من البديهي أن الله لا يحتاج إلينا فلماذا خلقنا؟

فكرة أن الحاجة يقابلها العبث هي فكرة سخيفة!

فالحاجة يقابلها الحكمة لا العبث.

فالطبيب الثري صاحب الصيت الطيب قد يعالج الناس دون أن يحتاج منهم شيئًا، بل يعالجهم لمصلحتهم هم وهنا نحن لا نصف فعله بأنه عبث!

فالحكمة والمقصد العظيم من وراء الفعل لا يدوران في حلقة الحاجة/العبث!

وقد ينقذ أحد السباحين طفلاً رحمةً به ثم يتركه ويذهب دون انتظار ثناء أهل الطفل، وهنا فعله لا يُصنف حاجةً ولا عبثًا بل هل فعل كريم ومقصد نبيل وخلق طيب!

فلا تلازم بين الاحتياج وبين العبث![1]

وفي صحيح مسلم في الحديث القدسي: “يا عبادي لو أنَّ أوَّلَكم وآخرَكم وإنسَكم وجنَّكم كانوا على أفجَرِ قلبِ رجلٍ واحدٍ منْكم ما نقصَ ذلِكَ مِن مُلْكي شيئًا ولو كانوا على أتقَى قلبِ رجُلٍ واحدٍ منكُم ما زادَ ذلِكَ في مُلْكي شيئًا ولو قاموا في صعيدٍ واحدٍ فسألوني فأعطيتُ كلَّ واحدٍ مسألتَهُ ما نقصَ ذلِكَ مِمَّا عندي شيئًا”.

فالله غني عن العالمين، وما سعينا وجهدنا وعملنا إلا لأنفسنا {وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} ﴿٦﴾ سورة العنكبوت.

وجهل المريض بحكمة الطبيب لا يعني أن قرارات الطبيب عبثية.

فالعلم بالحكمة الإلهية لا يشترط له فهم كل أبعاد الحكمة وإنما يكفي فهم بعضها!

فيكفي أن نعلم أننا مُكلفون وأن نعلم التكليف ولوازمه وأن نعلم وجود الحكمة الإلهية، فهذا يكفينا من حيث الجملة، وإلا نكون كالذي يكفر بما لا يفهمه {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ} ﴿٣٩﴾ سورة يونس.

فالله حكيمٌ وخلقنا لحكمةٍ سبحانه.

[1] ظاهرة نقد الدين في الفلسفة الحديثة، د. سلطان العميري، رسالة دكتوراة