إثبات رؤية المؤمنين لربهم

قلم الشيخ /عادل يوسف العزازي
قلم الشيخ /عادل يوسف العزازي

الأدلة من القرآن:

قال تعالى: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾ [القيامة: 22، 23].

وقال تعالى: ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ﴾ [يونس: 26]؛ فالحسنى: الجنة، والزيادة: النظر إلى وجه الله.

وقال تعالى: ﴿ لَهُمْ مَا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ﴾ [ق: 35]، ومما ورد في تفسيره: أن المزيدَ: النظرُ إلى وجه الله.

 

الأدلة من السنة:

وقد تواترت الأحاديث في إثبات رؤية المؤمنين ربهم:

فمن ذلك: ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قالوا: يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر؟))، قالوا: لا يا رسول الله، قال: ((هل تضارون في رؤية الشمس ليس دونها سحاب؟))، قالوا: لا، قال: ((فإنكم ترونه كذلك))[1]، ومعنى “تضارون”؛ أي: تشكون.

 

ومنها: حديث عمار بن ياسر رضي الله عنهما من دعائه صلى الله عليه وسلم في الصلاة، وفيه: ((وأسألك النظر إلى وجهك))[2].

 

ومنها: ما رواه مسلم من حديث صهيب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا دخل أهل الجنة الجنة، يقول الله: تريدون شيئًا أزيدكم؟ يقولون: ألم تبيض وجوهنا، ألم تدخلنا الجنة، وتنجِّنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئًا أحب إليهم من النظر إلى ربهم، ثم تلا هذه الآية: ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ﴾ [يونس: 26] [3]، فـ: “الحسنى”: الجنة، و”الزيادة”: هي النظر إلى وجه الله.

 

واعلم أن رؤية المؤمنين ربهم إنما تكون يوم القيامة، وأما في الدنيا فلا يراه أحد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((واعلموا أن أحدًا منكم لن يرى الله حتى يموت))[4].

 

وأما رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه ليلة المعراج، فالصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرَه ليلة المعراج، وهذا قول عائشة وجمهور الصحابة، وأما ما ثبت عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه، فهذه رؤية قلبية، وليست بالرؤية البصرية، والله أعلم.

 

تنبيه:

ذهب بعض أهل البدع، وعلى رأسهم المعتزلة، إلى نفي الرؤية في الآخرة، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى لموسى: ﴿ لَنْ تَرَانِي ﴾ [الأعراف: 143]، قالوا: ذاك النفي بـ “لن” يفيد التأبيد، وهذا يشمل عدم الرؤية في الدنيا والآخرة، واستدلوا كذلك بقوله تعالى: ﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ﴾ [الأنعام: 103]، قالوا: فإذا رأوه فقد أدركوه، وهذا ينافي الآية.

 

والجواب على هذه الشبهات، نقول: إن هاتين الآيتين حجة عليهم في إثبات الرؤية، وذلك للآتي:

أولًا: الجواب على شبهتهم الأولى:

في قوله تعالى لموسى: ﴿ لَنْ تَرَانِي ﴾ [الأعراف: 143] دليل على إثبات الرؤية من وجوه:

الوجه الأول: أن موسى كليم الله، وهو أعلم الناس بما يجوز وما لا يجوز على الله، قد سأل ربه الرؤية، فلو كانت محالة لما سألها موسى عليه السلام.

 

الوجه الثاني: أن الله لم ينكر سؤاله، وذلك كافٍ في تقرير جواز الرؤية، لكنه منعه منها؛ لأنه لا يتحمل ذلك في الدنيا.

 

الوجه الثالث: أن الله تعالى قال: ﴿ لَنْ تَرَانِي ﴾ [الأعراف: 143] ولم يقل: إني لا أرى، أو لا يجوز رؤيتي، أو لست بمرئي، والفرق بينها ظاهر.

 

الوجه الرابع: قوله تعالى: ﴿ وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ﴾ [الأعراف: 143]، فقد علق سبحانه الرؤية على ثبوت واستقرار الجبل، وهذا ممكن إذا مكنه الله.

 

وأما دعواهم أن “لن” للتأبيد الشامل للآخرة أيضًا، فباطل؛ فقد قال الله تعالى عن اليهود: ﴿ وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا ﴾ [البقرة: 95] يعني: الموت، فذكر الله ذلك عنهم بـ: “لن”، وقيدها بـ: “أبدًا”، ومع ذلك فإن الله ذكر عنهم وعن أمثالهم أنهم يتمنون الموت في الآخرة؛ قال تعالى: ﴿ وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ﴾ [الزخرف: 77]؛ أي: إنهم تمنوا الموت، فثبت بذلك أن “لن” لا تفيد النفي المؤبد.

 

قال ابن مالك:

ومَن رأى النفيَ بلَنْ مؤبدًا ♦♦♦ فقولَه اردُدْ، وسواه فاعضدا

 

ثانيًا: الجواب على شبهتهم الثانية في قوله تعالى: ﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ﴾ [الأنعام: 103].

 

أقول: إن هذه الآية دليل على ثبوت الرؤية لا على نفيها؛ لأن الله تعالى ذكرها في سياق المدح، ومعلوم أن المدح يكون بالصفات الثبوتية؛ فالنفي الذي يتضمن إثباتًا يكون مدحًا، وأما النفي المحض فليس بكمال، فنفي السِّنَة مدحٌ؛ لأنه تضمن كمال الحياة، ونفي الظلم مدح؛ لأنه تضمن كمال العدل، ونفي النسيان مدح؛ لأنه تضمن كمال العلم والحياة، بل كمال الصفات، وكذلك هنا؛ فإن نفي الإدراك يتضمن كمال عظمته وجلاله سبحانه.

 

وأيضًا فإن الآية إنما نفت “الإدراك”، ولم تَنْفِ “الرؤية”، وفرق بينهما؛ فإن الإدراك أمر زائد على الرؤية؛ كما قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا ﴾ [الشعراء: 61، 62]، فإنه لم ينفِ الرؤية؛ حيث ﴿ تَرَاءَى الْجَمْعَانِ ﴾ [الشعراء: 61]، وإنما نفى الإدراك، وهو شيء زائد على الرؤية، وعلى هذا فالله سبحانه يُرَى، لكن لا يدرك، ويُعلَم، ولا يحاط به علمًا، وهذا الذي فهمه الصحابة والأئمة رضي الله عنهم؛ كما روي عن ابن عباس أنه قيل له في ذلك، فقال للسائل: (أفترى السماء؟)، قال: نعم، قال: (أفتدركها؟)، قال: (لا)، قال: (الله أعظم وأجلُّ).

 

تنبيه: التحذير من بعض الألفاظ التي ترد على ألسنة العوام وهي تخالف عقيدة التوحيد:

♦ من ذلك قولهم: “عبد الرسول”، أو “عبد النبي”، أو “عبد الحسين”، أو “عبد المأمور”؛ فهذا لا يجوز، ولا يصح التعبيد إلا بالأسماء الحسنى.

 

♦ ومن ذلك قولهم: في حالة المزاح استهزاءً لمن لم يسمع الكلمة فيقول: ((أنت يا عبدالسميع”، وهذا فيه استهزاء باسم الله “السميع”، وسخريَّة، وينبغي أن تصان أسماءُ الله عن اللغوِ والمزاح.

 

♦ ومن هذا الباب قولهم: (جبتك يا عبد المعين تعين، لقيتك يا عبد المعين عايز تتعان)، واعلم أن المعين ليس من أسماء الله.

 

♦ ومن ذلك قولهم أيضًا: “عبداللا”، وهذا تحريف لاسم الله، والصحيح أن يقال: “عبدالله”.

 

♦ من ذلك قولهم: (حوش يا حواش)، أو قولهم: (يا مهون هون)، أو قولهم: “يا مسهل”، فكل هذا ليس من أسماء الله الحسنى.

 

♦ وكذلك قولهم: “يا ساتر”، أو “يا ستار”، والصحيح أن اسم الله “الستير”؛ لِما ثبت في الحديث: ((إن الله حيي ستير))[5].

 

♦ ومن ذلك قولهم: “ربنا عارف”، أو “ربنا واقف معانا”، فلا ينبغي أن يوصف الله بمثل هذه الكلمات؛ لأنها لم ترد في القرآن والسنة وصفًا لله، ولكن نقول: “ربنا يعلم”، ونقول: “اللهم أعنَّا”، أو “الله المستعان”.

 

♦ ومن ذلك قولهم: “الله في كل مكان، ولا يخلو منه مكان”، كلام باطل كما تقدم، والصحيح أن نقول: الله في السماء، مستوٍ على عرشه، وقد أحاط علمُه بكل شيء.

 

♦ ومن ذلك ما يجري على ألسنة العوام من تحويل القاف إلى همزة، فيقولون: الله الرزاء، والله آدر، أو الله الخالئ، وهذا خطأ، والصحيح أن نقول: الرزاق، القادر، الخالق، بإثبات القاف.

 

♦ ومن ذلك قولهم: “ربنا افتكره”، أو قولهم: “افتكاره رحمة”، وهذا منافٍ لكمال علم الله؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ﴾ [مريم: 64].

 

♦ ومن ذلك قولهم: (لا حول الله)، وهذا يعني نفي الحول عن الله، والصحيح أن يقال: لا حول ولا قوة إلا بالله.

 

♦ من ذلك تشبيه الله بـ: (الأسد)، أو بأنه (مهندس)، أو نحو ذلك من العبارات، فمثل هذا لا يجوز، وإن قصد به المدح؛ لأن أسماء الله وصفاته توقيفية، كما سبق تقرير ذلك.

 

♦ ومن ذلك قول بعضهم عن الله: “الجبلاوي”، وهذا استهزاء بالله، يكفر به قائلها.

 

♦ ومن ذلك قول بعضهم تشفيًا ممن ظلمه: (ربنا يظلمه زي ما ظلمني)، ومعلوم أن الله لا يظلم مثقال ذرة، والواجب أن يقول: حسبي الله ونعم الوكيل، أو يدعو الله بنصرته، وتمكينه من نيل حقه.

 

♦ ومن ذلك أيضًا: سب الدهر، أو قولهم: يوم أسود، أو يسب الزمن، أو نحو ذلك، وفي الحديث: ((شتمني ابن آدم؛ يسب الدهر، وأنا الدهر، أقلب الليل والنهار))، ومن هذا الباب قول بعضهم: الجو وحش، والنهارده زي الزفت، ده جو ابن…، أو قول بعضهم متسخطًا: (آه يا زمن)، أو قوله: الزمن غدار، فهذه كلها ألفاظ تتنافى مع توحيد الله، وسيأتي مزيد لذلك[6].


[1] البخاري (6574)، ومسلم (182)، والترمذي (2557)، وأبو داود (4730).

[2] رواه النسائي (3/ 54)، وأحمد بسند صحيح (4/ 264).

[3] مسلم (181)، والترمذي (2552)، وابن ماجه (187).

[4] مسلم (4/ 2244) برقم (169)، والترمذي (2235) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

[5] صحيح: رواه أبو داود (4012)، والنسائي (1/ 200)، وأحمد (4/ 224)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1756).

[6] انظر ص68.