مما يلزم الدعاة التنبه إليه؛ الاعتناء بأساليب دعوة غير المسلمين لتأليف قلوبهم، ولمخاطبة عقولهم بدين الحق، ومن هنا يتأكد الاعتناء بالأساليب المناسبة لكل مدعو بحسبه ليكون عمله وفق المشروع، ويحقق المقاصد المطلوبة، وقد أشار القران الكريم إلى أهمية الاعتناء بالأساليب من خلال قوله -تعالى-: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل:125]، ولعل أهم الأساليب التي يمكن استخدامها مع هؤلاء: أولاً: أسلوب التدرج:-إن التدرج في عرض الإسلام، والابتداء بالأساسيات، والقواعد العامة، ثم ما يليها وهكذا في جميع ما يحتاجه المدعوون؛ منهج حكيم سار عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- في دعوته، فعندما بعث معاذ – رضي الله عنه – إلى اليمن؛ أخبره عن حال المدعوين الذين سيوجه لهم الدعوة، وأنهم أهل كتاب فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضي الله عنهما – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا بَعَثَ معاذ ببن جبل إِلَى الْيَمَن قَالَ له: «إِنَّكَ تأتي قَوماً من أَهْل الكِتَابٍ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ شهادة أن لا إله إلا الله» – وفي رواية: «إلى أن يوحدوا الله -، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أَنَّ اللَّهَ افتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كل يَوْمِ وَلَيْلَة، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أَنَّ اللَّهَ افتَرَضَ عَلَيْهِمْ صدقة تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فإن هم أَطَاعُوك لذلك فإياك وكرائم أَمْوَالِهِمْ، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب» [1] يقول الحافظ ابن حجر – رحمه الله – مبيناً حكمة ذلك: “هي كالتوطئة للوصية لتستجمع همته عليها لكون أهل الكتاب أهل علم في الجملة، فلا تكون العناية في مخاطبتهم كمخاطبة الجهال من عبدة الأوثان”[2]، وأمره أن يعرض الدعوة عليهم بالتدرج؛ لأنه لو طالبهم بالجميع في أول مره لم يؤمنوا. ولما لهم من مكانة بين سائر المدعوين فطبيعة حال المدعو من غير المسلمين اليوم تستلزم التدرج معهم في إيضاح الإسلام، وبيانه في محاولة من الداعية لنقلهم من الباطل لدين الحق. ثانياً: أسلوب لموعظة الحسنة:الموعظة في اللغة: هي النصح، والتذكير بالعواقب. وفي الاصطلاح: نصح وتذكير مقترن بتخويف وترقيق[3]. وللموعظة الحسنة أهمية بالغة في الدعوة إلى الله -تعالى- قال -تعالى-: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل:12]. الموعظة هي: “المقالة المشتملة على الموعظة الحسنة التي يستحسنها السامع، وتكون في نفسها حسنة، باعتبار انتفاع السامع بها.. وهي الحجج الظنية الإقناعية الموجبة للتصديق بمقدمات مقبولة”[4]، وترجع أهمية الموعظة في الدعوة إلى ما لها من تأثير بالغ في النفوس[5]. فهي من الأساليب الجيدة في التأثير على المسلمين وغيرهم، ولا بد للداعي أن يستفيد منها في تبليغ دعوته لغير المسلمين، والدعوة إلى الله -تعالى- بالموعظة الحسنة تكون بأسلوبي الترغيب والترهيب. والترغيب: هو كل ما يرغب المدعو للإذعان، وقبول الدعوة، والثبات على الحق، والأصل فيه: أن يكون في طلب مرضاة الله ومغفرته، وجزيل أجره في الدارين، ويأتي من خلال أسلوب الترغيب بيان النعيم الذي يعده الله -تعالى- لمن يؤمن من هؤلاء، فيظهر الداعية لغير المسلمين ما أعده الله -تعالى- لمن آمن، واتبع طريق الهداية يقول -تعالى-: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ ولأدخلناهم جَنَّاتِ النَّعِيمِ} [المائدة:65]، وهذا الأسلوب تمثل في دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم- للنصارى وغيرهم، وذلك حينما كتب كتاباً للمقوقس ملك مصر قال فيه – عليه الصلاة والسلام -: «أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين»[6]، أما الترهيب: فهو كل ما يخيف المدعو من عدم الثبات على الحق، والإذعان له، وعدم إتباع أوامر الله[7]. والأصل في الترهيب: يكون بالتخويف من عاقبة السيئات لأنها مجلبة لغضب الله -تعالى-، ويلجأ إليه الداعية لتخويف المدعو من عدم الإذعان للحق، أو البعد عن اتباعه؛ مع علمه به فكما أن الله -تعالى- غفور رحيم؛ فإنه – عز وجل – شديد العقاب لمن عصاه قال -تعالى-: {اعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [المائدة:98]، والداعية إلى الله -تعالى- ينتقل بحكمته إلى أسلوب الترهيب والتخويف، ويستند على ما جاء في القرآن الكريم مع النصارى وغيرهم. حيث جاء تأنيبهم لعدم استجابتهم للحق قال -تعالى-: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ} [آل عمران:70]، وجاء الترهيب من عدم اتباع الحق في قوله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً} [النساء:47]، وخاطب الله – سبحانه – النصارى مهدداً لهم على لسان عيسى – عليه السلام – فقال -تعالى-: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} [المائدة:72)]، واستعمل النبي -صلى الله عليه وسلم- أسلوب الترهيب مع غير المسلمين فقال -صلى الله عليه وسلم-: «والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي، ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به؛ إلا كان من أصحاب النار» [8]. ثالثاً: أسلوب الحوار والمجادلة بالتي هي أحسن:الحوار وكذلك الجدال من الأساليب المستخدمة في الدعوة إلى الله لإقناع المدعو، وإزالة الشبه، وإقامة الحجج والبراهين على صحة الدعوة، وبطلان ما سواها، والجدل لا يكون إلا عند الحاجة، كوجود المعارض بالشبهة، والصاد بالباطل عن سبيل الله، بخلاف الحكمة، والموعظة الحسنة، فمشروعيتها قائمة دائمة[9]. والجدل في اللغة: مقابلة الحجة بالحجة، والمجادلة: المخاصمة والمناظرة[10]. والمجادلة بالتي هي أحسن هي المناظرة التي يبتغى فيها الوصول إلى الحق بطريق صحيح[11]، وتكون المجادلة إذا لم تنفع الموعظة الحسنة، ولم تؤثر في المدعو، وترده إلى الحق؛ فقد يكون لدى المدعو شبهة وشك، ويحتاج إلى تجلية، وإيضاح، وتفنيد بالجدال والنقاش والحوار قال -تعالى-: {وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125]. وللمجادلة ضوابط وآداب لا بد أن يراعيها الداعي منها: 1- أن يكون الموضوع مما يجوز أن تجري المجادلة والمناظرة فيه شرعاً وعقلاً، فلا تجوز المجادلة في ذات الله -تعالى-، وأسمائه، وصفاته، ولا يجوز الجدال في آيات الله، وضرب بعضها ببعض، ولا فيما غيّبت عنا، وليس لنا سبيل إلى معرفته، والعلم به. 2- تقديم النقل ونصوصه على العقل وظنونه.3- أن يكون الموضوع المتجادل فيه معلوماً، ومحدداً لدى المتجادلين، فلا ينبغي الجدال فيما يُجهل، أو ما كان متشعباً غير محدد. 4- أن يكون الهدف من المناظرة إظهار الحق، ودفع الباطل، ولا بد أن يكون لدى الداعي الإطلاع على كتب النصارى، والمعرفة بأفكارهم ومعتقداتهم، ليقف على ما عندهم من شبه، وأفكار، ومعتقدات، فيفندها ويبطلها بما لديه من حجج وبراهين ثابتة بأسلوب المجادلة بالحسنى. وعليه أن يتحلى بالأخلاق الإسلامية العالية أثناء الجدال من القول المهذب، واحترام الآخرين، وعدم الطعن في الأشخاص، أو لمزهم والاستهزاء بهم، ولا يبادر إلى مهاجمة أتباع الديانات والعقائد في بداية الأمر، ويتجنب تخطئة المناقش، وتسفيه آرائه لأول وهلة، وليكن متلطفاً ليناً رقيقاً في الخطاب، فالجدال مشروط بأن يكون بالتي هي أحسن[12] قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله -: “أي من احتاج منهم إلى مناظرة وجدال فليكن بالوجه الحسن برفق، ولين، وحسن خطاب”[13]، إذاً فالدعوة إلى الله – سبحانه – بالحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن؛ من أفضل الأساليب في الدعوة إلى الله لاسيما مع النصارى العرب لكونهم من أهل الكتاب، ولديهم علم وخبر لكنه محرف، خلافاً لأهل الديانات الأخرى من الجهال، وعبدة الأوثان. ثم إن لغتهم العربية تسهل الطرق لدعوتهم وجدالهم؛ لأن القرآن نزل باللسان العربي، وفيه جميع الحجج والبراهين التي تصحح أفكارهم ومعتقداتهم، وتزيل شبههم، وشكوكهم، وتجيب على تساؤلاتهم. والداعي قبل أن يبدأ دعوته ويوجهها إلى غير المسلمين عليه أن يسأل عن حال المدعو هل هو من عامة الخلق الذين يبحثون عن الحق، أم أنه عالم، أو قسيس من القساوسة الذين تتطلب دعوتهم عالماً له دراية بالكتاب، والسنة، والأديان الأخرى، وجوانب الانحراف والاختلاف والاتفاق، وكيف يناقش هذا المدعو ويقيم عليه الحجة[14]. رابعاً: إنزال الناس منازلهم:إن معرفة الداعي لأحوال المدعوين يقتضي منه أن ينزلهم منازلهم، وهذا من الأمور الهامة التي يجب على الداعي أن يراعيها، ويتنبه إليها، ويحرص على تطبيقها وتنفيذها مع المدعوين، ويعاملهم بناء على مكانتهم، ويخاطبهم على قدر عقولهم وأفهامهم لتأليف قلوبهم، وجذب نفوسهم إلى الإسلام، وحينما نتأمل في دعوة النبي – عليه الصلاة والسلام – نجد أنه كان يراعي أحوال المدعوين، وينزلهم منازلهم[15] فعن عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كتب إلى قيصر: «من محمد بن عبدالله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم» [16]، كذلك جاء في كتابه -صلى الله عليه وسلم- إلى المقوقس: « من محمد بن عبد الله ورسوله إلى المقوقس عظيم القبط»[17]، وهذا يؤكد حرص النبي -صلى الله عليه وسلم- على إنزال الناس منازلهم لترغيبهم ولتأليفهم إلى الدين الإسلامي. وهكذا الداعية يحرص على إنزال غير المسلمين منازلهم لتأليف قلوبهم لسماع الدعوة، والتأثر بها دون أن تنتزع مكانة المدعو، أو يقلل من شأنها، وهذا التقدير والاحترام لحال المدعو من شأنه دعوته للتفكير في هذا الدين الذي يعطي للإنسان قدره، ويعلي منزلته. ومما يجدر التنبه له عند دعوة غير المسلمين ضرورة عدم التعرض لدينهم بشيء، حتى لا يفقد الداعية الاتصال بهم، وإعادة الدعوة عليهم في مواقف وبأساليب أخرى، وكذلك حتى لا يسبوا الله عدواً بغير علم قال -تعالى-: {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [الأنعام:108]. فالداعية الحكيم يعرض الدعوة الإسلامية بأسلوب الإقناع، وإظهار محاسن الإسلام؛ دون القدح في ديانة المدعو، فيفتح بذلك قناة التفكر والتأمل في الحق، ومقارنته بما هو عليه، وبذا يكون قد بنى بناء قوياً في نفس المدعو للقراءة والاطلاع عن قرب في هذا الدين الجديد الذي عرضه الداعية. خامساً: أسلوب الرفق واللين:الرفق: ضد العنف والشدّة، ويُراد به اليسر في الأمور، والسهولة في التوصل إليها[18]، وأصل الرفق في اللغة هو النفع، ومنه قولهم: أرفق فلان فلاناً إذا مكّنه مما يرتفق به، ورفيق الرجل: من ينتفع بصحبته، ومرافق البيت: المواضع التي ينتفع بها ونحو ذلك، ويعني اللين، واللطف، والسهولة، واليسر؛ والرفق ليس مستهدفاً للغير في مهمته وتأثيراته فحسب، بل هو يبدأ من الذات ليشمل غيرها من الأفراد والمجتمعات، ويوصل إليها رسالة التكافل الاجتماعي بأبهى صُوَرِه، وقد امتدح الله -تعالى- ما اتصف به نبيه الكريم -صلى الله عليه وسلم- من اللين والرفق فقال -تعالى-: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران:159]، واستخدم النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الأسلوب في الدعوة، وحث عليه وإن كان مع غير المسلمين فعن عائشة – رضي الله عنها – قالت: إن اليهود أتوا النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال اليهود: السام عليكم (الموت عليكم) فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((وعليكم)) قالت عائشة – رضي الله عنها -: السام[19] عليكم، ولعنكم الله، وغضب عليكم، فقال رسول الله: «مهلاً يا عائشة!! عليك بالرفق، وإياك والعنف، والفحش»، فقالت عائشة – رضي الله عنها -: أو لم تسمع ما قالوا؟ فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «أو لم تسمعي ما قلت رددت عليهم، فيستجاب لي، ولا يستجاب لهم فيَّ» وفي رواية: «لا تكوني فاحشة، فإن الله لا يحب الفحش، والتفحش» [20]، واستخدم النبي -صلى الله عليه وسلم- أسلوباً من الرفق لا يجارى مع من يجهل الحكم؛ من خلال موقفه مع الأعرابي الذي بال في المسجد، فلما زجره بعض الصحابة بشدة قال -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تزرموه)) أي لا تقطعوا عليه بوله، وقال: اتركوه حتى إذا انتهى من بوله دعاه فقال له: «إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول، ولا القذر، إنما هي لذكر الله – عز وجل -، والصلاة، وقراءة القرآن» [21]. والداعية إلى الله -تعالى- عليه أن يراعي الرفق واللين في دعوته لغير المسلمين كي يؤثر في قلوبهم، ولا يعني هذا اللين إغفال جانب (الولاء والبراء)، وإذا تأملنا كتاب الله -تعالى- نجد خطاب الله – جل وعلا – لكليمه موسى وأخيه هارون – عليهما السلام – في قوله -تعالى-: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا * لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:43-44] أي: اذهبا إلى فرعون الطاغية الذي جاوز الحد في كفره، وطغيانه، وظلمه، وعدوانه {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا} أي: سهلاً لطيفاً برفق، ولين، وأدب في اللفظ، من دون فحش، ولا صلف، ولا غلظة في المقال، أو فظاظة في الأفعال (لعله) بسبب القول اللين (يتذكر) ما ينفعه فيأتيه، (أو يخشى) ما يضره فيتركه، فإن القول اللين داع لذلك، والقول الغليظ منفر عن صاحبه، وقد فسر القول اللين في قوله -تعالى-: (فقل له هل لك إلى أن تزكى * وأهديك إلى ربك فتخشى) فإن في هذا الكلام من لطف القول، وسهولته، وعدم بشاعته؛ ما لا يخفى على المتأمل، فإنه أتى ب(هل) الدالة على العرض والمشاورة والتي لا يشمئز منها أحد، ودعاه إلى التزكية والتطهر من الأدناس التي أصلها التطهر عن الشرك، الذي يقبله عاقل سليم، ولم يقل (أزكيك) بل قال: (تزكى) أنت بنفسك، ثم دعاه إلى سبيل ربه الذي رباه، وأنعم عليه بالنعم الظاهرة والباطنة التي ينبغي مقابلتها بشكرها، وذكرها، فقال: (وأهديك إلى ربك فتخشى)، ومن هنا يتبين أهمية اللين والرفق عند دعوة غير المسلمين للتأثير عليهم، وإتاحة الفرصة لعرض الدعوة عليهم[22]. ومن الأساليب أيضاً التي ترغب في الدخول في الإسلام: تذكيرهم بنعم الله عليهم، وقد خاطبهم الله -تعالى- بذلك فقال – جل وعلا -: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ…}، وقوله -تعالى-: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة:40]. وهذه الأساليب تفتقر إلى وسائل ملائمة لينتفع بها لإيصالها للمدعو. الجوهرة بنت محمد العمرانيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:–[1] أخرجه البخاري كتاب الزكاة، باب لا تؤخذ كرائم أموال الناس في الصدقة رقم (1458) ومسلم، كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام رقم (19).
[2] أنظر: فتح الباري شرح صحيح الإمام البخاري (8/335-359).
[3] انظر: وسائل الدعوة، ص (65).
[4] فتح القدير 3/281، الإمام الشوكاني ط. دار الوفاء، المنصورة.
[5] انظر: وسائل الدعوة (65-63).
[6] أخرجه الإمام البخاري في صحيحه، باب جعل لأهل العلم أياماً معلومة رقم 70 (129).
[7] انظر: مستلزمات الدعوة في العصر الحاضر ص160 للشيخ علي بن صالح المرشد ش: مكتبة لينه للنشر والتوزيع ط. الأولى 1409ه، وأصول الدعوة ص: 427 للدكتور عبدالكريم زيدان ش: مؤسسة الرسالة ومكتبة القدس ط: الثانية 1407ه.
[8] أخرجه الإمام مسلم في صحيحة كتاب الإيمان باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- إلى جميع الناس ح: 218.
[9] أسلوب المناظرة في دعوة النصارى إلى الإسلام (114) للدكتور. إبراهيم اللحيدان رسالة علمية غير مطبوعة مقدمة لنيل درجة الدكتوراة.[
10] لسان العرب مادة نظر (5/111).
[11] انظر: كيف انتشر الإسلام، مؤيد الكيلاني، بدون طبعة (دار الكتاب العربي: بيروت، بدون تاريخ ص (118). ص(639).
[12] انظر: وسائل الدعوة ص (99-91).
[13] تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ط2/ دار القلم: بيروت.
[14] انظر: أسلوب المناظرة في دعوة النصارى إلى الإسلام (114)، د. إبراهيم اللحيدان رسالة علمية غير مطبوعة مقدمة لنيل درجة الدكتوراة (ص639).
[15] لسان العرب مادة وعظ 4/76.
[16] انظر: كيف انتشر الإسلام، مؤيد الكيلاني، بدون طبعة (دار الكتاب العربي: بيروت، بدون تاريخ ص (118).
[17] تقدم تخريجه هامش (4).
[18] تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ط2 (دار القلم: بيروت).
[19] انظر: مختار الصحاح ص: 251 لفخر الرازي.
[20] أخرجه الإمام البخاري في صحيحة كتاب الأدب باب لم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- فاحشاً ولا متفحشاً ح: 6030.
[21] أخرجه الإمام أبو داود في سننه ح: 1698 وأخرجه الإمام أحمد في المسند 2/159-160 واللفظ له وإسناد صحيح.
[22] أخرجه الإمام البخاري. في صحيحة كتاب الوضوء باب ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- الأعرابي حتى فرغ من بوله في المسجد ح:219، وأخرجه الإمام مسلم في صحيحة كتاب الطهارة باب وجوب غسل البول، وغيره من النجاسات إذا حصلت في المسجد ح: 285.