مولد الشيخ حسنين مخلوف ونشــأته:
هو الشيخ حسنين ابن الشيخ محمَّد حسنين مخلوف العدوي، وُلِدَ يوم (السبت 16 من رمضان 1307هـ= 6 مايو سنة 1890م) بـ باب الفتوح بالقاهرة، تعهَّده والده الشيخ محمَّد حسنين مخلوف – الذي كان مديرًا للجامع الأزهر– بالرعاية والعناية؛ فحفظ القرآن الكريم بصحن الأزهر حتى أتمَّه وهو في العاشرة من عمره، كما جوَّد قراءته على شيخ القرَّاء «محمَّد علي خلف الحسيني»، ثم التحق بالأزهر طالبًا وهو في الحادية عشرة من عمره، وتلقَّى دروسه في مختلف العلوم على كبار الشيوخ، وكان منهم والده الشيخ «محمَّد حسنين مخلوف العدوي»، والشيخ «محمد الطوخي»، والشيخ «يوسف الدجوي»، والشيخ «محمد بخيت المطيعي»، والشيخ «عبد الله دراز» وغيرهم. ولمـَّا فتحت مدرسة القضاء الشرعي أبوابها لطلاب الأزهر تقدَّم للالتحاق بها، وكانت تصطفي النابغين من المتقدِّمين بعد امتحانٍ عسيرٍ لا يجتازه إلَّا الأكْفَاء المتقنون، ثم حصل على شهادة العَالِميَّة لمدرسة القضاء سنة 1332هـ، في يونيو سنة 1914م وهو في الرابعة والعشرين من عمره، وكان من أعضاء لجنة امتحانه الشيخ سليم البشري شيخ الجامع الأزهر، والشيخ بكري الصدفي مفتي الديار المصريَّة.
مناصب الشيخ:
وبعد تخرُّجه أخذ يُلقي دروسه في الأزهر متبرِّعًا لمدَّة عامين إلى أن عُيِّن قاضيًا بالمحاكم الشرعيَّة في قنا سنة (1334هـ=1916م)، ثم تنقَّل بين عدَّة محاكم في «ديروط» و«القاهرة» و«طنطا»، حتى عُيِّن رئيسًا لمحكمة الإسكندريَّة الكلِّيَّة الشرعيَّة سنة (1360هـ=1941م) ثم رُقِّي رئيسًا للتفتيش الشرعي بوزارة العدل سنة (1360هـ=1942م)، وفي أثناء تولِّيه هذه الوظيفة المرموقة أسهم في المشروعات الإصلاحيَّة، مثل: إصلاح قانون المحاكم الشرعيَّة، وقانون المجالس الحسبيَّة، ومحاكم الطوائف المحلِّيَّة، كما انتُدب للتدريس في قسم التخصُّص بمدرسة القضاء الشرعي لمدَّة ثلاث سنوات، ثم عُيِّن نائبًا للمحكمة العليا الشرعيَّة سنة (1363هـ=1944م)، ثم تولَّى منصب الإفتاء فعمل مفتيًا للديار المصرية في الفترة من (26 صفر سنة 1365هـ= 30 من يناير سنة 1946م- 20 من رجب سنة 1369هـ= 7 من مايو سنة 1950م)، وعُيِّن عضوًا بجماعة كبار العلماء بالأزهر سنة (1367هـ=1948م).
ومنذ انتهت خدمته القانونيَّة لم يركن إلى الدَّعة والراحة، بل أخذ يُلقي دروسه بالمشهد الحسيني يوميًّا، ويُصدِر الفتاوى والبحوث المهمَّة، إلى أن أُعيد مُفتيًا للديار مرَّةً ثانيةً في (غُرَّة جمادى الآخرة من عام 1371هـ= 26 فبراير سنة 1952م)، وظلَّ في الإفتاء حتى (صفر من عام 1374هـ= أكتوبر سنة 1954م)، وقد أصدر خلالها حوالي (8588) فتوى مسجَّلة بسجلَّات دار الإفتاء.
بعدها عمل الشيخ رئيسًا للجنة الفتوى بالأزهر الشريف مدَّةً طويلة، كما اختير عضوًا لمجمع البحوث الإسلاميَّة بالأزهر، وتولَّى رئاسة جمعيَّة البحوث الإسلاميَّة بالأزهر، وتولَّى رئاسة جمعيَّة النهوض بالدعوة الإسلاميَّة، وكان عضوًا مؤسِّسًا لرابطة العالم الإسلامي بالمملكة العربيَّة السعوديَّة، وشارك في تأسيس الجامعة الإسلاميَّة بالمدينة المنوَّرة، واختير في مجلس القضاء الأعلى بالسعوديَّة.
وكان الشيخ حسنين مخلوف -رحمه الله- مقصد الفتوى في مصر، والملجأ الصادق حين تَدْلَهِمُّ بالناس المشكلات، وكانت أولى فتاواه وهو لا يزال طالبًا في مدرسة القضاء الشرعي حين دفع إليه أبوه برسالةٍ وصلت إليه، يطلب مرسلها حكم الإسلام في الرفق بالحيوان، وطلب منه أن يكتب الردَّ بعد الرجوع إلى المصادر الشرعيَّة، فعكف الشيخ -وهو بعد لا يزال طالبًا- أسبوعين حتى أخرج رسالةً مستوفاة، سُرَّ بها والده الشيخ، وبادر إلى طباعتها من فرط سعادته بابنه النابغ، وفي ذلك يقول الشيخ في مقدِّمة تلك الرسالة: «وبعد.. فقد أمرني والدي صاحب الفضيلة الشيخ محمَّد حسنين مخلوف العدوي المالكي مدير الأزهر والمعاهد الدينيَّة بجمع ما تيسَّر من النصوص الشرعيَّة في (الرفق بالحيوان) لحاجة كثيرٍ من الناس إلى معرفة حكمه في الشريعة الإسلاميَّة، فصدعت بالأمر متوخِّيًا سبيل الإيجاز ومستعينًا بالله».
وكان هذا التوفيق في الإجابة والفتوى إرهاصًا لِمَا سيكون عليه في قابل الأيَّام من كونه مفتيًا فذًّا وعالـمًا كبيرًا.
مؤلفات الشيخ وتحقيقاته:
شغل الشيخ بأعماله في القضاء والدرس عن التأليف والتصنيف، واستهلكت فتاواه حياته، وهي ثروةٌ فقهيَّةٌ ضخمة أَحَلَّتْهُ مكانةً فقهيَّةً رفيعة.
ومع ذلك فإنَّ للشيخ كُتبًا نافعةً جدًّا نذكر منها:
• “حكم الإسلام في الرفق بالحيوان”. وهي باكورة تصانيفه وقد فرغ من تأليفها في شهر يوليو عام 1912م.
• “أسماء الله الحسنى والآيات القرآنية الواردة فيها”. طُبع بدار المعارف بالقاهرة 1394هـ.
• “أضواء من القرآن الكريم في فضل الطاعات وثمراتها وخطر المعاصي وعقوباتها”. طُبع بمؤسَّسة مكَّة للطباعة بمكَّة المكرَّمة عام 1393هـ.
• “أضواء من القرآن والسنة في وجوب مجاهدة جميع الأعداء”. طُبع بمطبعة المدني بالقاهرة 1394هـ.
• “فتاوى شرعية وبحوث إسلامية”. طُبع بمطبعة دار الكتاب العربي بالقاهرة 1371هـ.
• “تفسير سورة يس”. طُبع بمطبعة الكيلاني بالقاهرة 1402هـ.
• “حكم الشريعة الإسلامية في مأتم ليلة الأربعين وفيما يعمله الأحياء للأموات من الطاعات”. طبع بمطبعة مصطفى الحلبي بالقاهرة 1366هـ.
• “آداب تلاوة القرآن وسماعه”.
• “المواريث في الشريعة الإسلامية”. طُبع دار المدني بجدة.
• شرح البيقونية في مصطلح الحديث.
• شفاء الصدور الحرجة في شرح قصيدة المنفرجة.
• شرح جالية الكدر بنظم أسماء أهل بدر.
• أخطار المعاصي والآثام ووجوب التوبة منها إلى الملك العلام.
• رسالة في فضل القرآن العظيم وتلاوته.
• رسالة في فضائل نصف شعبان.
• رسالة في دعاء يوم عرفة.
• رسالة في ختم القرآن الكريم ووجوب بر الوالدين.
• رسالة في شرح أسماء الله الحسنى.
• رسالة في تفسير آية الكرسي وسورة الإخلاص وسورة الضحى.
• رسالة في تفسير سورة القدر.
• أدعية من وحي القرآن الكريم والسنة النبوية.
• نفحات زكية من السيرة النبوية.
• شرح الوصايا النبوية من النبي صلى الله عليه وسلم إلى ابن عباس رضي الله عنهما.
• شرح وصايا الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
كما أنَّ الشيخ -رحمه الله- كانت له جهودٌ مشكورة في تحقيق بعض الكتب النافعة، منها:
• بلوغ السول في مدخل علم الأصول. طبع مصطفى البابي الحلبي بالقاهرة 1386هـ.
• “الحديقة الأنيقة في شرح العروة الوثقى في علم الشريعة والطريقة والحقيقة لمحمَّد بن عمر الحريري”. طُبع بمطبعة المدني بالقاهرة 1380هـ.
• الدعوة التامة والتذكرة العامة لعبد الله بن علوي الحداد طبع بمطبعة المدني بالقاهرة 1383هـ.
• النصائح الدينية والوصايا الإيمانية لعبد الله بن علوي الحدَّاد. طبع بمطبعة المدني بالقاهرة 1381هـ.
• شرح الشفا في شمائل صاحب الاصطفا للملا علي القاري. طبع بمطبعة المدني بالقاهرة 1398هـ.
• هداية الراغب بشرح عمدة الطالب لعثمان بن أحمد النجدي. طبع بمطبعة المدني بالقاهرة 1379هـ.
• شرح المدحة النبوية للشيخ أحمد أبو الوفا الشرقاوي.
• شرح لمعة الأسرار للشيخ أحمد أبو الوفا الشرقاوي.
• قصيدة في مدح النعال النبوية للشيخ أبي الوفا.
• شرح نصيحة الإخوان للإمام ابن طاهر الحدَّاد.
• شرح الحكم للإمام عبد الله بن علوي الحدَّاد.
منزلة الشيخ وأوسمته:
كان الشيخ محلَّ تقديرٍ واحترامٍ لسعة علمه وشدَّته في الحق، وكانت الأوساط العلميَّة والرسميَّة تنظر إليه بعين التقدير لجلائل أعماله في الدعوة والقضاء والإفتاء، فمُنِح كسوة التشريفة العلميَّة مرَّتين: الأولى حين كان رئيسًا لمحكمة طنطا، والأخرى وهو في منصب الإفتاء، كما نال جائزة الدولة التقديريَّة في العلوم الاجتماعيَّة سنة (1402هـ=1982م)، ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، وامتدَّ تكريمه إلى خارج البلاد، فنال جائزة الملك فيصل العَالَمية لخدمة الإسلام سنة (1403هـ=1983م).
وقد كُتِبَ في جوانب من علم الشيخ رسائل علميَّة، منها رسالة بعنوان: «الشيخ حسنين محمَّد مخلوف مفسِّرًا» حصل بها باحثٌ من لبنان على درجة الماجستير من إحدى جامعاتها.
وفاة الشيخ:
طالت الحياة بالشيخ حتى تجاوز المائة عام، قضاها في خدمة دينه داخل مصر وخارجها، حيث امتدَّت رحلاته إلى كثيرٍ من البلاد العربيَّة ليُؤدِّي رسالة العلم، ويُلقي دروسه، أو يُفتي في مسائل دقيقة تُعرض عليه، أو يُناقش بعض الأطروحات العلميَّة في الجامعات، وظلَّ على هذا النحو حتى لقي ربَّه في (19 من رمضان 1410هـ= 15 من أبريل 1990م).
مصادر الترجمة:
– أحمد عمر هاشم: المحدثون في مصر والأزهر، مكتبة غريب، القاهرة، 1993م.
– محمد رجب البيومي: النهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين، دار القلم، دمشق، (1420هـ= 1999م).
– محمد خير رمضان يوسف: تتمة الأعلام للزركلي، 1/140، 141، دار ابن حزم، بيروت، (1418هـ=1998م).
– محمد حسام الدين: فضيلة الشيخ حسنين محمد مخلوف -مجلة الأزهر- السنة الثالثة والستون، الجزء الخامس، (1411هـ=1990م).