سلسلة وجادلهم بالتي هي أحسن حوار بين مسلم ومسيحي

د. حسن باعقيل – ترجمة د. نبيل عبد السلام هارون

هل كان إبراهيم يهوديا أو مسيحيا؟

 

 عبد المسيح: أخي عبد الله، في صبانا لم نكن نسمع كثيرا عن مثل هذه الحوارات العديدة التي تدور هذه الأيام بين رجال الدين المسيحي والإسلامي !

عبد الله : لعل ذلك لما بين الدينين من أواصر فنحن نؤمن بالله الواحد الذي أرسل الأنبياء جميعا ، ومنهم المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته، الذي كذبه اليهود وآمنا به.

يقول الله في كتابه العزيز:

)َ إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ( (آل عمران  145)

ولقد دارت فعلا  حوارات متتالية إسلامية مسيحية في أوروبا وكندا والولايات المتحدة وأستراليا، بل إن الفاتيكان قد شارك في مؤتمرات مع علماء المسلمين من مصر; كان أولها في روما (1970)، ثم في القاهرة (1974 ، 1978) ، كما تم لقاء مماثل مع علماء السعودية في روما (1978) ، ناهيك عن مؤتمرات كولومبو المتتالية، والعديد من اللقاءات في كنائس تستضيف علماء المسلمين للتعريف بالإسلام.

عبد المسيح : الذي يدهشني هو أنه رغم أن عمر المسيحية الآن يمتد إلى ألفي عام; كما يرجع ظهور الإسلام إلى أكثر من أربعة عشر قرنا، لم يسجل التاريخ مثل هذه اللقاءات والحوارات، إلا في العقود الأخيرة?

عبد الله : لا تنس أن العلاقة بين الدين المسيحي  ممثلا  في الدول الأوروبية (بريطانيا وفرنسا وكذلك هولندا وبلجيكا وأسبانيا والبرتغال) وبين العالم الإسلامي   ومعظمه من الدول الآسيوية والأفريقية  كانت طوال الأربعة قرون الماضية علاقة استعمار وهيمنة لا علاقة حوار وتفاهم.

وقد سعى المستعمرون جاهدين  عن طريق إرسالياتهم المسيحية  إلى تنصير الشعوب الواقعة تحت الاحتلال بكل وسائل الإغراء والابتزاز; والتي توجه أساسا إلى الفقراء والمعدمين; كتقديم العلاج المجاني والغذاء والملبس وفرص العمل. وعبثا فشلت هذه الأموال في تحويل مسلم عن دينه.

ومن ناحية أخرى لم يبدأ التواصل الفكري بين الإسلام والغرب المسيحي إلا في أعقاب الحرب العالمية الثانية، حين رحل وهاجر العديد من العمال والمثقفين من دول آسيا وأفريقيا إلى الغرب بحثا عن العمل أو للدراسة، وأتاح ذلك فرصا أوفر للتعريف بالإسلام وتبادل الأفكار.

عبد المسيح : هل ترى ثمة دوافع أخرى لهذا الاهتمام المعاصر بالحوار وخاصة من جانب رجال الدين المسيحي والإسلامي ?

عبد الله : أحسب أن الجهود قد أثمرت في ترسيخ قدر أكبر من التسامح والتفاهم  رغم التنافس الشديد في مجال الدعوة والسعي لكسب الأنصار، فتراجع الكثير من الكُتَّاب في الغرب عما اعتادوه من أكاذيب وإساءات للإسلام ورسوله. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى بدأ الكثير من المنصفين في الغرب يدركون أننا أقرب إلى المسيحيين منا إلى اليهود والملحدين، كما جاء في القرآن الكريم :

)  َلَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ ءَامَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ( (المائدة  82)

كما أن بعض الطوائف المسيحية قد سلمت أخيرا  بالحق عندما اعترفت لأول مرة في التاريخ بصدق انتساب رسولنا محمد (صلى الله عليه وسلم) إلى قيدار ابن إسماعيل عليه السلام. ويُعَرِّف معجم الإنجيل لدافيس (الذي يصدره مجلس التعليم المسيحي بالكنيسة المشيخية الأمريكية  طبعة 1980) “قيدار” بأنه : ” …. اسم لقبيلة تنتسب إلى إسماعيل … (تكوين 25/13)… ومن هذه القبيلة ظهر محمد … “.   كما استقر هذا التعريف أيضا  فيما جاء بدائرة معارف الإنجيل القياسية الدولية; وكذلك بمعجم الإنجيل لسميث الذي يسجل عبارة سفرالتكوين:

(وَهَذِهِ أَسْمَاءُ أَبْنَاءِ إسماعيل مَدَوَّنَةً حَسَبَ تَرْتِيبِ وِلاَدَتِهِمْ: نَبَايُوتُ بِكْرُ إسماعيل، وَقِيدَارُ وَأَدَبْئِيلُ وَمِبْسَامُ، وَمِشْمَاعُ وَدُومَةُ وَمَسَّا) [تكوين 25/13].

ويقرر أن نسب محمد إلى إبراهيم، إنما يمتد خلال قبيلة قريش المنبثقة من قيدار ابن إسماعيل.

وإنصافا للحق فإني أعتقد أن أفضل ما جناه الغرب من أفواج المهاجرين المسلمين لم يكن ما ساهموا به من سواعدهم وعقولهم في بناء حضارة الغرب وثروته بقدر ما كان “الإسلام” الذي بدأ يمد جذوره هناك; متمثلا  في مساجد ومراكز إسلامية تشع بنورها وتجذب الكثير إلي “العودة” إلى الإسلام، وأقول “العودة” لا التحول إلى الإسلام، لأن كل مولود يولد على فطرة توحيد الله وعبادته، وإنما أبواه يهودانه أو ينصرانه.

وانتشار الإسلام في الغرب في عالمنا المعاصر –  حيث زمام القوة والمنعة بأيدي الغرب –  يثبت أن الإسلام لا ولم ينتشر بالسيف، ولا يحتاج إلى إرساليات ترصد لها الأموال وتساندها قوى السياسة والنفوذ، وكل ذلك تؤيده الإحصاءات.

عبد المسيح : إن كانت الأديان السماوية الثلاث : اليهودية والمسيحية والإسلام كلها من عند الله الخالق الواحد ففيم إذن الاختلاف بينها وفيم الخلاف بين أصحابها ?

عبد الله : الأصل في ذلك أن كل الأنبياء، بدءا من آدم إلى محمد (عليهم الصلاة والسلام)، قد أرسلهم الله بنفس الرسالة : “الإسلام”، والإسلام هو الانقياد والطاعة لله الواحد وما أنزله على رسله، و “الإسلام” هو الاسم الذي اختاره الله تعالى لهداية مخلوقاته، وذكره بهذا اللفظ في القرآن الكريم :

) الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا ( (المائدة / 3)

بينما لم يجئ لفظ “اليهودية” ولا “المسيحية” في أي من العهد القديم أو العهد الجديد، ولا وجود لأي منهما كمصطلح في معجم ألفاظ الإنجيل، فما جاءت كلمة “اليهودية” على لسان أي من أنبياء بني إسرائيل، كما أن المسيح عليه السلام لم ينسب إليه أنه جاء ليقيم دعائم “المسيحية” على وجه الأرض ولم يصف نفسه بأنه “مسيحي”، وإنما أطلق لفظ “مسيحي” لأول مرة قرابة عام 43م، أي بعد رحيل المسيح بسنوات عديدة، وذلك على لسان اليهود والوثنيين، واقرأ في أعمال الرسل :

)وَلَمَّا وَجَدَهُ جَاءَ بِهِ إِلَى أَنْطَاكِيَةَ، فَكَانَا يَجْتَمِعَانِ مَعَ الْكَنِيسَةِ هُنَاكَ سَنَةً كَامِلَةً، وَيُعَلِّمَانِ جَمْعاً كَبِيراً. وَفِي أَنْطَاكِيَةَ أُطْلِقَ عَلَى تَلاَمِيذِ الرَّبِّ أَوَّلَ مَرَّةٍ اسْمُ الْمَسِيحِيِّينَ( [أعمال 11/26].

وتكرر ذكر اللفظ بعد ذلك علي لسان الملك أغريباس الثاني إلى بولس في أعمال الرسل:

( فَأَجَابَ أَغْرِيبَاسُ: «قَلِيلاً بَعْدُ، وَتُقْنِعُنِي بِأَنْ أَصِيرَ مَسِيحِيّاً!»)  [أعمال 26/28].

وفي المناسبتين كان إطلاق اللفظ على لسان أعداء المسيح، ثم ذكر اللفظ أخيرا على لسان بطرس في رسالته التي يواسي بها أتباع المسيح فيما يلقونه من عناء :

(وَلَكِنْ إِنْ تَأَلَّمَ أَحَدُكُمْ لأَنَّهُ «مَسِيحِيٌّ»، فَعَلَيْهِ أَلاَّ يَخْجَلَ، بَلْ أَنْ يُمَجِّدَ اللهَ لأَجْلِ هَذَا الاِسْمِ!) [بطرس الأولى 4/16].

ومن هنا فإن “أول المسلمين” على وجه الأرض إنما هو آدم، ثم توالى ركب الأنبياء : نوح ومَن  بعده إلى إبراهيم أبي الأنبياء …

عبد المسيح : مهلا ، كيف كان إبراهيم مسلما، من المعروف أنه يهودي !

عبد الله : يهودي? من قال ذلك?

عبد المسيح : لقد تعلمنا ذلك، ولا ريب أن الإنجيل يؤكد ذلك أيضا .

عبد الله : أين جاء ذلك في الإنجيل? حتى أوفر عليك الوقت دعني أساعدك. اقرأ ما جاء في (تكوين 11/31).

عبد المسيح : (وَأَخَذَ تَارَحُ ابْنَهُ أَبْرَامَ وَحَفِيدَهُ لُوطاً بْنَ هَارَانَ، وَسَارَايَ كَنَّتَهُ زَوْجَةَ ابْنِهِ أَبْرَامَ، وَارْتَحَلَ بِهِمْ مِنْ أُورِ الْكَلْدَانِيِّينَ لِيَذْهَبُوا إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ) [تكوين 11/31].

عبد الله :  إذن فإن إبراهيم الذي ولد في بلدة أور الكلدانية لم يكن أبدا يهوديا لسببين :

أولا: لأن بلدة أور الكلدانية تقع في منطقة  “بين النهرين” (دجلة والفرات); التي هي الآن من أراضي العراق، وثانيا:  لأن كلمة “يهودي” مشتقة من اسم “يهوذا” ، الذي كان من أحفاد سيدنا إبراهيم عليه السلام، ثم اقرأ (تكوين 12 / 4- 5).

عبد المسيح : (فَارْتَحَلَ أَبْرَامُ كَمَا أَمَرَهُ الرَّبُّ، وَرَافَقَهُ لُوطٌ. وَكَانَ أَبْرَامُ فِي الْخَامِسَةِ وَالسَّبْعِينَ مِنْ عُمْرِهِ عِنْدَمَا غَادَرَ حَارَانَ. وَأَخَذَ أَبْرَامُ سَارَايَ زَوْجَتَهُ وَلُوطاً ابْنَ أَخِيهِ وَكُلَّ مَا جَمَعَاهُ مِنْ مُقْتَنَيَاتٍ وَكُلَّ مَا امْتَلَكَاهُ مِنْ نُفُوسٍ فِي حَارَانَ، وَانْطَلَقُوا جَمِيعاً إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ إِلَى أَنْ وَصَلُوهَا)  [تكوين 12 /  4- 5].

عبد الله : فإبراهيم عندما هاجر واغترب إلى أرض كنعان إنما كان في الخامسة والسبعين من عمره، كما يؤكد الإنجيل في (تكوين 17/8) : (وَأَهَبُكَ أَنْتَ وَذُرِّيَّتَكَ مِنْ بَعْدِكَ جَمِيعَ أَرْضِ كَنْعَانَ، الَّتِي نَزَلْتَ فِيهَا غَرِيباً، مُلْكاً أَبَدِيّاً. وَأَكُونُ لَهُمْ إِلَهاً) [تكوين  17/8].  ثم اقرأ الآن ما جاء في (تكوين 14/13).

عبد المسيح : (وَجَاءَ أَحَدُ النَّاجِينَ إِلَى أَبْرَامَ الْعِبْرَانِيِّ الَّذِي كَانَ مَازَالَ مُقِيماً عِنْدَ بَلُّوطَاتِ مَمْرَا أَخِي أَشْكُولَ وَعَانِرَ حُلَفَاءِ أَبْرَامَ وَأَبْلَغَهُ بِمَا جَرَى ) [تكوين  14/13].

عبد الله : كيف إذن يقال أن إبراهيم يهودي بينما يؤكد الإنجيل أنه “عبراني”، وهي كلمة تشير إلى أولئك الذين “عبروا” نهر الفرات من الشرق إلى الغرب، واقرأ أيضا  (تكوين 32/28) لترى كيف تغير اسم يعقوب إلى إسرائيل.

عبد المسيح : (فَقَالَ: «لاَ يُدْعَى اسْمُكَ فِي مَا بَعْدُ يَعْقُوبَ، بَلْ إِسْرَائِيلَ (وَمَعْنَاهُ: يُجَاهِدُ مَعَ اللهِ)، لأَنَّكَ جَاهَدْتَ مَعَ اللهِ وَالنَّاسِ وَقَدَرْتَ»)  [تكوين  32/28].

عبد الله : فإبراهيم إذن كان “عبرانيا”، أما ذرية يعقوب; أي إسرائيل; فهم “إسرائيليون” من أبنائه الإثناعشر تفرع منهم قبائل بني إسرائيل الإثناعشر; ومنهم قبيلة “يهوذا” أول من أطلق عليه لقب يهودي، الذي اقتصر بادئ الأمر على ذريته دون غيرهم من بني إسرائيل.

والآن إذا أردت أن تعرف أيضا  هل كان موسى عليه السلام يهوديا أم لا فاقرأ (خروج 6/16-20).

عبد المسيح :  (وَهَذِهِ أَسْمَاءُ أَبْنَاءِ لاَوِي حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ: جِرْشُونُ وَقَهَاتُ وَمَرَارِي. وَقَدْ عَاشَ لاَوِي مِئَةً وَسَبْعاً وَثَلاَثِينَ سَنَةً.  أَمَّا ابْنَا جِرْشُونَ حَسَبَ عَشَائِرِهِمَا فَهُمَا: لِبْنِي وَشِمْعِي. وَأَبْنَاءُ قَهَاتَ هُمْ: عَمْرَامُ وَيِصْهَارُ وَحَبْرُونُ وَعُزِّيئِيلُ. وَقَدْ عَاشَ قَهَاتُ مِئَةً وَثَلاَثاً وَثَلاَثِينَ سَنَةً. وَابْنَا مَرَارِي هُمَا مَحْلِي وَمُوشِي. هَذِهِ هِيَ عَشَائِرُ اللاَّوِيِّينَ بِحَسَبِ سِجِلِّ مَوَالِيدِهِمْ. وَتَزَوَّجَ عَمْرَامُ عَمَّتَهُ يُوكَابَدَ فَأَنْجَبَتْ لَهُ هَرُونَ وَمُوسَى. وَقَدْ عَاشَ عَمْرَامُ مِئَةً وَسَبْعاً وَثَلاَثِينَ سَنَةً ) [خروج 6/ 16 -20].

عبد الله : فموسى إذن بدوره لم يكن يهوديا إذ لم يكن من أحفاد يهوذا؛ بل كان “لاويًّا” من أحفاد “لاوي” ابن يعقوب، وموسى (اللاوي) عليه السلام هو الذي أرسله الله بشريعة التوراة إلى بني إسرائيل.

عبد المسيح : وكيف عرفت كل هذه التفاصيل ?

عبد الله : من القرآن الكريم، فالقرآن عندنا هو الفيصل والحَكَم الذي توزن به كافة النصوص والعقائد، وهو الذي يصحح ما أصابها بفعل البشر وأهواء البشر. والقرآن هو خاتم الكتب المنزلة من الله تعالى، وهو الكتاب الذي سَلِمَ  من كل تغيير وتحريف، وقد تكفل الله بحفظه في سورة البقرة: ) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (، وفي سورة الحجر: ) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (. وفي هذه الآية الأخيرة تحد معجز للبشرية جمعاء، وبرهان ساطع على صدق رسالة الإسلام، فلقد مضى أربعة عشر قرنا من الزمان وما تغيرت في القرآن كلمة وما تبدل فيه حرف، رغم سعي الكافرين وكيدهم لتحريفه وإخفاء معالمه، لقد صدق الله في قوله: ) وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (؛ فقد حفظه كما وعد إلى يوم الدين.

وعلى النقيض من ذلك تعرضت كل الكتب السماوية السابقة: توراة موسى، ومزامير داود، وإنجيل عيسى: إلى الإخفاء، والحذف والإضافة، والتعديل والتبديل، وإدخال الأسفار تلو الأسفار من أقوال البشر إليها.

عبد المسيح : ماذا إذن يقول القرآن في أمر إبراهيم وموسى وصلتهما باليهودية ?

عبد الله : جاء في سورة آل عمران :

)  يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالإنْجِيلُ إِلاّ مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ ( (آل عمران /65) ، وكذلك:

) مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ( (آل عمران/67).

كما جاء في سورة البقرة :

) أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ ءَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ( (البقرة /140).

عبد المسيح : ولكن لفظ “الله” لفظ عربي غريب على إبراهيم وموسى وسائر الأنبياء قبلهم.

عبد الله : لا يا صديقي، لقد عرفه كل الأنبياء ابتداء من آدم إلى محمد (عليهم الصلاة والسلام)، كلهم عرفوا الله باسمه. وهو في العربية مشتق من : “الإله” بحذف الهمزة “إ”، ليصبح اسما علما على الإله الواحد الذي ليس كمثله شيء، وهو الذي ينطق بالعبرية: “إلُوها”، وإن كان اليهود يستعملون أيضا  صيغة الجمع: “إلُوهيم” التي تنافي التوحيد، كما أنها بالأرامية: “ألاها” كما نطق بها عيسى عليه السلام.

ومن هنا تعلم أن لفظ الجلالة، وإن كان غريبا  علي آذان غير المسلمين من غير العرب، هو نفس الاسم الذي دعا لعبادته كافة الأنبياء وهم يدعون الناس لنفس العقيدة: الإسلام.

ألا ترى أن هذا الاسم الأعظم “الله” هو الاسم اللائق بالتوحيد: التوحيد الذي لا شائبة  فيه، فهو اسم لا يُثَنَّى ولا يُجْمَع ولا يُؤَنَّث، بينما تنحرف الأهواء بأسماء أخرى له تعالى، فيقال : ربة وأرباب وإلهة وآلهة،  فاسم “الله” هو اسم التوحيد،  للخالق الأحد الذي أرسل لعبادته وطاعته كل الأنبياء.

ليس هذا فحسب بل إن الكثير من شعائر وآداب الإسلام  التي تبدو غريبة على غير المسلمين  قد تضمنتها تعاليم كل الأنبياء، فالوضوء للصلاة كان معروفا  في بداية اليهودية كما جاء في العهد القديم :

(لِيَغْسِلَ مُوسَى وَهَرُونُ وَبَنُوهُ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ بِمَائِهِ. فَيَغْتَسِلُونَ كُلَّمَا دَخَلُوا إِلَى خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ أَوِ اقْتَرَبُوا إِلَى الْمَذْبَحِ، كَمَا أَمَرَ الرَّبُّ مُوسَى) [الخروج 40/31- 32].

وجاء في العهد الجديد : وَهَكَذَا كَانَ. فَفِي الْيَوْمِ التَّالِي أَخَذَ بُولُسُ الرِّجَالَ الأَرْبَعَةَ؛ وَبَعْدَمَا تَطَهَّرَ مَعَهُمْ، دَخَلَ الْهَيْكَلَ لِكَيْ يُسَجِّلَ التَّارِيخَ الَّذِي يَنْتَهِي فِيهِ أُسْبُوعُ التَّطَهُّرِ، حَتَّى تُقَدَّمَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ التَّقْدِمَةُ الْوَاجِبَةُ )  [أعمال الرسل 21/26].

فأنت ترى في النص الأخير حرص بولس علي التطهر (رغم ما أحدثه في تعاليم المسيح من تغيير، كما سيتبين فيما بعد).

كما قد تعلم أن من شروط صلاة المرأة المسلمة أن تغطي رأسها، فقارن ذلك بما جاء في (كورنثوس  11/ 5، 6، 13) : (وَكُلُّ امْرَأَةٍ تُصَلِّي أَوْ تَتَنَبَّأُ، وَلَيْسَ عَلَى رَأْسِهَا غِطَاءٌ، تَجْلِبُ الْعَارَ عَلَى رَأْسِهَا، لأَنَّ كَشْفَ الْغِطَاءِ كَحَلْقِ الشَّعْرِ تَمَاماً. فَإِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ لاَ تُغَطِّي رَأْسَهَا، فَلْيُقَصَّ شَعْرُهَا! وَلَكِنْ، مَادَامَ مِنَ الْعَارِ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ يُقَصَّ شَعْرُهَا أَوْ يُحْلَقَ، فَلْتُغَطِّ رَأْسَهَا …فَاحْكُمُوا إِذَنْ بِأَنْفُسِكُمْ: أَمِنَ اللاَّئِقِ أَنْ تُصَلِّيَ الْمَرْأَةُ إِلَى اللهِ وَهِيَ مَكْشُوفَةُ الرَّأْسِ؟)    [كورنثوس الأولى 11/5، 6، 13] .

كذلك نحن نخلع نعالنا حين نصلي، وصلاتنا قيام وركوع وسجود ، تماما كما فعل كل الأنبياء قبل الإسلام، فاقرأ مثلا  :

(هلم نسجد ونركع ونجثو أمام الرب خالقنا)  [مزمور 95/6] ، و : (فَأَكَبَّ يَشُوعُ عَلَى وَجْهِهِ إِلَى الأَرْضِ سَاجِداً) [يوشع 5/14] ، و : (وَأَمَّا إِيلِيَّا فَارْتَقَى إِلَى قِمَّةِ جَبَلِ الْكَرْمَلِ وَجَلَسَ عَلَى الأَرْضِ وَخَبَّأَ رَأْسَهُ بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ) [الملوك الأول 18/42] ، و : (فافترق فَافْتَرَقَ مُوسَى وَهَرُونُ عَنِ الْجَمَاعَةِ، وَقَدِمَا إِلَى مَدْخَلِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ حَيْثُ انْطَرَحَا عَلَى وَجْهَيْهِمَا، فَتَرَاءَى لَهُمَا مَجْدُ الرَّبِّ) [العدد 20/6] ، ثم : (فَسَقَطَ أَبْرَامُ عَلَى وَجْهِهِ، فَخَاطَبَهُ اللهُ قَائِلاً) [التكوين 17/3]،

(َقَالَ: «لاَ تَقْتَرِبْ إِلَى هُنَا: اخْلَعْ حِذَاءَكَ مِنْ رِجْلَيْكَ، لأَنَّ الْمَكَانَ الَّذِي أَنْتَ وَاقِفٌ عَلَيْهِ أَرْضٌ مُقَدَّسَةٌ»)  [الخروج 3/5]، و : (فقال له الرب: اخلع نعليك لأن المكان الذي تقف عليه هو أرض مقدسة!) [الأعمال 7/33].

وليس هذا فحسب بل قد ينعقد لسانك من الدهشة إذا تبين لك أن الحج في الإسلام بما فيه من طواف ببيت الله الحرام كان من شعائر الأنبياء، بما فيهم أنبياء بني إسرائيل.

عبد المسيح : كيف كان ذلك? ولم أجد أبدا أي إشارة إلى الحج أو الكعبة في الكتاب المقدس !

عبد الله : جاء ذلك في مواضع كثيرة ربما لم تلفت انتباهك. اقرأ مثلا  :

1-  (ثُمَّ بَكَّرَ يَعْقُوبُ فِي الصَّبَاحِ، وَأَخَذَ الْحَجَرَ الَّذِي تَوَسَّدَهُ وَنَصَبَهُ عَمُوداً وَصَبَّ عَلَيْهِ زَيْتاً، وَدَعَا الْمَكَانَ «بَيْتَ إِيلَ» (وَمَعْنَاهُ: بَيْتُ اللهِ) ) [تكوين 28/ 18 -19].

2-  (ثُمَّ قَالَ اللهُ لِيَعْقُوبَ: «اصْعَدْ إِلَى بَيْتِ إِيلَ وَاسْكُنْ هُنَاكَ، وَشَيِّدْ مَذْبَحاً لِلهِ الَّذِي ظَهَرَ لَكَ عِنْدَمَا كُنْتَ هَارِباً مِنْ أَمَامِ أَخِيكَ عِيسُو». فَأَمَرَ يَعْقُوبُ أَهْلَ بَيْتِهِ، وَكُلَّ مَنْ كَانَ مَعَهُ: «تَخَلَّصُوا مِنَ الآلِهَةِ الْغَرِيبَةِ الَّتِي بَيْنَكُمْ، وَتَطَهَّرُوا وَأَبْدِلُوا ثِيَابَكُمْ، ثُمَّ تَعَالَوْا لِنَذْهَبَ إِلَى بَيْتِ إِيلَ لأُشَيِّدَ هُنَاكَ مَذْبَحاً لِلهِ الَّذِي اسْتَجَابَ لِي فِي يَوْمِ ضِيقَتِي، وَرَافَقَنِي فِي الطَّرِيقِ الَّتِي سَلَكْتُهَا». فَسَلَّمُوا يَعْقُوبَ كُلَّ الآلِهَةِ الْغَرِيبَةِ الَّتِي كَانَتْ لَدَيْهِمْ وَالأَقْرَاطَ الَّتِي فِي آذَانِهِمْ، فَطَمَرَهَا يَعْقُوبُ تَحْتَ الْبُطْمَةِ الَّتِي فِي شَكِيمَ) [تكوين 35/ 1-4].

وتلحظ هنا أن ما فعله يعقوب عليه السلام من إزالة كل المعبودات المنكرة هو نفس ما قام به محمد صلى الله عليه وسلم حين دخل البيت الحرام فاتحا فحطم الأصنام وأخرج الصور من جوف الكعبة.

3-  وذِكْر آخر للبيت الحرام وبنائه جاء في سفر التكوين: (فَأَخَذَ يَعْقُوبُ حَجَراً وَنَصَبَهُ عَمُوداً، وَقَالَ لأَقْرِبَائِهِ: «اجْمَعُوا حِجَارَةً». فَأَخَذُوا الْحِجَارَةَ وَجَعَلُوهَا رُجْمَةً وَأَكَلُوا هُنَاكَ فَوْقَهَا. وَدَعَاهَا لاَبَانُ «يَجَرْ سَهْدُوثَا» (وَمَعْنَاهَا: رُجْمَةُ الشَّهَادَةِ بِلُغَةِ لاَبَانَ) وَأَمَّا يَعْقُوبُ فَدَعَاهَا «جَلْعِيدَ» (وَمَعْنَاهَا: رُجْمَةُ الشَّهَادَةِ بِلُغَةِ يَعْقُوبَ). وَقَالَ لاَبَانُ: «هَذِهِ الرُّجْمَةُ شَاهِدَةٌ الْيَوْمَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ». لِذَلِكَ دُعِيَ اسْمُهَا جَلْعِيدَ. وَكَذَلِكَ دُعِيَتْ بِالْمِصْفَاةِ أَيْضاً لأَنَّهُ قَالَ: «لِيَكُنِ الرَّبُّ رَقِيباً بَيْنِي وَبَيْنَكَ حِينَ يَغِيبُ كُلٌّ مِنَّا عَنِ الآخَرِ) [تكوين 31/45-49].

4- (فَحَلَّ رُوحُ الرَّبِّ عَلَى يَفْتَاحَ، فَاجْتَازَ أَرَاضِي جِلْعَادَ وَمَنَسَّى وَمِصْفَاةَ جِلْعَادَ، وَمِنْهَا تَقَدَّمَ نَحْوَ بَنِي عَمُّونَ. وَنَذَرَ يَفْتَاحُ نَذْراً لِلرَّبِّ وَقَالَ: «إِنْ نَصَرْتَنِي عَلَى بَنِي عَمُّونَ فَإِنَّنِي عِنْدَ رُجُوعِي سَالِماً مِنْ مُحَارَبَةِ بَنِي عَمُّونَ أُصْعِدُ لِلرَّبِّ مُحْرَقَةً: أَوَّلَ مَنْ يَخْرُجُ مِنْ أَبْوَابِ بَيْتِي لِلِقَائِي». ثُمَّ تَقَدَّمَ يَفْتَاحُ لِمُحَارَبَةِ بَنِي عَمُّونَ، فَأَظْفَرَهُ الرَّبُّ بِهِمْ، وَهَزَمَهُمْ هَزِيمَةً مُنْكَرَةً مِنْ عَرُوعِيرَ حَتَّى مِنِّيتَ عَلَى امْتِدَادِ عِشْرِينَ مَدِينَةً إِلَى آبَلِ الْكُرُومِ. وَهَكَذَا أَخْضَعَ بَنُو إِسْرَائِيلَ الْعَمُّونِيِّينَ. ثُمَّ رَجَعَ يَفْتَاحُ إِلَى بَيْتِهِ فِي الْمِصْفَاةِ)ٍ [القضاة 11/ 39 – 29 ].

5- (وَتَأَلَّبَ بَنُو إِسْرَائِيلَ جَمِيعُهُمْ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ قَادِمِينَ مِنْ دَانَ فِي الشِّمَالِ إِلَى بِئْرِ سَبْعٍ فِي الْجَنُوبِ، وَمِنْ أَرْضِ جِلْعَادَ أَيْضاً، وَمَثَلُوا أَمَامَ الرَّبِّ فِي الْمِصْفَاة)  [القضاة 20/ 1 ] .

6- (وَأَقْسَمَ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ فِي الْمِصْفَاةِ أَلاَّ يُزَوِّجَ أَحَدٌ مِنْهُمُ ابْنَتَهُ لأَيِّ رَجُلٍ مِنْ سِبْطِ بَنْيَامِينَ. فَاجتَمَعُوا فِي بَيْتِ إِيلَ وَمَثَلُوا أَمَامَ الرَّبِّ بَاكِينَ بِمَرَارَةٍ حَتَّى الْمَسَاءِ)  [القضاة  21/ 1-2].

7- (فَقَالَ صَمُوئِيلُ: «ادْعُوا كُلَّ إِسْرَائِيلَ لِلاجْتِمَاعِ فِي الْمِصْفَاةِ فَأُصَلِّيَ لأَجْلِكُمْ إِلَى الرَّبِّ) [صموئيل الأول 7/5].

8- (تَابُورَ، فَيَلْتَقِيَكَ هُنَاكَ ثَلاَثَةُ رِجَالٍ فِي طَرِيقِهِمْ إِلَى بَيْتِ إِيلَ لِيُقَدِّمُوا قُرْبَاناً لِلهِ)  [صموئيل الأول 10/3].

ولعله يتضح لك الآن أن ليس ثمة مكان على وجه الأرض يصح أن يكون هو المقصود “ببيت إيل” أو “المصفاة”، سوى مكة المكرمة التي أقامها إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، وفيها نشأ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، الذي نؤمن بكل ما جاء به ونتبعه، كما نؤمن بكل الأنبياء والمرسلين من قبله.

ولعلي قد أطلت عليك بعض الشيء في أمر سيدنا إبراهيم وصلة الأنبياء كلهم ببعض وبالرسالة الواحدة: الإسلام، وربما يهمك أن تعرف المزيد عن الإسلام والمسلمين، وعن بشارة النبي محمد صلى الله عليه وسلم كما جاءت في كتابكم المقدس،  وغير ذلك من الأمور، هذا إن كنت حقا تواقا للبحث والمعرفة والتماس الحق أينما كان?

عبد المسيح : إني حقا  مشوق لأن أسمع منك رغم إيماني الراسخ بعقيدتي لأني طالما جذب انتباهي كتابات لمفكرين مسلمين أثارت في ذهني العديد من التساؤلات.

عبد الله : وهل دعاك ذلك إلى مراجعة بعض المفاهيم والأفكار المسبقة ?

عبد المسيح : إلى حد ما، وقد أصبحت مشوقا لمعرفة المزيد عن الإسلام، وأحرص على الاطلاع على كل ما يقع في يدي من كتب، ثم طرح تساؤلاتي على أصدقائي من المسلمين دون أن يشفي ذلك غليلي بعد. وكل مرادي الآن أن أجد الإجابة التي يقنع بها عقلي وتهدأ نفسي، إجابة أساسها المنطق السليم والحقائق الواضحة لا التعصب والتقليد.

عبد الله : أصبت يا صديقي، وإني لأقدر صدق موقفك، ولكنا كمسلمين لا ينبغي لنا أن ندفع أحدا إلى تغيير أفكاره، وإنما نعرض ما نعرف من الحق على من يريد أن يصغي إلينا فحسب.

عبد المسيح : ولكني حر في نهاية الأمر في الوصول إلى ما يقنعني من أفكار?

عبد الله : طبعا يا صديقي لأنه: “لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِِ”.

عبد المسيح : لماذا إذن ينشط المسلمون في دعوة غيرهم إلى الإسلام?

عبد الله : هذا أمر طبيعي، فكما دعا المسيحيون اليهود إلى الاعتراف بأن عيسى هو المسيح المذكور في كتبهم فإننا ندعو المسيحيين واليهود والبشرية جمعاء للإيمان بمحمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وقد أمرنا صلي الله عليه وسلم بمهمة إبلاغ دعوته لكل الناس فقال: ” بَلِّغُوا عني ولو آية” (أي : آية واحدة من القرآن).

كما جاء في (سفر أشعياء 21/13) ذكر “نبوءة من بلاد العرب”، وهو القرآن الذي أصبح أمانة في عنق كل مسلم عربي أو غير عربي نشره والدعوة إليه. وقد جاء ذكر الوحي كذلك في سفر أشعياء بعدما رأى رؤيا “راكبي الحمير وراكبي الجمال” :

(وَعِنْدَمَا يُشَاهِدُ رَاكِبِينَ فُرْسَاناً أَزْوَاجاً أَزْوَاجاً، أَوْ رَاكِبِينَ عَلَى حَمِيرٍ، وَرَاكِبِينَ عَلَى جِمَالٍ، فَلْيُصْغِ إِصْغَاءً شَدِيداً )  [أشعياء 27/7].

وربما كانت الأولى إشارة إلى دخول المسيح إلى القدس، واقرأ:

(وَوَجَدَ يَسُوعُ جَحْشاً فَرَكِبَ عَلَيْهِ، كَمَا قَدْ كُتِبَ) [يوحنا 12/14]،  و:  (بَشِّرُوا ابْنَةَ صِهْيَوْنَ: هَا هُوَ مَلِكُكِ قَادِمٌ إِلَيْكِ وَدِيعاً يَرْكَبُ عَلَى أَتَانٍ وَجَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ !») [متى 21/5].
فإلام إذن كانت الإشارة إلى الجمال? ، إن أول ما يتبادر إلي الذهن هو مجيء النبي محمد صلى الله عليه وسلم بعد المسيح بأكثر من ستمائة سنة، وإذا لم نأخذ بهذه الإشارة الواضحة فإننا نكون قد نقضنا نبوءة أشعياء.

عبد المسيح : إن تفسيرك هذا لنبوءة أشعياء يحفزني إلى مراجعة الكتاب المقدس وقراءته بعناية بالغة، ثم أواصل الحوار معك.

عبد الله : وإني لأرحب بذلك، فأمور العقيدة هي أهم ما يشغل الإنسان لأنها ترتبط بالمصير الذي ما بعده مصير، وكل ما نحققه وننعم في هذه الحياة إنما هو إلى زوال، والدار الآخرة هي دار الخلود، والناس في هذه الأيام قد ألهتهم المادة وزخرف الحياة، فتعال ياصديقي لنعاود البحث والنقاش فيما نتفق فيه أونختلف، فنحن نعرف الله بعقولنا، ونؤمن بالإسلام بالدليل والبرهان، بل إن في كتابكم أيضا دعوة إلى إعمال العقل : (امْتَحِنُوا كُلَّ شَيْءٍ وَتَمَسَّكُوا بِالْحَسَنِ) [تسالونيكي الأولى 5/21].

عبد المسيح : لقد ذكرت منذ قليل عبارة “راكبي الجمال” في سفر أشعياء، واستنتجت أنها إشارة إلى محمد، فهل جاء ذكر لمحمد بعينه في الكتاب المقدس ?

عبد الله : نعم ، كما سترى.

عبد المسيح : في العهد القديم أم العهد الجديد?

عبد الله : في كليهما معا، ولعله من الأوفق أن نبدأ حوارنا بقضية التوحيد; وما يتعلق بها من أطروحات كالتثليث والطبيعة الإلهية للمسيح وبنوته لله والخطيئة الأولي والفداء; وكلها أطروحات لم يأت بها المسيح بل حذر منها :

(إِنَّمَا بَاطِلاً يَعْبُدُونَنِي وَهُمْ يُعَلِّمُونَ تَعَالِيمَ لَيْسَتْ إِلاَّ وَصَايَا النَّاسِ. (متى 15/9).