ماذا عن انفجار الكامبري وكيف يمثل ورطة إضافية لنظرية التطور؟

في كتابه أصل الأنواع كتب تشارلز داروين Charles Darwin يقول: “إذا ظهرت فجأةً أنواع عديدة من جنسٍ واحد أو عائلةٍ واحدة من الكائنات الحية، فهذا قاتل للنظرية fatal to the theory ، خصوصًا مع إدراكنا لبطء التغييرات خلال عملية الانتقاء الطبيعي”.[1]

فظهور قفزات فجائية في السجل الأحفوري يعني انهيار نظرية التطور؛ هذه بديهة.

فلا يوجد بديل ثالث؛ إما تدرج بطيء وإما ظهور مفاجيء -خلق مباشر-، وهذا باعتراف ريتشارد داوكينز   Richard Dawkins يقول داوكينز: “إذا لم تكن تغيرات تدريجية بطيئة فإنها المعجزة miracle لا بديل ثالث”.[2]

إنها بداهة عقلية لا علاقة لها بكونك ملحد أو مؤمن.

العجيب أنه منذ القرن التاسع عشر والعلماء كانوا بدأوا يلاحظون ظهورًا مفاجئًا لأنواعٍ مختلفةٍ من الكائنات الحية في طبقةٍ جيولوجيةٍ محددة.[3]

لكن الاهتمام العالمي بهذا الموضوع ظهر في سبعينيات القرن الماضي نتيجة أبحاث عالم الأحافير البريطاني هاري وينتغتون Harry Blackmore Whittington والذي أوضح أننا أمام عالمٍ كاملٍ من شُعب الكائنات الحية ظهرت فجأة.[4]

ففي زمن قصير نسبيًا في عصر الكامبري ظهرت فجأة أغلب شعب الكائنات الحية على الأرض اليوم، وأطلق علماء الأحياء على هذه الظاهرة العجيبة والمدهشة ظاهرة انفجار الكامبري Cambrian Explosion.

وإذا تخيّلنا تاريخ الحياة كاملاً على الأرض على شكل فترة 24 ساعة، ففي خلال دقيقتين فقط حدث انفجار الكامبري.

ظاهرة من أعجب ما يكون في علم تاريخ ظهور الكائنات الحية، إن لم تكن أعجب ظاهرة!

فجأةً تظهر تقريبًا أغلب شعب الكائنات الحية على ظهر الأرض اليوم في ذلك الزمن القصير.[5]

لقد ظهرت الأجهزة والأعضاء في كل الكائنات الحية في انفجار الكامبري دفعةً واحدة وعلى أعلى قدر من التعقيد.[6]

هذا الظهور المفاجيء appearance “at once”  لهذا العدد الضخم والمدهش من الهياكل والكائنات الحية الجديدة دفعةً واحدة هو على العكس تمامًا مما تقتضيه الداروينية من التدرج مع الزمن والظهور المتقطع!

فالطبيعة كما يقول داروين لا تقفز قفزات فجائية.[7]

وإذا دقّقت النظر داخل انفجار الكامبري فلن ترصد سلاسل متدرجة من الأحافير تملأ الفراغ بين الشعب الحيوانية المختلفة، بل تظهر الأحافير كاملة النمو والتمايز والوظيفة من أول ظهورٍ لها في السجل الأحفوري.

إنها مشكلة كبرى جديدة تأذن برحيل النظرية ككل!

يضع الملحد اللاأدري وعالم الكيمياء الحيوية مايكل دانتون Michael Denton يده على هذه المشكلة فيقول: “الحقيقة المتمثلة هي اختفاء الأشكال الانتقالية تقريبًا بين شعب الكائنات الحية وتنطبق هذه القاعدة بشكل شامل على كل الممالك الحية وكل أنماط الكائنات بنوعيها: شديدة الميل للتحجر كالرخويات أو قليلة الميل لذلك كالحشرات. لكن هذا عكس ما يتطلبه التطور الدارويني! قد نستطيع تفسير الانقطاعات بحجج من مثل أخطاء الرصد لكن السمة العامة للانقطاعات تنفي كل تلك التفسيرات”.[8]

وفي دراسة عجيبة نشرت في مجلة Genetics الدولية عدد نوفمبر 2008 للدفاع عن نظرية التطور ضد حجج مايكل بيهي قامت دينا شميت Deena Schmidt باحثة الرياضيات بجامعة كورنيل مع زميلها بنفس الجامعة ريك دوريت Rick Durrett بدراسة رياضية عن الزمن المطلوب لتثبت طفرتين نافعتين في جيل من الكائنات الحية  فتبين أن الزمن يصل في الحشرات الصغيرة إلى بضعة ملايين من السنين بينما نحتاج في الإنسان إلى أكثر من 100 مليون عامًا.[9]

100 مليون عامًا من أجل تثبيت طفرتين اثنتين نافعتين، هذا في دراسة أجريت للدفاع عن نظرية التطور!

 

وإذا علمنا أنه بين الإنسان والسلف المشترك المزعوم أكثر من 60 مليون طفرة .

نعم ستون مليون طفرة لكل طفرتين مائة مليون عام، فأنت بحاجة لأضعاف أضعاف عمر الكون!

العلم يقول لك ببساطة: التطور خطأ ومستحيل!

التطور بحسب معطياتنا العلمية لم يحدث!

وطبقا لنفس الباحثين فمن أجل أن يتغير بروتين واحد إلى بروتين وظيفي آخر فأنت بحاجة للانتظار 10 أس 27 سنة بينما عمر الكون كله 10 أس 8 سنة!

الأقرب لعقولنا ولعلومنا: التسليم بخطأ الإلحاد.

هكذا يقول لك العلم لو كنت باحثا عن العلم والعقل والمنطق.

أما لو قلت أنا سأنتظر لعل المستقبل يحل لي هذه المشاكل، فلتنتظر؛ هذا يسمى إيمان الفجوات المستقبلية.

ليس من العقل في شيءٍ الاحتكام إلى أسباب مادية غير معروفةٍ أو طرق غير مُكتشفة لمنع تفسير الظاهرة في إطارها الدلالي على الخالق، إنّ هذا محض تَحكُّم لا أكثر، وتعطيل لوظيفة العقل، وإذا كنّا عند هذه المرحلة ومع هذه المعطيات الساطعة نعاند الإيمان بالخالق فعند أي مرحلةٍ نُسَّلِّم له؟

متى نخلع ربقة الكفر ببديهة الخلق الإلهي؟

هل عند خلو المُعارِض المتعلق بالمستقبل الذي لن نكون فيه؟

على أمل أن المستقبل يبين خطأ هذه الدراسات مثلا ؟

هل هذا تفكير عقلي أو منطقي؟

كفار ذلك المستقبل أيضا سيُعلِّقون المُعارِض بمستقبلٍ آخر. وإنك لن تجد بين المتفكهين مَن يتفكه كما يتفكه المستقبل بهؤلاء وهؤلاء!

{وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير} ﴿١٠﴾ سورة الملك.

نعوذ بالله من السعير.

 

[1] If numerous species, belonging to the same genera or families, have really started into life all at once, the fact would be fatal to the theory of descent with slow modification through natural selection.

On the Origin of Species, chapter9, p.302

[2] Without gradualness, we are back to a miracle.

River out of Eden (1995), p.83

[3] Buckland, W. (1841), Geology and Mineralogy Considered with Reference to Natural Theology, Lea & Blanchard.

[4] Whittington, H. B. (1979), early arthropods, their appendages and relationships, In M. R. House (Ed.)

[5] Almost all present animal phyla appeared during this period.

Budd, G. E.; Jensen, S. (2000), “A critical reappraisal of the fossil record of the bilaterian phyla”, Biological Reviews of the Cambridge Philosophical Society. 75 (2): 253–95.

[6] Trends in Genetics magazine, Volume Feb: 1999.

[7] Nature takes no sudden leaps, On the Origin of Species, p.156

[8] Denton, M. (1985) Evolution: A Theory in Crisis, p.191

[9] https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC2581952