– إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره، و نعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا ، من يهده الله تعالى فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمداً عبده و رسوله و صفيه من خلقه و خليله ، أدى الأمانة و بلغ الرسالة و نصح للأمة فكشف الله به الغمة و جاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين فاللهم اجزه عنا خير ما جازيت نبياً عن أمته و رسولاً عن دعوته و رسالته و صلي اللهم و سلم وزد و بارك عليه و على آله و أصحابه و أحبابه و أتباعه و على كل من اهتدى بهديه و استن بسنته و اقتفى أثره إلى يوم الدين.
– أما بعد فحياكم الله جميعاً أيها الآباء الفضلاء و أيها الأخوة الأحباب الكرام الأعزاء و طبتم جميعاً و طاب ممشاكم و تبوأتم من الجنة منزلا و أسأل الله العظيم الكريم جل و علا الذي جمعنا في هذا البيت المبارك على طاعته أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى في جنته و دار مقامته إنه ولي ذلك و القادر عليه…
أحبتي في الله… ماذا قدمت لدين الله؟!!
هذا هو عنوان لقائنا مع حضراتكم في هذا اليوم الكريم المبارك و كعادتنا حتى لا ينسحب الوقت من بين أيدينا سريعاً فسوف ينتظم حديثي مع حضراتكم تحت هذا العنوان” المخجل” في العناصر التالية:-
أولاً: واقع مرير يستنفر جميع الهمم…. ثانياً : و لكن ما هو دوري؟!… ثالثاً : تبعة ثقيلة و أمانة عظيمة أطوق بها الأعناق…. و أخيراً : فجر الإسلام قادم.
فأعيروني القلوب و الأسماع ، و الله أسأل أن يقر أعيننا و إياكم بنصرة هذا الدين إنه ولي ذلك والقادر عليه أحبتي في الله
اولأً : واقع مرير يستنفر جميع الهمم …. والله إن العين لتدمع و إن القلب ليحزن و إنا لما حل بأمة التوحيد لمحزونون لمحزونون…. أهذه هي الأمة التي زكاها الله بقوله ” كنتم خير أمة أخرجت للناس “؟… أهذه هي الأمة التي زكاها الله بالوسطية و الاعتدال في قوله سبحانه ” و كذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس و يكون الرسول عليكم شهيدا؟.. أهذه هي الأمة التي زكاها الله في القرآن بالألفة والوحدة فقال سبحانه ” إن هذه أمتكم أمة واحدة و أنا ربكم فاعبدون؟.. إنك لو نظرت إلى الأمة في القرآن و نظرت عليها في أرض الواقع لانفلق كبدك من الحزن و البكاء على واقع أمة قد انحرفت كثيراً كثيراً عن منهج الله جل و علا.. و عن سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فلقد غيرت الأمة شرع الله و انحرفت الأمة عن طريق رسول الله، و الله جل و علا يقول” إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغير ما بأنفسهم ” فأذل الله الأمة لأحقر و أذل أمم الأرض ممن كتب الله عليهم الذل والذلة من إخوان القردة و الخنازير من أبناء يهود حتى من عباد البقر ساموا الأمة سوء العذاب ولا حول ولا قوة إلا بالله …. لقد أصبحت الأمة الآن قصعة مستباحة لأحقر أمم الأرض و لأذل أمم الأرض و حق على الأمة قول الصادق كما في الحديث الصحيح الذي رواه أبو داوود من حديث ثوبان : يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها قالوا : أومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله ؟ قال : كلا : و لكنكم يومئذ كثير ولكن غثاء كغثاء السيل و ليوشكن الله أن ينزع المهابة من قلوب عدوكم و ليقذفن في قلوبكم الوهن قيل و ما الوهن يا رسول الله ؟ قال: حب الدنيا و كراهية الموت … لقد أصبحت الأمة الآن أيها الأخيار غثاءاً من النفايات البشرية يعيش على بساط مجرى الحياة الإنسانية تعيش الأمة الآن كدويلات متناثرة متصارعة متحاربة تفصل بينها حدود جغرافية مصطنعة و نعرات قومية جاهلية و ترفرف على سمائها رايات القومية و الوطنية و تحكم الأمة قوانين الغرب العلمانية و تدور بالأمة الدوارات السياسية فلا تملك الأمة نفسها عن الدوران بل ولا تختار لنفسها حتى المكان الذي تدور فيه!!!!…. ذلت الأمة بعد عزة و جهلت الأمة بعد علم و ضعفت الأمة بعد قوة و أصبحت في ذيل القافلة الإنسانية بعد أن كانت بالأمس القريب تقود القافلة كلها بجدارة و اقتدار و أصبحت الأمة الآن تتسول على موائد الفكر الإنساني و العلمي بعد أن كانت الأمة بالأمس القريب منارة تهدي الحيارى و التائهين ممن أحرقهم لفح الهاجرة القاتل و أرهقهم طول المشي في التيه والضلال بل و أصبحت الأمة الآن تتأرجح في سيرها و لا تعرف طريقها الذي يجب عليها أن تسلكه و أن تسير فيه بعد أن كانت الأمة بالأمس القريب الدليل الحاذق الأرب في الدروب المتشابكة و الصحراء المهلكة التي لا يهتدي للسير بها إلا الأدلاء المجربون.. ما الذي جرى؟؟
قال الله سبحانه ليبين لنا أن ما وقع للأمة إنما وقع وفق سنن ربانية لله في كونه لا تتبدل هذه السنن ولا تتغير مهما ادعى أحد لنفسه من مقومات المحاباه.. قال الله جل و علا” إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ” لن أطيل في تشخيص الواقع المرير فكلنا يعرفه و لكنني أقول إن هذا الواقع الأليم يستنفر جميع الهمم الغيورة و يستوجب أن يسأل كل واحد منا نفسه هذا السؤال… قل لنفسك الآن.. و أنا أقول لنفسي الآن : ماذا قدمت لدين الله جل و علا ؟؟؟!! سؤال مخجل … سؤال مهيب ماذا قدمت لدين الله جل و علا ؟؟
سؤال يجب ألا نمل طرحه و ألا نسئم تكراره لنحيي في القلوب قضية العمل لهذا الدين في وقت تحرك فيه أهل الكفر و أهل الباطل بكل رجولة و قوة لباطلهم و كفرهم الذين هم عليه!.. انتعش أهل الباطل و تحركوا في الوقت الذي تقاعس فيه أهل الحق و تكاسلوا!!! و والله يا أخوة!! ما انتفش الباطل و أهله إلا يوم أن تخلى عن الحق أهله ماذا قدمت لدين الله … سؤال يجب إلا نمل تكراره لتجييش الطاقات الهائلة في الأمة لتعمل لدين الله جل و علا للقضاء على هذه السلبية القاتلة المدمرة التي تخيم الآن على سماء الأمة لتحريك دماء الإسلام التي تنبض بالولاء و البراء و الغيرة لدين الله في هذا الجسد الضخم الذي يتكون مما يزيد على مليار من المسلمين و المسلمات ماذا قدمت لدين الله جل و علا أيها المسلم و أيتها المسلمة؟؟….واقع يجب أن يستنفر جميع الهمم الغيورة و هم قد يسأل كثيراً من المسلمين بصفة عامة و كثير من شبابنا بصفة خاصة يقول :أنا أريد أن أقدم شيئاً لدين الله و أن أبذل شيئاً لدين الله و لكن ما هو دوري!!..
– و هذا هو عنصرنا الثاني من عناصر هذا اللقاء: و لكن ما هو دوري ؟؟.. سؤال و إن كان يمثل في الحقيقة ظاهرة صحية إلا أنه ينم عن خلل في فهم حقيقة الانتماء لهذا لدين إلى الحد الذي أصبح فيه المسلم لا يعرف ما الذي يجب عليه أن يقدمه لدين الله جل و علا!!!!! … لماذا؟!…لأن قضية العمل للدين ما تحركت في قلبه إلا في لحظة حماس عابرة أججها في قلبه عالم مخلص أو داعية صادق فقام بعد هذه اللحظة الحماسية المتأججة ليسأل عن دوره الذي يجب عليه أن يبذله و يقدمه لدين الله جل و علا.. أما لو كانت قضية العمل لدين الله تشغل فكره و تملأ قلبه و تحرف وجدانه و يفكر فيها في الليل و النهار في النوم واليقظة في السر والعلانية لو كانت قضية العمل لدين الله كذلك في قلب كل مسلم ما سأل أبداً هذا السؤال لأنه سيحدد أمره بحسب الزمان الذي يعيشه و بحسب المكان الذي يعيشه لأن قضية العمل لدين الله تملأ عليه همه و تملأ عليه وجدانه و تملأ عليه قلبه بل و تحرف قلبه في الليل و النهار.. و لكن بكل أسف بكل مرارة أصبحت قضية العمل لدين الله قضية هامشية ثانوية في حس كثير من المسلمين!.. بل و أصبح لا وجود لها في حس قطاع عريض آخر ممن يأكلون ملئ بطونهم و ينامون ملئ عيونهم و يضحكون ملئ أفواههم بل و ينظرون إلى واقع الأمة فيهز الواحد كتفيه و يمضي و كأن الأمر لا يعنيه!… و كأنه ما خلق إلا ليأكل و يشرب و إلا ليحصل الشهادة أو ليحصل الزوجة الحسناء هذا كل همه في هذه الحياة!!… أنا لا أمنع أيها الحبيب أن تحمل في قلبك هموماً كثيرة… أن تحمل هم الوظيفة و هم الزوجة و هم الأولاد و هم السيارة و هم العمارة و هم الدولار و هم الدينار و هم الدنيا لكن… ما هو الهم الأول في هذه الخريطة؟؟؟؟…في خريطة الهموم ما هو الهم الأول في خريطة همومك التي تحملها في هذه الدنيا هل هو هم الدين؟ أم هو هم الدنيا؟ لا بد من مصارحة للنفس نقب عن الهم الأول في خريطة همومك التي تحملها في هذه الحياة الدنيا … أنت ما خلقت إلا للعمل لدين الله و إلا لعبادة الله و إلا لطاعة الله قال جل في علاه ” و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون ” هذه هي الغاية و تلك هي الوظيفة التي تحولت في حياتنا إلى فرع بل إلى شيء في حس كثير ممن ينتسبون إلى هذا الدين و ظن قطاع عريض من المسلمين أن الدعوة إلى الله و أن بذل الجهد لدين الله إنما هو أمر مقصور على فئة معينة من العلماء الصادقين و الدعاة المخلصين فهذا ورب الكعبة وهم كبير فإنا جميعاً أيها الأخيار ركاب سفينة واحدة إن نجت هذه السفينة نجونا و إن هلكت هلكنا كما في صحيح البخاري في حديث النعمان بن بشير أن البشير النذير صلى الله عليه وسلم قال : مثل القائم على حدود الله و الواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها و أصاب بعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا الماء مروا على من فوقهم فقالوا : لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً حتى لا نؤذي من فوقنا ،يقول المصطفى : لو تركوهم و ما أرادوا لهلكوا جميعا و لو أخذوا على أيديهم لنجوا و نجوا جميعا فنحن جميعاً ركاب سفينة واحدة إن هلكت السفينة هلك الصالحون مع الطالحين هلك المتقون مع المفسدين ويبعث بعد ذلك كل واحد على نيته … يبعث كل واحد على ما مات عليه فالعمل للدين ليس مسؤولية العلماء و الدعاة فحسب بل هو مسؤولية كل مسلم و مسلمة ينبض قلبه بحب هذا الدين و بالولاء والبراء و بحب عقيدة لا إله إلا الله… بكل أسف فرق قطاع عريض من الأمة بين حقيقة الانتماء لهذا الدين و بين العمل له… ما معنى إطلاقاً بأن تكون منتمياً للإسلام دون أن تبذل للإسلام أي شيء؟؟ … لا معنى لانتمائك ألبتة لماذا أنت مسلم؟ ما معنى انتمائك للإسلام و هذا الدين؟ لا تفرق بين انتمائك و عملك لا تفرق بين انتمائك و جهدك لا تفرق بين انتمائك و حركتك لدين الله في الليل و النهار على حسب قدرتك و إمكانياتك و استطاعتك… تعلموا أيها الأخيار من أصحاب النبي المختار الذين فهموا أن الانتماء لدين الله جل و علا يستوجب أن يبذل الواحد منهم أقصى ما في طوقه من جهد لهذا الدين….هذا هو صديق هذه الأمة الأكبرــ و أسألكم بالله …. بالله!! …. أن تتدبروا هذه النماذج، فأنا لا أسوقها لمجرد الثقافة الذهنية الباردة!.. ولا من أجل التسلية و تضييع الوقت بل أسوق هذه الأمثلة ليقف كل واحد منا مع نفسه الآن ليسأل نفسه بعد هذه الخطبة..” ماذا قدمت أنا لدين الله جل و علا ؟ “ــ هذا صديق الأمة الأكبر شرح الله صدره للإسلام فنطق بالشهادتين بين يدي رسول الله و على الفور في التو و اللحظة يستشعر مسئوليته تجاه هذا الدين…. أنا أسألكم بالله ما الذي تعلمه أبو بكر في هذه الدقائق من رسول الله سوى الشهادتين مع سماعه لكلمات يسيرة جداً من المصطفى؟؟.. و مع ذلك يستشعر مسؤولية ضخمة تجاه هذا الدين بمجرد أن ردد لسانه الشهادتين فيترك الصديق رسول الله و ينطلق ليدعو!!!…….. يدعوا؟… يدعوا بماذا ؟؟….. والله ما عكف على طلب العلم سنوات لينطلق بعد ذلك للدعوة!!… و لكن بالقدر الذي أعطاه الله من النور خرج و هو يستشعر مسئوليته الضخمة لهذا الدين بكلمات قليلة… ليست العبرة بالمحاضرات الطويلة الرنانة المؤثرة.. والله يا أخي لو علم الله منك الصدق و الإخلاص و تكلمت كلمة واحدة لحركت كلمتك القلوب… فكم من محاضرات لا تحرك ساكنا … اللهم ارزقنا الإخلاص في القول و العمل ، فالإخلاص و الصدق يا شباب هما اللذان يحركان القلوب.. الكلمة إن كانت صادقة و إن كانت مخلصة ـ و لو كانت يسيرة قليلة ـ تحيي القلوب الموات بين الجوانح في الأعماق سكناها، فكيف تنسى و من في الناس ينساها.. الأذن سامعة و العين دامعة و الروح خاشعة و القلب يهواها.. و السر هو الصدق و الإخلاص.. تحرك الصديق بكلمات يسيرة جداً هل تصدق أيها المسلم أن الصديق بهذه الكلمات المخلصة الصادقة قد عاد إلى النبي في اليوم التالي مباشرة لإسلامه بالخمسة من العشرة المبشرين بالجنة؟!!!………إنها بركة الدعوة و بركة الحركة و بركة الجهد لدين الله ما قال : لا… تحرك بالقدر الذي من الله به عليه من علم في الدين من علم في الدنيا من علم في أي جانب … استغل مركزك و منصبك لدين الله سبحانه.. المهم أن ترى في قلبك هماً لدين الله.. المهم أن تفكر كيف تعمل شيئاً لدين الله سبحانه… و هذا هو الطفيل بن عمرو مثال أخر يأتي إلى مكة و روح الصراع دائرة بين المشركين و بين رسول الله و يلتقط جهاز الإعلام الخبيث في مكة الطفيل بن عمرو يستحوذ هذا الجهاز الإعلامي الذي لا يخلو منه زمان و لا مكان على الطفيل بن عمرو و قال السادة من الزعماء و الكبراء ممن يتحكمون في أجهزة الإعلام التي تشوش و تلبس على الناس عقيدتهم و دينهم …تحرك هذا الجهاز الإعلامي الخبيث على الطفيل …. يا طفيل ! … إنك قد نزلت بلادنا و قد ظهر فينا هذا الرجل الذي قد شتت شملنا و فرق جمعنا و فرق بين الأخ و أخيه و الابن و أبيه و نحن نخشى أن يحل بك و بزعامتك في قومك ما قد حل بنا في قومنا فإياك أن تسمع منه كلمة واحدة أو أن تكلمه كلمة فإن له كلاماً كالسحر يفرق بين الأخ و أخيه و الابن و أبيه… ” وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون ” و ظلوا يحذرون و يخوفون الطفيل حتى عزم الرجل ألا يقترب من رسول ال،ه فلما غدا إلى بيت الله الحرام ملأ أذنيه بالقطن حتى لا يسمع كلمة من رسول الله! ، يقول الطفيل : فأبى الله إلا أن يسمعنى بعض ما يقول محمد بن عبد الله!!!… اقترب منه، يقول : فرأيت محمداً في الكعبة يصلى صلاة غير صلاتنا ورأيتني قريباً منه و سمعت آيات القرآن التي يتلوها محمد ــ و لك أن تتصور القرأن الذي لو أنزله الله على جبل لتصدع و تفتت ، لك أن تتصور كيف يكون حال هذا القرأن إن خرج بصوت الحبيب المصطفى الذي أنزل الله عليه القرآن ــ تحرك قلب الطفيل ثم قال لنفسه : ثكلتك أمك يا طفيل!! .. إنك رجل لبيب عاقل شاعر لا تعجز أن تفرق بين الحسن والقبيح، اسمع للرجل، لا تحكم على الرجل قبل أن تسمع منه، قبل أن تجلس بين يديه، قبل أن تراه.. و انطلق الطفيل!، و تبع النبي حتى خرج من الكعبة إلى بيته و أخبره بما كان من أمر قريش و قال: يا محمد.. اعرض علي أمرك، فعرض النبي عليه الإسلام في كلمات يسيرة قليلة جدا، فقال الطفيل: والله ما رأيت أحسن من أمرك و لا رأيت أعدل من قولك ابسط إلي يدك لأبايعك يا رسول الله، و نطق الطفيل شهادة ألا إله إلا الله و أن محمداً رسول الله ــ تصور معي أخي الحبيب، و إذ بالطفيل في موقفه، في مجلسه يقول للمصطفى ــ يا رسول الله، أرسلني داعية إلى قومي دوس!! فإنهم كفروا بالله و فشا فيهم الزنا…. داعية؟!!! ما عندك يا طفيل…ما الذي تعلمت يا طفيل؟؟!!! .. إنها المسؤولية التي حملها في قلبه مع أول كلمة ينطق بها لسانه لدين الله.. و مع أول لحظة حب ووفاء لمحمد بن عبد الله صلى الله عليه و آله و سلم .. ينطق الشهادة فيعلم أن هذه الشهادة قد أوجبت عليه أن يتحرك لدين الله …. لماذا أنت مسلم؟.. منذ متى و أنت تصلى؟؟.. منذ متى و أنت تحضر مجالس العلم؟؟.. هل أتيت برجل آخر؟.. هل دعوت آخر لدين الله؟.. هل نظرت إلى جارك المعرض عن دين الله جل و علا فتحسر قلبك ووجهت إليه دعوة لله سبحانه ؟ من يحمل هذا الهم؟؟؟…. لأن قضية العمل لدين الله أصبحت ثانوية، هامشية في حس كثير من المسلمين ـ إلا من رحم ربك جل و علا !ـ الطفيل يشهد ألا إله إلا الله و أن محمداً رسول الله و على الفور يستشعر مسؤولية تجاه هذا الدين فيقول أرسلني داعية إلى قومي يا رسول الله، فأرسله المصطفى فقال الطفيل : ادعوا الله أن يرزقني آية يا رسول الله.. فدعا رسول الله أن يرزق الطفيل آية فما أن وصل إلى مشارف قومه إلا و قد ظهرت الآية التي تتمثل في نور في وجه الطفيل كالقنديل .. فقال الطفيل: لا يارب ! حتى لا يقولوا مثلة، حتى لا يقولوا إن الأصنام هي التي فعلت بي ذلك، و لكن اجعل هذا النور على طرف صوتي… فاستجاب الله فانتقل هذا النور الذي كالقنديل إلى طرف صوت الطفيل بن عمرو!! و ذهب إلى قومه فدعاهم إلى الله ثم عاد بعد ذلك إلى رسول الله فقال : يا رسول الله هلكت دوس ادع الله عليهم، فرفع صاحب القلب الكبير يديه إلى السماء و قال : اللهم اهد دوساً و ائت بهم فاستجاب الله دعاء المصطفى، فعاد إليهم الطفيل بعد ذلك ثم عاد بدوس كلها تشهد ألا إله إلا الله و أن محمداً رسول الله!! و على رأس دوس راوية الإسلام العظيم أبو هريرة رضي الله عنه الذي سياتي مع قبيلة دوس في ميزان الطفيل بن عمرو يوم القيامة كما ستأتي الأمة كلها يوم القيامة في ميزان المصطفى….. و هذا هو نعيم بن مسعود رضي الله عن نعيم، ذلكم الفدائي البطل الذي جاء للمصطفى في وقت عصيب رهيب كادت القلوب أن تخرج من الصدور في غزوة الأحزاب، أحاط المشركون بالمدينة من كل ناحية من حول الخندق و في لحظات حرجة قاسية نقض يهود بني قريظة العهد مع رسول الله وشكلوا تهديداً داخلياً خطيراً على النساء و الأطفال و تعاهدوا مع المشركين أن يحاربوا محمداً معهم و هذا هو فعل اليهود و هذه هي صفة اليهود… اليهود لا يجيدون إلا غدر و نقض العهود… نقضوا العهد مع رسول الله في وقت حرج، و لك أن تتصور الحالة النفسية التي مر بها المصطفى مع أصحابة و قد وصفها الله في القرآن وصفاً دقيقاً بليغا .. تدبر معي قول الله في هذه الحالة ” و إذ زاغت الأبصار و بلغت القلوب الحناجر و تظنون بالله الظنونا هنالك ابتلي المؤمنون و زلزلوا زلزالاً شديدا و إذ يقول المنافقون و الذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا” تصور هذه الحالة من الصف مع رسول الله من يقول ما وعدنا الله و رسوله إلا غرورا!! … المشركون يحيطون بنا و اليهود نقضوا العهد و سيدمروننا من الداخل و يقتلون نسائنا و أطفالنا .. حالة قاسية حتى قام المصطفى ليتضرع إلى الله …اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم و زلزلهم… تصور معي هذه الحالة و في هذا الوقت الحرج جاء نعيم بن مسعود رضي الله عنه! … لماذا ؟ أقبل على النبي و النبي يصلي بين المغرب و العشاء فالتفت إليه المصطفى و قال ما جاء بك يا نعيم ؟!
قال: جئت أشهد ألا إله إلا الله و انك رسول الله و أن ما جئت به هو الحق!!!…. ابسط إلي يدك لأبايعك يا رسول الله فبايعه المصطفى و شهد نعيم شهادة التوحيد و على الفور في التو و اللحظة قال نعيم : يا رسول الله مرني بما شئت!! فوالله لا تأمرني بشيء إلا قضيته فإنه لا يعلم أحد من القوم بإسلامي ، فقال له النبي يا نعيم : إنما أنت فينا رجل واحد فخذل عنا ما استطعت فإن الحرب خدعة…. فانطلق نعيم ، لم يضع النبي له تفاصيل خطة!.. لا… بل أمره أمراً عاما: خذل عنا ما استطعت، و انطلق نعيم الذي استشعر مسئوليته تجاه هذا الدين ، الرجل في مأزق! ، في فتنة الإسلام يتعرض لخطر، فلماذا لا أبذل؟!.. لماذا لا أقدم؟!… فكر هذا الفدائي الذي لم تمض عليه إلا دقائق في دين الله، و لكنه يستشعر مسئوليته في دين الله… الأحزاب يحيطون بالمدينة و رسول الله في فتنة خطيرة.. فليبذل دمه.. فليبذل روحه.. ــ و ها أنتم ترون الآن الإسلام و المسلمين في محنة و لكن منا والله من لا يفكر في أن يبذل شيئاً لدين الله لا في ليل أو نهار!!.. حتى لو دعونا الناس لمجرد الإنفاق ترى التقاعس ! هذا مسجد مثلأً لله جل و علا ترون فيه الطابق الثاني منذ متى و نحن نشيده؟ منذ متى و نحن ندعو لتشييده و بنائه و الناس يقفون الآن في الشمس! و مع ذلك سيسمع كثير منا هذا اللقاء و في جيبه الأموال من فضل الله و سيمضي و لن يساهم ولو بالقليل و كأن الأمر لا يعنيه! .. لماذا ؟.. لأن قضية العمل لهذا الدين أصبحت تتمثل في حسه في الخطبة و المحاضرة و الندوة هذا هو العمل لدين الله … لا أبداً لا ينتهي العمل لدين الله عند خطبة الجمعة أو عند محاضرة لشيخ أو عند ندوة لعالم بل إن الدين يحتاج إلى كل جهد و لو كان هذا الجهد قليلا ــ …. نعيم بن مسعود انطلق يفكر كيف يعمل لدين الله؟…فتدبروا معي يا شباب حتى لا يأتي شاب يقول ماذا أفعل! … ما دوري ؟…لا مانع من أن تستأنس و أن تسأل إن استشكلت عليك مسالة لكن فكر لدين الله كيف تعمل.. كيف تبذل ، انطلق نعيم إلى يهود بني قريظة فقال : لقد جئتكم أبذل لكم النصيحة، فاكتموا عني!، فقالوا قل يا نعيم ، قال : تعلمون ما بيني و بينكم ، قالوا : لست عندنا بمتهم و أنت عندنا على ما نحب من الصدق و البر فقال نعيم : إن أمر هذا الرجل بلاء ـ يقصد النبي عليه الصلاة و السلام فقد استحل نعيم من رسول الله أن يقول ما شاء ،فقال له المصطفى قل! فأنت في حل ـ فقال : أنتم ترون يا يهود بني قريظة ما فعل بيهود بني قينقاع و بني النضير و لستم كقريش و كغطفان فإن قريشاً و غطفان قد جاءوا من بلادهم و نزلوا حول المدينة فإن رأوا فرصة إنتهشوها و إن كانت الأخرى عادوا إلى بلادهم و ديارهم و أموالهم و انفرد بكم محمد ليفعل بكم ما فعل بيهود بني قينقاع و بني النضير، فأنا جئت لكم اليوم أبذل لكم النصيحة، قالوا : ما هي يا نعيم ، قال : لا تقاتلوا مع قريش و غطفان حتى تأخذوا سبعين رجلاً من أشرافهم! تستوثقون به منهم أنهم لن يبرحوا المدينة حتى يقتلوا محمدا و حتى يريحوكم من شره … قالوا: نعم الرأي يا نعيم، قال : اكتموا عني هذا فإني ناصح لكم، قالوا: نفعل… فتركهم نعيم الفدائي البطل و ذهب إلى قائد جيوش الشرك أبي سفيان، وقال: يا أبا سفيان تعلم الود الذي بيني و بينك، قال: نعم يا نعيم، قال: لقد جئتك الآن بنصيحة، قال ابذلها ، قال : ألا تعلم يا أبا سفيان أن يهود بني قريظة قد ندموا على نقدهم للعهد مع محمد بن عبد الله و ذهبوا إليه و قالوا أننا لا نقاتل مع قريش ضدك و لنثبت لك صدقنا سوف نرسل لك سبعين رجلاً من أشراف قريش و غطفان لتقتلهم لتعلم أننا ندمنا على نقضنا للعهد معك ؟…ففزع أبو سفيان ، فقال نعيم : إياك أن تسلم اليهود رجلاً واحداً من أشرافكم قال : أفعل يا نعيم… و شكر له هذه النصيحة الغالية و تركهم و ذهب إلى غطفان و قال لهم مثلما قال لأبي سفيان و في الوقت ذاته أرسل اليهود إلى قريش و غطفان ليقولوا لهم: ادفعوا لنا سبعين رجلاً من أشرافكم لنستوثق بهم أنكم لن تبرحوا المدينة حتى تقاتلوا معنا محمدا و لن تدعونا لينفرد محمد بقتالنا!.. فقالت قريش و غطفان صدق والله نعيم، كذب اليهود عليهم لعائن الله… و لما رفض القرشيون أن يسلموا اليهود الأشراف و عاد الرسل لليهود قالوا صدق والله نعيم! إنهم يريدون أن ينصرفوا لينفرد محمد بقتالنا… فخذل الله عز و جل بين قريش و غطفان و بين اليهود على يد نعيم بن مسعود رضي الله عنه.. و يئس هؤلاء من نصر هؤلاء و يئس هؤلاء من نصر هؤلاء و استراح قلب النبي داخل المدينة لأن اليهود قد نقضت العهد مرة أخرى مع قريش و غطفان و قد انشغل قلبه و قلوب أصحابه على ذويهم و نسائهم و أطفالهم داخل المدينة وهم قد خرجوا ليحاصروا المدينة من الخارج في مواجهة الصف المشرك الذي خندق حولها …على يد رجل ثبت الله جيشاً ما وضع النبي له بنود هذه الخطة بل فكر و على قدر الإخلاص و على قدر الصدق يكون التوفيق من الله جل و علا… أيها الشباب… أيها الشباب… قد يرد علي الآن رجل من آبائنا أو شاب من أحبابنا أو أخت من أخواتنا و هذا سؤال مثار و يقول يا أخي ولكني والله استحي أن أتحرك لدين الله و أنا مقصر، أنا مذنب، أنا عاصي أنا أعلم حقيقة نفسي أقول : لو تخاذلت عن العمل لدين الله فقد أضفت إلى قائمة تقصيرك تقصيراً!!، و إلى ذنوبك ذنبا، و إلى بعدك بعدا، فلا يمنعك ذنبك من ترك العمل لدين الله ولا يمنعك تقصيرك، و لا يمنحك إجازة مفتوحة من العمل للإسلام.. لا!.. خذ هذه الرسالة الرقيقة من أبي محجن الثقفي رضي الله عنه … رجل مدمن لشرب الخمر !… سبحان الله، مع أنه فارس مغوار إذا نزل الميدان أظهر البطولة و الرجولة و لكنه ابتلي بإدمانه لشرب الخمر و مع ذلك تراه جندياً في صفوف القادسية… خرج للقتال؟.. نعم !.. و هو الذي كثيراً ما يؤتى به ليقام عليه الحد؟.. نعم و في ميدان البطولة و الشرف أتي به لقائد الجيش سعد بن أبي وقاص لأنه قد شرب الخمر فلعبت الخمر برأسه مرة أخرى في ساحة المعركة؟!!!… نعم !… فأمر سعد بن أبي وقاص خال رسول الله أن يمنع أبو محجن من المشاركة في المعركة و أن يقيد حتى تنتهى المعركة لأنه لا تقام الحدود في أرض العدو و قيد أبو محجن و بدأت المعركة و ارتفعت أصوات الأبطال و قعقعة السيوف و الرماح و تعالت أصوات الخيول و انفتحت أبواب الجنة لتطير إليها أرواح الشهداء.. و هنا احترق قلب أبي محجن!.. الذي جيء به على معصية؟.. نعم!… لا لم يفهم أبو محجن أن الوقوع في المعصية يمنحه أجازة مفتوحة من العمل لدين الله من المشاركة لنصرة لا إله إلا الله إنما احترف قلبه و بكى و نادى على زوج سعد بن أبي وقاص سلمى و قال لها أسألك بالله يا سلمى أن تفكي قيدي و أن تدفعي لي سلاح و فرس سعد ـ لأن سعداً قد أقعده المرض عن المشاركة في القادسية إلا بالتخطيط ـ فرقت سلمى لحال أبي محجن ففكت قيده و دفعت له السلاح و الفرس و قال لها : لكي علي إن قتلت فالحمد لله!… وإن أحياني الله جل و علا أن أعود إلى قيدي لأضعه في رجلي بيدي مرة أخرى!.. و انطلق أبو محجن و تغير سير المعركة على يد بطل… على يد فارس… حتى قال سعد الذي جلس في عريش فوق مكان مرتقع ليراقب المعركة قال سعد: والله لولا أني أعلم أن أبى محجن في القيد لقلت بأن هذا الفارس أبو محجن و لو لا أني أعلم أن البلقاء في مكانها لظننت أنها البلقاء فردت عليه زوجه و قالت نعم!.. إنها البلقاء و إنه أبو محجن و حكت له ما قد كان و لما انتهت المعركة دخل سعد بن أبي وقاص على أبي محجن في موقعه في سجنه فوجد ابو محجن قد وضع القيد بيديه في رجليه كما كان مرة أخرى!! فبكى سعد بن أبي وقاص و رق لحاله و قال له : قم يا أبا محجن و فك القيد عن قدميه بيديه و قال له سعد : والله لا أجلدك في الخمر بعدها أبدا ، فنظر إليه أبو محجن و قال : ربما أكون كنت أذل فيها لأنني أعلم أنني أطهر بعدها بالجلد ، أما الآن لا تجلدني فأنا والله لا أشرب الخمر بعدها أبدا!!… و صدق مع الله جل و علا ….فهذه رسالة رقيقة يرسل بها أبو محجن الثقفي لأصحاب العصاة من أمثالي… لأهل الذنوب من أمثالي… ألا تمنحهم ذنوبهم إجازة مفتوحة من أن يتحركوا لدين الله و من أن تتحرك قلوبهم بالعمل لدين الله جل و علا… حتى الهدهد!!… ذلكم الطائر الأعجم لم يفهم أنه في مملكة ضخمة على رأسها نبي سخر فيها الإنس و الجن و الأرض و الريح لهذا الملك النبي لم يفهم أنه بهذا قد أخذ إجازة من ألا يعمل لدين الله… الهدهد؟… أي والله تحرك ليعمل للدين؟… أي والله!، بل جاء لهذا الملك النبي ليكلمه بكل ثقة: أحطت بما لم تحط به و جئتك من سبأ بنبأ يقين .. إني وجدت امرأة تملكهم و أوتيت من كل شيء و لها عرش عظيم وجدتها و قومها يسجدون للشمس من دون الله و زين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون… و يعلن الهدهد براءته من عقيدة الشرك و الكفر و يقول : ألا يسجدوا لله ؟!…الذي يخرج الخبأ في السماوات و الأرض و يعلم ما تخفون و ما تعلنون؟… الله… لا إله إلا هو رب العرش العظيم ….هدهد لم يعجز أن يجد لنفسه دوراً في مملكة موحدة لا في بلد نحت شريعة الله بل في مملكة موحدة على رأسها ملك نبي لم يعجز أن يجد لنفسه دوراً ليعمل لدين الله فهل تعجز أيها المسلم و أيها الشاب أن تجد لنفسك دوراً الآن حتى تعطي نفسك أجازه مفتوحة ألا تتحرك و ألا تعمل شيئاً لدين الله جل و علا ؟…أقول يجب أن نزيل من قلوبنا وهماً كبيراً يتمثل في أن العمل للدين هو الخطبة و الندوة و المحاضرة … لا.. لا!! … بل إن العمل للدين مسئولية كل مسلم و مسلمة على وجه هذه الأرض و هذا هو عنصرنا الثالث…..
ثالثاً : تبعة ثقيلة و أمانة عظيمة أطوق بها الأعناق أيها المسلمون في كل مكان يا من تستمعون إلي الآن في هذا البيت المبارك أو عبر شريط الكاسيت بعد ذلك… أعلموا أن كل مسلم و مسلمة على وجه الأرض نبض قلبه بحب الله و حب رسول الله واجب عليه أن يتحرك لدين الله على حسب قدرته و استطاعته و إمكانياته المتاحة ليس بالضرورة أن ترتقي المنبر هنا! ، ليس بالضرورة أن تجلس على الكرسي لتحاضر، لكنه لابد أن تتحرك لدين الله في موقعك ، أنت طبيب هل حولت الإسلام في حياتك إلى عمل؟… أنت مدرس ، هل حولت الإسلام في فصلك إلى منهج حياة ؟… أنت موظف هل اتقيت الله في عملك و راقبت الله في السر و العلن و قال الجمهور ممن يتعاملون معك هذا موظف مسلم يخشى الله جل و علا؟؟… أم انك لا تقدم شيئا إلا إذا أخذت الرشوة بأسلوب صريح أو غير صريح؟! ، أين الإسلام … أين الإسلام في واقع حياتنا ؟… هل شهدنا للإسلام شهادة عملية سلوكية أخلاقية؟.. بعد ما شهد الكل شهادة قوليه باللسان مع أننا نعلم يقينا أن القول إن خالف العمل بذر بذور النفاق في القلوب ” يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ” و نحن نقول ما لا نفعل إلا من رحم ربك جل و علا… أسأل الله أن يجعلنا و إياكم ممن رحم… العمل للدين مسئولية كل مسلم و ها أنا ذا سأضع لك خطوات عملية فاحفظها حتى لا نسأل بعد ما هو دوري .. ما ذا أفعل ؟!…
الخطوة الأولى : أن تكون لقضية الدين مساحة في خريطة اهتماماتك و برامجك.. أن يحرك الدين عواطفك و أن يحرق هم الدين وجدانك.. هذه أول خطوة!، فمحال أن يتحرك الإنسان لشيء لا يعتقده!! ، لا يحمله في قلبه.. أحمل هم الدين في قلبك لتتحرك له..
الخطوة الثانية: فرغ شيئاً من وقتك لابد حتماً حتى ولو ساعة في اليوم لدين الله لتتعلم الدين.. لتفهم الدين فهما صحيحاً على أيدي العلماء العاملين و الدعاة الصادقين.. لا بد أن تفرغ وقتاً من وقتك لتتعلم ..محال أن تنصر شيئاً تجهله!!.. فرض عين عليك يا مسلم و فرض عين عليك أيتها المسلمة.. فرض عين على كل مسلم أن تعلم فروضا الأعيان ليعبد الله عبادة صحيحة.. تتعلم الصلاة/أركان الصلاة/ أحكام الصلاة/ نواقض الصلاة/ مبطلات الصلاة.. تتعلم قبل الصلاة التوحيد و حقيقة التوحيد و مكانة التوحيد و كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم ربى الأمة ابتداءاً على التوحيد.. و تتعلم كيفية الصيام و أحكامه و آدابه و سننه.. و تتعلم الزكاة و مقادير الزكاة و كيف تخرج الزكاة.. و تتعلم البيوع إذا كنت تاجراً يتاجر بالدرهم و الدينار..و تتعلم مناسك الحج…. فرض عين عليك أن تتعلم فروض الأعيان لتعبد الله جل و علا عبادة صحيحة فهل تعلمتها؟!!.. هل فرغت شيئاً من وقتك لتجلس بين يدي العلماء و الدعاة لتتعلم دين الله؟…هذه هي الخطوة العملية الثانية ..
الخطوة الثالثة: حملت هم الدين و تعلمت؟ و فهمت؟ يجب عليك بعد ذلك أن تحول هذا الدين الذي تحمل همه و الذي تعلمته و فهمته في حياتك إلى واقع عملي و إلى منهج حياة…
الخطوة الرابعة: إن فعلت ذلك اخطوا على الطريق خطوات عملية لازمة تتمثل في أن تدعو غيرك لهذا الدين الذي تحمل همه و لهذه القضية التي تعتنقها و التي تعلمتها و فهمتها و عملتها.. تحرك بعد ذلك على الفور لدين الله جل و علا لتبلغ غيرك و لتنقل هذا النور فلا تكن زهرة صناعية!! أي من صنع البشر لا تحمل من عالم الزهور إلا اسمها و كن زهرة كالزهرات التي خلقها الله لا تحبس عن الناس أريجها و عطرها فإن من الله عليك بالنور فانقل هذا النور إلى غيرك من المسلمين… و لتتحرك الأخت المسلمة لتنقل هذا النور إلى غيرها من الأخوات المسلمات، تكثيرك لأخواتك المسلمين الآن في خطبة الجمعة أو في محاضرة من المحاضرات لإغاظة المنافقين لتبين لهم أننا لازلنا نعشق هذا الدين و تحترق قلوبنا له هذا عمل للدين.. جلوسك في مجلس علم لتتعلم عقيدة التوحيد لتعمل بها ولتعلمها غيرك عمل للدين.. جلوسك في حلقة قرآن بعد العصر لتحفظ القرآن و لتحفظه غيرك بعد ذلك عمل للدين.. تربيتك لزوجتك و أولادك تربية طيبة على القرآن و السنة عمل للدين.. اهتمامك بدروسك أيها الطالب المسلم و تفوقك في جامعتك و دراستك و حصولك على المراكز الأولى عمل للدين.. اهتمامك بزوجك أيتها المرأة المسلمة و حفظك لعرضه و حفظك لشرفه ووقوفك إلى جواره في تربية الأولاد تربية طيبة و عدم إلهابك لظهره بالطلبات والنفقات التي لا يقدر عليها عمل للدين.. التزامك أيها الموظف و المسئول المسلم بعملك في مواعيدك المنضبطة و بإخلاصك و تفانيك في خدمة جماهير المسلمين عمل للدين.. صدقك في كلامك و إخلاصك في وفائك في الوعود و العهود عمل للدين.. نشرك لشريط استمعته و استفدت منه عمل للدين.. لصقك لإعلان لخطبة جمعة أو لمحاضرة علم عمل للدين.. غيرتك في قلبك على حرمات الله التي تنتهك عمل للدين.. أمرك بالمعروف و نهيك عن المنكر عمل للدين.. إخلاصك في أي عمل.. عمل للدين.. دعوتك لغيرك بالحكمة و الرحمة عمل للدين.. رفقك في نصيحة إخوانك عمل للدين.. إنفاقك لجنيه على فقير أو يتيم أو مسكين عمل للدين.. تخصيصك لجزء من راتبك لدعوة الله أو للإنفاق على طالب علم أو لداعية من الدعاة عمل للدين.. مساهمتك لبناء مسجد كهذا عمل للدين.. ماذا تريدون بعد ذلك؟؟!!…. والله لا يترك هذا المجال الفسيح إلا مخذول محروم ابذل أي شيء…. أهل الباطل يتحركون بكل قوة… نيتنياهو يعلمنا كيف يكون البذل للعقيدة و هو على الكفر.. و أهل الحق و أهل التوحيد في تقاعس مرير.. بالله عليكم ماذا لو تحرك هذا الجمع الذي يتكون من الآلاف بين يدي!!.. ماذا لو تحرك كل هذا الجمع ليتحولوا إلى دعاة صادقين في مواقع الأعمال و مواطن الإنتاج و على كراسي الوظائف؟؟… ماذا يكون لو تحولوا إلى دعاة صادقين لدين الله جل و علا؟؟… أيها الأخيار الكرام الرسول يحملنا هذه الأمانة ” بلغوا عني ولو آية ” و الحديث في الصحيحين و يقول صلى الله عليه وسلم ” ما من نبي بعثه الله قبلي إلا و كان له من أمته حواريون و أصحاب يأخذون بسنته و يقتدون بأمره ثم إنهم تخلف من بعدهم خلوف… اسأل الله ألا يجعلنا منهم.. فلن تكون من حواريي و أنصار رسول الله إلا إذا حملت هم دعوة النبي في قلبك و إلا إذا تحركت لها و فكرت لها في النوم و اليقظة و السر و العلانية.. يقول ابن القيم في تعليقه على قوله تعالى ” قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا و من اتبعن ” يقول ابن القيم رحمة الله عليه ” لن يكون الرجل من أتباع النبي حتى يدعوا إلى ما دعا إليه النبي على بصيرة ”
هل دعوت إلى الله ؟.. هل تحركت لدين الله أيها الحبيب ؟.. هل تحركت لدين الله يا أختاه ؟.. تحركوا أيها المسلمون من الآن! .. الدعوة إلي الله فرض عين على كل مسلم و مسلمة كل بحسب قدرته ، هذا ما قرره علماؤنا في هذا الزمان لأن الكفر انتشر و لأن الإلحاد ظهر و لأن الزندقة كثرت و لأن العلمانيين يهدمون صرح الإسلام في الليل و النهار فيجب عليك أن تتحرك في حدود قدراتك و إمكانياتك و اعمل و لست مسئولاً عن النتيجة ، الله جل و علا يقول ” و قل اعملوا فسيرى الله عملكم و رسوله و المؤمنون ” ، لا أريد أن أشق أكثر من ذلك على أحبابي و أخواني الذين أراهم يقفون في الشمس قبل أن أرتقي هذا المنبر.. و لذا فأنا ألزم الجميع الآن ترجمة عملية الآن لدين الله سبحانه ألا يفارق هذا المكان أحد صلى معنا إلا و قد ساهم بأي شيء لننهي الدور الأعلى في هذا البيت الكريم المبارك، حتى لا نشق بعد ذلك على إخواننا في صلوات الجمعة فيجدون مكاناً يسمعون فيه قول الله وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم…و ابحث أنت بنفسك عن إخوانك الذين يجمعون فإن كل تبرعات اليوم لتشييد الدور الثاني في هذا البيت الكريم المبارك الذي يمثل منارة للتوحيد و الهدى في محافظة الدقهلية بأكملها…أسأل الله جل و علا أن ينفع به و أن ينفعنا و إياكم بما نسمع و ما نقول و أقول قولي هذا و استغفر الله العظيم لي و لكم.
الحمد لله رب العالمين .. و أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له و اشهد أن سيدنا محمداً عبده و رسوله .. اللهم صلي و سلم و زد و بارك عليه و على آله و أصحابه وأحبابه و أتباعه و على كل من اهتدى بهديه و استن بسنته و اقتفى أثره إلى يوم الدين، أما بعد… فيا أيها الأحبة الكرام لا أريد أن أفارق الأحبة إلا وقد سكبت الأمل في القلوب سكباً بأن المستقبل لهذا الدين فإن عنصرنا الأخير هو رابعاً : فجر الإسلام قادم… حتى نعلم يقيناً أن الله سينصر دينه بنا أو بغيرنا “و ما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفأن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم و من ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً و سيجزي الله الشاكرين” إن انصرفت عن مجالس العلم فلن تضر الله شيئا .. إن تقاعست عن الإنفاق لدين الله فإن الله هو الغني.. إن انصرفت عن العمل لدين الله فإن الله لا يريد منك عملا!!.. أنت الخسران.. الله جل و علا لا تنفعه طاعة و لا تضره معصية و هو القادر على كل شيء،و لكنه يأمرك لأنه يريد بك و لك الخير “يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين” فالله سبحانه ناصر دينه بنا أو بغيرنا.. و إن المستقبل للإسلام رغم كيد الفجار و المنافقين و العلمانيين.. إن المستقبل لدين الله جل و علا بموعود الله و بموعود رسول الله فلا أقول هذا الكلام رجماً بالغيم و لا من باب الأحلام الوردية لتسكين الآلام و تضميد الجراح لا!.. بل هذا هو قرآن ربنا يتلى و هذه هي أحاديث نبينا تسمع إن المستقبل لهذا الدين و إن أشد ساعات الليل سواداً هي الساعة التي يليها ضوء الفجر و ضوء الإسلام قادم بإذن الله جل و علا.. إن الذي يسطل في الأمر في نهاية المطاف أيها الشباب ليس هو ضخامة الباطل و لكن الذي يسطل في الأمر هو قوة الحق ولا شك أبداً أن معنى الحق الذي من أجله خلق الله السماوات و الأرض و الجنة و النار و من أجله أنزل الله الكتب و أرسل الرسل،معنا رصيد فطرة الكون..معنا رصيد فطرة الإنسان التي فطرت على التوحيد و قبل كل ذلك و بعد كل ذلك.. معنا الله .. و يالها والله من معية كريمة لو علم الموحدون قدرها ولو عرف المسلمون عظمتها و جلالها ” ما قدروا الله حق قدره ” فالمستقبل للدين و نصرة الله لدين الله جل وعلا وعد منه سبحانه ووعد من نبيه الصادق الذي لا ينطق عن الهوى قال تعالى ” إنا لننصر رسلنا و الذين آمنوا في الحياة الدنيا و يوم يقوم الأشهاد ” ، قال تعالى ” و لقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون و إن جندنا لهم الغالبون ” قال تعالى ” وعد الله الذين آمنوا ـ آمنوا ـ منكم و عملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم و ليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم و ليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ” قال تعالى ” هو الذي أرسل رسوله بالهدى و دين الحق ليظهره على الدين كله و لو كره المشركون ” ، ” يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم و الله متم نوره و لو كره الكافرون ” قال تعالى ” و الله غالب على أمره و لكن أكثر الناس لا يعلمون ” قال تعالى ” إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون ” و الذين كفروا إلى جهنم يحشرون “… و أختم بهذا الحديث الصحيح الذي رواه البخاري و مسلم من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه و سلم قال : لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي وراء الحجر و الشجر فيقول الحجر و الشجر يا مسلم يا عبد الله ورائي يهودي تعال فاقتله إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود ” .. فالله ناصر دينه بنا أو بغيرنا.. فهل ستتقاعس و تتخلى عن هذا الشرف؟!.. هيا سابق الزمن!، قبل أن يأتيك ملك الموت فتندم يوم لا ينفع الندم … أمانة أطوق بها أعناق كل مسلم و مسلمة على وجه الأرض يستمع إلى هذه الكلمات معي الآن أو عبر شريط الكاسيت بعد ذلك اللهم إني قد بلغت .. اللهم فاشهد يا رب العالمين.