وقفات مع اسم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم
بقلم الدكتور / ربيع لعور

تعد النبوة أرفع مراتب العبودية على الإطلاق، كما يدل عليه قول الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً ﴾ [ النساء: 69].

ومع رفعة مقام النبوة؛ فالأنبياء ليسوا على حد سواء، بل هم متفاوتون في الفضل فيما بينهم مصداقاً لقوله الله سبحانه وتعالى: ﴿ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ﴾ [ البقرة: 253].

وقوله سبحانه وتعالى أيضاً: ﴿ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ﴾ [الإسراء: 55].

وإذا كانت النبوة بهذه المنـزلة الرفيعة، فلا عجب أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أرفع عبيد الله منـزلة، لأنه حاز فضل ختم النبوة باصطفاء من الله تعالى، وقد افترض الله عز وجل على كل نبي أن يتبعه إن هو أدركه، وأخذ عليهم في ذلك العهد والميثاق كما جاء في قوله سبحانه وتعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ ﴾ [آل عمران: 81].

وهذه الأفضلية جاءت صريحة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال: ” أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ، وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ”.[1]

وإذا كانت سنة الله تعالى في الأنبياء أن يبعثهم في كمال خَلْقٍ وخُلُقٍ، فلا ريب أن يكون أكملهم هو خاتمهم، ومظاهر هذا الكمال كثيرة، نعدها ولا نعددها، ومن جملتها تعدد أسمائه الشريفة، فلا يخفى أن هذا الحبيب صلى الله عليه وسلم هو من أمة عربية، وقد عرف من لسانهم أنهم إذا عظموا الشيء كثروا له الأسماء الحسنة، يقول الإمام القرطبي: “… وكل ما عظم شأنه؛ تعددت صفاته، وكثرت أسماؤه، وهذا جميع كلام العرب؛ ألا ترى أن السيف لما عظم عندهم موضعه، وتأكد نفعه لديهم وموقعه؛ جمعوا له خمسمائة اسم، وله نظائر؛ فالقيامة لما عظم أمرها، وكثرت أهوالها، سماها الله تعالى في كتابه بأسماء عديدة، ووصفها بأوصاف كثيرة…”.[2]

ولم يخرج نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم عن هذا السَّنَنِ في تعدد الأسماء، يقول القاضي ابن العربي: ” إنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَطَّطَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِخُطَطِهِ، وَعَدَّدَ لَهُ أَسْمَاءَهُ، وَالشَّيْءُ إذَا عَظُمَ قَدْرُهُ عَظُمَتْ أَسْمَاؤُهُ”.[3]

ولعله يقصد بهذا البعض أَبا الْخَطَّاب بْنَ دِحْيَةَ، فقد حكى عنه الإمام ابن القيم هذا القول، ثم تعقبه بأن هذا العدد هو لأوصافه صلى الله عليه وسلم لا أسمائه،[4] والذي يعنينا في مقامنا هذا أنَّ تعدد أسمائه صلى الله عليه وسلم يدل على تعظيمه، وتتبع هذه الأسماء يضيق عنه هذا البحث، فإنَّه يحتاج إلى كتاب مفرد، وسأقتصر في هذه المقالة على وقفات مع أعظم أسمائه على الإطلاق، وهو اسم محمد صلى الله عليه وسلم.

أولا: منزلة اسم محمد صلى الله عليه وسلم من أسمائه الشريفة:

يعد هذا الاسم بمثابة الرأس للجسد من أسمائه الشريفة صلى الله عليه وسلم، يدل على هذا القرآن والسنة، أما القرآن؛ فلأنه أكثر الأسماء تداولا فيه؛ فقد تكرر ذكره أربع مرات في المواطن الآتية:

قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ﴾ [ آل عمران: 144].

وقال الله سبحانه وتعالى: ﴿ مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً ﴾ [الأحزاب: 40].

وقال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ ﴾ [ محمد: 2].[5]

وقال الله سبحانه وتعالى: ﴿ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ ﴾ [الفتح:29].

والملاحظ في جميع هذه المواطن أنَّها وردت في سياق الإخبار، ولم يرد في القرآن الكريم كله مناداته بهذا الاسم فضلا عن مناداته بغيره، وإن حصل لغيره من الأنبياء، بل الغالب نداؤه بوصف الرسالة أو النبوة إلا في سورتي المزمل و المدثر، وهذا ما يُنبِئُ عن تعظيم الله تعالى لقدر نبيه صلى الله عليه وسلم.

هذا عن القرآن، أمَّا السنة فعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ” لِي خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ أَنَا مُحَمَّدٌ وَأَنَا أَحْمَدُ وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِيَ الْكُفْرَ وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي وَأَنَا الْعَاقِبُ”.[6]

فالمتأمل لهذا الحديث يلحظ ابتداءً اختصاصه بهذه الأسماء الخمس دون غيره، ومُدرك هذا الاستدلال هو مفهوم الحصر المستفاد من تقديم ما حقه التأخير؛ فقد تقدم الخبر المقدَّر في شبه الجملة الخبرية من الجار والمجرور، وتأخر المبتدأ عنها.

ويفصح العلامة ابن باديس عن نكتة هذا الاختصاص بقوله: ” ووجه ذلك أنها هي التي سمي بها في الكتب المنـزلة؛ وهي الخمسة التي يختص بها، وليس لغيره ألفاظها ولا معانيها كما سيتبين، وإذا كان سمي بغيرها في الكتب المتقدمة فهذه هي الأشهر والأكثر، وكفى بهذا الذي ذكرنا وجها لتخصيصها بالذكر “.[7]

ثانيا: معنى اسم محمد صلى الله عليه وسلم:

قبل الخوض في معنى هذا الاسم، لا بد من التوطئة بذكر من سمَّاه، وسبب هذه التسمية، ويرجع الفضل في ذلك بعد الله عز وجل إلى جدِّه عبد المطلب، حيث أُلهمَ بهذه التسمية التي لم تكن شائعة عند العرب، حتى استغربها قومه؛ فقالوا له: كَيْفَ سَمَّيْتَ بِاسْمِ لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ آبَائِك وَقَوْمِك؟.

فَقَالَ: ” إنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَحْمَدَهُ أَهْلُ الْأَرْضِ كُلِّهِمْ “.[8]

وقد حُكِيَ أن سبب هذه التسمية رُؤْيَا رَآهَا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ، فقَدْ رَأَى فِي مَنَامِهِ كَأَنَّ سِلْسِلَةً مِنْ فِضَّةٍ خَرَجَتْ مِنْ ظَهْرِهِ، لَهَا طَرَفٌ فِي السَّمَاءِ، وَطَرَفٌ فِي الْأَرْضِ، وَطَرَفٌ فِي الْمَشْرِقِ، وَطَرَفٌ فِي الْمَغْرِبِ ثُمَّ عَادَتْ؛ كَأَنَّهَا شَجَرَةٌ.

عَلَى كُلِّ وَرَقَةٍ مِنْهَا نُورٌ، وَإِذَا أَهْلُ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ كَأَنَّهُمْ يَتَعَلَّقُونَ بِهَا، فَقَصَّهَا؛ فَعُبِّرَتْ لَهُ بِمَوْلُودِ يَكُونُ مِنْ صُلْبِهِ يَتْبَعُهُ أَهْلُ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَيَحْمَدُهُ أَهْلُ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَلِذَلِكَ سَمَّاهُ مُحَمّدًا.[9]

ولا يعني هذا انفراده بهذا الاسم دون العرب قاطبة، فقد وجدت فئة قليلة تسمَّت بهذا الاسم، قبيل بعثته صلى الله عليه وسلم بزمن يسير، ولم يكن هذا السلوك منهم بمحض رأي آبائهم، بل تلقَّفُوهُ عن أهل الكتاب، فسمَّوا أبناءهم بهذه التسمية لعلهم يحظون بشرف النبوة، وقد ذكر الإمام السهيلي منهم ثلاثة؛ ثمَّ قال: ” وكان آباء هؤلاء الثلاثة قد وفدوا على بعض الملوك، وكان عنده علم الكتاب الأول، فأخبرهم بمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وباسمه، وكان كل واحد منهم قد خلف امرأته حاملاً، فنذر كل واحد منهم إن ولد له ذكر يسميه محمداً، ففعلوا ذلك “.[10]

لكنَّ القاضيَ عياضَ نازع في عددهم، وأثبت أنهم سبعة، وهم: محمد بن أحيحة بن الجلاح الأوسى وهو أخو عبد المطلب جد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمه، ومحمد بن براء البكري، ومحمد بن سفيان بن مجاشع جد جد الفرزدق الشاعر، ومحمد بن حمران الجعفي، ومحمد بن خزاعي السلمى، ومحمد بن مسلمة الأنصاري.[11]

أمَّا أول من تسمى منهم بهذا الاسم؛ ففيه نزاع، يقول القاضي عياض: ” ويقال أول من سُمِّيَ محمدا: محمد بن سفيان، واليمن تقول: بل محمد بن اليحمد من الأزد؛ ثم حمى الله كل من تسمى به أن يدعىَ النبوة أو يدعيها أحد له أو يظهر عليه سبب يشكك أحدا في أمره، حتى تحققت السمتان له صلى الله عليه وسلم، ولم ينازع فيهما “.[12]

ورغم تسمي هؤلاء السبعة باسم محمد إلا أنه لم ينفعهم عند الله عز وجل، ومن سوء سعدهم أنهم ماتوا جميعا على الكفر غير واحد فقط؛ وهو محمد بن مسلمة الأنصاري رضي الله عنه.

وقد يتبادر إلى الذهن أنَّ تسميَ هؤلاء بهذا الاسم، يعكِّر علينا صفو دلالة الحديث على اختصاصه صلى الله عليه وسلم بهذا الاسم، ويجيبنا عن هذا العلامة ابن باديس بقوله: ” نعم، قد سمى بعض العرب أبناءهم محمدا قبل البعثة بقليل، وهم نفر قليل ولم يعرفوا بنبوة، ومنهم من أسلم فكان من أتباع النبي صلى الله عليه وسلم؛ فكان ذلك القليل في حكم العدم، على أن المقصود بتخصيصه تخصيصه من بين سائر الأنبياء، والشيء إنما يفضل بالنسبة لمن في منـزلته، فمحمد صلى الله عليه وسلم لما تذكر فضائله وخصوصياته إنما تذكر بالنسبة للأنبياء والمرسلين؛ فإذا قلنا إن محمدا صلى الله عليه وسلم خص بهذا الاسم مثلا فمعنى ذلك أننا لا نجده لمثله من الأنبياء والمرسلين، فهذا الاختصاص اللفظي بهذه التسمية.

وكذلك هو مختص بها من جهة معانيها، فله من الكمالات التي يتحلى بها والإنعامات التي جعله الله سببا فيها والمواقف التي يقفها ما ليس لغيره، فليس ينال غيره من الحمد مثل ما يكون له من الله ومن الناس… “.[13]

ولهذا قال الشاعر قديما:

ألَم تَرَ أنَّ السيف ينقُصُ قَدْرُه ♦♦♦ إذا قِيل إنَّ السيف أمضَى مِن العَصَا.

وقال آخر:

إذا أنتَ فَضَّلتَ امرأ ذا بَرَاعَة ♦♦♦ عَلى نَاقص كَانَ المديحُ منَ النَّقص.

وأما عن معناه، فلا بد من التنبيه ابتداءً إلى أنَّ القاعدة في أسمائه صلى الله عليه وسلم أنها ليست أعلاما مجرَّدة، بل هي مشتقة من صفات الكمال، يقول الإمام ابن القيم: ” فَصْلٌ فِي أَسْمَائِهِ صلى الله عليه وسلم:وَكُلُّهَا نُعُوتٌ لَيْسَتْ أَعْلَامًا مَحْضَةً لِمُجَرَّدِ التَّعْرِيفِ، بَلْ أَسْمَاءٌ مُشْتَقّةٌ مِنْ صفاتٍ قائمةٍ بهِ؛ توجبُ له المدحَ والكمالَ “.[14]

فإذا لوينا العنان إلى معنى اسم محمَّد لزم علينا معرفة أصل اشتقاقه أولا، وقد تتبعه أهل العلم؛ فألفوه مشتقا من الحمد، والحمد فيما ذكر الإمام الراغب الأصفهاني، هو الثناء على شيء ما بالفضيلة، بشرط أن تكون الفضيلة من كسبه، بخلاف المدح، فيكون فيه وفي غيره، فإنك تمدح الإنسان بجماله وهذا ليس من كسبه، وتمدحه بجوده وهذا من كسبه، أما الحمد فلا يكون إلا على الثاني فقط.[15]

ومن خلال هذا نستجلي بعض المعاني الأولية لهذا الاسم، فالنبي صلى الله عليه وسلم محمود بهذا الاسم على فضائله المكتسبة، لكنَّ صيغة اسم المفعول في هذا الاسم تدل على تكرر هذا الحمد وعمومه في الحامدين، يقول الإمام السهيلي: “… وَهَذَا الِاسْمُ مَنْقُولٌ مِنْ الصّفَةِ؛ فَالْمُحَمّدُ فِي اللّغَةِ: هُوَ الّذِي يُحْمَدُ حَمْدًا بَعْدَ حَمْدٍ، وَلَا يَكُونُ مُفَعّلٌ مِثْلُ: مُضَرّبٍ وَمُمَدّحٍ إلّا لِمَنْ تَكَرّرَ فِيهِ الْفِعْلُ مَرّةً بَعْدَ مَرّةً…”.[16]

فإن قيل: فما الفرق بين محمد ومحمود، والجواب أنَّ صيغة محمد تدل على تكرر الحمد، أما المحمود فتدل على حمده دون تكرر، ويفصح عن هذا السهيلي بقوله: “… وَأَمَّا مُحَمَّدٌ؛ فَمَنْقُولٌ مِنْ صِفَةٍ أَيْضًا، وَهُوَ فِي مَعْنَى: مَحْمُودٍ، وَلَكِنْ فِيهِ مَعْنَى الْمُبَالَغَةِ وَالتَّكْرَارِ؛ فَالْمُحَمَّدُ هُوَ الّذِي حُمِدَ مَرَّةً بَعْدَ مَرّةً كَمَا أَنَّ الْمُكَرّمَ مَنْ أُكْرِمَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةً، وَكَذَلِكَ الْمُمَدَّحُ وَنَحْوُ ذَلِكَ… “.[17]

ويقول العلامة ابن باديس: ” ومحمد اسم مفعول من حمَّد المضاعف العين، وهو يقتضي التكثير فالمحمد هو ذو الخصال الكثيرة الحميدة التي تقتضي حمده مرة بعد أخرى، فالمحمود هو من وقع عليه الحمد ولو مرة، وأما المحمد فالذي يكثر حمده، وهو في الأصل صفة وقد نقل من الوصفية إلى العلمية، وجعل دالا على الذات المسماة بهذا الاسم”. [18]

هذا، ولانطواء هذا الاسم على الكمال المذكور؛ ضَنَّ المشركون به على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانوا ينبزونه باسم: مُذَمَّمٍ، فَعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ” أَلَا تَعْجَبُونَ كَيْفَ يَصْرِفُ اللَّهُ عَنِّي شَتْمَ قُرَيْشٍ وَلَعْنَهُمْ؛ يَشْتِمُونَ مُذَمَّمًا، وَيَلْعَنُونَ مُذَمَّمًا، وَأَنَا مُحَمَّدٌ “.[19]

يقول الحافظ ابن حجر: “… كان الكفار من قريش من شدة كراهتهم في النبي صلى الله عليه وسلم لا يسمونه باسمه الدال على المدح فيعدلون إلى ضده فيقولون مذمم، وإذا ذكروه بسوء قالوا فعل الله بمذمم!، ومذمم ليس هو اسمه، ولا يعرف به؛ فكان الذي يقع منهم في ذلك مصروفا إلى غيره…”.[20]

ومن نماذج هذا التحريف والعدوان، ما روته أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، فقالت: “لَمَّا نَزَلَتْ ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴾ [المسد: 1]؛ أقبلت العَوْرَاءُ أمُّ جَمِيلٍ بنتُ حَرْبٍ ولَهَا وَلْوَلَةٌ، وفي يدها فِهْرٌ؛ وهي تقول: مُذَمَّمًا أَبَيْنَا، وَدِينَهُ قَلَيْنَا، وأَمْرَهُ عَصَيْنَا.

والنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم جالسٌ في المسجدِ ومعه أبُو بكرٍ؛ فلمَّا رآها أبو بكر، قال: يا رسول الله، قد أقبلت وأنا أخاف أن تراك!

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّهَا لَنْ تَرَانِي) وقرأ قرآنا؛ فاعتصم به كما قال، وقرأ: ﴿ وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَاباً مَّسْتُوراً ﴾ [الإسراء: 45]، فوقَفَتْ على أبِي بكرٍ، ولَمْ تَرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقالت: يا أبا بكر؛ إنِّي أُخْبِرْتُ أَنَّ صَاحِبَكَ هَجَانِي!

فقال: لَا وَرَبِّ هَذَا البَيْتِ مَا هَجَاك.

فَوَلَّتْ، وهي تقول: قد عَلِمَتْ قريشُ أنِّي بنْتُ سَيِّدِهَا”.[21]

ثالثا: مظاهر حمده صلى الله عليه وسلم:

قد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم حظا وافرا من الحمد، يقول الإمام ابن القيم: ” إذا ثبت هذا؛ فتسميته بهذا الاسم لما اشتمل عليه من مسماه، وهو الحمد؛ فإنه محمود عند الله، ومحمود عند ملائكته، ومحمود عند إخوانه من المرسلين، ومحمود عند أهل الأرض كلهم، وإن كفر به بعضهم؛ فإن ما فيه من صفات الكمال محمودة عند كل عاقل، وإن كابر عقله جحودا أو عنادا أو جهلا باتصافه بها، ولو علم اتصافه بها؛ لحمده فإنه يحمد من اتصف بصفات الكمال، ويجهل وجودها فيه فهو في الحقيقة حامد له “.[22]

وما ذكره ابن القيم من جحود الجاحدين هو ديدن الكافرين مع المرسلين؛ لأنَّ درب الإيمان محفوف بالأشواك، ومن جملة هذا تسلط الأعداء على الأنبياء عليهم الصلاة السلام تكذيبا وإيذاءً، وهذا ما جاء صريحا في قوله عزَّ من قائل: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً ﴾ [الفرقان: 31].

ورغم هذا العداء المستحكم في قلوبهم لدعوة الأنبياء إلا أن المخالفين يناقضون قناعاتهم الوجدانية كما دل عليه قول الله عز وجل: ﴿ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ ﴾ [الأنعام: 33].

ومع هذا فلن نعدم نماذج لبعض المخالفين، دفعهم شيء من الإنصاف، أو اضطرتهم الحقائق أو غير هذا وذاك من الدوافع إلى الإقرار بشيء من فضائله صلى الله عليه وسلم وحمده عليها؛ فمن ذلك ما حصل من ألد أعدائه قبل إسلامه أبي سفيان صخر بن حرب وكذا ملك الروم في هذا الحوار المثير، الذي جاء في حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَخْبَرَهُ: ” أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فِي رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَكَانُوا تُجَارًا بِالشَّأْمِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَادَّ فِيهَا أَبَا سُفْيَانَ وَكُفَّارَ قُرَيْشٍ فَأَتَوْهُ وَهُمْ بِإِيلِيَاءَ فَدَعَاهُمْ فِي مَجْلِسِهِ وَحَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ ثُمَّ دَعَاهُمْ وَدَعَا بِتَرْجُمَانِهِ؛ فَقَالَ: أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا بِهَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ؛ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَقُلْتُ: أَنَا أَقْرَبُهُمْ نَسَبًا؛ فَقَالَ: أَدْنُوهُ مِنِّي، وَقَرِّبُوا أَصْحَابَهُ، فَاجْعَلُوهُمْ عِنْدَ ظَهْرِهِ؛ ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُمْ إِنِّي سَائِلٌ هَذَا عَنْ هَذَا الرَّجُلِ، فَإِنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ؛ فَوَاللَّهِ لَوْلَا الْحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا عَلَيَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُ عَنْهُ، ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَنْ قَالَ: كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ؟، قُلْتُ: هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ، قَالَ: فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ مِنْكُمْ أَحَدٌ قَطُّ قَبْلَهُ؟، قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ؟، قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَأَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؛ فَقُلْتُ: بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ، قَالَ: أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ، قُلْتُ: بَلْ يَزِيدُونَ، قَالَ: فَهَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ، قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟، قُلْتُ: لَا.

قَالَ: فَهَلْ يَغْدِرُ؟ قُلْتُ: لَا، وَنَحْنُ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ لَا نَدْرِي مَا هُوَ فَاعِلٌ فِيهَا؟، قَالَ: وَلَمْ تُمْكِنِّي كَلِمَةٌ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا غَيْرُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ، قَالَ: فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ؟، قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَكَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ؟، قُلْتُ: الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالٌ؛ يَنَالُ مِنَّا وَنَنَالُ مِنْهُ، قَالَ: مَاذَا يَأْمُرُكُمْ؟ قُلْتُ: يَقُولُ: اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ وَالصِّلَةِ، فَقَالَ لِلتَّرْجُمَانِ: قُلْ لَهُ سَأَلْتُكَ عَنْ نَسَبِهِ فَذَكَرْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو نَسَبٍ؛ فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي نَسَبِ قَوْمِهَا، وَسَأَلْتُكَ: هَلْ قَالَ أَحَدٌ مِنْكُمْ هَذَا الْقَوْلَ، فَذَكَرْتَ أَنْ لَا؛ فَقُلْتُ: لَوْ كَانَ أَحَدٌ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ؛ لَقُلْتُ رَجُلٌ يَأْتَسِي بِقَوْلٍ قِيلَ قَبْلَهُ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ، فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، قُلْتُ: فَلَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ، قُلْتُ: رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ أَبِيهِ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؛ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، فَقَدْ أَعْرِفُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَذَرَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ وَيَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ، وَسَأَلْتُكَ أَشْرَافُ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ فَذَكَرْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُمْ اتَّبَعُوهُ وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ وَسَأَلْتُكَ أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ فَذَكَرْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ وَكَذَلِكَ أَمْرُ الْإِيمَانِ حَتَّى يَتِمَّ وَسَأَلْتُكَ أَيَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ حِينَ تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ الْقُلُوبَ وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَغْدِرُ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لَا تَغْدِرُ وَسَأَلْتُكَ بِمَا يَأْمُرُكُمْ فَذَكَرْتَ أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَيَنْهَاكُمْ عَنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَيَأْمُرُكُمْ بِالصَّلَاةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ فَإِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا فَسَيَمْلِكُ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ لَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْكُمْ فَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ لَتَجَشَّمْتُ لِقَاءَهُ وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمِهِ ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي بَعَثَ بِهِ دِحْيَةُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى فَدَفَعَهُ إِلَى هِرَقْلَ فَقَرَأَهُ فَإِذَا فِيهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ سَلَامٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الْإِسْلَامِ أَسْلِمْ تَسْلَمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الْأَرِيسِيِّينَ وَ ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لَا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 64].

قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَلَمَّا قَالَ مَا قَالَ وَفَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ كَثُرَ عِنْدَهُ الصَّخَبُ وَارْتَفَعَتْ الْأَصْوَاتُ وَأُخْرِجْنَا؛ فَقُلْتُ لِأَصْحَابِي حِينَ أُخْرِجْنَا: لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ؛ إِنَّهُ يَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الْأَصْفَرِ، فَمَا زِلْتُ مُوقِنًا أَنَّهُ سَيَظْهَرُ حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَيَّ الْإِسْلَامَ “.[23]

فهذا الحديث ناطق عن نفسه بنفسه؛ لا يحتاج إلى شرح أو بيان، فبالإضافة إلى شهادة أبي سفيان؛ فقد ألفينا هرقل يضطر إلى ذلك الكلام العجيب رغم كفره!.

هذا، ولم يخل مصر من الأمصار و لا عصر من الأعصار إلا ونجد فيه من نطق بجزء من الحقيقة؛ وذكر محامد هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، ومن جملة ذلك شهادات المنصفين، وهذه بعضها:

يقول المستشرق الألماني برتلي سانت هيلر: “… وكان محمد نبي الإسلام أكثر عرب زمانه ذكاء وأشدهم تدينا وأعظمهم رأفة، وقد نال محمد سلطته الكبيرة بفضل تفوقه عليهم، ونعد دينه الذي دعا الناس إلى اعتناقه جزيل النعم على جميع الشعوب التي اعتنقته “.[24]

ويقول المؤرخ العالمي الانجليزي برناردشو في كتابه (محمد)، الذي صادرته السلطة البريطانية وأحرقته: ” إن العالم أحوج ما يكون إلى رجلٍ في تفكير محمد، هذا النبي الذي وضع دينه دائماً موضع الاحترام والإجلال، فإنه أقوى دين على هضم جميع المدنيات، خالداً خلود الأبد، وإني أرى كثيراً من بني قومي قد دخلوا هذا الدين على بينة، وسيجد هذا الدين مجاله الفسيح في هذه القارة يعني أوروبا -.

إنّ رجال الدين في القرون الوسطى، ونتيجةً للجهل أو التعصّب، قد رسموا لدين محمدٍ صورةً قاتمةً، لقد كانوا يعتبرونه عدوًّا للمسيحية، لكنّني اطّلعت على أمر هذا الرجل، فوجدته أعجوبةً خارقةً، وتوصلت إلى أنَّه لم يكن عدوًّا للمسيحية، بل يجب أنْ يسمَّى منقذ البشرية، وفي رأيي أنَّه لو تولَّى أمر العالم اليوم، لوفِّق في حلِّ مشكلاتنا بما يؤمن السلام والسعادة التي يرنو البشر إليها “.[25]

ويقول المستشرق الأمريكي سنكس: “ظهر محمد بعد المسيح بخمسمائة وسبعين سنة، وكانت وظيفته ترقية عقول البشر، بإشرابها الأصول الأولية للأخلاق الفاضلة، وبإرجاعها إلى الاعتقاد بإله واحد، وبحياة بعد هذه الحياة.

وبهذا أحدث محمد عليه السلام في إفريقيا وفي الشرق بأسره انقلابا دينيا يشبه الانقلاب الديني الذي أحدثته تعاليم عيسى في أوربا “.[26]

ويقول مايكل هارت: ” لقد اخترت محمداً في أول هذه القائمة، ولا بد أن يندهش كثيرون لهذا الاختيار، ومعهم حق في ذلك، ولكن محمدا عليه السلام هو الإنسان الوحيد في التاريخ كله الذي نجح أعلى نجاح على المستويين: الديني والدنيوي “.[27]

وتقول السيدة بيرون رئيسة الدفاع عن حقوق المرأة في باريس ما نصه: ” إن محمدا لم يكن عدوا للمرأة كما يظهر من أقوال بعض الناس – تريد الأوربيين – الذين أساؤوا فهم روح التشريع الذي جاء به، فينبغي أن نتصور الزمان الذين عاش فيه لنعرف قيمة إصلاحاته “.[28]

ويقول الدكتور شبلي شميل وهو نصراني لبناني: ” إن محمدا نبي الإسلام عليه السلام أكمل البشر من الغابرين والحاضرين، ولا يتصور مثله في الآتين “.[29]

وإذا كانت هذه بعض محامده التي جرت على ألسنة المخالفين؛ فما ظنك بالموافقين؟!، فهي كعدد نجوم السماء؛ وقطرات الماء، لكن شمس حمده تسطع كشمس الدنيا في كبد السماء، وذلك يوم القيامة في ساحة المحشر حين تدنو الشمس من الخلائق مقدار ميل، ويفزع الناس إلى الأنبياء الواحد تلو الآخر إلى أن ينتهوا إلى حبيينا محمد صلى الله عليه وسلم ليشفع لهم في فصل القضاء، فتجري ألسنتهم جميعا بحمده، وهذا هو المقام المحمود الذي وعد به في قول الحق سبحانه وتعالى: ﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً ﴾ [الإسراء: 79].

وقد جاء تفصيل هذا المقام في السنة الصحيحة؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِلَحْمٍ فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ فَنَهَشَ مِنْهَا نَهْشَةً؛ ثُمَّ قَالَ: ” أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهَلْ تَدْرُونَ مِمَّ ذَلِكَ؟ يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ؛ يُسْمِعُهُمْ الدَّاعِي وَيَنْفُذُهُمْ الْبَصَرُ وَتَدْنُو الشَّمْسُ، فَيَبْلُغُ النَّاسَ مِنْ الْغَمِّ وَالْكَرْبِ مَا لَا يُطِيقُونَ وَلَا يَحْتَمِلُونَ؛ فَيَقُولُ النَّاسُ: أَلَا تَرَوْنَ مَا قَدْ بَلَغَكُمْ؟! أَلَا تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ؛ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: عَلَيْكُمْ بِآدَمَ؛ فَيَأْتُونَ آدَمَ عليه السلام فَيَقُولُونَ لَهُ: أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ، خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ، وَأَمَرَ الْمَلَائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلَا تَرَى إِلَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ آدَمُ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنَّهُ قَدْ نَهَانِي عَنْ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ.

فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُونَ: يَا نُوحُ إِنَّكَ أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ، وَقَدْ سَمَّاكَ اللَّهُ عَبْدًا شَكُورًا؛ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟!، فَيَقُولُ: إِنَّ رَبِّي عز وجل قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنَّهُ قَدْ كَانَتْ لِي دَعْوَةٌ دَعَوْتُهَا عَلَى قَوْمِي، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ؛ فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ، فَيَقُولُونَ: يَا إِبْرَاهِيمُ أَنْتَ نَبِيُّ اللَّهِ وَخَلِيلُهُ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ؛ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟!، فَيَقُولُ لَهُمْ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنِّي قَدْ كُنْتُ كَذَبْتُ ثَلَاثَ كَذِبَاتٍ، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اذْهَبُوا إِلَى مُوسَى.

فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَقُولُونَ: يَا مُوسَى أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ فَضَّلَكَ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَبِكَلَامِهِ عَلَى النَّاسِ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟! فَيَقُولُ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَإِنِّي قَدْ قَتَلْتُ نَفْسًا لَمْ أُومَرْ بِقَتْلِهَا، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي؛ اذْهَبُوا إِلَى عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُونَ: يَا عِيسَى أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ وَكَلَّمْتَ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا؛ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟!، فَيَقُولُ عِيسَى: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ قَطُّ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ ذَنْبًا، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اذْهَبُوا إِلَى مُحَمَّدٍ، فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا؛ فَيَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَخَاتِمُ الْأَنْبِيَاءِ وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؛ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟! فَأَنْطَلِقُ فَآتِي تَحْتَ الْعَرْشِ، فَأَقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّي عز وجل ثُمَّ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ مَحَامِدِهِ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئًا لَمْ يَفْتَحْهُ عَلَى أَحَدٍ قَبْلِي ثُمَّ يُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ، سَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَقُولُ: أُمَّتِي يَا رَبِّ، أُمَّتِي يَا رَبِّ أُمَّتِي يَا رَبِّ؛ فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْبَابِ الْأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْأَبْوَابِ؛ ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ مَا بَيْنَ الْمِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَحِمْيَرَ أَوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى “.[30]

رابعا: كيف نعظم اسم محمد صلى الله عليه وسلم؟:

إذا كان المولى عز وجل قد عظَّم الرسول صلى الله عليه وسلم بجملة من المكرمات، فقد افترض على المؤمنين تعظيمه، واقرأ إن شئت قوله جل جلاله: ﴿ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ﴾ [الفتح: 9].

ومن جملة ذلك أنه حرَّم دعاءه باسمه؛ فقال عز وجل: ﴿ لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضاً ﴾ [النور: 63 ].

وشرع الصلاة عليه متى ذكر؛ فقال عز وجل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾ [الأحزاب: 56].

أمَّا بخصوص هذا الاسم فيمكن تعظيمه من جهتين، وهما:

1 – إشاعة التسمية به:

مما يندرج في تعظيم اسم النبي محمد صلى الله عليه وسلم تسمية الولد بهذا الاسم، وهو ما ثبتت مشروعيته بالسنة القولية والتقريرية، أما القولية فعن محمد بن فضالة قال: ” قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن أسبوعين فأتي بي إليه؛ فمسح على رأسي وقال: (سَمُّوهُ بِاسْمِـي وَلَا تُكَنُّوهُ بِكُنْيَتِـي)، وحج بي معه حجة الوداع، وأنا ابن عشر سنين؛ فلقد عُمِّرَ محمد حتى شابَ رأسُه وما شاب موضع يد رسول الله صلى الله عليه وسلم”.[31]

وأما التقريرية فقد ألفينا جمعا من أصحابه يسمون أولادهم باسمه وعلى رأسهم صاحبه وخليفته من بعده الصديق الأكبر، وكذا سعد بن أبي وقاص وجعفر بن أبي طالب وعبد الرحمن بن عوف وحاطب بن أبي بلتعة والأشعث بن قيس. [32]

وقد ثبت عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: وُلِدَ لِرَجُلٍ مِنَّا مِنْ الْأَنْصَارِ غُلَامٌ؛ فَأَرَادَ أَنْ يُسَمِّيَهُ مُحَمَّدًا، فقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” سَمُّوا بِاسْمِي وَلَا تَكَنَّوْا بِكُنْيَتِي فَإِنِّي إِنَّمَا جُعِلْتُ قَاسِمًا أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ “.[33]

وقد توارد المسلمون على هذا، فلم يكن يخلو بيت من أحد المحمدين، فألفينا منهم حكاما مقسطين وعلماء ربانيين وفرسانا مجاهدين وعبادا منقطعين… وهلم جرا.

بل وجدنا من يحرص على التوافق مع الرسول صلى الله عليه وسلم حتى في كنيته، محبة لشخصه الكريم، كما حصل لأبناء الصحابة المذكورين آنفا، ولكن قد يُشكلُ على ما أشدنا به ما جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ” تَسَمَّوْا بِاسْمِي وَلَا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي، وَمَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ فِي صُورَتِي، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ “.[34]

وجوابه أن هذا النهي منسوخ على الصحيح عند أهل العلم، وهو محمول على زمنه صلى الله عليه وسلم؛ وملمح النهي فيه هو التعظيم أيضا، حتى لا يُنادَى غير الرسول صلى الله عليه وسلم، فيلتفت دون أن يكون هو المقصود، ويؤيده سبب ورود الحديث؛ فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي السُّوقِ؛ فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ؛ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم؛ فَقَالَ: إِنَّمَا دَعَوْتُ هَذَا؛ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ” سَمُّوا بِاسْمِي، وَلَا تَكَنَّوْا بِكُنْيَتِي “.[35]

وإلى النسخ ذهب مالك وحكاه عياض عن أكثر أهل العلم،[36] ويشهد له حديث علي رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: ” يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ وُلِدَ لِي بَعْدَكَ أُسَمِّيهِ مُحَمَّدًا، وَأُكَنِّيهِ بِكُنْيَتِكَ؟؛ قَالَ: (نَعَمْ).

قَالَ: فَكَانَتْ رُخْصَةً لِي “.[37]

وإذا كان أكثر السلف على تسمية أبنائهم محمدا على سبيل المحبة والتعظيم؛ فقد ناقضهم آخرون فحكى عنهم الطبري منع هذه التسمية، ومأخذهم التعظيم كذلك.[38]

وقد ورد ما يدل لهذا المذهب حيث رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قوله: (تُسَمُّونَ أَوْلَادكُمْ مُحَمَّدًا ثُمَّ تَلْعَنُونَهُمْ!).[39]

وقد علق عليه الإمام ابن بطال بقوله: ” والحكم بن عطية ضعيف، ذكره البخاري في كتاب الضعفاء، وقال: كان أبو الوليد يضعفه، وليس قوله صلى الله عليه وسلم: (تُسَمُّونَ أَوْلَادكُمْ مُحَمَّدًا ثُمَّ تَلْعَنُونَهُمْ!) لو صح عن النبى صلى الله عليه وسلم بمانع أن يتسمى أحد باسم محمد، فقد أطلق ذلك وأباحه بقوله: (تَسَمَّوا باسْمِي)، وسمى ابنه إبراهيم باسم الخليل صلى الله عليه وسلم؛ وإنما فيه النهى عن أن يسمى أحد ابنه محمدًا ثم يلعنه”.[40]

ويأتي على رأس القائلين بالمنع الفاروق عمر رضي الله عنه؛فقد كتب إلى أهل الكوفة ألَا يُسَمُّوا أَحَدًا بِاسْمِ نَبِيٍّ.[41]

وقد وجه القاضي عياض هذا العمل منه بأنه على سبيل التعظيم؛ فقال: ” والأشبه أن عمر إنما فعل ذلك إعظاما لاسم النبي صلى الله عليه وسلم لئلا ينتهك… “.[42]

ثم ذكر عقبها القصة مختصرة، وهذا نصها الكامل؛ فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: ” نَظَرَ عُمَرُ إِلَى أَبِي عَبْدِ الْحَمِيدِ أَوْ ابْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ – شَكَّ أَبُو عَوَانَةَ – وَكَانَ اسْمُهُ مُحَمَّدًا، وَرَجُلٌ يَقُولُ لَهُ: يَا مُحَمَّدُ فَعَلَ اللَّهُ بِكَ وَفَعَلَ وَفَعَلَ!، قَالَ: وَجَعَلَ يَسُبُّهُ، قَالَ: فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عِنْدَ ذَلِكَ: (يَا ابْنَ زَيْدٍ ادْنُ مِنِّي)، قَالَ: (أَلَا أَرَى مُحَمَّدًا يُسَبُّ بِكَ، لَا وَاللَّهِ لَا تُدْعَى مُحَمَّدًا مَا دُمْتُ حَيًّا)؛ فَسَمَّاهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى بَنِي طَلْحَةَ؛ لِيُغَيِّرَ أَهْلُهُمْ أَسْمَاءَهُمْ، وَهُمْ يَوْمَئِذٍ سَبْعَةٌ، وَسَيِّدُهُمْ وَأَكْبَرُهُمْ مُحَمَّدٌ، قَالَ: فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؛ فَوَاللَّهِ إِنْ سَمَّانِي مُحَمَّدًا يَعْنِي إِلَّا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم؛ فَقَالَ عُمَرُ: (قُومُوا لَا سَبِيلَ لِي إِلَى شَيْءٍ سَمَّاهُ مُحَمَّدٌ) “.[43]

والحاصل أن السبيل القويم من هذا الخلاف هو مشروعية التسمي باسمه ولكن مع مراعاة حقوق هذا الاسم، سواء من قبل حامله أو مخاطب المتسمي به.

2 – العمل بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم:

لاجرم أنَّ أعظم نعمة على الإطلاق هي نعمة الإيمان، ولهذا امتـنَّ الله تعالى على هذه الأمة بهذا النبي الكريم، فقال عز وجل: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ﴾ [ آل عمران:164].

وإذا تقرر لدينا هذا، فالواجب شكر هذه النعمة، ولا يكون الشكر تاما إلا إذا استوفى أركانه الثلاث، وهي: الإقرار بالنعمة، ونسبتها إلى منعمها، والعمل بمقتضى شرع المنعم.

وهذا الثالث هو الحد الفاصل بين الشاكر والكافر، ولا ريب أن شكرنا لله عز وجل على نعمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم لا يكون إلا بالاهتداء بهديه، والاستنان بسنته، في دقيق الأمر وجليله، وفي الظاهر والباطن، ولله در الإمام ابن باديس حين حلَّق حول هذا المعنى من خلال شرحه لأسمائه الشريفة صلى الله عليه وسلم وتحديدا اسم محمد؛ فقال: ” هذه الأسماء الشريفة نأخذ منها حظ العلم وحظ العمل؛ فأما حظ العلم، فقد تقدم، وأما حظ العمل؛ فعلينا إذا علمنا معنى اسمه محمد، أن نستكثر من الأخلاق الطيبة، والأعمال النافعة والمواقف الشريفة، مما ننال به الحمد من الله والناس “.[44]

إذن، فعملنا بسنة النبي صلى الله عليه وسلم يجلب لنا رضا الله ورضا الناس، ويُنيلنا حمد الله وحمد الناس لنا، وقبل هذا لنبينا صلى الله عليه وسلم الذي له الفضل في هذا الاهتداء.

وقد يستقِلُّ بعضنا هذا الأمر، أقصد حمد الناس، وهذا وَهَمٌ واضح، فالمؤمن المتبع للنبي صلى الله عليه وسلم حريص على دعوة الناس إلى اتباع النبي الأمين صلى الله عليه وسلم، ومن المعلوم أنَّ لسان الحال أبلغ من لسان المقال، وأنَّ الدعوة بالأعمال أبلغ من الدعوة بالأقوال؛ لأن التطبيق أبلغ من التنظير.

والمتأمل في حال أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم يرى أنهم أخذوا من التطبيق أوفر نصيب، فألفيناهم أحرص الناس على التزام السنة؛ فكانوا نعم السفير لهذا الدين، حتى قال الإمام مالك: ” بلغني أن النصارى كانوا إذا رأوا الصحابة الذين فتحوا الشام؛ يقولون: (والله لهؤلاء خير من الحواريين فيما بلغنا) “.[45]

وهذا يثير الدهشة في لب المرء، فعادة الناس تعظيم البعيد الذي لا تراه، والاستهانة بالقريب الذي تراه؛ لأن القرب حجاب، ومع هذا نراهم يشهدون بأفضلية من رأوه على من لم يروه، وأَكْرِمْ به من فضل!، ولا نستغرب بعدها كيف دخل الناس في دين الله أفواجا، ولم تمض سنوات قلائل حتى دخل أهل البلاد المفتوحة في الإسلام، ولامست رقته شغاف قلوبهم.

وقد مضى التابعون على سَنَنِ الصحابة رضي الله عنهم، وكذا من جاء بعدهم مع تقصير لا يسلم منه بشر، ومع هذا فالتقصير إن وجد، فهو نزر قليل، وهو منسوب إلى صاحبه، وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم منه براء.

هذا، وقد سارت ركائب الإيمان شرقا وغربا، تنشر النور وتهدي بالأعمال قبل أن تهدي بالسيف، ولم يختلف حالهم في حال الحرب أو السلم، ودونك شهادة لبعض الغربيين وهو غوستاف لوبون الذي أنصف المسلمين؛ فقال: ” ما عرف التاريخ فاتحا أرحم من العرب!”.[46]

نعم، ما عرفت البشرية مثل الفاتحين المسلمين، الذين تأدبوا بآداب نبيهم الكريم، فنالوا بذلك حمد الناس لهم ولنبيهم صلى الله عليه وسلم، واسأل التاريخ، كيف دخل عمر بن الخطاب إلى القدس؟!، وكيف أبى أن يصليَ في الكنيسة مخافة أن يأتيَ المسلمون من بعده فيستلبوها من النصارى بسبب صلاته فيها؟!، وقارن بوحشية الصليبين حين دخولهم إليها بعدها بقرون، وكيف ذبحوا قرابة سبعين ألفا من المسلمين؟!، لم يراعوا فيهم إلاَّ ولا ذمَّة، ولا راعوا فيهم امرأة ولا صغيرا ولا شيخا كبيرا، وذبحوهم ذبح النعاج حتى ساخت أقدامهم في دمائهم، وكيف استعاد فتحها صلاح الدين، وما فعل الذي فعلوا!.

فحسبكم هذا التفاوت بيننا وكل إناء بما فيه ينضح.

وإذا كان هذا حال الفاتحين في الغزو، فلم يختلف عنه حال التجار المسلمين في ضربهم في الأرض، فقد كانوا يجوبون القفار والمفاوز، ويركبون السهل والوعر، والتل والجبل، والبر والبحر؛ يحملون بضاعتهم في يد، والقرآن والسنة في يد، وكانوا يتمثلون هدي نبيهم صلى الله عليه وسلم في معاملاتهم، فبلغوا بالإسلام إلى أصقاع لم يصلها فاتح بسيفه، فجنوب شرق آسيا وأدغال إفريقيا ومجاهلها وسواحلها الشرقية، لم يخل قطر من أقطارها من الإسلام، وما أسماء المدن والقرى كدار السلام في تنـزانيا وأمان الله – مانيلا – في الفلبين إلا شواهد على ذلك.

لكن هذه الصور المشرقة التي جلبت حمد الناس لهذا الدين، ولرسوله الكريم، بدأت تخفت ويقل نورها كلما طال الأمد، فقد تنكر المسلمون لهدي نبيهم صلى الله عليه وسلم وصار حالهم في واد، وسنَّة نبيهم صلى الله عليه وسلم في واد، إلا من رحم الله تعالى، وقليلٌ مَّا هم.

فيوم أن كانوا ملتزمين بالسنة رسموا أبدع اللوحات لنبيهم صلى الله عليه وسلم بلسان المخالف قبل الموافق، وقد استعرضنا طائفة من أقوالهم سابقا، ويوم أن تنكبوا سنته، وخالفوا سيرته؛ رسموا له صورة باهتة تسر العدو وتحزن الصديق، فكان من بعض نتائجها تلك الرسوم الكاريكاتورية لنبينا صلى الله عليه وسلم من قبل تلك الأيادي الآثمة!.

وقد اعتدنا – معشر المسلمين – أن نلقي اللوم على عدونا دائما ونستروح إلى النصوص الشرعية الدالة على عدواة الكافرين لنا وشدة حقدهم علينا، وهذا الكلام وإن كان حقا في ذاته؛ إلا أنه كلمة حق أريد بها باطل؛ فإذا كان السلف استحقوا عداوة الكافرين عن جدارة، فقد اضطروهم إلى تقديرهم، وتقدير نبيهم صلى الله عليه وسلم، وإن كابروا في ذلك.

أمَّا نحن فنلعنهم في أول النهار، ونقتدي بهم في آخره، ويا حبذا لو اقتدينا بهم فيما يوافق ديننا، بل على العكس نتبعهم حذو القذة بالقذة فيما يضرنا ولا ينفعنا، وواقعنا أصدق دليل على ما أقول.

وإذا كنا قد وفقنا في الأمر الأول وهو إشاعة اسمه في أبنائنا حتى غدا أكثر الأسماء تداولا على المستوى العالمي، فقد فشلنا في الثاني، ومن ثمَّ فواجبنا تجاه نبينا صلى الله عليه وسلم عظيم، فقبل أن نسعى إلى تصنيف المصنفات في بيان سيرته، وترجمتها إلى لغات أهل الأرض جميعا، علينا أن نجتهد في ترجمة سنته إلى واقع عملي، وحينئذ فقط نكون ورثة حقا لسنته، ونكون قد وفقنا إلى استجلاب حمد الناس له ولشرعته وإن كانوا غير مسلمين، وعلى الله قصد السبيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

هذا، وفي ختام هذه الوقفات يمكن أن نوجز أهم النتائج فيما يأتي:

1 – كثرة الأسماء عند العرب تدل على تعظيم المسمى، وبهذا عظم الله نبيه صلى الله عليه وسلم، وشرَّف مسمَّاه.

2 – محمد هو أعظم أسماء النبي صلى الله عليه وسلم على الإطلاق.

3 – محمد اسم منقول من الصفة، ومعناه من يحمد حمدا بعد حمد، حمدا متكررا.

4 – تتجلى مظاهر حمده صلى الله عليه وسلم في حمد الله عز وجل له، وحمد الملائكة، وحمد المرسلين، وحمد المؤمنين، وحمد الكافرين المنصفين، ويظهر ذلك في أجلى صوره يوم القيامة عند قيامه المقامَ المحمود.

5 – يجب علينا معشر المسلمين تعظيم اسمه بإشاعة التسمية به، مع التوقي من الإساءة لاسمه ولو إساءة لفظية.

6 – يجب علينا تعظيم اسمه صلى الله عليه وسلم بالتزام سنته، والاستمساك بدينه، فنكون نعم الداعي لطريقته، ونجلب حمد الناس له ولشرعته.

وصل اللهم وسلم وبارك على عبدك ورسولك سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

♦ ♦ ♦

ملحوظة: هذا المقال تم تحكيمه ونشره في مجلة الدراسات الإسلامية، جامعة عمار ثليجي، ولاية الأغواط، الجزائر، العدد السادس، شهر جانفي 2016م.

♦ ♦ ♦

فهرس المصادر والمراجع

♦ القرآن الكريم برواية حفص عن عاصم.

1 – أحكام القرآن: ابن العربـي أبو بكر محمد بن عبد الله (ت 543 هـ). تحقيق: علي محمد البجاوي. بيروت، دار إحياء التراث العربي، ط 1: 1421 هـ – 2001م.

2 – إكمال المعلم بفوائد صحيح مسلم: عيـاض أبو الفضل بن موسى السبتي (ت 544 هـ). تحقيق: د. يحي إسماعيل. المنصورة، دار الوفاء، ط2، 1425 هـ – 2004 م.

3 – الإتقان في علوم القرآن: السيوطـي جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت 911 هـ). القاهرة، مطبعة حجازي، د، ط.

4 – الإسلام في قفض الاتهام: شوقي أبو خليل. دمشق، دار الفكر، ط1، 1412هـ – 1992م.

5 – التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة: القرطبـي أبو عبد الله محمد بن أحمد (ت 641 هـ)، تحقيق: د، الصادق بن محمد بن إبراهيم. الرياض، دار المنهاج، ط1، 1425 هـ.

6 – تفسير القرآن العظيم: ابن كثيـر عماد الدين أبو الفداء إسماعيل القرشي (ت 774 هـ). قدم له: عبد القادر الأرناؤوط (ت 1425هـ). دمشق، مكتبة دار الفيحاء، الرياض، مكتبة دار السلام. ط1، 1414هـ – 1994م.

7 – جلاء الأفهام في فضل الصلاة على محمد خير الأنام: ابن قيـم الجوزية أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي (ت 751 هـ). تحقيق: أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان. الرياض، دار ابن الجوزي، ط1، 1417 هـ – 1997م

8 – الخالدون مئة أعظمهم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم: مايكل هارت. ترجمة: أنيس منصور، مصر، المكتب المصري الحديث، د،ط.

9 – الروض الأنف في شرح السيرة النبوية لابن هشام: السهيلي عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد الخثعمي (ت 581 هـ). علق عليه: مجدي بن منصور الشوري. بيروت، دار الكتب العلمية. ط1، د،ت.

10 – زاد المعاد في هدي خير العباد: ابن قيم الجوزية أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي (ت 751 هـ). تحقيق: عبد القادر وشعيب الأرناؤوط. بيروت، مؤسسة الرسالة، ط26، 1412 هـ – 1992م

11 – سنن أبي داود: أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني (ت 275 هـ)، حكم على أحاديثه: محمد ناصر الدين الألباني، اعتنى به: مشهور آل سلمان.الرياض، مكتبة المعارف، ط1، د، ت.

12 – سنن الترمذي: الترمذي أبو عيسى محمد بن عيسى (ت 279 هـ). حكم على أحاديثه: محمد ناصر الدين الألباني، اعتنى به: مشهور آل سلمان. الرياض، مكتبة المعارف، ط1، د، ت.

13 – شرح صحيح البخاري: ابن بطال أبو الحسن علي بن خلف بن عبد الملك (ت 449 هـ). ضبطه: ياسر بن إبراهيم. الرياض، مكتبة الرشد ناشرون، ط3، 1425 هـ – 2004م.

14 – الشفا بتعريف حقوق المصطفى: عيـاض أبو الفضل بن موسى السبتي (ت 544 هـ). تحقيق: د، عبد السلام البكاري المساري. بيروت، دار الفكر، ط1، 1424 هـ – 2003 م.

15 – صحيح البخاري مطبوع بهامش فتح الباري لابن حجر أبي الفضل أحمد بن علي بن محمد العسقلاني (852 هـ): البخاري أبو عبد الله محمد بن إسماعيل الجعفي (ت 256 هـ)، تحقيق: عبد العزيز بن باز وآخرون. دمشق، مكتبة دار الفيحاء، د، ت.

16 – صحيح مسلم، مطبوع بهامش شرحه للنووي: مسـلم أبو الحسين ابن الحجاج القشيري النيسابوري (ت 261 هـ). خرج أحاديثه: أبو عبد الرحمن عادل بن سعد. القاهرة، دار ابن الهيثم، ط1، 1424 هـ – 2003 م.

17 – المستدرك على الصحيحين: الحاكم أبو عبد الله النيسابوري (ت 405 هـ). تـ: حمدي الدمرداش محمد، صيدا: المكتبة العصرية، ط1: 1420 هـ – 2000 م.

18 – المسند: أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني (ت 241 هـ). تحقيق: شعيب الأناؤوط وآخرون. بيروت، مؤسسة الرسالة، ط 1: 1417 هـ – 1997 م.

19 – المعجم الكبير: الطبراني أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب (360 هـ). تحقيق: حمدي بن عبدالمجيد السلفي، القاهرة: مكتبة ابن تيمية، د،ت.

20 – المفردات في غريب القرآن: الراغب الأصفهاني أبو القاسم الحسين بن محمد (ت 502 هـ). ضبطه: هيثم طعيمي. بيروت، دار إحياء التراث العربي، ط1، 1423 هـ – 2002 م.

21 – الموطأ برواية يحيى الليثي: مـالك بن أنس الأصبحي المدني (ت 179 هـ). خرج أحاديثه: مسعد كامل، أشرف على تحقيقه: مصطفى العدوي. المنصورة، دار ابن رجب، ط1، 1423 هـ – 2003 م.

22 – مجالس التذكير من حديث البشير النذير: ابن باديس عبد الحميد بن محمد المصطفى بن مكي (ت 1359هـ). الجزائر، دار البعث، ط1، 1403 هـ – 1983م.

23 – مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: الهيثمي نور الدين علي بن أبي بكر (ت: 807)، ومعه بغية الرائد في تحقيق مجمع الزوائد. تحقيق: عبد الله محمد الدرويش. دار الفكر، بيروت ط، 1414 هـ – 1994م.

24 – محمد صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين: بوالحديد أبو عبد الودود محمد. الجزائر، دار الموعظة، ط 1: 1432 هـ – 2010 م.

25 – محمد رسول الإسلام في نظر فلاسفة الغرب ومشاهير علمائه وكتابه: محمد فهمي عبد الوهاب. مصر، دار الاعتصام، ط 2: 1399 هـ – 1979 م.

26 – مسند الدارمي المعروف بسنن الدارمي: الـدارمـي أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل (ت255 هـ). تحقيق: حسين سليم أسد الداراني. الرياض، دار المغني، ط 1: 1421 هـ – 2000 م.

[1] رواه مسلم في الفضائل، باب تفضيل نبينا صلى الله عليه وسلم على جميع الخلائق، رقم: 2278، عن أبي هريرة مرفوعا.

[2] التذكرة (1/ 544).

[3] أحكام القرآن (3/ 496).

[4] انظر: زاد المعاد (1/ 88).

[5] تسمية هذه السورة بهذا الاسم دليل على التعظيم، وخاصة إذا قلنا بالتوقيف في أسماء السور، يقول السيوطي: ” وقد ثبت جميع أسماء السور بالتوقيف من الأحاديث والآثار، ولولا خشية الإطالة لبينت ذلك “. الإتقان في علوم القرآن (1/ 53).

[6] رواه مالك في الجامع، باب أسماء النبي صلى الله عليه وسلم، رقم: 1، واللفظ له، والبخاري في المناقب، باب ما جاء في أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم، رقم: 3532، ومسلم في الفضائل، باب في أسمائه صلى الله عليه وسلم، رقم: 2354، وزاد مسلم: “… وَالْعَاقِبُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ “.

[7] مجالس التذكير من كلام البشير النذير، ص 316.

[8] انظر: الروض الأنف (1/ 280).

[9] انظر: الروض الأنف (1/ 280).

[10] الروض الأنف (1/ 280).

تنبيه: أثبت الإمام ابن القيم أن النبي صلى الله عليه وسلم دُعيَ بهذا الاسم صريحا في التوراة والإنجيل، انظر: جَلَاءُ الْأَفْهَامِ، ص 306 وما بعده.

قلت: ومما يشهد لورود التصريح باسمه في التوراة ما جاء عَنْ أَبِي صَالِحٍ قَالَ: قَالَ كَعْبٌ – أي كعب الأحبار -: ” نَجِدُهُ مَكْتُوبًا: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا فَظٌّ وَلَا غَلِيظٌ وَلَا صَخَّابٌ بِالْأَسْوَاقِ وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ وَأُمَّتُهُ الْحَمَّادُونَ يُكَبِّرُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى كُلِّ نَجْدٍ وَيَحْمَدُونَهُ فِي كُلِّ مَنْزِلَةٍ وَيَتَأَزَّرُونَ عَلَى أَنْصَافِهِمْ وَيَتَوَضَّئُونَ عَلَى أَطْرَافِهِمْ مُنَادِيهِمْ يُنَادِي فِي جَوِّ السَّمَاءِ صَفُّهُمْ فِي الْقِتَالِ وَصَفُّهُمْ فِي الصَّلَاةِ سَوَاءٌ لَهُمْ بِاللَّيْلِ دَوِيٌّ كَدَوِيِّ النَّحْلِ وَمَوْلِدُهُ بِمَكَّةَ وَمُهَاجِرُهُ بِطَابَةَ وَمُلْكُهُ بِالشَّامِ “. رواه الدارمي في المقدمة، باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم في الكتب قبل مبعثه، رقم: 5، وقال محقق الكتاب: مرسل، وسنده صحيح.

[11] انظر: الشفا (1/ 260)، الروض الأنف (1/ 280).

[12] الشفا(1/ 260).

[13] مجالس التذكير من كلام البشير النذير، ص 324.

[14] زاد المعاد (1/ 86).

[15] انظر: مفردات الراغب، ص 136، مادة: [حمد].

[16] الروض الأنف (1/ 280).

[17] الروض الأنف (1/ 281)، وانظر: زاد المعاد (1/ 89).

[18] مجالس التذكير من كلام البشير النذير، ص 317.

[19] رواه البخاري في المناقب، باب ما جاء في أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم، رقم: 3533.

[20] فتح الباري (6/ 558).

[21] رواه الحاكم في التفسير، باب: تفسير سورة بني إسرائيل، رقم: 3376، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

[22] جلاء الأفهام، ص 284.

[23] رواه البخاري في بدء الوحي، باب كَيْفَ كَانَ بَدْءُ الْوَحْىِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، رقم: 7، واللفظ له، ومسلم في الجهاد والسير، باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام، رقم: 1773.

[24] انظر: محمد رسول الإسلام في نظر فلاسفة الغرب ومشاهير علمائه وكتابه، ص 53.

[25] انظر: محمد صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، ص 32.

[26] انظر: محمد رسول الإسلام في نظر فلاسفة الغرب ومشاهير علمائه وكتابه، ص 40.

[27] انظر: الخالدون مائة، ص 13.

[28] انظر: محمد رسول الإسلام في نظر فلاسفة الغرب ومشاهير علمائه وكتابه، ص 44.

[29] انظر: محمد رسول الإسلام في نظر فلاسفة الغرب ومشاهير علمائه وكتابه، ص 56.

[30] رواه البخاري في تفسير القرآن، باب ] ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً [، رقم: 4712، ومسلم في الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها، رقم: 194.

[31] رواه الطبراني في الكبير، رقم: 547، وقال الهيثمي: ” رواه الطبراني، وفيه يعقوب بن محمد الزهري؛ وثقه ابن حبان وغيره، وضعفه جماعة، وبقية رجاله ثقات “. انظر: بغية الرائد في تحقيق مجمع الزوائد (8/ 95).

[32] انظر: الفتح (10/ 573).

[33] رواه البخاري في فرض الخمس، باب قول الله تعالى: ﴿ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ ﴾ [الأنفال: 41]، رقم: 3114، ومسلم في الآداب، باب النهي عن التكني بأبي القاسم وبيان ما يستحب من الأسماء، رقم: 2133.

[34] رواه البخاريفي العلم، باب إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم، رقم: 110.

[35] رواه البخاري في البيوع، باب ما ذكر في الأسواق، رقم: 3114، ومسلم في الآداب، باب النهي عن التكني بأبي القاسم وبيان ما يستحب من الأسماء، رقم: 2131.

[36] انظر: إكمال المعلم (7/ 8)، شرح النووي على مسلم (7/ 237).

[37] رواه أحمد في مسند علي رضي الله عنه، رقم: 730، وأبو داود في الأدب، باب في الرخصة في الجمع بينهما، رقم: 4969، وقال: الترمذي في الأدب باب ما جاء في كراهية الجمع بين اسم النبي صلى الله عليه وسلم وكنيته، رقم: 2843، وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

[38] انظر: إكمال المعلم (7/ 9)، شرح النووي على مسلم (7/ 238)، الفتح (10/ 572).

[39] رواه الحاكم في الأدب، رقم: 7795، وقال ابن حجر في الفتح: ” وَهُوَ حَدِيث أَخْرَجَهُ الْبَزَّار وَأَبُو يَعْلَى أَيْضًا؛ وَسَنَده لَيِّن”. (10/ 571)، وقال الهيثمي: ” رواه أبو يعلى والبزار وفيه الحكم بن عطية؛ وثقه أحمد، وضعفه غيره، وبقية رجاله رجال الصحيح “. (8/ 95)

[40] شرح ابن بطال (9/ 349).

[41] انظر: إكمال المعلم (7/ 10)، شرح النووي على مسلم (7/ 238)، الفتح (10/ 571).

[42] إكمال المعلم (7/ 8)، وانظر: شرح النووي على مسلم (7/ 238)، الفتح (10/ 572).

[43] رواه أحمد في مسند الشاميين، رقم: 17896، والطبراني في الكبير، رقم: 12841،وقال الأرناؤوط: ” رجاله ثقات؛ لكنه مرسل، عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يثبت أنه لقي عمر بن الخطاب “.

قلت: وقد استدل به ابن حجر على تراجع عمر عن هذا الرأي؛ فقال: ” فهذا يدل على رجوعه عن ذلك “. الفتح (10/ 573).

[44] مجالس التذكير من كلام البشير النذير، ص 326.

[45] انظر: تفسير ابن كثير (4/ 261).

[46] انظر: الإسلام في قفص الاتهام، ص 135.

رابط الموضوع: https://www.alukah.net/spotlight/0/110121/#ixzz61n3gyxn9