كما نعرف أن التنصير حركة دينية سياسية استعمارية بدأت بالظهور إثر فشل الحروب الصليبية بغية نشر النصرانية بين الأمم المختلفة في دول العالم الثالث بعامة وبين المسلمين بخاصة بهدف إحكام السيطرة على هذه الشعوب. وتساعدهم على ذلك ثلاثة عوامل: 1- انتشار الفقر والجهل والمرض في معظم بلدان العالم الإسلامي، 2- النفوذ الغربي في كثير من بلدان المسلمين، 3- ضعف بعض حكام المسلمين الذين يسكتون عنهم أو ييسرون لهم السبل رغبا ورهبا أو نفاقا لهم. أول نصراني تولى التبشير بعد فشل الحروب الصليبية في مهمتها هو ريمون لول إذ إنه قد تعلم اللغة العربية بكل مشقة وأخذ يجول في بلاد الشام مناقشاً علماء المسلمين. ومنذ القرن الـ 15 وأثناء الاكتشافات البرتغالية دخل المبشرون الكاثوليك إلى إفريقيا وبعد ذلك بكثير أخذت ترد الإرساليات التبشيرية البروتستانتية إنجليزية وألمانية وفرنسية. أما السيد كاري فقد كان له دور كبير في مهنة التبشير خلال القرن الـ 18 وبداية الـ 19، وتوالي العديد من المبشرين – كما كان يطلق عليهم – طوال القرون التالية، وأشهرهم هو القس صموئيل زويمر رئيس إرسالية التبشير العربية في البحرين ورئيس جمعيات التنصير في الشرق الأوسط كان يتولى إدارة مجلة «العالم الإسلامي» الإنجليزية التي أنشأها سنة 1911م ولا تزال تصدر إلى الآن من هارتيفورد، دخل البحرين عام 1890م ومنذ عام 1894م قدمت له الكنيسة الإصلاحية الأمريكية دعمها الكامل. وأبرز مظاهر عمل البعثة التي أسسها زويمر كان في حقل التطبيب في منطقة الخليج وتبعا لذلك فقد افتتحت مستوصفين لها في البحرين والكويت ومسقط وعمان، ويعد زويمر من أكبر أعمدة التنصير في العصر الحديث وقد أسس معهدا باسمه في أمريكا لأبحاث الأفكار والمعتقدات . وقد كتب في كتابه (العالم الإسلامي اليوم) الذي جمع فيه بعض التقارير عن التبشير وتحدث فيه عن الوسائل المؤدية للاحتكاك بالشعوب غير المسيحية وجلبها إلى حظيرة المسيح مع بيان الخطط التي يجب على المبشر اتباعها: (يجب إقناع المسلمين بأن النصارى ليسوا أعداء لهم. يجب نشر الكتاب المقدس بلغات المسلمين لأنه أهم عمل مسيحي. تبشير المسلمين يجب أن يكون بواسطة رسول من أنفسهم ومن بين صفوفهم لأن الشجرة يجب أن يقطعها أحد أعضائها. ينبغي للمبشرين ألا يقنطوا إذا رأوا نتيجة تبشيرهم للمسلمين ضعيفة إذ إن من المحقق أن المسلمين قد نما في قلوبهم الميل الشديد إلى علوم الأوروبيين وتحرير النساء)!! وقال في مؤتمر القدس ألتنصيري عام 1935م: (مهمة التبشير التي ندبتكم لها الدول المسيحية في البلاد الإسلامية ليست في إدخال المسلمين في المسيحية فإن في هذا هداية لهم وتكريما وإنما مهمتكم هي أن تخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقا لا صلة له بالله وبالتالي لا صلة له بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها. إنكم أعددتم نشئاً لا يعرف الصلة بالله ولا يريد أن يعرفها وأخرجتم المسلم من الإسلام ولم تدخلوه في المسيحية وبالتالي فقد جاء النشء طبقا لما أراده الاستعمار لا يهتم بعظائم الأمور ويحب الراحة والكسل فإذا تعلم فللشهرة وإذا تبوأ أسمى المراكز ففي سبيل الشهرة يجود بكل شيء). وأهداف المنصرين تتمثل في محاربة الوحدة الإسلامية حيث يذكر القس سيمون: (إن الوحدة الإسلامية تجمع آمال الشعوب الإسلامية وتساعد على التملص من السيطرة الأوروبية والتبشير عامل مهم في كسر شوكة هذه الحركة من أجل ذلك يجب أن نجول بالتبشير باتجاه المسلمين عن الوحدة الإسلامية). أما لورنس براون فيري أنه (إذا اتحد المسلمون في إمبراطورية عربية أمكن أن يصبحوا لعنة على العالم وخطرا أو أمكن أن يصبحوا أيضا نعمة له أما إذا بقوا متفرقين فإنهم يظلون حينئذ بلا وزن ولا تأثير). وقد كتب أحد المبشرين في بداية هذا القرن الميلادي يقول: (سيظل الإسلام صخرة عاتية تتحطم عليها كل محاولات التبشير مادام للمسلمين هذه الدعائم الأربع: القرآن والأزهر واجتماع الجمعة الأسبوعي ومؤتمر الحج السنوي العام)!! وللمنصرين الكثير من المؤتمرات الإقليمية والعالمية بدأت بمؤتمر القاهرة عام 1324هـ 1906م وقد دعا إليه زويمر بهدف عقد مؤتمر يجمع الإرساليات التبشيرية البروتستانتية للتفكير في مسألة نشر الإنجيل بين المسلمين وقد بلغ عدد المؤتمرين 62 شخصا بين رجال ونساء وكان زويمر رئيسا لهم. وأخطر المؤتمرات مؤتمر كولورادو في 15 تشرين الأول (أكتوبر) 1978م تحت اسم مؤتمر أمريكا الشمالية لتنصير المسلمين حضره 150 مشتركا يمثلون أنشط العناصر التنصيرية في العالم استمر لمدة أسبوعين بشكل مغلق وقدمت فيه بحوث حول التبليغ الشامل للإنجيل وتقديمه للمسلمين والكنائس الديناميكية في المجتمع المسلم وتجسيد المسيح وتحبيبه إلى قلب المسلم ومحاولات نصرانية جديدة لتنصير المسلمين وتحليل مقاومة واستجابة المسلم واستخدام الغذاء والصحة كعنصرين في تنصير المسلمين وتنشيط دور الكنائس المحلية في تنصير العالم الإسلامي. وهناك العديد من هذه المؤتمرات في العديد من الدول في أوروبا أو قارة آسيا. بعد الحرب العالمية الثانية اتخذت النصرانية نظاما جديدا إذ ينعقد مؤتمر للكنائس مرة كل ست أو سبع سنوات متنقلا من بلد إلى آخر. منها مؤتمر أمستردام 1948م في هولندا، ومؤتمر ايفانستون 1954م في أمريكا، ومؤتمر جاكرتا 1975م في إندونيسيا وقد اشترك فيه ثلاثة آلاف مبشر نصراني. عقد المؤتمر السادس لمجلس الكنائس العالمي في تموز (يوليو) سنة 1980م في كاليفورنيا في الولايات المتحدة وقد حث المؤتمر على ضرورة زيادة البعثات التنصيرية بين مسلمي الشرق الأوسط خاصة في دول الخليج العربي . وللدكتور عبد العزيز بن إبراهيم العسكر كتاب عن ( التنصير في الخليج العربي) وضح فيه: (حرص النصارى على نشر دينهم بين الناس، ولا سيما في القرون المتأخرة، بعد أن صارت الديانة النصرانية مطية جيدة لبسط النفوذ السياسي أو النفوذ الفكري للدول النصرانية القوية على الشعوب المقصودة بالتنصير. ولذلك نجد الجهود تتواصل لتقوية برامج النشاط التنصيري في العالم الإسلامي تحت مسميات مختلفة، وتنظيمات متنوعة هدفها في النهاية واحد. ولا يكاد بلد إسلامي يخلو من لون من ألوان النشاط التنصيري، لكنه يختلف كثرة وقلة بحسب أهمية المنطقة والبلد الذي يوجد فيه. ومنطقة الخليج العربي من المناطق الاستراتيجية في العالم أجمع، ولذلك فهي تحظى باهتمام خاص من المنصّرين لعلهم يظفرون فيها بأتباع ورعايا لكنائسهم، يجعلونهم حجة لهم للتدخل لحمايتهم عند الضرورة، ويجعلونهم أيضاً ورقة ضغط على حكومات دول الخليج بحكم أنهم أقلية غير مسلمة تحتاج إلى رعاية خاصة عن بقية أفراد الشعب) . يقوم مجلس الكنائس العالمي والفاتيكان وهيئات أخرى بالإشراف والتوجيه والدعم المالي لكافة الأنشطة التنصيرية وتتوافر مصادر تمويل ثابتة من مختلف الحكومات والمؤسسات في الدول الغربية وعن طريق المشروعات الاقتصادية والأراضي الزراعية والأرصدة في البنوك والشركات التابعة لهذه الحركات التنصيرية مباشرة وحملات جمع التبرعات التي يقوم بها القساوسة من حين لآخر، وتوجد هيئات ومراكز للبحوث والتخطيط يعمل فيها نخبة ممتازة من الباحثين المؤهلين ومن أهم هذه المراكز: مركز البحوث التابع للفاتيكان، مركز البحوث التابع لمجلس الكنائس العالمي، حركة الدراسات المسيحية في كاليفورنيا، مركز البحث في كولورادو. وأعداد منها في نيروبي، وفي نيجيريا، وفي باكستان ويعتبر من أكبر المراكز في آسيا. يبلغ عدد المبشرين في أنحاء العالم ما يزيد على 220 ألفا منهم 138 ألف كاثوليكي والباقي وعددهم 62 ألفا من البروتستانت. وهم يمارسون نشاطاتهم في العديد من دول آسيا وإفريقيا. إن بعثات التنصير لا تزال تعمل بإصرار من أجل تحقيق أهدافها، وبخاصة في أنحاء العالم الإسلامي، والعالم العربي بشكل أخص، وهي تعتبر أن مجال العمل في صفوف المسلمين في العالم العربي من أشق المهام لأنها قلقة من مزاحمة الإسلام لها، فإذا أحرزت بعض النجاح في البلاد التي تعتبر مهداً للإسلام فإنها ستكسب كسباً مادياً ومعنوياً. أما الكسب المادي فإنها تكون قد أوجدت القاعدة التي تتكئ عليها من أهل البلاد الأصليين. وأما الكسب المعنوي فهو ظهورها أمام من يرعون نشاطات التنصير في العالم، وخاصة في العالم الغربي بأنها حققت شيئاً فتكسب تعاطفهم وحماستهم لتأييدها بما يستطيعون ولذلك فإن التنصير يلح على أن يعمق جذوره في العالم العربي، ويعد من أجل ذلك الدورات والمؤتمرات، ويشرف على النشاطات السرية والعلنية المرتبطة بمنظمات نشطة في أوروبا وأمريكا. ما هو مطلوب لمواجهة التنصير لخصه في نقاط موقع طريق الإسلام أنه يجب على الجامعات الإسلامية أن يكون لها دور في عملية الدعوة للمسلمين وغير المسلمين، ويجب الاعتناء بشريحة الشباب المسلم في المجتمع وتوجيههم للمساهمة كلٌ بقدر استطاعته في الدعوة إلى الله، كما يجب أيضاً على الجامعات والمؤسسات العلمية والتعليمية ومراكز البحوث أن تقوم بترجمة الكتب والكتيبات الموجهة والنافعة في هذا المجال، ونتطلع إلى رابطة العالم الإسلامي والندوة العالمية للشباب الإسلامي في تكثيف جهودهما في هذا المجال.ويجب على الحكومات الإسلامية أن تمنع التسهيلات لحملات التنصير وتقوم بمراقبة العاملين من غير المسلمين سواء في البعثات الدبلوماسية أو الأطباء والممرضين وغيرهم.