عمرو بن الجموح (رضي الله عنه)
سيد بني سلمة

سوف نعرض في المقالة لصحابيٍّ كان سيدًا من سادات بني سلمة، وشريفًا من أشرافهم.

عمرو بن الجموح – رضي الله عنه -:

عمرو بن الجموح بن زيد بن حرام السلمي بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج الأنصاري، السلمي، الغنمي، والد معاذ، ومُعوِّذ، وخلاد، وعبد الرحمن، وهند[1].

يقول عمرو بن الجموح – رضي الله عنه -: دلائل النبوة لأبي نعيم الأصبهاني (ص 306):

أتوب إلى الله مما مضى وأستنقذ اللهَ من نارِهِ وأثني عليه بنعمائِه إله الحرامِ وأستارِهِ فسبحانَه عدد الخاطئين وقطر السماء ومدرارِهِ هداني وقد كنتُ في ظلمةٍ حليفَ مَناةٍ وأحجارِهِ

إسلامه:

ذكر الإمام الذهبي في سيره عن ثابت البناني، عن عكرمة، قال: قدِم مصعب بن عمير المدينة يعلِّم الناس، فبعث إليه عمرو بن الجموح: ما هذا الذي جئتمونا؟

قالوا: إن شئت جئناك، فأسمعناك القرآن.

قال: نعم.

فقرأ صدرًا من سورة يوسف، فقال عمرو: إن لنا مؤامرةً في قومنا، وكان سيد بني سلمة، فخرجوا، ودخل على مناف، فقال: يا مناف، تعلم – والله – ما يريد القوم غيرك، فهل عندك من نكير؟

قال: فقلده السيف، وخرج، فقام أهله، فأخذوا السيف، فلما رجع، قال: أين السيف يا مناف؟ ويحك! إن العنز لتمنع استَها، والله ما أرى في أبي جعار غدًا من خير، ثم قال لهم: إني ذاهب إلى مالي، فاستوصوا بمناف خيرًا، فذهب، فأخذوه فكسروه وربطوه مع كلب ميت، وألقوه في بئر.

فلما جاء، قال: كيف أنتم؟

قالوا: بخير يا سيدنا، طهر الله بيوتنا من الرجس.

قال: والله إني أراكم قد أسأتم خلافتي في مناف.

قالوا: هو ذاك، انظر إليه في ذلك البئر.

فأشرف، فرآه، فبعث إلى قومه، فجاؤوا، فقال: ألستم على ما أنا عليه؟

قالوا: بلى، أنت سيدنا.

قال: فأشهدكم أني قد آمنت بما أنزل على محمد.

وقال يذكر صنمه: دلائل النبوة لأبي نعيم (ص 306)، ونحوه في: سيرة ابن هشام (1/453):

تالله لو كنتَ إلهًا لم تكنْ أنتَ وكلبٌ وسْطَ بئرٍ في قَرَن أفٍّ لمصرعِك إلهًا مُسْتَدَنْ الآن فتَّشْنَاك عن سوءِ الغبن فالحمدُ لله العلي ذي المِنَن الواهبِ الرزق وديَّان الدِّيَن هو الذي أنقذني من قبل أن أكون في ظلمة قبر مرتهن

غزوة أحد:

ذُكر أن عمرو بن الجموح كان رجلاً أعرج لا جهادَ عليه، فقد أسقط الله عنه الجهاد، لكنه سمع النداء يوم أُحُد، وأراد أن ينطلق للجهاد في المعركةِ، فقال أبناؤه الأربعة: “يا أبانا، لقد أسقط الله عنك الجهاد، ونحن نكفيك”، فبكى عمرو بن الجموح، وانطلق إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – ليشتكيَ قائلاً: “يا رسول الله، إن أبنائي يمنعونني من الخروج للجهاد في سبيل الله، ووالله إني لأريد أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة”، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((يا عمرو، فقد أسقط الله عنك الجهاد، فقد عذرك الله – جل وعلا))، ومع ذلك رأى النبي – صلى الله عليه وسلم – رغبةً عارمة في قلب عمرو بن الجموح لخوض المعركة، فالتفت النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى أبنائه الأربعة قائلاً لهم: ((لا تمنعوه، لعل الله أن يرزقه الشهادة في سبيله))، وانطلق عمرو بن الجموح يبحث عن الشهادة في سبيل الله، وقتل في المعركة، ومرَّ عليه النبي – صلى الله عليه وسلم – بعدما قتل، فقال: ((والله لكأني أنظر إليك تمشي برجلك في الجنة وهي صحيحة))؛ السيرة الحلبية (2/ 328)، ونحوه في الكبرى للبيهقي (9/42).

• عن جابر – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((مَن سيدكم يا بني سلمة؟))، قلنا: جد بن قيس، على أنَّا نبخله، قال: ((وأي داء أدوى من البخل؟ بل سيدكم عمرو بن الجموح))، وكان عمرو على أصنامهم في الجاهلية، وكان يُولِم عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذا تزوج[2].

يقول شاعر الأنصار في عمرو بن الجموح:

وقال رسول الله والحقُّ قولُهُ لمن قال منَّا مَنْ تُسَمُّون سيِّدَا فقالوا له جدُّ بن قيس على التي نبخِّله فيها وإن كان أسودَا فتى ما تخطَّى خطوةً لِدَنيَّةٍ ولا مدَّ في يومٍ إلى سَوْءةٍ يَدا فَسَوَّدَ عمرو بن الجموح لجودِهِ وحقَّ لعمرو بالنَّدى أن يسوَّدا إذا جاءه السؤَّالُ أذهبَ مالَهُ وقال خُذوهُ إنَّه عائدٌ غَدا فلو كنتَ يا جَدُّ بنَ قيسٍ على التي على مثلها عمرٌو لكنتَ مُسَوَّدَا

شارك معاذ ومعوِّذ ابنا عمرو في قتل أبي جهل:

• قال عبدالرحمن بن عوف: “إني لفي الصفِّ يوم بدر، إذ ألتفتُ فإذا عن يميني وعن يساري فتيانِ حديثا السنِّ، فكأني لم آمن بمكانهما، إذ قال لي أحدُهما سرًّا من صاحبه: يا عم، أرني أبا جهل، فقلت: يا بن أخي، وما تصنع به؟ قال: عاهدت الله إن رأيتُه أن أقتلَه أو أموت دونه، فقال لي الآخر سرًّا من صاحبه مثله، قال: فما سرني أني بين رجلين مكانهما، فأشرت لهما إليه، فشدَّا عليه مثل الصقرين حتى ضرباه، وهما ابنا عفراء”، (ابنا عفراء: معاذ ومعوِّذ – رضي الله عنهما – فهما اللذان قتلاه، شاركهما في هذا معاذ بن عمرو بن الجموح – رضي الله عنهما – وابن مسعود – رضي الله عنه – أجهز عليه وحزَّ رأسه)[3].

بعد موته:

عن عبدالرحمن بن أبي صعصعة، أنه بلغه “أن عمرو بن الجموح وعبدالله بن عمرو الأنصاريَّينِ ثم السلميين كانا قد حفر السيلُ قبرَهما، وكان قبرُهما مما يلي السيل، وكانا في قبر واحد، وهما ممن استشهد يوم أُحُد فحفر عنهما ليغيرا من مكانهما، فوُجِدا لم يتغيرا، كأنهما ماتا بالأمس، وكان أحدُهما قد جرح فوضع يده على جرحه، فدفن وهو كذلك، فأميطت يده عن جرحه، ثم أرسلت فرجعت كما كانت، وكان بين أُحُد وبين يوم حفر عنهما ست وأربعون سنة”[4].

رضي الله عن عمرو بن الجموح وعن صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وعن التابعين!

——————————————————————————–

[1] سير أعلام النبلاء ط الرسالة (1 / 252).

[2] الأدب المفرد (1/153).

[3] صحيح البخاري (5 / 78).

[4] التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (19 / 239).