الحمد لله الواحد الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه. أما بعد:

فإن الله كان ولم يكن شيء غيره، فخلق السموات والأرض وما بينهما بالحق؛ ليعبد وحده لا شريك له، فأضلت الشياطين الناس عن عبادة الله الذي خلقهم، فأرسل الله إليهم الرسل وأنزل عليهم الكتب ليعبدوا وحده، وتبشرهم بالجنة إن أطاعوا الله، وتحذرهم من النار إن عصوه، وقد حرف اليهود والنصارى التوراة والإنجيل، وحفظ الله القرآن الذي أنزله على محمد خاتم النبيين ليخرج به الناس من الظلمات إلى النور، وأظهر بالقرآن – الذي هو كلام رب العالمين – ما كان مخفيًّا عند أهل الكتاب، وقص عليهم فيه أكثر الذي هم فيه يختلفون، فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون!!

فالتوراة التي أنزلها الله على نبيه موسى – عليه الصلاة والسلام – كانت واحدة فصارت النُّسخ المشهورة للتوراة ثلاث نسخ:

النسخة العبرانية وهي المعتبرة عند اليهود وجمهور علماء البروتستانت، والنسخة اليونانية التي يعترف بها نصارى الكاثوليك والأرثوذكس، والنسخة السامرية المعتبرة عند اليهود السامريين.

والإنجيل الذي أنزله الله على نبيه عيسى – عليه الصلاة والسلام – كان واحدا، فصار سبعين إنجيلا، ولما أراد الإمبراطور قسطنطين جمْعَ النصارى على ملة واحدة، اجتمع بأحبارهم في مَجمَع نيقية سنة (325م)، وأمر بإحراق تلك الأناجيل كلها إلا أربعة أناجيل وهي التي بأيدي النصارى اليوم:

إنجيل متى ويوحنا ومرقس ولوقا، وفيها تحريف وزيادة ونقصان، وكذبوا على الله أنه ثالث ثلاثة، وأن عيسى ابن الله، سبحان الله عما يصفون.

والحق هو ما أخبرنا الله في كتابه القرآن أن عيسى هو ابن مريم، وأن الله خلقه من غير أب كما خلق آدم من غير أب ولا أم، والله على كل شيء قدير، قال الله – سبحانه -: ﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ﴾ [آل عمران: 59، 60].

بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ: (( ﴿ قُلْ هُو اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾.

ولو كان التثليث حقًّا كما يدعي النصارى الضالون لكان الواجب على موسى عليه السلام وأنبياء بني إسرائيل أن يبينوه حق التبيين، فالعجب كل العجب أن تكون شريعة موسى خالية عن بيان هذه العقيدة التي هي مدار النجاة على زعم أهل التثليث، ولا يمكن نجاة أحد بدونها نبيًا كان أو غير نبي ومع ذلك لم تذكر في التوراة التي يسميها النصارى العهد القديم!!

والعجب كيف يدعي النصارى أن التثليث والتوحيد لا يختلفان، فيقولون: الآب والابن وروح القدس إله واحد؛ أي: 1+1+1=1 ومعلوم أن 1+1+1=3، ولكنهم أضل الناس وسماهم الله الضالين في أول المصحف في سورة الفاتحة.

أيها المسلمون، اعلموا أنه رغم تحريف الأناجيل، فإنه ما زال فيها أقوال كثيرة تدل على التوحيد؛ منها:

ما في إنجيل يوحنا (17/3) أن عيسى قال: ” وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك، ويسوع المسيح الذي أرسلته “.

وفي إنجيل مرقس (12/29): ” الرب إلهنا رب واحد “.

إن المسيح – عليه الصلاة والسلام – هو عبد الله ورسوله وهو بريء من هذه العقيدة الكفرية عقيدة التثليث، ولم يعبد أي نبي من الأنبياء الصليب، بل كلهم كان يعبد الله وحده لا شريك له، قال الله في كتابه القرآن المجيد: ((مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)) وقال – سبحانه -: ﴿ قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ * أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 139، 140].

أيها المسلمون ما زال في الأناجيل التي بأيدي النصارى اليوم البشارة بمحمد – صلى الله عليه وسلم – ومن ذلك:

ما في إنجيل يوحنا (16/7،12،13): ” لكني أقول لكم: الحق إنه خير لكم أن أنطلق؛ لأني إن لم أنطلق لم يأتكم الفارقليط، فأما إن انطلقت أرسلته إليكم. وإن لي كلامًا كثيرا أقوله لكم ولكنكم لستم تطيقون حمله الآن. وإذا جاء روح الحق ذاك فهو يعلمكم جميع الحق؛ لأنه لا ينطق من عنده بل يتكلم بكل ما يسمع ويخبركم بما سيأتي “.

ولفظ: فارقليط معرّب من اللفظ اليوناني، ومعناه قريب من معنى محمد وأحمد، وقد أخبر الله في القرآن بأن عيسى بشر بمحمد – صلى الله عليه وسلم – فقال: ﴿ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ ﴾ [الصف: 6].

وقد قال الله في كتابه الحكيم عن محمد – صلى الله عليه وسلم -: ﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الأعراف: 157] .

إن النصارى قد سبوا الله مسبة لم يسبه بها أحد غيرهم، قال الله – سبحانه – محذرا لهم: ﴿ وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا * مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا ﴾ [الكهف: 4، 5]، وقال – سبحانه -: ﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ﴾.

روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: «والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي، ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار».

إن من المؤسف أن نرى بعض المسلمين بلغ به الجهل بدينه أن يحب النصارى ولا يتبرأ منهم، ومنهم من يدافع عنهم ولا يكفرهم، ولا يعلم أن الله قال في القرآن الكريم: ﴿ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ﴾ [المائدة: 72 – 77].

عباد الله يجب على المسلمين الحذر عند التعامل مع أهل الكتاب فهم أعداؤنا قديما وحديثا، يقول الله – سبحانه -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 100]، ومن التناقض الغريب عند كثير من المسلمين أنهم يحذرون من اليهود ولكنهم يطمئنون إلى النصارى، مع أن الناظر في التاريخ القديم والمعاصر يجد أن ما أصاب المسلمين في الحملات الصليبية المتعددة من ظلم وقتل للمسلمين، واحتلال لبلادهم، ونهب لخيراتهم أضعاف أضعاف ما أصابهم من اليهود، كم قتلوا من العباد وخربوا البلاد، كم هتكوا من عرض وأفسدوا في الأرض، وهل اليهود المحتلون لفلسطين إلا سيئة من سيئات النصارى؟! فمن احتل فلسطين إلا النصارى الإنجليز ثم سلموها لليهود؟! ومن احتل البلاد العربية كلها عدا شمال اليمن وبعض الجزيرة العربية إلا النصارى؟!

كم قتل النصارى من المسلمين في تلك البلدان الإسلامية التي كانت تجاهد لتحريرها من احتلالهم؟! في الجزائر فقط قتل النصارى الفرنسيون أكثر من مليون ونصف مليون!! وكم قتل النصارى الإيطاليون من المسلمين في ليبيا؟! وكم قتل النصارى الأميركيون من المسلمين في أفغانستان والعراق والصومال واليمن؟! وصدق الله إذ يقول: ﴿ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ﴾ [البقرة: 217].

لن يزالوا يقاتلون المسلمين إلى قيام الساعة ما دام المسلمون متمسكين بدينهم، ﴿ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ﴾ [البقرة: 120]، ﴿ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا ﴾ يكيدون بالمسلمين عسكريًّا وثقافيًّا واقتصاديًّا، وقد أخبرنا الله عن سعيهم في إفساد أمور المسلمين فقال – سبحانه -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [آل عمران: 118].

أيها المسلم عليك أن تعتز بدين الإسلام الذي ارتضاه الله لعباده، وتتبرأ من كل دين سواه كما قال الله – سبحانه -: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ﴾ [الكافرون: 1 – 6] .

أيها المسلم عليك أن تعلم أن الإسلام هو الحق وتدعو من استطعت من الكفار إليه بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، قال الله – سبحانه -: ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾.

الخطبة الثانية

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فمن ضلالات النصارى احتفالهم بما يسمى عيد الكريسمس، ويعتقدون أنه اليوم الذي ولد فيه عيسى – عليه الصلاة والسلام -، ويدَّعون أنه ابن الله ويعبدونه مع الله، ونحن المسلمين نؤمن أنه عبد الله ورسوله، فنحن أحق بعيسى منهم، ولا يجوز للمسلم مشاركة النصارى الكفرة في أعيادهم، وكيف يشاركهم المسلم في عيدهم أو يهنئهم عليه وهم يحتفلون بمسبة الله ويزعمون أن هذا يوم ميلاد ابن الله تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا؟! فهذا من التعاون على الإثم والعدوان والله – سبحانه – يقول: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [المائدة: 2].

وقد أفتى أهل العلم القدامى والمعاصرون بحرمة ذلك وننقل لكم فتوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:

سئل الشيخ: ما حكم تهنئة الكفار بعيد الكريسمس؛ لأنهم يعملون معنا؟ وهل يجوز الذهاب إلى أماكن الحفلات التي يقيمونها بهذه المناسبة؟ وهل يأثم الإنسان إذا فعل شيئًا مما ذكر بغير قصد وإنما فعله مجاملة أو حياء أو إحراجًا أو غير ذلك من الأسباب؟ أفتونا مأجورين.

فأجاب الشيخ العلامة العثيمين رحمه الله بقوله: تهنئة الكفار بعيد الكريسمس أو غيره من أعيادهم الدينية حرام بالاتفاق كما نقل ذلك ابن القيم رحمه الله في كتابه أحكام أهل الذمة حيث قال: ” وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق مثل أن يهنئهم بأعيادهم؛ فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب؛ بل ذلك أعظم إثمًا عند الله وأشد مقتًا من التهنئة بشرب الخمر، وقتل النفس، وارتكاب الفرْج الحرام ونحوه. وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك ولا يدري قبح ما فعل، فمن هنأ عبدًا بمعصية أو بدعة أو كفر؛ فقد تعرض لمقت الله وسخطه”.

وإنما كانت تهنئة الكفار بأعيادهم الدينية حرامًا وبهذه المثابة التي ذكرها ابن القيم؛ لأن فيها إقرارًا لما هم عليه من شعائر الكفر ورضا به لهم، وإن كان هو لا يرضى بهذا الكفر لنفسه، لكن يحرم على المسلم أن يرضى بشعائر الكفر أو يهنئ بها غيره؛ لأن الله تعالى لا يرضى بذلك كما قال الله تعالى: ﴿ إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ﴾ [الزمر: 7] وقال تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3].

وتهنئتهم بذلك حرام سواء كانوا مشاركين للشخص في العمل أم لا.

وإذا هنؤونا بأعيادهم فإننا لا نجيبهم على ذلك لأنها ليست بأعياد لنا، ولأنها أعياد لا يرضاها الله تعالى؛ لأنها إما مبتدعة في دينهم وإما مشروعة لكن نُسِخت بدين الإسلام الذي بعث الله به محمدًا – صلى الله عليه وسلم – إلى جميع الخلق وقال فيه: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران: 85] . وإجابة المسلم دعوتهم بهذه المناسبة حرام؛ لأن هذا أعظم من تهنئتهم لها لما في ذلك من مشاركتهم فيها.

وكذلك يحرم على المسلمين التشبه بالكفار بإقامة الحفلات بهذه المناسبة أو تبادل الهدايا أو توزيع الحلوى أو أطباق الطعام، أو تعطيل الأعمال ونحو ذلك؛ لقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: (( من تشبه بقوم فهو منهم)). قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم: “مشابهتهم في بعض أعيادهم توجب سرور قلوبهم بما هم عليه من الباطل”.

ومن فعل شيئًا من ذلك، فهو آثم؛ سواء فعله مجاملةً، أو توددًا، أو حياءً، أو لغير ذلك من الأسباب؛ لأنه من المداهنة في دين الله، ومن أسباب تقوية نفوس الكفار وفخرهم بدينهم.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.