إذا درسنا التاريخ للعبرة والعظة وتعمقنا في أغواره، ورُحْنا ندرس تاريخ عدونا لنتعرف على مواضع قوته ومكامن ضعفه، وعلى أساليبه وخططه، وعلى مؤامراته الكيدية، فإن اليهود يكونون في الدرجة الأولى‏، ‏وصدق الله العظيم القائل‏: ﴿ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ﴾ [المائدة: 82]؛ ‏‏[‏جنايات بني إسرائيل، ص 218، 219‏]‏‏.‏

يُستقى تاريخ اليهود من مصادرهم وما يتعلق ببداية تاريخهم، واليهود منذ أن وُجِدوا على مسرح التاريخ العالمي وهم يغلِّفون تاريخهم بالأسرار والألغاز، ويُظهِرون من أمور حياتهم غير ما يُبطِنون‏؛ ‏فتاريخهم كله ليس إلا صراعًا بينهم وبين إمبراطوريات عظيمة، وأمم كبيرة كانوا يعيشون في كنفها بصفتهم قلة قليلة مستضعفة ذات نشاط أوسع من إمكاناتها، وأطماع أكبر من أن تحتملها تلك الإمبراطوريات والشعوب التي كانت تبتلى بها، فلجؤوا لذلك إلى أسلوب الضعيف المستضعَف المراود، أسلوب الكذب والغش والعمل في الخفاء، وانسحب ذلك على تاريخهم كله، فلا يعرف العالم حتى اليوم ماذا يريده اليهود، بينما اليهود يعرفون بالضبط ماذا يريدون!‏ وماذا يراد منهم‏!‏

فتاريخ اليهود إذًا تاريخ مبهم غامض، لا يُعرف منه إلا ما يستنتجه الناس، أو ما يقدمه اليهود لهم منه على أطباق من الزيف والتعالي، والضلال والتضليل، حتى التوراة التي بأيديهم – وهي المصدر الأساس لليهود – احتوتْ على كثير من الخرافات والأساطير، وعلى أمور خيالية تناقض الحقيقة والواقع، ومُلِئت بالكذب والزيف والتضليل كطبيعة اليهود أصحاب هذا الكتاب‏.‏

لقد حاول اليهود قديمًا – وما زالوا يحاولون حديثًا – هَدْمَ الفوارق والحدود بين تسميتهم بالعبرانيين وبني إسرائيل والساميين والمُوسَوِيين؛ ليدخلوا في رُوع الناسِ أنهم جميعًا من نسل أسباط يعقوب ‏(‏إسرائيل‏)،‏ حتى يرجعوا بنسبهم إلى ‏”‏إبراهيم‏” ‏أبي الأنبياء والمرسلين، فهم بذلك الأشرف جنسًا، والآصَلُ نسبًا، والأصدق دينًا، فهم الأصل وهم شعب الله المختار، وما عداهم من الأمم والشعوب ليسوا إلا جداول وروافد تنبع منهم وتصب فيهم‏.‏

إنها عقدة النقص التي تحكمت في اليهود منذ أن وجدوا، فأورثتْهم حب التعالي والفخر الزائف، لدرجة أنهم ما يزالون يزعمون بأن ‏(‏الغوييم‏)‏ أو ‏(‏الجوييم‏)‏؛ أي: ‏”الأغيار‏”،‏ ما خلقوا على هيئة البشر إلا ليخدموهم، ويسبِّحوا بحمدهم، وليعترفوا بأفضليتهم عليهم، ولا يزالون يزعمون بأن كل ما في الأغيار من مال ومتاع إنما هو ملك خالص لهم، يجب استرداده منهم بكل وسيلة ممكنة، أخلاقية كانت أو غير أخلاقية‏.‏

وليس من تعليل لهذه الترهات، سوى أن اليهود كانوا يشعرون دومًا بشعور الطفولة؛ لأنهم كانوا على امتداد تاريخهم الطويل ضعفاء مستضعفين، لا وزن لهم في نظر مَن كانوا ينزلون في كنفهم، ويحتمون بحرابهم‏، فعوَّضوا ذلك بفخر زائف، ولذلك كَرِههم الناس ونبذوهم، ولهذا طاردهم التاريخ منذ أن حاولوا تسلقه، وعزلهم حقدُهم وإجرامهم منذ أن حلوا بين الناس لدرجة أن قال فيهم ‏”‏جوستاف لوبون‏”‏‏: ‏”‏كان بنو إسرائيل أخلاطًا من شعوب جامحة تشكل مجموعة بدوية غير متجانسة من قبائل سامية صغيرة، تقوم حياتها على الغزو ونهب القرى الصغيرة حتى تقضي عيشًا رغيدًا لبضعة أيام، ثم تعود إلى حياة التيه والبؤس‏”‏؛ ‏‏[اليهود في تاريخ الحضارات الأولى لغوستاف لوبون، نقلاً عن: ‏ خطر اليهودية العالمية ‏(عبدالله التل‏)‏ ص 22‏]‏‏.‏

وكانوا يضطهدون ويعذبون وينفون بسبب تعاليمهم وحقدهم وإجرامهم، وما يحدث الآن في إسرائيل خير مثال على ذلك‏.‏

هذا‏.‏‏. ‏ولا نشذ ولا نشطح إذا رحنا نؤكد بأن المنظمات اليهودية قديمة بقِدَم البشر، فهي أقدم من اليهود أنفسهم بعشرات القرون، وكيف ذلك‏؟‏

إن تاريخ المنظمات اليهودية يرجع – في الأصل – إلى ‏”‏سام بن نوح‏”،‏ والذي أخذت منه اسم ‏”السامية‏”‏ التي يطنطن بها اليهود في هذه الأيام، والتي تلقَّفتْها المنظمات اليهودية، وأسقطت عليها ما شاءت لتحقيق مصالحها ومخططاتها، وحقدها أيضًا، ونسجت حولها الخرافات والأضاليل التي حورتها وطورتها بشكل بدا مقبولاً للجهلاء والسذج والبسطاء‏.‏

وتكمن البداية في تلك القصة التي ذكرتْها التوراة المحرفة، إنها قصة ‏”‏سام وحام، ويافث، وأرفكشاذ‏”،‏ تلك التي أراد بها اليهود قديمًا – والصهاينة حديثًا – تحقيق سيادتهم على العالم؛ حيث نسج مؤلفو التوراة قصة طويلة ملفَّقة، مؤدَّاها أن ‏”‏حامًا‏”‏ وهو أبو كنعان، جد الكنعانيين – كما تزعم التوراة – رأى أباه في خيمته سكران يرقص عاريًا، فأخبر إخوته بذلك، فاستطاع ‏”‏سام‏” جد بني إسرائيل – كما تزعم التوراة أيضًا – بلباقتِه وذكائه، أن يغطي غباوة أخيه، وسَوْءَة أبيه، ولهذا فإن ‏”‏نوحًا‏”‏ حين أفاق من سكرته وعَلِم بالأمر، دعا على ‏”‏حام‏”‏ بأن يُصبِح عبد العبيد لإخوته، وأن تُصبِح ذريته من بعده عبيدًا لذراريهم‏؛‏‏ [العهد القديم، سفر التكوين، إصحاح 9 ‏(‏20 – 27‏)‏ بتصرف‏]‏‏.

‏وبناء على ذلك، فأبناء ‏”‏حام‏”‏ – أي الكنعانيون العرب – أنذال، أغبياء، ملعونون، وأبناء ‏”‏سام‏”‏ – أي بنو إسرائيل – كرماء، أذكياء، بعيدون عن اللعنة‏.‏

وما جنس الكنعانيين الملعون – بحسب ما جاء في سفر إشعياء، والقضاة – إلا ذلك الجنس الذي كنا نتطلع إليه عبر القرون من بلاد اليونان باعتباره أبَ الكتابة والتجارة والحضارة‏.‏

وهذا – كما ترى – دسٌّ رخيص، ومزاعم تتناقض مع الحقيقة والواقع‏،‏ ولقد تلقف الصهاينة والمخادعون والمخدوعون هذه النظرية فنادوا بما نادى به آباؤهم وأجدادهم في توراتهم من قبلهم، فزعموا بأن فلسطين ملك إلهي خالص لهم، وأن عرب فلسطين – أبناء الكنعانيين – عبيد خُلَّص لسيادتهم، ‏”فحام‏”‏ – أبو كنعان – ملعون، والله قد وعد أباهم ‏”‏إبراهيم‏” ‏- كما وعد إسحاق ويعقوب ومَن جاء بعدهم من الأنبياء – بأن الأرض والمال لأبناء ‏”‏سام‏”‏ الشرفاء الأخيار، وليس لأبناء ‏”‏حام‏”‏ الأنذال الأشرار إلا الخزي والعار‏‏‏!‏

ومن المفارقات الغريبة أن هؤلاء حين يعُدُّون الشعوب السامية يضعون العرب والكنعانيين على رأسها – وهو كذلك – مع أن التوراة تذكر بأنهم ‏”‏أولاد كنعان بن حام‏”،‏ وليسوا ‏”‏بأولاد سام”، ‏”‏فهل الكنعانيون” من نسل ‏”‏سام‏”،‏ أم من نسل ‏”‏حام أبي كنعان‏”‏‏؟‏‏!

‏‏

والسامية، واللاسامية دعوة حديثة اختلقها اليهود في بلاد الغرب – في أوربا وأمريكا بوجه خاص – ليستروا بها عوراتهم وسخائمهم، وليحصلوا بها على امتيازات خاصة، وكذلك ليتخلَّصوا بها من أعدائهم ومنافسيهم بزعم أن العداء الذي يظهره الأغيار لليهود ليس بسبب جرائم اليهود وحقارتهم، ولكن بسبب نقاء جنسهم واتساع مداركهم، وتفردهم بامتلاك الثروة والمال‏!‏

والغريب أن الذي افترى فرية‏ “‏اللاسامية‏”‏ هذه، هم يهود من شرق أوروبا لا يمتُّون للعبرانيين ولا لبني إسرائيل بصلة؛ لأنهم من أصول مغولية تترية خزرية، فهم ليسوا من نسل‏ “‏سام‏”‏ المزعوم، فيزعمون وجود السامية فهي تعود عليهم‏‏!‏ فلم إذًا اخترع اليهود فرية ‏”‏اللاسامية‏” ‏لغيرهم‏؟‏

لقد اخترعوها لأسباب كثيرة من نسج خيالهم، وكما قال ‏”‏هرتزل‏”‏‏: ‏‏(لو لم تكن ‏”‏اللاسامية‏”‏ موجودة لوجب علينا إيجادها‏)،‏ وهرتزل هذا يعرف تمامًا أبعاد قوله هذا‏.‏

إن اليهود قد اضطهدوا وعُذِّبوا ولُوحِقوا؛ لأنهم لم يستطيعوا طيلة تاريخهم الطويل أن يتهجوا كلمات التعايش الإنساني الكريم، ولم يستطيعوا أن يهضموا حتى الآن كلمتي الحق والعدل‏، ومن ثَمَّ استخدموا كلمة ‏”‏السامية‏”‏ ‏(‏صابونًا‏)‏ يغسلون به عرق أبدانهم النتنة التي لاحقتهم مع جرائمهم البشعة، ومع هذا فإنهم يطلقون كلمة ‏”‏السامية‏”‏ على كل اليهود، مع أن أكثر من تسعين في المائة منهم لا ينتمون لأصول سامية‏.‏

ومن هنا، فقد أصبحت المعركة شرسة بين الكيان الصهيوني المصطنع الذي يدعي السامية وغيره، ومن هنا فإن إسرائيل تتبجَّح اليوم بأنها منارة الشرق، المؤهلة لإحيائه وبعثه، وموئل ‏”‏الديمقراطية‏”‏ في منطقة لم تسمع بها‏،‏ فإسرائيل هذه بنت الصِّهيونية الحاقدة أحيت – وما زال تُحْيِي – كل يوم في منطقتنا العربيةِ النازيةَ العنصرية المتغطرسة، والتميز العنصري المتعالي، فهل حقّ ما تزعم إسرائيل، وما يدعيه اليهود‏؟‏‏‏! ‏‏[جذور الفكر اليهودي، تأليف/ داود عبدالعفو سنقراط، سلسلة أبناء يهوذا في الخفاء‏ (‏1‏)‏ ص 11 – 53، باختصار، ط/ دار الفرقان، ‏”‏الثانية‏” ‏سنة‏: ‏ 1408 هـ/ 1987م‏]‏‏.