هم مثلاً يُسمون التكيف في إطار الحوض الجيني تطورًا صغيرًا!

لكن دعنا نشرح في البداية ما هو “الحوض الجيني” بمثال بسيط!

داخل المطبخ يوجد لدينا ” دقيق وسكر وزيت وبيكنج باودر وبيض”.

لو طلبت منك عمل صينية كيك بهذه المكونات؟ فهل ثمة مشكلة؟

لا!

مكونات الكيك كلها معك.

لو طلبت منك في الغد أن تقوم بعمل صينية فطير بالسكر بنفس المكونات فهل هناك مشكلة؟

لا!

لأن المكونات التي تُصنِّع الكيك هي نفسها التي تُصنِّع الفطير بالسكر.

الحوض الجيني للمطبخ يتيح كلا الشكلين!

الكيك والفطير بالسكر.

مقدرة نفس المكونات على تصميم الكيك وفي نفس الوقت الفطير بالسكر هذا نستطيع أن نُطلق عليه ” تكيفًا” أو “تطورًا صغيرًا”.

لأننا لم نُضف أية مادة من خارج المطبخ.

فكل المكونات داخل المطبخ.

الحوض الجيني للمطبخ يتيح أشكالاً مختلفة طالما من نفس المكونات الموجودة في المطبخ.

فهذا تنوع داخل الحوض الجيني للنوع.

ننتقل الآن لعالم الكائنات الحية: عندما زار داروين جزر الجالاباجوس وشاهد مناقير العصافير بدأ يلاحظ أن حجم المنقار يتغير بحسب طبيعة الغذاء، فلو أن الأكل كان قريبًا من الارض، فإن المنقار يكون صغيرًا، ولو كان بعيدًا داخل الأرض فإن المنقار يصبح أطول.

بدأ داروين يستوعب أن هناك تطورًا قد حصل في تلك الجزر المنعزلة!

ومن هنـا انطلقت نظرية التطور لداورين بناءً على هذه الملاحظة!

لكننا اليوم نكتشف أن الحوض الجيني لهذه العصافير يتيح كل هذه الأشكال من المناقير!

لقد اكتشفنا أنه لم يحصل أي تطور في هذه العصافير.

فما حصل هو تنوع داخل نفس الحوض الجيني للنوع!

وفي دراسة أجريت عام 2004  أثبتت هذه الدراسة وجود بروتين يدعى Bone morphogenetic protein 4 أو اختصارًا Bmp4 ، والجين الخاص بهذا البروتين في المرحلة الجنينية يعطي بحسب نشاط البروتين الذي يشفره أشكال المناقير المختلفة بكل تنوعاتها.

فاختلاف شكل المناقير يحدث داخل النوع الواحد ونفس الحوض الجيني ونفس الشفرة.

فكما أن هناك مِن البشر مَن هو أبيض وأصفر وأسود، هناك في عالم الكائنات الحية تنويعات مختلفة داخل النوع الواحد!

لم يكن داروين يستوعب مسألة الحوض الجيني، وذلك لأن فكرة تركيب الشريط الوراثي أصلاً لم تظهر إلا بعد كتاب أصل الأنواع بقرابة مائة عام!

فالتنوع داخل الحوض الجيني للنوع ليس بتطور.

لكن اصطلح دعاة نظرية التطور على تسمية هذا التنوع باسم “التطور الصغير”.

وهذه من أشهر الحيل اللغوية عند القوم.

فالواقع عند التمحيص أن كلمة “تطور صغير” هي كلمة مُضللة لأبعد حد، فما يحدث هو “تكيفات داخل الحوض الجيني” وهذا التعبير أدق بكثير من كلمة “تطور صغير”.

لكنهم يستخدمون هذه الكلمة حتى يوهموك أن النظرية لها وجود جزئي على أرض الواقع!

هل لو افترضنا أن جيلاً من الأحفاد تغيّر لون بشرته قليلاً، هل نعتبر أن ما حصل هو تطور صغير؟

مشكلة الحيل اللغوية عند دعاة النظرية أنها جاهزة دائما؛ لأنها الرصيد الوحيد المتبقي!