المرض دروس وعبر

الحمد لله الذي أعدَّ للمؤمنين جناتٍ خالدين فيها أبدًا، وأعدَّ للكافرين جهنم لا يخرجون منها أبدًا.

سبحانه من إلهٍ بكت من خشيته العيون، سبحان من أمره بين الكاف والنون، سبحان الذي سبّح بحمده الأولون والآخرون.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في السماء ملكه وفي الأرض سلطانه وفي البحر عظمته وفي جهنم سطوته وفي الجنة رحمته.

تأمل في نبات الأرض وانظر إلى آثار ما صنع المليكُ عيونٌ من لجينٌ شاخصات بأحداق هي الذهب السبيكُ على كُثب الزبرجد شاهدات بأن الله ليس له شريكُ

وأشهد أن محمدًا رسول الله البشير النذير والسراج المنير من بعثه الله هاديًا ومبشرًا ونذيرًا.

عباد الله: أوصيكم بتقوى الله تعالى، فإنها وصيةُ الله للأولين والآخرين؛ قال تعالى: ﴿ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا ﴾ [النساء: 31].

فما من خيرٍ عاجل ولا آجل ظاهر ولا باطن، إلا وتقوى الله سبيلٌ موصل إليه، وما من شر عاجل ولا آجل ظاهر ولا باطن، إلا وتقوى الله تعالى حرز متين وحُصن حصين للسلامة منه والنجاة من ضرره، أما بعد:

فعباد الله، إن الدنيا دار بلاءٍ وأمراض، ظلٌ زائل ومتاعٌ منتهي، ما من إنسان في هذه الدنيا إلا لا بد أن يواجه فيها مرضًا وعافية، وسرورًا وفرحًا وحزنًا، وسراءَ وضراءَ، كلُّ هذا لماذا، لأن الدنيا دار بلاء ونكد؛ قال تعالى: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ﴾ [الملك: 1، 2]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [الكهف: 7].

عباد الله، كثيرٌ من الناس قد يواجه المرض فيه أو في أهله، لكنه ينسى الصبر عليه وينسى ما في المرض والبلايا من فوائد جمَّة في الدنيا والأخرى، لكن هل في المرض والبلاء فوائد؟

نعم عباد الله:

أولها: معرفة قدر العافية:

فإن الله تعالى لم يخلق شيئًا إلا وفيه حكمة، ولولا أن الله خلق العذاب والألم، لَمَا عرف المتنعمون قدر نعمة الله عليهم.

ولولا الليل لما عُرف قدر النهار، ولولا المرض لما عُرف قدر الصحة والعافية، وأهل الجنة يفرحون ويزداد فرحهم عندما يتفكرون في آلام أهل النار، بل إن من نعيم الجنة رؤية أهل النار وما هم فيه من عذاب؛ قال تعالى: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216].

ثانيًا: المرض تهذيب للنفوس وتصفية لها من الشر الذي فيها:

قال تعالى: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30].

فإذا أُصيب العبد فلا يقل من أين هذا ولا من أين أتى، فما أُصيب إلا بذنب، فقد أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما يصيب المؤمن من وصبٍ ولا هم ولا حزن ولا أذى، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفَّر الله بها من خطاياه»، [متفق عليه].

وقد روي أن النبي دخل على أم السائب رضي الله عنها وهي مريضة بالحمَّى، وهو تقول: «لا بارك الله فيها؛ «أي الحمى»، فقال: «لا تسبوا؛ الحمى فإنها مكفرة للذنوب والخطايا»، وقال صلى الله عليه وسلم: «إنها – أي الحمى – تُذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد»؛[رواه مسلم].

وقال: «لا يزال البلاء بالمؤمن في أهله وماله وولده، حتى يلقى الله وما عليه خطيئة»؛ [من حديث أبي هريرة، وصحَّحه الألباني في السلسلة الصحيحة «2280»].

عباد الله، تعجيل العقوبة للمؤمن في الدنيا خيرٌ له من عقوبة الآخرة؛ حتى تكفر عنه ذنوبه.

فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أراد الله بعبدٍ الخير، عجَّل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشر، أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة»؛ [رواه الترمذي وقال: حسن صحيح].

ثالثًا: من فوائد المرض أنه يعقبه لذة وسرور في الآخرة:

فإن مرارة الدنيا حلاوة الآخرة والنعيم لا يُدرك بالنعيم وكما قال: «الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر»؛ [رواه مسلم].

هل يستوي يوم القيامة من عاش في ظل العافية يتنعم في حياته، ومن عاش مريضًا يعاني الآلام ليلَ نهارَ؟ لا يستوون.

إن أصحاب الصحة والعافية في الدنيا سوف يتمنون يوم القيامة لو أن جلودهم قُرضت بالمقاريض، وذلك حين يُعطى أهل البلاء الثواب والأجر العظيم الذي ادَّخره الله لعباده الصابرين على البلاء في الدنيا؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَوَدُّ أهل العافية يوم القيامة حين يُعطى أهل البلاء الثواب، لو أن جلودهم كانت قُرضت بالمقاريض»؛ [الترمذي].

رابعًا: من فوائد المرض أنه يُعرَفُ به صبرُ العبد على بلواه، فإن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط.

هكذا أيها المسلمون إذا صبر العبد إيمانًا وثباتًا كُتب في ديوان الصابرين ويكفي الصابرين شرفًا أنهم في معية وحفظ الملك جل وعلا؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 153].

وإذا نزل بالعبد مرض أو مصيبة، فحمد الله واسترجع وصبر، أعطاه الله من الأجور ما لا يعلم قدره إلا الله؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10].

فكل الأعمال قد تجد لها أجرًا معينًا إلا الصبر لعظمته، فأجره بغير حساب، وجاء في الحديث قوله: «إذا مات ابن العبد، قال الله لملائكته وهو أعلم: قبضتم ابن عبدي قالوا: نعم، فيقول وهو أعلم: فماذا قال؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فقال: ابنوا لعبدي بيتًا في الجنة وسموه بيت الحمد»؛ [الترمذي وابن حبان].

عباد الله، متى يتحقق الصبر؟ يتحقق الصبر بثلاثة أمور: بحبس النفس عن الجزع والتسخط، وحبس اللسان عن الشكوى للخلق، وحبس الجوارح عن فعل ما ينافي الصبر من لطم الخدود وشق الجيوب ونتف الشعور.

ما هو الصبر المأجور صاحبه؟ الصبر المأجور صاحبه هو الذي لا بد للعبد أن يتدبر فيه أمورًا:

أولًا: أن يعلم أن المرض مقدَّر من عند الله؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [التوبة: 51].

ثانيًا: أن يتيقَّن أن الله أرحم به من نفسه ومن والدته والناس أجمعين.

ثالثًا: أن يعلم أن ما أصابه هو عين الحكمة من الله، وأن الله أراد به خيرًا؛ لقوله: «من يرد الله به خيرًا، يُصِبْ منه»؛ [رواه البخاري].

رابعًا: أن يعلم أن ما أصابه علامة على محبة الله له.

خامسًا: أن يعلم أن الجزع لا يفيده، وإنما يزيد آلامه ويفوت عليه الأجر.

اللهم اجعلنا ممن إذا أُعطي شكر، وإذا أذنب استغفر، وإذا اُبتلي صبر يا رب العالمين.

خامسًا: إن المرض سببٌ للدعاء واللجوء والانكسار بين يدي الله:

قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ ﴾ [الأنعام: 42].

كم من أُناس كانوا بعيدين عن الله معرضين عن طاعته، فمرضوا فلجؤوا إلى الله خاشعين منكسرين طائعين، فأهل التوحيد إذا أُصيبوا ببلاء أو مرض، صبروا ولجؤوا إلى الله وحده، واستعانوا به وحده جل جلاله، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «مصيبة تُقبل بها على الله، خير لك من نعمة تُنسيك ذكر الله»، وقال سفيان: «ما يكره العبد خيرٌ له مما يحب لأن ما يكرهه يهيجه للدعاء، وما يحبه يلهيه».

قال يزيد بن ميسرة رحمه الله: «إن العبد ليمرض وماله عند الله من عمل خير، فيذكِّره الله سبحانه بعض ما سلف من خطاياه، فيخرج من عينه مثل رأس الذباب من الدمع من خشية الله، فيبعثه الله مطهرًا أو يقبضه مطهرًا».

ومما ننصح به المريض الاهتمام أن يعلم أن الله هو الشافي، وأنه سبحانه هو مسبب الأسباب، وأنه سبحانه بيده الدواء؛ قال: «لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء يبرأ بإذن الله تعالى»؛ [رواه مسلم].

ومما ننصح به المريض الاهتمام بالرقى الشرعية من الكتاب والسنة، فإن أعظم ما يتداوى به العباد هو كلام الله الذي فيه الهدى والشفاء والتنفيس والتفريج؛ قال تعالى: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ﴾ [الإسراء: 82].

سادسًا: من فوائد المرض أنَّ الله يُخرج به من العبد الكبر والعجب والفخر، فلو دامت للعبد أحواله، لتجاوز وطغى ونسي المنتهى، لكنَّ الله سلَّط عليه الأمراض والأوجاع وخروج الأذى والريح ليعلم أنه ضعيف.

يا مدعي الكبر إعجابًا بصورته انظر خلاك فإن النتن تثريبُ لو فكَّر الناس ماذا في بطونهم لم يدعي الكبر شُبَّان ولا شِيبُ

فالعبد يجوع كُرهًا ويمرض كُرهًا ويموت كُرهًا، ولا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا ولا موتًا ولا حياةً ولا نشورًا.

فمن كانت هذه طبيعته فلماذا يتكبر ولماذا يتغطرس: ﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ ﴾ [الانفطار: 6، 7].

سابعًا: من فوائد المرض معرفة العبد ذله وحاجته وفقره إلى الله، فأهل السماوات والأرض محتاجون إليه سبحانه، فهم الفقراء إليه وهو الغني سبحانه، ولولا أن سلَّط على العبد هذه الأمراض والبلايا، لنسي نفسه ونسِي خالقه؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [فاطر: 15].

ثامنًا: من فوائد المرض أن فيه مساواة تامة، فهي سنة الحياة فلا يفرق المرض بين غني ولا فقير، ولا يعرف ذليلًا ولا عزيزًا، الناس سواء والمرض لابد للجميع: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13].

تاسعًا: من فوائد المرض أنه يهمس في قلوبنا قائلًا: بُنيتك يا بن آدم، ليست من الصلب والحديد، بل من مواد ضعيفة قابلة للتحلل والتفسخ، فدع عنك الغرور واعرف عجزك، وتعرَّف على أصلك، وافْهَم وظيفتك في الحياة الدنيا.

أسأل الله أن يجعلني وإياكم من الصابرين والشاكرين، أسأل الله أن يقوي إيماننا، وأن يرفع درجاتنا، أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن سيدنا محمدًا الداعي إلى رضوانه وعلى آله وصحبه وجميع إخوانه؛ أما بعد:

فعاشرًا: المرض يجعلك تتأمل فيمن ابتلاهم الله بأشد منك، فيقودك هذا إلى أن هذا تصبر وتحمد الله على ما أنت فيه، وترضى بما قسمه الله لك.

تأملوا أيها المسلمون البلاء العظيم عند أيوب عليه السلام، فقد ابتلاه الله في أهله ومالـه وولده وجسده، حتى ما بقي إلا لسانه وقلبه، ومع هذا كله كان يمسي ويصبح، وهو يحمد الله ولم يشك حاله إلا إلى الله جل وعلا.

بعد سنين من البلاء والمرض رفع يديه إلى الله بكل ذلٍّ وانكسار: ﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 83]، فجاء الجواب من الجواد الكريم: ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ﴾ [الأنبياء: 84]، وقال تعالى: ﴿ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾ [ص: 44].

وها هو أبو قلابة التابعي الجليل رحمه الله ممن ابتُلي في بدنه ودينه، وأُريد على القضاء، وهرب إلى الشام فمات بعريضة، وقد ذهبت يداه ورجلاه وبصره، وهو مع ذلك حامدٌ شاكر، وعندما سُئل على ماذا تحمد؟ فقال ألم يعطني لسانًا ذاكرًا وقلبًا شاكرًا، وبدنًا على البلاء صابرًا.

حادي عشر: بالمرض تقوى الروابط بين المسلمين، فقد حثنا الشارع الحكيم على زيارة المرضى، وإن زيارة المرضى من الحقوق الواجبة على المسلمين تجاه بعضهم، فهي تربطهم وتجعلهم كالجسد الواحد والبنيان المتراص والمتماسك، وتشعر المريض بأن له إخوة متى مرض افتقدوه، وكانوا إلى جانبه في مرضه يلازمونه ويقومون بالواجب نحوه، ونحو أسرته وأولاده وماله، وهم يحوزون وينالون على فعلهم ذلك الأجر العظيم من الله جل جلاله؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس»؛ [أخرجه البخاري ومسلم]، وروى مسلم أن النبي قال: «إن الله تعالى يقول يوم القيامة: يا بن آدم مرضت ولم تعدني، قال: يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟! قال: أما علمت أن عبدي فلانًا مرض فلم تعده! أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده»؛ الحديث.

وعن على رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: «ما من مسلم يعود مسلمًا غدوة إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، وإن عاده عشية إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح، وكان له خريف في الجنة»؛ [صحيح، أخرجه أحمد «1/81»، والترمذي: كتاب الجنائز].

والخريف: الثمر المخروف؛ أي: المجتنى.

عباد الله، إنَّ زيارة المرضى تدعو المسلم الصحيح المعافى في بدنه للتذكر والشكر لله تعالى على نعمه وآلائه، ومنها نعمة الصحة التي يجب أن يستعملها في طاعة الله، وألا تضيع عليه فيما لا يرضي الله، أو في التهاون والتكاسل عن عبادة الله.

وعيادة المرضى أيضًا تذكر الإنسان بالموت، وحتى لا يسرح ويمرح ويغدو ويروح في هذه الحياة الدنيا دون يقظة واعتبار.

اللهم اجعلنا من عبادك الصابرين، وقوِّ إيماننا وارفَع درجاتنا، وتقبَّل صلاتنا ولا تميتنا إلا وأنت راضٍ عنا يا رب العالمين.

هذا وصلوا عباد الله على رسول الهدى، فقد أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].