الناس كالبحر

الناس كالبحر، فهو مليء بالجواهر واللآلئ التي تبهر الأعين والقلوب، وتُجذَب إليها النفوسُ، كما أنه مليء أيضًا بالحيتان وأسماك القرش المخيفة التي يُنفَّر منها ومن التقرب إليها، أو التعامل معها.

الناس كالبحر في أمواجه، فهناك أمواج هادئة، تغدو وتعود بكل هدوء وسلام، أمواج تجذبنا لرؤيتها والتأمل بزَبَدِها وجمالها، وهناك أمواج أخرى هائجة قاسية في الذهاب والإتيان، تفقدنا معها الأشياء الجميلة، نحمد الله على بُعدها، ونتمنى لو أنها لم تَعُد مرة أخرى.

وكذلك الناس، فهناك أناس طيبون ذوو قلوب بيضاء ناصعة، وآخرون ذوو قلوب يَسودُها السواد، ويَملؤها المكر والدهاء.

هناك أناسٌ متسامحون، ينسون كل إساءة ولو صغيرة، يؤمنون بأن الله وحده هو المعز، وهناك آخرون لا يعرفون معنى التسامح، بل لم تَرِدْ بقاموس قلوبهم هذه الكلمة، يقفون لغيرهم على أقلِّ الزلات، يبغون إذلالهم، ويتجاهلون أن الله وحده هو المعز المذل.

نحن جميعًا نتعامل يوميًّا مع كثير من الشخصيات ذوات الأنماط المختلفة، والإنسان الموفق هو الذي يعرف كيف يتعامل مع كل شخصية منها!

ولكي نتعامل مع كل شخص معاملة ناجحة موفَّقة، علينا جميعًا اتباع النصائح التالية:

♦ نضع بحسباننا أن الله يراقبنا جميعًا، وأن هناك ملكين على أكتاف كل منَّا يدوِّنون كل ما نقوم به، فعلينا أن نتقِ الله مع الجميع.

♦ أن نعامل الناس بما نحب أن نُعَامل نحن، وأن نضع أنفسنا موضع كلِّ شخص أمامنا.

♦ أن نقرأ كثيرًا عن أنماط الشخصية، ونتعرف على شخصية من أمامنا وكيف نتعامل معها.

علينا أن نراعي الله في معاملاتنا كلها مع جميع البشر، نكن لمن نعامله أخًا محبًّا وأختًا محبة، صديقًا صدوقًا وصديقةً صدوقةً، نكن لهم مخازن لأسرارهم، نكن لهم مثلما نحب أن يكونوا هم معنا، ولا ننسَ أن كما ندين نُدان.

علينا أن نتذكر دائمًا أن حسن المعاملة هي سِمة من سمات المسلم الرئيسة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الدين المعاملة).

عندما نُحسن معاملتنا مع البشر نُرضي ربَّ البشر القائل في كتابه العزيز: ﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾ [البقرة: 83]، فها هو أمرٌ إلهي واضح بالالتزام بحُسن المعاملة، فكم من الناس يلتزم بها؟!

لما لا نُحسن معاملتنا مع كل مَن هم حولنا، ونعطي كل ذي حقٍّ حقَّه، ونلتزم الاحترام في تعاملاتنا؛ فديننا الإسلامي هو دين الاحترام.

هناك من يقول: لكن فلان يعاملني بكذا وآخر بكذا، نعم فالبشر مختلفون عن بعضهم البعض، ولكل إنسان شخصيته التي تختلف عن غيرها، والدليل قوله تعالى في سورة الحجرات:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13].

هنا لا أقول لكم كما يقول الآخرون: إننا نتعامل أولًا وأخيرًا مع الله عز وجل، مع أن هذا الكلام حقيقي لا جدال فيه، بل سأقول: لِمَ لَمْ نتعلم فنون الحوار؟ فربما يكون العيب منَّا ومن طريقة حوارنا، نتعلم فنون التواصل مع الآخرين، لِمَ لا؟! نتعلم كيف نستطيع أن نتعامل مع كل شخصية؛ كي نستطيع التعايش والتواصل معها، نتعلم ونطبِّق ونُتقن، وسنرى بأعيننا النتيجة.

وخير خلق الله سيدنا محمد قدوتنا في حُسن المعاملة؛ فهو خير مثال لحسن المعاملة مع أهل بيته وأصحابه، حتى مع أعدائه ومع جميع الناس:

♦ كان عليه السلام متواضعًا معهم مع أنه أشرف خلق الله.

♦ كان ذا وجه بشوش طَلْقٍ، وصاحب ابتسامة مبهجة.

♦ كان أسلوبه لينًا سلسًا جذابًا.

♦ كان يشاركهم أفراحهم وأتراحهم.

♦ كان يستشيرهم في أهم الأمور.

وهذا غيض من فيض من صفات معاملاته صلى الله عليه وسلم، وإن اقتدينا جميعًا به فُزنا بالقلوب، وتعلَّمنا أصول المعاملة.

يكفينا فخرًا أن محمدًا رسولنا وشفيعنا، فلنجعل أخلاقنا ومعاملاتنا دليلًا على أننا أبناء الإسلام، نجعلها نُصرةً للإسلام ولرسول الإسلام.