نبوءات العهد القديم عن الرسول الخاتم

استفتح الأستاذ الدكتور محمد جميل غازي هذه الجلسة بقوله:

بسم الله الرحمن الرحيم، ﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الصافات: 180 – 182].

وصلَّى الله وسلم وبارك على النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

وبعد، فإنَّنا نفتتح هذه الجلسة الخامسة من هذه المناظَرة الإسلامية النَّصرانية بآياتٍ من القرآن الكريم من سورة المائدة؛ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:

﴿ يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ * وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ * إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ * قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ * قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ * وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [المائدة: 109: 120].

حديثنا اللَّيلة عن البشائر أو البشريات التي جاءَت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد قلنا وما زلنا نقول: إنَّ هذه الكتب قد عَبثَت فيها أيدي التحريف، وأيدي التبديل، وأيدي التغيير، ولكنه على الرغم من هذا كلِّه ما زالت فيها بقايا، وما زالت فيها نصوصٌ لا تَحتمل التأويل أبدًا، وإنها تنص نصًّا قاطعًا على أن المقصود بها إنما هو محمَّد صلى الله عليه وسلم الذي بعثه الله سبحانه وتعالى من ذرِّية إسماعيل عليه السلام.

وأحب أن أقول لكم – قبل أن يَبدأ العالم الفاضل الأستاذ إبراهيم خليل أحمد -: إنَّ هذه البشريات على كَثرتها لا تمثِّل في نظر المعتقَد المسلم أكثرَ مِن واحدة من آلاف الأمارات والدلالات على صدق محمد صلى الله عليه وسلم؛ إنَّها ليست كل شيء في أيدينا نستدل به على صدق الرسول، إنما هي شيء واحد من أشياء كثيرة لا يحيط بها العدُّ، ولا يحصيها الإحصاء.

هذه النبوءات وغيرها هي كما قلتُ لكم: إصبع صغيرة تُشير إلى الحقيقة الكبيرة، وهي أن محمدًا صلى الله عليه وسلم إنما هو رسول الله ونبيُّه الخاتم، ولو أننا ذهبنا نستعرض الأَمَارات والدلالات على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنَّه لا تكفينا الليالي ذواتُ العدد، ويكفي أن تَعرفوا أنه أُلِّف في أَمارات ودلائل النبوَّة كتبٌ ومجلدات كثيرة.

ولمَّا كان وقتنا أضيقَ من أن نستعرض فيه كل شيء، وأن وقتكم أضيق من أن يسوعب كل شيء، فيكفينا الآن أن نشير إشاراتٍ عابرةً إلى هذه النبوءات حسبما يتحدَّث إليكم في هذه الليلة الأخُ العالم الأستاذ إبراهيم خليل أحمد عن البشائر في أسفار الكتاب المقدَّس بعهدَيه القديم والجديد.

نبوءات العهد القديم عن الرسول الخاتم..

وقد بدأ الأستاذ إبراهيم خليل أحمد حديثه بقوله:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه.

وبعد:

أيها الإخوة، في هذه الأمسية أتحدث إليكم عن البشارات حول الرسول محمَّد صلى الله عليه وسلم، أو بمعنًى آخر أتحدَّث إليكم في صراحةٍ متناهية عن لماذا أسلمتُ؟ كيف أسلمت؟ وما هي الأسباب التي دفعَتْني إلى الإسلام؟

حقيقة القول: أنني عندما وصلتُ إلى الآية الكريمة من القرآن الكريم: ﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ﴾ [الأعراف: 157]، قلت: لو نظرتُ إلى أنَّ الرسول محمدًا صلى الله عليه وسلم جاء ذِكره في التوراة والإنجيل فسأبلِّغها للناس، وأشهد للرسول بأنه خاتم النبيِّين حقًّا ويقينًا.

نبوءات العهد القديم عن الرسول الخاتم:

فحديثي إليكم هو حديث إنسان استطاع أن يعرف الرسول محمد صلى الله عليه وسلم من خلال التوراة ومن خلال الإنجيل؛ فمن التَّوراة نرى أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول عنه الربُّ لموسى في (سفر التثنية 18: 18 – 19): “أقيم لهم نبيًّا من وسط إخوتهم مثلك، وأجعل كلامي في فمه، فيكلِّمهم بكل ما أوصيه به، ويكون أن الإنسان الذي لا يَسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه”.

إن هذا النص الذي جاء على لسان موسى عليه السلام لنا عليه وقفاتٌ بسيطة؛ فحينما يقول: “أقيم لهم نبيًّا من وسط إخوتهم”؛ فإنَّ الضمير الغائب المتَّصل يشكِّل حقيقةً من الحقائق، لو شاء الربُّ أن يجعل هذا النبيَّ المنتظر أن يكون من بني إسرائيل لقال: “أقيم لهم نبيًّا من وسط إخوتكم”، فيكون الضمير للمخاطب، أما أن يكون الضمير للغائب فمعنى هذا أن النبوَّة ارتفعَت بسلسلة النسب إلى إبراهيم عليه السلام، وحينما نلجأ إلى التوراة؛ لنرى مَن هم أولاد إبراهيم عليه السلام، تقول التوراة: لقد بورك إبراهيم في الأرض التي قيل عنها: أرض الميعاد ولم يُرزق بعدُ بولد، ثم أُعطي الولد.

ونرى في (سفر التكوين 17: 18) أنَّ إبراهيم يقول لله سبحانه: “ليت إسماعيلَ يعيش أمامك”، فقال الله له – كما يقول (العدد 20 من نفس الإصحاح) -: “وأما إسماعيل فقد سمعتُ لك فيه؛ ها أنا أباركه وأثمِّره، وأكثِّره كثيرًا جدًّا؛ اثني عشر رئيسًا يلد، وأجعله أمَّة كبيرة”.

هذا هو الوعد الذي وعَده الله لسيِّدنا إبراهيمَ عليه السلام كما جاء في سفر التكوين؛ وهذا يدل على أن النبيَّ الذي يأتي لا بدَّ أن يأتي من ذرية إبراهيم عليه السلام، وهو بتحديدٍ أكثرَ من ذريَّة إسماعيل عليه السلام؛ لأن الخطاب في تلك النبوءة – كما قلتُ – موجَّه للغائب؛ إذ لو كان النبي المنتظرُ من بني إسرائيل فحَسب لقيل: “من إخوتكم”.

ثم تأتي عبارة “مثلك”؛ إنها تَعني: أن النبي المنتظَر سيكون مثلَ موسى عليه السلام، فلو وضَعنا الأنبياء الثلاثة في مقارنة – وهم: موسى وعيسى ومحمد – نرى أن موسى عليه السلام أُوحي إليه بالشريعة، وسيدنا عيسى عليه السلام ما جاء بشريعةٍ جديدة، بل كما قال، وكما قلتُ في تعليقات سابقة: إنه قال: “لا تظنوا أني جئتُ لأنقض الناموس أو الأنبياء؛ ما جئتُ لأنقض بل لأكمل”.

أما الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، فقد أنزل الله عليه القرآن الكريم، وهو الرسالة الخاتمة والرِّسالة المهيمنة على كلِّ الرسالات السابقة، وبه التشريع الإسلاميُّ الكامل التام.

ثم يقول: “وأجعل كلامي في فمِه، فيكلِّمهم بكل ما أوصيه به”، وهنا دليلٌ قاطع ضدَّ المستشرقين الذي يَفترون على رسول الله أنَّ القرآن مِن وضعِه، فالله يقول في هذه النبوءة: “وأجعل كلامي في فمه”؛ لأن الرسول ﴿ مَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ﴾ [النجم: 3]، بل كان يتكلَّم بما يوحي به الله سبحانه وتعالى إليه.

وأكثر من هذا ما جاء في نفس (سفر التنثية 18: 19): “ويكون أنَّ الإنسان الذي لا يَسمع لكلامي الذي يتكلَّم به باسمي أنا أطالبه”، فالويل لمن يَكفر بالرسول عليه الصلاة والسلام، وويلٌ لكل أمَّة تناوئ هذا النبيَّ الخاتم.