (من الكذاب الأشر) من (استفهامية) معلقة بـ(يعلمون) عن العمل، وهي مبتدأ، والكذاب خبرها، والجملة: سدت مسد المفعولين، وقوله: (إنا مرسلو الناقة) مستأنف، وقوله: (فتنة) مفعول لأجله، والفاء في قوله: (فارتقبهم) فصيحة، والطاء في قوله: (واصطبر) بدل من تاء الافتعال، وقوله: (كل شرب محتضر) مبتدأ وخبر، والجملة مستأنفة لبيان القسمة، وقوله: (فنادوا صاحبهم) الفاء للعطف على محذوف؛ أي: “فَملوه فَهَمُّوا بقتل الناقة، فنادوا صاحبهم”، ومفعول تعاطى محذوف لظهوره وكذلك مفعول عقر.

المعنى الإجمالي:

جحدت قومُ صالح الإنذاراتِ التي جاءت عن الله، وأنكروا أن ينقادوا لرجلٍ واحدٍ من جنسهم، قائلين: إنا إِنِ انْقَدْنا له لفي حيرة وبُعد عن الصوابِ وجنونٍ، أأنزل عليه الكتاب والوحي دُونَنَا، مع أنه ليس بأشرفِنا ولا أكثرِنا مالًا؟ بل هو كثيرُ الافتراءِ بطر متكبر يريد العلو علينا، عن قريبٍ يتبينُ لهم أيهما المفتري المتكبر أهو صالح أم هم؟ إنا مخرجو الناقة من الصخرة – كما بعثناك من بينهم – اختبارًا وابتلاءً لهم، فانتظرْ يا صالح ما هم صانعون وما يصنع بهم.

وتجمل بالصبر حتى يأتيَكَ النصرُ، وأخبرهم إخبارًا عظيمًا أن ماء البئر الذي يشربون منه مقسوم بينهم وبين الناقة، كلُّ نصيب من الماء يحضره صاحبه في نوبته، فمَلُّوا وَهَمُّوا بقتل الناقة، فنادوا أحد رجالهم المبالغين في الضلال، فتناول سيفًا فقتل الناقةَ فأهلكتهم، فكان إهلاكُهم بعذاب عجيب.

إنا بعثنا عليهم صوتًا فظيعًا مرة واحدة من جبريل، فصاروا شبه حشيش يابس داسته المواشي في الحظيرة، ولقد هيأنا القرآن للحفظ، ويسرناه للتلاوة فهل من مُتَّعِظٍ موجودٍ؟

ما ترشد إليه الآيات:

1- إنكارُ ثمود للنذير البشير.

2- زعمُهم أن اتباع الرسل بُعدٌ عن الصواب وجنون.

3- رُمِي صالح بالكذب والتكبر.

4- تهديدُهم بعقاب عاجل.

5- تدميرهم لما كذبوا الرسل.

6- كان تدميرُهم الفظيع في غاية السهولة.

7- في القرآنِ مواعظُ فاتعظوا.