الاقتداء بالرسل عليهم الصلاة والسلام

في خلق بر الوالدين[1]

 

رغَّب الله تعالى عباده، وحضَّهم على بر الوالدين، وامتدح بعض رسله عليه الصلاة والسلام على برهم بوالديهم منهم:

1- نبي الله إسماعيل عليه السلام يضرب أروع الأمثلة للبر في تاريخ البشرية صابرًا محتسبًا، مرضيًا لربه، وبارًّا بوالده، فقال الله تعالى: ﴿ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الصافات: 102].

 

ولما كان خطاب خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام لابنه بلفظ: “يا بُنَيَّ، على سبيل الترحم، قال: هو يا أَبَتِ على سبيل التوقير والتعظيم”[2].

 

فنبي الله إبراهيم عليه السلام يجلس مع ولده جلسة تربوية، ويفتح فيها مجال للحوار، ويستشيره ويشركه في اتخاذ القرار، والولد ينشأ على ما عوَّده أبوه وما ربَّاه عليه أهله، فكان جزاء التربية الحسنة أن بر الولد أباه، وأعانه على تنفيذ أمر الله تعالى، وهوَّن عليه المصيبة، وهذه دروس ومواضع قدوة ينبغي علينا أن نقتدي بها.

 

2- نبي الله يحيى عليه السلام: وامتدحه الله تعالى على بره بوالديه، فقال الله تعالى: ﴿ وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا ﴾ [مريم: 14].

 

فنبي الله يحيى عليه السلام كان كثير “البر والطاعة لوالديه، متجنبًا عقوقهما قولًا وفعلًا، أمرًا ونهيًا، فهو مطيع لله ولوالديه”[3].

 

فأثنى الله تعالى على عبده يحيى عليه السلام بأعظم الخصال وأفضل الصفات، وبر الوالدين، فامتدحه بتقواه وبره بوالديه، ولم يكن جبارًا عصيًّا، فكان عليه السلام مسارعًا لطاعتهما، ولم يكن مستكبرًا لا عن طاعة ربه، ولا عن طاعة والديه، فهو قدوة حسنة يقتدي بها المسلمون إلى يوم القيامة.

 

3- نبي الله عيسى بن مريم عليه السلام: أثنى الله تعالى عليه في بره بوالدته، فقال الله تعالى: ﴿ وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا ﴾ [مريم: 32].

 

وقد خصه الله تعالى بذلك من بين قومه؛ “لأن بر الوالدين كان ضعيفًا في بني إسرائيل يومئذ، وبخاصة الوالدة؛ لأنها تُستضعف؛ لأن فرط حنانها ومشقتها قد يُجرِّئان الولد على التساهل في البر بها”[4].

 

وقد لقَّب الله تعالى كلمته عيسى بن مريم عليه وعلى أمه السلام، بالثناء العطر من ربه سبحانه وتعالى، وهو ما يزال في المهد بأن جعله “بارًّا بوالدته، محسنًا لها مطيعًا لها مكرمًا لها، وهذا من أدبه عليه السلام، وبره بأمه، وقيامه بحقها، وتواضعه لها وخفض جناحه عندها”[5].

 

وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي، قَالَ: « أُمُّكَ»، قَالَ: ثُمَّ مَنْ، قَالَ: «ثُمَّ أُمُّك»، قَالَ: ثُمَّ مَنْ، قَالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ»، قَالَ: ثُمَّ مَنْ، قَالَ: «ثُمَّ أَبُوكَ»[6].

 

ففي الحديث الحث على “بر الأقارب، وأن الأم أحقهم بذلك، ثم بعدها الأب، ثم الأقرب فالأقرب، والسبب في تقديم الأم كثرة تعبها عليه وشفقتها وخدمتها، ومعاناة المشاق في حمله، ثم وضعه، ثم إرضاعه، ثم تربيته وخدمته وتمريضه، وغير ذلك”[7].

 

فالأم لها منزلة عالية في الإسلام، فهي مُقدمة على الأبِ في البر وحسن الصحبة، ولها من الحقوق على الابن أكثر من حقوق أبيه عليه؛ لأنها أضعفُ الوالدين، ولأنها الحامل والوالدة والمرضِع، ولما تكلم نبي الله عيسى عليه السلام في المهد، أخبر أن الله تعالى أوصاه ببر أمه مع فريضتي الصلاة والزكاة.


[1] بر الوالدين: التوسع في الإحسان إليهما. [ انظر: “بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز”، محمد بن يعقوب الفيروز أبادى. ج2 ص213].

[2] روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني؛ الألوسي، ج12، ص124.

[3] التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج؛ د/ وهبة بن مصطفى الزحيلي، ج16، ص63، دار الفكر المعاصر، دمشق، ط2، 1418 هـ.

[4] التحرير والتنوير؛ الطاهر بن عاشور التونسي، ج16، ص100.

[5] أدب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مع الخلق في القرآن الكريم، (رسالة ماجستير): عبدالله بن أحمد بن غرم الله الغامدي، ص150، إشراف الدكتور: محب الدين عبدالسبحان واعظ، جامعة أم القرى، كلية أصول الدين والدعوة، قسم الكتاب والسنة، شعبة التفسير، 1429ه 1430هـ.

[6] صحيح البخاري: كتاب: الأدب، باب: من أحق الناس بحسن الصحبة، ج18، ص363، رقم ح5514، وفي صحيح مسلم: كتاب: البر والصلة، باب: بر الوالدين وأنهما أحق به، ج8، ص2، رقم ح 6664.

[7] شرح صحيح مسلم، النووي، ج16، ص102.