أبو بكر الصدِّيق ودوره في الدعوة الإسلامية

بحث ماجستير (تكميلي) للباحث: جبرين بن إبراهيم بن عبدالله الجبرين

أعدَّ الملخَّص/ محمد بن سالم بن علي جابر


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد:

يُعد أبو بكر الصدِّيق رضيَ الله عنه أوَّل مَنْ أسلم من الرجال، وهو صاحب الرسول في الغار وسيرته العطرة مبسوطة في كتب السير والتراجم، إلا إن بين أيدينا اليوم دراسة تقدم بها الباحث جبرين بن إبراهيم بن عبدالله الجبرين لنيل درجة الماجستير من كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، وكانت الدراسة بعنوان: “أبو بكر الصدِّيق ودوره في الدعوة الإسلامية”، ركَّز فيها الباحث على دور أبي بكر رضيَ الله عنه في الدعوة إلى الله زمن حياة الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم وبعد وفاته، لنتعرَّف من خلالها على منهج سلفنا الصالح في الدعوة، لعلنا نقتدي بهم، ونحذو حذوهم، وما ذلك على الله بعزيز.

ويسرُّنا في (الألوكة) أن نتجوَّل معكم في ربوع تلكم الدراسة؛ علَّنا نجد فيها المتعة والفائدة.

1- أسباب اختيار الموضوع:

يقول الباحث في ذلك: “وأسباب اختياري لموضوع “أبو بكر الصدِّيق ودوره في الدعوة” دون غيره – لعلمي أنَّ دراسة سيرته ومنهجه في الدعوة جديرٌ بالبحث والعناية، كيف لا وهو الداعية الثاني بعد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم!! ثم أنه درس في مدرسة الرسول الأعظم؛ فتعلَّم على يديه، وكان مطبِّقًا لأقواله وأفعاله، فانعكس ذلك على شخصيته؛ فصار في تاريخ الإسلام من أعظم الدُّعاة إلى الله، الذين هدى الله بهم الناس بعد الضَّلال، وجمع الله بهم الشَّمل بعد الفُرْقة.

ثمَّ إنني أردتُ أن أستفيد ويستفيد غيري من الدُّعاة بعض الدروس من سيرته ودعوته، فعقدت العزم على البحث في ذلك مستعينًا بالله سبحانه”.

2- أقسام الدِّراسة:

قسم الباحث دراسته إلى مقدّمة وثلاثة فصول وخاتمة.

أما المقدمة:

فبيَّن فيها موضوع البحث وأسباب اختياره، والمنهج الذي سار عليه في البحث.

وأما الفصل الأول:

فقد جعله في أحوال عصره؛ لضرورة ذلك؛ لأنه ما من شكٍّ أنَّ معرفة أحوال عصره وكيف كان موقفه منها – ضروريٌّ لإبراز شخصيته، وذلك من خلال المباحث التالية:

• الحالة السياسية.

• الحالة الاقتصادية.

• الحالة الاجتماعية.

وفي الفصل الثاني:

تحدَّث الباحث عن حياة أبي بكر الصدِّيق وشخصيته، من خلال النقاط التالية:

• نسبه ونشأته.

• صفاته الخِلْقيَّة والخُلُقيَّة.

• صداقته للرسول صلى الله عليه وسلم قبل المبعث.

• إسلامه.

• اضطهاد المشركين له حينما أسلم، وعزمه على الهجرة إلى الحبشة.

• صحبته للرسول صلَّى الله عليه وسلَّم بعد المبعث.

• علمه وفهمه.

• حِلمه وعفوه.

• شجاعته.

• مرافقته للرسول صلَّى الله عليه وسلَّم في هجرته.

• الآيات والأحاديث التي وردت في فضله.

• اختصاصاته.

• وفاته.

أما الفصل الثالث:

فقد بيَّن فيه دَوْرَ الصدِّيق رضيَ الله عنه العَمَلي في الدعوة، وأفرد في هذا الفصل المواضع التي تتعلَّق بدعوته، ومنها:

• مَنْ أسلم على يديه.

• تفانيه في الدَّعوة.

• عِتْقه للأرقَّاء المسلمين.

• وَرَعه وتقواه.

• زهده وتواضعه.

• جهاده في سبيل الله.

• مواقفه في الحقِّ.

• خلافته.

• أعماله وفتوحاته.

• خطبه ومواعظه.

وأما الخاتمة: فتشتمل على أهم النتائج التي توصَّل إليها.

3- خاتمة الدراسة ونتائجها:

يقول الباحث في خاتمته التي ضمَّنها أهمَّ ما توصَّل إليه من نتائج في هذه الدراسة:

“وهكذا نودِّع الصدِّيق في هذا البحث المتواضع، ومهما قلنا وكتبنا – فلن نوفِّي الصدِّيق حقَّه، ولا نملك إلا ندعو له ونترضَّى عنه، سائلين الله جلَّ وعلا أن يجعلنا نهتدي بهَدْيه وهدي إخوانه صحابة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.

وقد توصَّلت من خلال بحثي السابق إلى النتائج الآتية:-

1- أن الصدِّيق رضيَ الله عنه منذ أن بدأ فجر الإسلام وهو يحشد قواه الفكرية وقواه الجسمية وقواه الاقتصاديَّة فِي سبيل إعْزاز دِينِ اللَّه وإِعْلاء كَلِمَته.

2- لقد عرفنا ما كان عليه العرب من الديانة والخُلُق والجاهلية الجهلاء، ثم لاحظنا كيف أنَّ الصدِّيق كان يتمتَّع بحصانة أمدَّه اللَّهُ بها، وحصَّنه من تلك المؤثِّرات، فلم يسجد لصنمٍ قطُّ، ولم يشرب خمرًا قطُّ، وكان على جانب قويٍّ من الأخلاق السامية.

وما من شكٍّ أنَّ الداعية يجب تحصينه من المؤثرات الخارجية؛ لأنَّ هذا مما يجعله يبصر غايته، فإذا كان إيمانه راسخًا، وعقيدتُه ثابِتةً مِثْل صاحِبِنَا أبي بكر الصدِّيق رضيَ الله عنه فَسَوْفَ يَكُونُ مَشْحونًا بِالإيمان القويِّ الذي يجعله يَسْتَسْهِلُ الصَّعْبَ فِي طريق دعوته، فلا يُبالِي بِما يَحْصُل له من أذى، ولا ما يعتَرِضُه من مشقَّة، ولا ما ينفقه من مال، كَثُرَ أم قَلَّ.

فهذا الصدِّيق رضيَ الله عنه وأصحابه الكرام – لما تعمَّق الإيمان في قلوبهم؛ فعل بهم الأفاعيل، فاستسهلوا الصعب في سبيل نصر هذا الدِّين، فجابوا القِفار، وركبوا البحار، حتى علت أعلام الإسلام خفَّاقة، وحتَّى صارَ صَدَى دَعْوَتِهم مُدَوِّيًا في جميع أرجاء المَعْمُورة.

3- وَمِنَ النَّتائِجِ: أنَّ الصِّفات التي تمتَّع بها الصدِّيق رضيَ الله عنه كانت دعوة صامتة في حدِّ ذاتها، دعوة حسيبة، كان لها انعكاسات بعيدة؛ فلقد كان من خُلُقِه التواضع والقدوة الحسنة في كل الأمور، وهذا ما يجب أن يكون عليه الداعية لكي يتقرَّب به إلى نفوس المدعوِّين، فَيَفْتَحون له صدورهم، ويُصغُون له آذانهم، ثُمَّ يتمكَّن قولُه في قلوبهم.

4- وَمِنَ النَّتائِج: أنَّ الصدِّيق رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كان صادقًا في كُلّ أَقْوَالِه وَأَفْعَالِه، فَإِذَا قَالَ فَعَلَ، وَهَذَا مَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عليه الدَّاعيةُ المؤْمِنُ المخلِص.

5- ومن النتائج أيضًا: أنَّ الصدِّيق صبر على الأذى وتكبَّد الأخطار في سبيل إنجاح دعوته، وهذا ما يجب أن يكون عليه الدَّاعية كما قال الشاعر:

لأَسْتَسْهِلَنَّ الصَّعْبَ أَوْ أُدْرِكَ الْمُنَى  ♦♦♦ فَمَا  انْقَادَتِ  الآمَالُ   إِلاَّ   لِصَابِرِ

 

6- ومن النتائج أيضًا: أنَّ الصدِّيق رضيَ الله عنه كان على جانب من العلم والفَهْم في دين اللَّه، وهذا الأمر ضروريٌّ للدَّاعية؛ لكي يعلم حقيقة ما يدعو إليه، ولكي يكون عالمًا بحدِّ المعروف والمنكر، حتى لا يأمر إلا بالمعروف، ولا ينهى إلا عن منكر.

7- ومن النتائج أيضًا: أنَّ الصدِّيق رضيَ الله عنه كان يتحلَّى بالحِلْم والعفو، وهذا ما يجب أن يكون عليه المؤمن، ولكن هذا الأمر في حقِّ الداعية أهمُّ من غيره من سائر الناس؛ فلابدَّ أن يكون حليمًا؛ لكي يستطيع أن يأخذ بقلوب الناس، ولابدَّ أن يتحلَّى بالعفو الذي هو من أعظم الأخلاق.

8- ومن النتائج أيضًا: أنَّ الصدِّيق رضيَ الله عنه كانت عنده القدرة على التأثير على الآخَرين؛ فها هو ينصب مسجده أمام داره، ويصلي صلاةً علنيَّةً، ويقرأ القرآن قراءةً جهريَّةً؛ فتأثَّر به خَلْقٌ كثيرٌ، فأسلموا على يديه، حتى إن قريشًا غاظها ذلك، وأرادت منعه، فكفاه الله أذاهم. فهذا درسٌ يجب أن نستفيده نحن – معشر الدُّعاة – من سيرة الصدِّيق.

9- ومن النتائج أيضًا: أنَّ الصدِّيق رضيَ الله عنه قدر على الإيغال في دعوته في أوساط مجتمعه، حتى تأثَّر به أصدقاؤه وجُلَساؤُه، فظهرت آثار ذلك؛ حيث إنهم تأثروا به فأسلموا، وجنَّدوا نفوسهم للدعوة قولا وفعلا. وهذا درسٌ آخَر يجب أن يُستفاد من سيرة هذا الرجل العظيم.

10- ومن النتائج أيضًا: أنَّ الصدِّيق كان غيورًا على الحقِّ؛ فكان يَغَارُ على المشركين إذا أرادوا نَيْل صاحب الدَّعوة صلَّى الله عليه وسلَّم بأذى، ثم ها هو يقف المواقف العظيمة، لا يحيد عنها مهما صارت النتائج. فلنر عزمه على حرب المرتدِّين، وعزمه على نشر الإسلام وإعلاء كلمة الله في جميع الأصقاع!!.

11- ومن النتائج أيضًا لبحث أبي بكر ودعوته: أن نرى كيف تلقَّى الأحداث بصدر رَحْبٍ، فعَمِلَ التَّرتيباتِ اللاَّزمة، وبحث عن العلاج الناجح لعلاج تلك المشكلات التي ألمَّت بِالمسلمين وَتَكَالَبَتْ عَلَيْهِمْ، حَيْثُ إِنَّهم فقدوا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ثم ما لبثوا أنِ ارْتدَّت العرب حول المدينة وجيش أسامة قد عقد لواءه الرسول صلَّى الله عليه وسلم وأمر بتسييره، ولكن داعيتنا يتلقَّى كلَّ ذلك بكلِّ شجاعة وبسالة، وبكلِّ إيمانٍ عميق، وبكلِّ ثقةٍ بأنَّ الله سيفرِّج الكَرْب، وسَوْفَ يَنْصُر دعوته ويُعِزُّ دينه، وهذا يفيدنا في أنَّ الدَّاعية يجب عليه أن يتلقَّى كلَّ ما يُعارِضُه من مشكلات بصدر رَحْبٍ، وأن يفكِّر التفكير السليم، ويُوجِد الحُلول المناسبة.

12- ومن النتائج المهمَّة أيضًا من بحثنا للصديق ودعوته: أن نرى كيف أنَّه لم يستعجل في الأمور، فلم يكلّ ولم يملّ، وإنَّما واصل دعوته صابرًا محتسِبًا، وهذا ما يجب على الداعية، فلا يقول مثلاً: لم أستطع أن أعمل شيئًا، فلابدَّ من الصبر، ومَنْ ألحَّ وكرَّر طَرْق الباب فُتِحَ له، ومَنْ سار على الدَّرْب وَصَلَ إلَى غايَتِه التي ينشدها، وها نحن نرى الصدِّيق مُنْذ أن أسلم وهو يدعو إلى الله، فها هو يقول: يا أيها الناس، إنكم تقرؤون هذه الآية: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ﴾ [المائدة: 105]، وإني سمعتُ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ((إنَّ الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه؛ أوشك أن يعمَّهم الله بعقابٍ من عنده)).

13- ومن النتائج أيضًا: أنَّ الصدِّيق رضيَ الله عنهكان على جانب قَوِيّ من الوَرَع والتَّقْوَى وَالزُّهْدِ في الدُّنيا، وهذا شأن الداعية المخلِص؛ فلنا فيه القدوة الحسنة، رضيَ الله عنه.

14- ومن النتائج أيضًا: أنَّ الصدِّيق رضيَ الله عنه كان شجاعًا في الحقِّ، تلك الشجاعة التي جعلها الإسلام تسير في طريقها الصحيح.

وما أكثر النتائج والدروس المستفادة من سيرة الصدِّيق رضيَ الله عنه وها نحن نودِّع الصدِّيق الذي عرفنا طرفًا من سيرته العطرة، ومواقفه المباركة، نودِّع أفضل خلق الله بعد النبيِّين والمرسلين، نودِّع مَنْ شهد له رسولُ الهُدَى صلَّى الله عليه وسلَّم بالخير والصحبة والجنَّة، نودِّع سِيرة هذا الرجل الذي لم يأل جهدًا في سبيل إعزاز دين الله، حتى لقيَ الله راضيًا مرضيًّا.

ولن نستطيع أن نُلِمَّ بِسيرَة ذلك الصرح الشامخ الذي شهده الإيمان القويُّ الذي يدكُّ الجبال.

ولا يسَعُني في نهاية هذا البحث إلا أن أقول: حقًّا، إنها دروسٌ يجب أن يُستفاد منها، إنَّ دراسة سيرة سَلَفِنا الصالح لهي خير وسيلة لإيجاد دعاة مخلصين جادِّين.

أقولُ: حقيقةً إنه لا غنى للمسلمين عن دراسة هذه السير العطرة للدُّعاة المخلصين وللسلف الصالح العاملين، وعلى رأسهم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وخليفته أبو بكر الصدِّيق وبقية الخلفاء.

إنَّ مَنْ درس تلك السِّيَر وجد العجب العجاب، وطأطأ رأسه تعجُّبًا مما يرى من التفاني في سبيل الدعوة إلى اللَّه عزَّ وجلَّ، رضيَ الله عنهم وأرضاهم، وحشرنا في زمرتهم، وجمعنا بهم في بحبوحة جنَّته؛ إنه وليُّ ذلك والقادرُ عليه، وآخِر دعوانا أنِ الحمد لِلَّه ربّ العَالَمين!!”.

رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/3985/#ixzz64CI5ebGE