كيف علمت أن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- رسول من عند الله؟

دلائل الإعجاز تفيد التواتر المعنوي.

فأرسطو فيلسوف بمجموع أعماله وليس بجملةٍ قالها أو تحليلٍ فلسفيٍ أجراه.

وأبوقراط طبيب بمجموع مشاريعه الطبية وليس بجراحةٍ قام بها.

وكذلك دلائل الاعجاز المنقولة تفيد التواتر المعنوي بأنه نبي صلى الله عليه وسلم.

أخبر صلى الله عليه وسلم في ليلةٍ من الليالي بأن ريح شديدة ستهب ونهى الناس عن القيام فقام رجل فحملته الريح وألقته في مكان بعيد عن مكانه.[1]

وأخبر صلى الله عليه وسلم بموت النجاشي في اليوم الذي مات فيه وصلى عليه أربعًا.[2]

وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بشهادة عمرَ وعثمانَ وعلي وطلحة والزبير -رضي الله عنهم أجمعين-، وأنهم لن يموتوا على فُرُشِهم أو سواه مما يموت به الناس.

فقد صعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على حراء ذات يوم هو وأبو بكرٍ وعمرُ وعثمانُ وعليُ وطلحةُ والزبيرُ، فتحركت الصخرة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “اهدأ، فما عليك إلا نبيٌ أو صديقٌ أو شهيد”.[3]

وهناك 150 حديث دعا فيهم النبي صلى الله عليه وسلم ربه وأُجيب في الحال والناس يشهدون![4]

 

فالاطراد في الصدق مع الكثرة في تنوع الدلائل والإخبار بالمغيبات مع توافق العقيدة مع عقيدة الأنبياء مع ضبط أخطاء المحرفين في الديانات السابقة كل هذا يفيد التواتر المعنوي بصحة الرسالة.

 

وإذا نظرت في سيرته ووجدته صادقًا وقد اشتهر بالصدق باعتراف أشد الناس له عداوةً، ولم يُرم بكذبٍ ولا فجورٍ، ثم وجدته يتحدى أهل الدنيا بكتابه فما يجدون إلا السيف ليسكتوه به،  فلابد أنه نبي إذن.

 

ومعجزاته صلى الله عليه وسلم المادية والغيبية تزيد على الألف بكثير والعهد بها قريب وناقلوها أصدق الخلق وأبرهم.

وهؤلاء الرواة الذين نقلوا إلينا هذه المعجزات كانوا لا يجيزون الكذب فيما دقَّ فكيف يكذبون عليه ويعلمون أن من كذب عليه متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار، كما حذّر هو صلى الله عليه وسلم.

فمعجزاته صلى الله عليه وسلم ثابتة بالتواتر اللفظي والمعنوي.

وبعض معجزاته صلى الله عليه وسلم شهدها آلاف الصحابة وبعضها رواه العشرات منهم فكيف يجمعون على الكذب؟

ورواة الخبر قد أخبروا في جمعٍ كثير قد شاهدوه ولم يُكذبه منهم أحد ودواعي الصدق عامة متعاضدة ودواعي الكذب خاصة متنافرة. فصارت آحادها حجة، ومتواتر مجموعها برهانًا.[5]

ومثال ذلك: حديث جنين الجذع وهو حديث مشهور متواتر حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب على جذع، فلما عُمل له المنبر ورقي عليه وخطب حنّ الجذع، وأنّ أنين الصبي، ولم يزل يئن ويحن حتى ضمه النبي صلى الله عليه وسلم فسكت.

هذا الحديث رواه من الصحابة أنس بن مالك، وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وأُبي بن كعب، وأبي سعيد، وسهل بن سعد، وعائشة بنت أبي بكر، وأم سلمة.

فهل مثل هذا العدد من الصحابة يُجمِع على الكذب في رواية خبرٍ كهذا؟

[1] صحيح مسلم حديث رقم 3319.

[2] صحيح البخاري، حديث رقم 1333

[3] صحيح مسلم، حديث رقم 2417.

[4] جمع هذه الأحاديث سعبد ين عبد القادر باشنفر، في كتابه دلائل النبوة، والكتاب من إصدارات دار ابن حزم.

[5] ظاهرة نقد الدين في الفلسفة الحديثة، د. سلطان العميري، رسالة دكتوراة.