دلالات المكان ووصفه عند دراسة نص أشعياء و ما جاء فيه من أخبار وأحداث

في

(أسفار اليهود والنصارى)

نستقرئ من دلالات النص تسلسل للمراحل التالية

المرحلة الأولى تحديد مكان الوحي ووصفه

حدد النص [13وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ بِلاَدِ الْعَرَبِ: فِي الْوَعْرِ] بأن بدء الوحي في بلاد العرب في الوعر في غار حراء ، والأحداث التاريخية تؤكد على أنه لم يكن هناك وحي من جهة بلاد العرب سوى الوحي وبدء رسالة رسول الله محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد وردت كلمة الوحي بدلالة اللفظ المستخدم لدى المسلمين العرب في القرآن

[كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ]. سورة الشورى آية : 3

ونستنتج من النص مايلي

حددت هذه النبوءة من بلاد العرب مكان بدء الوحي على الرسول محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكل دقة لفظاً ومكاناَ

وصف طبيعة بلاد العرب الجبلية بالوعورة (في الوعر)

والوعر هو الجبل (القاموس المحيط )، وإن أرض الحجاز وسلاسل جبالها هي الموصوفة بالوعر.

ولفظ : [13وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ بِلاَدِ الْعَرَبِ: فِي الْوَعْرِ] دليل دامغ لموقع الحدث وخصائصه الطبيعي

المرحلة الثانية تحديد منشأ حدث الهجرة ومقصدها

ذكر النص حدث الهجرة النبوية وحدد مكانين اثنين حدثت فيهما رحلة الهجرة هما

1- منشأ خروج المهاجر (مكة المكرمة)

2- وجهة (المقصد) وهي (المدينة المنورة) التي هاجر إليها

يترتب على تحديد الموقع الذي هاجر منه الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والذي هاجر إليه في رحلة الهجرة، تفسيراً وتحليلاً للحدث من المنظور التاريخي والجغرافي وربطه بالموقع المكاني المرتحل منه وإليه في رحلة الهجرة من مكان خروجه من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة (يثرب) فالرسول الكريم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يهاجر إلا للمدينة فقط

ونستنتج من هذا النص التالي:

– اعترافاً صريحاً بنبي هذه الأمة وخاتم الأنبياء الرسول الكريم محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

– إقراراً بهجرة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والتنبؤ بها.

– تحديداً للجهة التي هاجر منها وإليها.

– وصف أسباب الهجرة كما في النص

[15فَإِنَّهُمْ مِنْ أَمَامِ السُّيُوفِ قَدْ هَرَبُوا. مِنْ أَمَامِ السَّيْفِ الْمَسْلُولِ وَمِنْ أَمَامِ الْقَوْسِ الْمَشْدُودَةِ وَمِنْ أَمَامِ شِدَّةِ الْحَرْبِ].

ونحن نعرف الأحداث التي سبقت الهجرة ، ومحاولة قتل النبي الكريم محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكل ذلك هربا من بطش قريش، عندما تسلحوا بسيوفهم وأقواسهم،وحاصروا بيته لقتله في الفراش، ونوم علي ابن أبي طالب بدلاً منه، وقصة الهروب إلى غار حراء مع أبي بكر الصديق

– اعترافاً بالظلم الذي تعرض له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المرسل في مكة من قومه

– وصفه أحوال المهاجر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من اضطهاد قريش له في مكة المكرمة في النص (لأَنَّهُمْ قَدْ فَرُّوا مِنَ السَّيْفِ الْمَسْلُولِ، وَالْقَوْسِ الْمُتَوَتِّرِ، وَمِنْ وَطِيسِ الْمَعْرَكَةِ) أشعياء 21/ 15


المرحلة الثالثة

مطالبة سكان تيماء بنصرة المهاجر
في هذه المرحلة يطلب أشعياء من سكان منطقة “تيماء” مناصرة المهاجر الهارب والعطشان، وإتباع هذا الدين الحنيف الذي يدعو إليه رسول الله، وأثرها في تغير مجريات الأحداث والتاريخ في العالم.
وإن هذا النص بين لنا أن النداء كان لسكان ومنطقة المكان المهاجر إليه في (يثرب) وتيماء وهي أماكن تشكل نسيجاً واحداً متكاملاً من حيث السكان والظروف والوظيفة التجارية كمعبر للقوافل، وهي متقاربة بمفهوم المسافة الطبيعية.
فالنص يخاطب الدداينين من أهل تيماء، ويطلب منهم حماية الهارب إلى بلادهم الوعرة، ويبشرهم بفناء مجد أبناء قيدار بن إسماعيل بعد سنة من الهروب (الهجرة).
والددانيون كما يشير معجم الكتاب المقدس هم سكان تيماء في شمال الحجاز، وما تتميز به سلسة الجبال من وعورة في التضاريس .
فنستدل من ذلك، على أنه خطاب موجه لسكان منطقة المدينة المنورة (يثرب) وما حولها، بأن عليهم عمل التالي:
أن يأتوا لملاقاة العطشان الهارب من الظلم، وأن يطعموه، وأن ينصروا المهاجرين المظلومين، ونحن نعرف كم خرج أهل يثرب فرحين منتظرين قدومه وهم ينشدون (طلع البدر علينا)، وملاقاتهم للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي عرفوا دعوته في مكة ومبايعتهم له ودعوتهم له،ثم ما تلا ذلك من أحداث في مناصرتهم وإطعامهم وإسقاهم ومقاسمتهم أموالهم وأرزاقهم (ولذلك سموا بالأنصار).
وقد كان الرجل يورث أخاه المهاجر وغير ذلك من أحداث ليست من موضوع الدارسة.
طالب أشعياء سكان تيماء من اليهود، بمناصرة المهاجر لمعرفته وإيمانه بالرسالة،وأهميتها، ودورها المستقبلي على المنطقة المهاجر إليها .
ومنطقة تيماء يقطنها جماعات من اليهود، وعلى ذلك فخطابه لهم من واقع عظمة الحدث المشهود.
وهكذا فلقد تنبأ أشعياء بالدعوة،وبالفتح الإسلامي الذي سيتجاوز مكان الهجرة (يثرب) إلى تيماء وحدود جزيرة العرب إلى أنحاء المعمورة .
وإن من أسباب رفض اليهود للتسليم بنبوة سيدنا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، على الرغم من أمر الله سبحانه وتعالى لهم بإتباع محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والله عز وجل يقول :
[قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ].سورة الأعراف آية : 158
هو أن رغبتهم كانت في أن يكون خروج النبي القادم من بينهم، بل ولابد وأن يكون من اليهود أنفسهم، وعلى ذلك فكافة الحروب والنزاعات التي وقعت فيما بين المسلمين واليهود في ذلك العهد كانت بسبب المعتقدات والعادات القبلية والاجتماعية السائدة في ذلك المكان الذي يحتم على الفرد الولاء لقبيلته والمحافظة على ما توارثه من معتقدات، وإن الخروج عليهم بمعتقد ودين كالإسلام ونبي هو محمد الذين يعرفون قدومه وينكرونه هو بمثابة التهديد للسيادة والأعراف، ومن ثم تلاحقت الأحداث بمعاداة الإسلام ومحاولات تدبير المكائد والصراعات ، وما نجم عنها من إجلاءهم من مناطق وجودهم فيها.
ونحن عندما نستقرئ أحداث ما بعد الهجرة، نتبين كيف كانت العلاقة بين اليهود والمسلمين في المدينة المنورة وما تضمنته من صراعات وحروب ومكائد من اليهود حتى طردوا منها.
وفي ذلك دلالة كما تؤكد الأحداث والعهود والمواثيق احترام المسلمين لليهود في صدر الإسلام والتعامل معهم بعد أن أتاح لهم الحياة في المجتمع مع المسلمين .
مناقشة للفظ صهيون بالنبوءات
ومع ذلك فيرى البعض كابن القيم رحمه الله في ” هداية الحيارى” أن لفظ “صهيون” يعني مكة نفسها، ومع نفينا أن يكون هذا من أسماء مكة إلا أنّ تبديل اليهود لما يدلّ على بكة بصهيون جعل البعض يتسآءل فيما لو كان صهيون من أسماء مكة..
فإضافة إلى هذا الموضع من المزامير ( مزمور 84) جاء لفظ صهيون عند الحديث عن حجر الزاوية في إشعيا ( إشعيا 28: 16) (اشعياء 28: 16 ” لهذا يقول الرب:

” ها أنا أضع حجر أساس في صهيون، حجر زاوية ثمينا ليكون أساسا راسخا وكل من يؤمن به لا يهرب، وسأجعل العدل خيط قياس والحق مطمارا..” ) منسوباً إلى صهيون، هذا مع جزمنا التام أنّ حجر الزاوية لم يأتِ حتى عصر عيسى عليه السلام، وأن هذا ” الحجر” سيكون من غير اليهود، وهو الذي سيقيم مملكة الله القادمة من بعد عيسى عليه السلام كما صرح هو بنفسه

منقول