وقفات مع فتية الكهف

نريد اليوم أن نتأمل بعض التأملات وأن نقف بعض الوقفات مع قصة عجيبة مليئة بالمواقف المضيئة والمشاهد العجيبة قصة نقرؤها في كل جمعة إنها قصة أصحاب الكهف التي ذكرها الله – سبحانه وتعالى – في سورة الكهف التي قال النبي – صلى الله عليه وسلم – عنها (من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء الله له من النور ما بين الجمعتين).

 

لقد نزلت هذه السورة والنبي – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه لا زالوا في مكة يذوقون من العذاب ألوانًا ومن السخرية والاستهزاء أشكالًا قبل أن يهاجروا إلى المدينة المنورة فأنزل الله هذه السورة تسلية لقلوبهم وتطييبًا لخواطرهم مما يلاقوه من تجبر قريش وتكبرها.

 

بعثت قريش رجلين من أكابرها إلى أحبار اليهود فقدما على أحباراليهود، فوصفا لهم أمر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ومايدعوهم إليه، وخلافهم معه، فقالوا لهما: سلوه عن ثلاث خلال فإن أجابكم عنها فهو نبي وإن لم يجيبكم عنها فإنه متقول كذاب، سلوه عن فتية دخلوا كهفًا في الزمنالأول ما خبرهم. وسلوه عن رجل طواف بلغ مشارق الأرض ومغاربها وسلوه عنالروح ما هو؟ فإن أخبركم بهؤلاء الثلاث فالرجل نبي فاتبعوه، وإن لميفعل فالرجل كذاب.


فقدمالرجلانعلىقريش فقالا: قد أتيناكم بفصلما بينكم وبينمحمد، أمرتنا أحباريهودأن نسأله عن ثلاثة أمور،فإن أخبرنا بهن فهو نبي مرسل، فاتبعوه، وإن عجز عنها فالرجل كذاب.

 


فمشوا إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقالوا: يامحمد، أخبرناعن ثلاثة أمور، نسألك عنها، فإن أخبرتنا عنها فأنت نبي. أخبرنا عن فتية مضوا فيالزمن الأول، كان لهم حديث معجب،وعن رجل طواف بلغ من البلاد ما لم يبلغه غيره، وعن الروح ما هو؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -:غدًا أخبركم عنذلك،ولم يستثن أي ولم يقل: إن شاء الله، فمكث عنهجبريلبضع عشرة ليلة، لا يأتيه،ولا يراه حتى أرجف به أهلمكة، قالوا: إنمحمداوعدنا أن يخبرنا عما سألناهعنه غدا، فهذه بضع عشرة ليلة، فكُبر على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لبثجبريلعنه، ثم جاءه بسورة الكهف، وعاتبه فيها فقال له ﴿ وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ﴾ [الكهف: 23، 24] وعاتبه أيضًا على حزنه عليهم فقال له ﴿ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا ﴾ [الكهف: 6].

 

يقول الله ﴿ إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ ﴾ لقد عبر الله عنهم بالفتية لبيان حداثة سنهم وقوة إرادتهم وحماسهم للحق في هذه المرحلة الصعبة التي هي مرحلة الفتوة والشباب ﴿ إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا ﴾ [الكهف: 10].

 

أنظروا عباد الله إلى أدبهم مع الله يدعونه بدعاء صادق من قلوب خالصة ترجوا رحمة ربها وتلتمس رشد خالقها ﴿ رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا ﴾ وقال الله في وصفهم: ﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾.

 

﴿ وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا ﴾[الكهف: 14] أي شددنا عليها وثبتناها ليواجهوا رياح الفتن ويجابهوا أعاصير المحن التي تولى كبرها وحمل لوائها الملك الكافر الذي أمرهم أن يتركوا دينهم وأن يرجعوا إلى دين آبائهم فهل استسلموا لهذا الملك الكافر أبدًا لقد قاموا بين يدي هذا الملك فأعلنوها صريحة مدوية ﴿ رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا ﴾ [الكهف: 14] ثم نسفوا عقيدة قومهم فقالوا ﴿ هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ﴾ فثارت ثائرة الملك من هذا الكلام القوي فهددهم وتوعدوهم إن لم يتركوا دينهم ويراجعوا أنفسهم ويبدؤوا بالمراجعات وإلا فإنه سيفعل بهم الأفاعيل فهل خضعوا واستسلموا أبدًا لقد رسموا لأنفسهم طريق النجاة من فتنة الملك فما هي طريق النجاة التي رسموها؟ طريق النجاة ﴿ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا ﴾  [الكهف: 16].

 

انطلق الفتية إلى الكهف فنزلت الرحمات ولاحت الكرامات وهبت نسائم النفحات فناموا نومة عميقة دامت ﴿ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا ﴾ [الكهف: 25] لقد هيأ الله لهم أسباب البقاء ووسائل السلامة حتى لا تأكلهم الأرض أو تبلى ثيابهم أو تبطل قواهم فيجتازوا بنومهم حواجز السنين وتعاقب القرون وتساقط الملوك وتبدل الأجيال قال تعالى ﴿ وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا * وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا ﴾ [الكهف: 17، 18].

 

دخلوا في نوم عميق وسبات رهيب لم يستيقظوا منه إلا بعد أن طلعت شمس الحرية وظهرت أنوار العدالة وزال عهد الطغاة قال تعالى: ﴿ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا ﴾.

 

الخطبة الثانية

﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا * قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا * مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا * وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا * مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا ﴾ [الكهف: 1، 5] والصلاة والسلام على خير خلق الله من اصطفاه ربه واجتباه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه.

 

عباد الله:

استيقظ الفتية من نومهم الطويل وبعثهم الله من جديد فأخذوا يسألون أنفسهم كم لبثتم؟ فقال بعضهم لبثنا يومًا أو بعض يوم فرد عليهم آخرون ﴿ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ ﴾ ولكن كيف نتأكد ونعرف كم لبثنا ابعثوا ﴿ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 19] أي عليه أن يبالغ في أخذ الحيطة والحذر لأنهم لو عرفوا مكانكم وتمكنوا منكم فلن يرحموكم ﴿إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا ﴾ [الكهف: 20].

 

إنه مشهد عجيب خرج من وقع عليه الاختيار إلى المدينة فتعجب مما وجده في المدينة من وجوه جديدة ومعالم غريبة!! عجبًا أليست هذه هي المدينة التي عاش فيها أليست هذه هي المدينة التي سلك دروبها أليست هذه هي المدينة التي قضى فيها أحلامه وطفولته ما بالها قد تغيرت وتبدلت

أما الديار فإنها كديارهم 
وأرى رجال الحي غير رجالهم 

 

ولكنه لم يسبح كثيرًا في بحر التعجب والاستغراب حتى لا تلتفت إليه الأنظار وحتى لا يجلب نحوه الأبصار فأنطلق مباشرة إلى السوق وهنا حدث أمر لم يكن بالحسبان كان السوق وراء انكشاف أمره حين دفع الدراهم إلى البائع فأستغرب البائع وأندهش من هذه الدراهم الغريبة التي ظن أنها كنز من الكنوز فنقل خبره بسرعة البرق إلى جميع من حوله من الباعة وأهل السوق فأنكشف أمرهم وانتشرت قصتهم قال تعالى ﴿ وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا ﴾ [الكهف: 21].

 

البريد الإلكتروني

morad1429@hotmail.com

رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/59802/#ixzz634X7A9Lu

 

 

 

 

فيديو هات هامة عن أهل الكهف

 

هذا الموقع في مدينة عمان بالأردن بمنطقة الرقيم، حيث ورد ذكر هذا الموضع في كثير من كتب علماء السير والمعالم، ومنهم الإمام الواقدي وغيره.