الفصل الثاني عشر
مدار الحياة اليهودية


يحتفل التقليد اليهودي، ككل الأديان والثقافات العالمية، بأهم المناسبات في الحياة بطقوس واحتفالات وصلوات خاصة. يعبر كل دين وكل ثقافة عن شخصيته في الطريقة التي يحتفل فيها بهذه المناسبات، وليست الديانة اليهودية استثناء لهذه القاعدة. ففي لب طقوس مدار الحياة يكمن الاعتقاد أن البشرية في شراكة مع الله في تأريخ العالم. وإن كان الله هو الخالق، فنحن أيضا نساهم في العالم، وقد تكون أفعالنا سلبية وإيجابية كذلك. وبالتالي فإن مكانتنا في الحياة تقتضي أن نتماثل للإرادة الإلهية حسب طاقتنا.

الولادة والختان
يعتبر إنجاب الأطفال واجبا إلهيا بالرغم من أن الذين لا يستطيعون الإنجاب لا يعاقبون ولا يستبعدون. ومن واجب الوالدين تربية أطفالهما، وتعليمهم مهنة وحتى مهارة السباحة لتزويدهم بالمهارات الضرورية للحياة الآمنة والسليمة والمنتجة. كانت الديانة اليهودية ديانة هذا العالم التي تركز دائما على الحياة في هذا العالم، لا لشيء إلا من أجله وليس من أجل الدخول في عالم مقبل. تعتبر ولادة الطفل مناسبة سعيدة لأنه قدم إلى هذا العالم نظيفا ومحايدا ليس معصوما ولا مذنبا. ومن واجب الوالدين والأسرة والمجتمع ضمان تحقيق الطفل قدراته لكى يساهم مساهمة إيجابية وسعيدة للعالم. يعتبر المولود من أم يهودية، يهوديا بالتقليد.
تفرض التوراة ختان كل الذكور في اليوم الثامن من ولادتهم (التكوين 17: 1ـ14، اللاويون 12: 3)، لكن حتى وليد الأم اليهودية غير المختئن نادراً أن يعتبر يهوديا مع ذلك. يسمى حفل الختان بالعبري ״بريت ميلاه״ بمعنى ״عهد الختان״. جاء الختان ليكون مفهوما بأنه علامة العهد الذي بين الله وبني إسرائيل منذ قصة إبراهيم في سفر التكوين. تقع فريضة الختان على الأب إلا أنه ينيب عنه عادة خبيرا للقيام بذلك يسمى ״موهيل״ (المطهر). يتم حفل الختان في اليوم الثامن من الولادة إلا إذا كانت الظروف الصحية للوليد لا تسمح بذلك50. ففريضة الختان تنسي حتى أمر الالتزام بالسبت، وبالتالي قد يتم القيام بحفل الختان في السبت أو العيد.
إن حفل الختان مناسبة بهيجة وسارة تجلب حشودا من الأهل والأصدقاء إلى منزل أهل الطفل. وبما أن المشاركة في طقس الختان شرف فإنه يتم تعيين ذوي القرابة جدا لحمل الطفل في أثناء الاحتفال الذي يشتمل على القراءات والصلوات, بالإضافة إلى العملية الطبية التي يتم بعدها تناول مأدبة دسمة وسعيدة.
إن حفلة ״بريت״ (تنطق ״بريس״ على النحو الييدشي) تشكل مناسبة إعلان اسم المولود. يمكن اختيار أي اسم لكن جرت العادة على تسمية الأطفال بأسماء الاقرباء في الأسرة. يتم تسمية الأطفال في التقليد الأشكينازي فقط باسم أحد الأقرباء الذين ماتوا لتكون حياة المتوفى قدوة ونبراسا للطفل الجديد. وفي التقليد السفاردي فغالبا ما يسمي الأطفال باسم أحد الأجداد الذي مازال على قيد الحياة من أجل أن يتطلع الطفل إلى الجد الحي كمرشد موجه خاص. هذا ويتجنب الكثير من اليهود تسمسة الطفل بإسم أبيه كما هو الحال لدى معظم المسلمين والمسيحيين.
لم تفسر الديانة اليهودية سبب كون الختان علامة العهد الرباني فوق ما جاء في سفر التكوين من المثال والأمر الموجه إلى إبراهيم. وينطبق فقط على الوليد الذكر. لا تعرف اليهودية ختان الأنثى ولا تشويه الأعضاء الجنسية بأي شكل من الأشكال. لكن هذا لا يعني أن الإناث مستبعدات من الميثاق. وبالعكس فإن الميثاق الإلهي يشمل كل اليهود. لكن طقس الختان والحفل الخاص به يدوران حول الذكور فقط. وتعلن في العادة ولادة الأنثى في الكنيس لكن بصخب وحماس أقل بكثير من ولادة الذكر. ولقد بدأت حركة في أواخر السبعينات من القرن الماضي بالقيام بطقس الترحيب بولادة الإناث في المجتمع على غرار ״بريت ميلاه״ والاحتفال بالمواليد الذكور. لقد اتخذ هذا الاحتفال أشكالا مختلفة، ولم يتم تقنينه إلى الآن، لكنه قد أصبح شائعا إلى حد ما في عدد من المجتمعات.
يتم الدعاء للجنسين بالهداية الإلهية لضمان تربيتهما على سنة التوراة وأن يتزوجا ويسيرا على التقليد، وأن لا يتوقفا أبدا عن أعمال الخير والمحبة. يتلو الأب في احتفال ״بريت״ هذا الدعاء: ״تبارك الله الذي أمرنا بإدخاله في عهد أبينا إبراهيم״ ويجيب الحاضرون بصوت جماعي: ״وكما يدخل في العهد، ليدخل كذلك في دراسة التوراة والامتثال بها والزواج والأعمال الصالحة״.

بار متسفاة/ بات متسفاة (البلوغ)
يبدأ الأطفال المدرسة في سن مبكرة، ويتوقع منهم دراسة التوراة والنمو في تحقيق الحياة اليهودية. يبدأ المراهقون في النضج فكريا وجسديا ويتوقع منهم في هذه المرحلة من التطور أن يتحملوا مسؤولية أفعالهم، وأن يساهموا في رفاهية المجتمع الكبير. عندما يبلغ الولد ثلاث عشرة سنة يصبح ״بار متسفاة״ أي ״مسؤولا حسب الشريعة״, هذا يعني أنه وصل إلى البلوغ الشرعي، ومطالب الآن أن يقوم بالواجبات الدينية التي يقوم بها الكبار. ويمكن عده الآن من النصاب الشرعي في العبادة. يتوقع من ״بار متسفاة״ أن يصوم في عيد الغفران (يوم كيبور) وأن يقوم بأداء الشعائر والواجبات الأخلاقية الأخرى.
يتم الاعتراف الرسمي بالولد كبارمتسفاة باستدعائه لقراءة التوراة بعد بلوغه الثالثة عشرة بوقت قصير، ويبرهن عن مهارته بترتيل الأدعية المطلوبة أمام جماعة المصلين وبالإنشاد من التوراة والقراءة من سفر الأنبياء. يتوقع منه أن يدرس التوراة للمجتمعين بتحليل ومناقشة النصوص التي قرأها، وقد يقود أيضا جزءا من الصلوات الجماعية. وبإمكانه منذ ذلك الحين أن يشارك ويقيم أي من الشعائر اليهودية التي يبين قدرته عليها. وبالرغم من أن الاحتفال بهذا الحدث المهم في حياة اليهودي كان تقليديا مقتصر على الصلاة في المعبد اليهودي، فلقد أصبحت العادة في كثير من الأحيان الاحتفال بعد ذلك بمأدبة سارة مصاحبة في بعض الأحيان بالموسيقى والرقص.
كان الاعتراف بالبلوغ الشرعي ينطبق حتى وقت قريب على الأولاد فقط. لكن قد بدأ الاعتراف ببلوغ البنات أكثر فأكثر في النصف الثاني من القرن العشرين ״بات متسفاة״ (ينطق أحياناً باس متسفاة). وكما تعلمنا في الفصل العاشر لقد استبعدت الديانة اليهودية النساء من المشاركة في معظم الشعائر الدينية، مع أن هذا الموقف قد تغير كثيرا خلال الأجيال القليلة الماضية، فلقد أصبحت النساء الآن في الطوائف اليهودية الليبرالية ملزمات على قدم وساق مع الرجال ويتوقع منهن أن ينخرطن في الأنشطة القيادية والشعائرية نفسها. تتمسك اليهودية الأرثوذكسية بفصل الجنسين فيما يتعلق بالواجبات والشعائر، لكن حتى الارثوذكسية تعترف بتطور نوع من ״بات متسفاة״ للبنات. وبالرغم من أنه لا يسمح لهن بالقراءة العلنية من التوراة، فإنهن يبرهن على تعليمهن وعلمهن بطرق أخرى. تصبح البنات بات متسفاة في السن الثانية عشرة نظرا لأنهن ينضجن فكريا وجسمانيا قبل الأولاد.

الزواج
لقد سبقت الإشارة إلى أن الزواج بالعبري هو ״قدوشين״ بمعنى ״قداسة״. فالعلاقة الزوجية مقدسة. فهو ليس فقط للإنجاب أو العشرة بالرغم من أنها من المظاهر المهمة في الزواج. فقد جاء في التلمود ״إن من لم تكن له زوجة ليس برجل حقيقي״. يعيش الرجل غير المتزوج ״بلا بهجة ولا بركة ولا توراة، ولا حماية ولا سلام״ (يفموت 62 ب – 63 أ). إن الرغبة الجنسية ليست شرا ولا عارا لكنها قد تكون خطيرة. ومن أجل هذا يجب أن تنظم من خلال مؤسسة الزواج. فالدافع الجنسي، حسب التقليد، مفيد وجيد للفرد وللمجتمع بشرط أن يكون منظما تنظيما سليما: ״لولا فضل الدافع الجنسي (يتسير هاراع) لما بنى أي واحد بيتا ولا تزوج ولاخلف״ (تكوين رباه 9: 7). إن من يفشل في الإنجاب بسبب إنكاره للدافع الجنسي ״كمن أراق الدم، وقلل من طبيعة الله وساهم في إخراج حضور الله من إسرائيل״ (شولحان عروخ، ها إيزر 1: 1).
إن تعدد الزوجات مسموح به في الديانة اليهودية، ويصف العهد القديم أنبياء وشيوخ بأكثر من زوجة. ولكن بالرغم من شرعية التعدد، يبدو أن الزواج الأحادي هو القاعدة في كل من العهد القديم والتلمود. تفترض كثير من النصوص زوجة واحدة فقط51. وليس التعدد معروفا على وجه التقريب بين حاخامات التلمود. وكانت احتمالات اتخاذ اليهود أكثر من زوجة واحدة كبيرة في العالم الإسلامي نظرا للسماح بتعدد الزوجات في الإسلام. ولقد منع الحاخامات التعدد في العالم المسيحي الذي يحرم تعدد الزوجات من أجل تجنب الإدانة واحتمال الانتقاد من قبل المسيحيين.
على الزوج في الشريعة اليهودية توفير الطعام والكسوة والمعاشرة لزوجته (الخروج
21: 10). وعليه أن يمتنع من إشباع حاجاته الأساسية عند الضرورة من أجل توفير ما يلزم لزوجته وأطفاله (التلمود حللين 84 ب). الطلاق مباح، لكن لا يتم تشجيعه. الزوج فقط هو الذي يمنح الطلاق رسميا، لكن يمكن أن تلجأ الزوجة إلى محكمة شرعية للضغط على الزوج العنيد ليقوم بذلك من خلال العقوبات. وبالرغم من أن الديانة اليهودية تسمح بالطلاق فلا يوجد فيها دليل على الزواج المؤقت (زواج المتعة) كالذي حدث في الإسلام.
وعلى نحو تقليدي يعطي الزوج لعروسه كتوباة (عربي: كتاب عقد الزواج) وهو وثيقة الزواج يضمن لها الأمن الاقتصادي في حالة وفاة الزوج المبكرة أو الطلاق. إن هذه الممارسة متحدرة من ״موهار״ التوراتي (الخروج، 22: 16، عربي: مهر)، يعتبر ملكا شرعيا للعروس كما يضمن لها وثيقة الزواج (كتوباة). للزوجة حق التملك وإدارة الملكية. يميل عقد الزواج في الزيجات الحديثة بين اليهود غير الأرثوذكس أن يركز على الجوانب العاطفية والروحية بدلا من الجوانب الاقتصادية وواجبات الزوج والزوجة تجاه بعضهما البعض.
إن حفل الزواج بسيط ويتم الاحتفال به تحت ظلة (حوباه) ترمز إلى بيت الزوجين الجديد ويقام اليوم الحفل عادة في الهواء الطلق بدلا من الكنيس، وبالإمكان الاحتفال به في أي مكـان معقول. يمكن لأي يهودي بالغ أن يقود مراسيم الزواج، بالرغم من عادة قيام الحاخام بذلك اليوم. ولكي يكون الاحتفال ملزما، فلا بد أن يكون عقد الزواج موقعا من قبل شاهدين لا تربطهما علاقة دم بالعريس أو العروس.
يشتمل الحفل الفعلي على جزئين يسمى الجزء الأول إيروسين (خطوبة). وفي الأيام الغابرة يدخل الشاب والبنت في معاهدة الارتباط بينهما في هذا الاحتفال العلني، ويعود كل منهما لبيت أهله للانتظار شهورا أو سنوات حتى يتم الزواج. يتمم الجزء الثاني، ״قدوشين״ (التقديس) عملية مراسم الزواج. أما اليوم يدمج الجزءان المنفصلان في الأصل في حفـل واحد.
يشتمل جزء الخطوبة (״إيروسين״ مرتبط بالكلمة العربية للزواج ״عرس״) على دعائين لحمد الله وشكره على مؤسسة الزواج. يتم ״ختم״ وتأكيد الصفقة بالرشف المشترك بين الخاطبين من كأس من الخمر كما هي العادة في عدد من الطقوس اليهودية. ويبدأ في هذه النقطة جزء القدوشين الذي يضع فيه العريس خاتما في إصبع العروس ويرتل بالعبري ما يلي: ״مع هذا الخاتم أنت في ذمتي حسب شرائع وتعليمات موسى وشعب إسرائيل״. ولقد كان الحفل في الأيام الغابرة يؤكد على الملأ أن العروس محرمة على الآخرين طوال فترة الزواج. ولقد جرت العادة في العصر الحديث، حيث أصبح تعدد الزوجات بين اليهود غير موجود تقريبا، أن تعطي المرأة كذلك خاتما للرجل لتكون العلاقة بذلك متبادلة. بعد حفل تبادل الخواتم تتم القراءة العلنية لوثيقة الزواج (كتوباة). ويتبع هذا إنشاد سبع تبريكات بحمد الله وشكره على خلق الرجل والمرأة. والهدف منها هو دوام حياة الزوجين معا في المودة والسعادة. ولتأكيد هذه التبريكات يرتشف العريس والعروس من كأس خمر جديدة، وينتهي الحفل بدوس العريس (أو كلاهما) على الكأس وتحطيمها. وبذلك يتذكر الزوجان تدمير هيكل بيت المقدس حتى في لحظة سعادتهما الكبرى. وينتهي الحفل باعتبار الاثنين متزوجين. ويتبع ذلك وليمة واحتفاء تختلف تفاصيلها من مكان إلى مكان، ومن مجتمع إلى مجتمع.
تأمر التوراة بني الإنسان أن يثمروا ويتكاثروا (التكوين 1: 27ـ28) وعلى المتزوجين أن ينجبوا إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا. لقد كان عدم القدرة على الإنجاب من أسباب الطلاق في العصور القديمة. إن منع الحمل مباح في تقليد الديانة اليهودية تحت ظروف معينة، وبعد أن قد تم تأسيس الأسرة. يمنع التقليد اليهودي الإجهاض بسبب الملاءمة، لكن عندما يكون الحمل شاقا وحياة الحامل في خطر فإن الإجهاض يكون واجبا. فحياة الأم تأخذ أولوية مطلقة على حياة الجنين حتى في أواخر مراحل التطور – بل حتى إلى غاية وقت الولادة نفسه (المشناة، أوهالوت 7: 6). تعتبر حياة الجنين حياة لكن ليست حياة كاملة إلى حين دخول عملية الولادة المتأخرة جدا.
لقد كان للممارسة المعروفة بطهارة الأسرة أثر قوي خصوصا على الأرثوذكس وكان معسكر بني إسرائيل مقدسا في أثناء التيه في الصحراء بعد نزول التوراة من على جبل سيناء لكن قبل دخولهم أرض إسرائيل. وكان لا بد لوظائف الجسم أن تتم خارج المعسكر وكان مطلوبا من الرجال والنساء البقاء خارجا إذا كانوا في وضع النجاسة المسمى ״تومعاه״ يسمح لهم بالدخول ثانية بعد مشاركتهم في عملية التطهير المعروفة ״بالطهارة״. وكان من أسباب النجاسة الخروج اللاإرادي لإفرازات الجسم. وبذلك فإن الرجل الذي أفرز سائله المنوي ليلا يعتبر نجسا وكذلك المرأة إذا حاضت (اللاويون 15). وتضيف التوراة بأن الجماع مع الحائض حرام لإن ذلك ينقل النجاسة (اللاويون 15: 24، 2: 18).
لقد تم التخلي عن معظم القواعد القديمة المتعلقة بالطهارة في الممارسة اليهودية بعد تدمير الهيكل، لكن الأحكام المتعلقة بفترة الحيض ما تزال سارية المفعول. يمنع نكاح المرأة في أثناء فترة حيضها ولفترة مباشرة بعده. تقوم المرأة بالغطس تماما في بركة مبنية خاصة لهذا الغرض تسمى ״مكفيه״ (لكن بإمكانها أيضا استعمال النهر أو البحر)، عندما تكون مستعدة وبعد ذلك تكون مباحة لزوجها. يلتزم اليهود الأرثوذكس بهذه العادة بشكل صارم، لكن الطوائف اليهودية الليبرالية أقل صرامة. إنه من المؤثر ملاحظة أوجه التشابه مع الإسلام فيما يتعلق بالطهارة والنجاسة المرتبطة بإفرازات الجسم التي تضع المرء في وضع غير مطهر، وتضع قيودا على المرأة خلال فترة الحيض. وبالإضافة إلى هذه البنود للطهارة والنجاسة فإن اليهود مازالوا متمسكين بعادة غسل اليدين قبل قراءة الدعاء على الخبز. وقد جاءت هذه العادة من عملية الطهارة القديمة التي كان يقوم بها الكهنة قبل تقديم القربان في الهيكل.

التقدم في السن
هناك مقولة مشهورة في التلمود تنسب إلي الحاخام يهودا بن تيما:
في الخامسة (يكون الطفل مستعدا) لدراسة التوراة.
في العاشرة للمشناة
في الثالثة عشرة (مسؤولية الالتزام) للأوامر والفروض.
في الخامسة عشرة للتلمود
في الثامنة عشرة للزواج
في العشرين للكسب
في الثلاثين لبلوغ أشده
في الأربعين لبلوغ الفهم
في الخمسين لإسداء المشورة
في الستين للعمر المتقدم
في السبعين لدخول الشيخوخة
في الثمانين يعكس العمر القوة
في التسعين للانحناء من جراء ثقل السنين
في المائة كأن المرء مات وذهب منسحباً من العالم
يعكس هذا النص النظرة اليهودية لمدار الحياة: التقدم في العمر هو وقت للنضج والفهم وهو وقت لإبداء المشورة، لكنه أيضا الوقت الذي يبدأ فيه الإنسان بالتخلي عن الزعامة في الأمور اليومية. ورد في أحد المزامير أن المستقيمين ״يثمرون أيضا في الشيخوخة، ويظلون موفوري العافية والنضرة ليشهدوا أن الرب مستقيم وليس فيه سوء (مزمور 92: 15ـ16). فالديانة اليهودية تعتبر الشيخوخة فترة الوقار والهيبة. وتأمر التوراة بالقول: ״قف في حضرة كبار السن، ووقر الشيوخ، واتق إلهك״ (اللاويون 19: 32). الكلمة العبرية لكبير السن هي ״زكين״ من اللحية (زكان، عربي: ذقن). يعرف التلمود ״زكين״ بالشخص الذي يحفظ التوراة (قدوشين 32 ب). فهي فترة الحياة التي تكسب الشخص الاحترام.
تعتبر مرحلة الشباب في العالم الحديث مرحلة الجمال والقوة بينما نجد أن كبار السن عادة يشعرون فيه بالرفض باعتبارهم قدامى وهامشيين. لا تقبل الديانة اليهودية هذا، مثلها في ذلك مثل الإسلام. يتلقى كبار السن الدعم من المجتمع ويشجعون على المشاركة والمساهمة بالنصائح. فالأسرة والمجتمع يتحملان المسؤولية على كبار السن ويعملان لتبقى مساهماتهم مفيدة وحياتهم مريحة على الصعيدين الجسماني والاجتماعي.

الموت والحداد
الموت طبعا شيء مخيف، لكن الديانة اليهودية تعده جزءاً من الحياة ومن العالم الذي خلقه الله. تذكر الصلوات اليومية الله بأنه هو ״الذي يسبب الحياة والموت״ (مميت ومحيي)، التعبير ذاته الموجود في القرآن (يحيي ويميت، مثلا 3: 156، 15: 23، 5: 43).
لا توجد قوة عليا أو شريرة يدخل الله معها في صراع، إن الله ليس في صراع مع قوة عليا أو شريرة. وبالعكس فإن الله هو مصدر الحياة ومصدر الممات. لكن هناك أمل بأن الله سيقضي على الموت يوما ما: ״ سيدمر الموت إلى الأبد. إن ربي الله سيمسح الدموع عن كل الوجوه (إشعياء 15: 8).
يعتبر البعث ويوم القيامة عنصراً أساسيا في الديانة اليهودية. وبالرغم من أن هذه المفاهيم غير مبينة في التوراة، فإنها بالتأكيد جزء كامل من التلمود. لكن لا تركز اليهودية على الجنة وجهنم، لأن من واجب الإنسان اتباع أوامر الله انطلاقا من محبته لله، وليس بسبب إغراء الجزاء أو خوف العذاب. فعلى سبيل المثال، إن وصف جهنم ليس مفصلا في الديانة اليهودية لكنها تعتبر مكانا بإمكان المرء أن يكفر فيه عن ذنوبة. وحسب التقليد اليهودي فإن الأشرار سيذهبون إلى جهنم ويكفرون عن سيئاتهم هناك وسيخرجون منها بعد سنة من العذاب.
لقد اختلف حكماء التلمود حول بعض المسائل مثل طبيعة الجنة وجهنم، والبعث، والآخرة. ولقد قرروا أنه من الأفضل أن لا يتم ضياع وقت وطاقة كبيرة في تحليل طبيعتها ومعناها نظرا لأن هذه المسائل لا يمكن فهمها أبدا؛ فمن الأفضل أن يكرس الإنسان نفسه لتحسين هذا العالم وتحسين سلوكه فيه. ومع هذا فإن التلمود قد أعطى بعض العزاء في الفترة الانتقالية من هذه الحياة إلى الحياة الأخرى. وعلق التلمود على النص: ״أيها الرب السيد، يا قوة خلاصي، أنت وقيت رأسي في يوم القتال (نشيك) (المزمور 14: 8) بالسؤال ما هو يوم القتال؟ تقول إحدى الأجوبة على هذا السؤال: ״ هو اليوم الذي يُقبل فيه العالمان بعضهما البعض (نوشكين). يذهب هذا العالم ويدخل عالم الآخرة (يروشلي يفموت 15: 2).
تدعو الديانة اليهودية إلى بذل كل المجهودات لمعالجة المرضى وإلى الامتناع عن كل ما من شأنه أن يعجل الوفاة، ومن جهة أخرى فإنه من المقبول إزاحة العوائق عن الموت. وردت قصة في التلمود عن حكيم كان يحتضر وحال دونه الوفاة صلوات زملائه الذين كانوا يصلون بدون انقطاع. امتدحت خادمة الحاخام بسبب إسقاط جرة احدثت ضجة أروعت الزملاء وقاطعت صلواتهم لمدة كافية لإزهاق روح الحاخام (كتوبوت 1.4 أ). وحسب بعض أهل العلم في الشريعة اليهودية، فإن هذا يعني بأنه لا مانع بالسماح من فصل الأجهزة الطبية المغذية عن المريض الذي يحتضر تحت ظروف معينة، لكن هذه القضايا معقدة. فكل حالة لها ظروفها الخاصة تؤخذ بعين الاعتبارعند اتخاذ القرار.
وعندما يقترب الشخص من الموت (ذكرا أو أنثي) ويبدأ بلفظ أنفاسه الأخيرة، فإن الحاضرين يقومون بمساعدته على النطق بـ״شماع  يسرائيل״، الكلمات العبرية التي تؤكد وحدانية الله، وهذا مشابه للممارسة الإسلامية في قراءة الشهادة عند الوفاة. سيلاحظ القارئ المسلم عددا من أوجه التشابه بين الممارسات اليهودية والإسلامية في دفن الموتى من غسل الجثة إلى وجوب مصاحبة الميت إلى مثواه الأخير وبساطة الدفن.
ومن العادات عند السماع بوفاة، قراءة الكلمات ״باروخ ديان هإميت״، أي ״هو الحي الباقي״. ويقوم الحزين بعد ذلك بإحداث شرخ بسيط في لباسه كعلامة. لا تترك جثة الميت أبدا بمفردها حتى الدفن. إنها ״مراقبة״، حتى في مكان تجهيزها، وذلك احتراما لها وحمايتها من إمكانية التدنيس في آن واحد.
تعتبر الجثة نجسة ويكون من لمسها نجسا. فلا بد من غسلها وكفنها في كفن أبيض بسيط قبل دفنها. تسمى هذه العملية ״الطهارة״. والتعطير غير مقبول لأنه يؤخر عملية التحلل الطبيعي.
توضع الجثة المكفونة مباشرة في القبر في بعض الأماكن. وفي معظم الأماكن توضع الجثة في تابوت مغلق من خشب بسيط لأن اليهودية لا تقبل بتابوت مفتوح. الموت هو أكبر ظواهر المساواة والتوابيت الفخمة ليست من علامات الإيمان. إن هذه المتطلبات مبنية على المقطع ״فمن تراب أخذت، وإلى تراب تعود״ التكوين 3: 19، انظر القرآن 2: 55). تدفن الجثة خلال أربع وعشرين ساعة كلما كان ذلك ممكنا. إن إحراق الجثة غير مسموح به في الديانة اليهودية التقليدية نظرا لتوقع عودة الجسد إلى التراب لكن اليهود الليبراليين قد يختارون إحراق الجثة.
تعتبر مصاحبة الجثة أمرا في غاية الأهمية الى درجة أن الحكماء والحاخامات مطالبون بمقاطعة دراستهم للتوراة للقيام بذلك (كتوبوت 17أ). إن مراسيم الجنازة التي تتم عادة في المقبرة بسيطة إلى حد ما. إنها تشتمل على صلاة الميت الله الرحمن الرحيم (إيل مليه رحاميم) وعلى صلاة الترحم. أضيفت بعض المزامير من التوراة عبر القرون وتلقى عادة كلمة في رثاء الميت كذلك.
يؤخذ التابوت بعد ذلك ويوضع في القبر. يمزق أهل الميت بعض الأحيان ثيابهم في هذه المرحلة ويرددون ״تباركت أنت أيها القاضي الحقيقي״ ويقوم أهل الميت وأقرباؤه بإلقاء التراب على التابوت إما حفنة أو مجرفة لكل شخص. يتم ترتيل القاديش مرة أخرى، وبعدها يشكل المجتمعون صفين من المواسين ويقوم المنكوبون بالمشي في الجناح الذي تم تشكيله ويردد الحاضرون ״الله يؤاسيكم مع الذين يندبون صهيون والقدس״ ويصب النادبون وأصدقاؤهم الماء على أيديهم كنوع من الطهارة عند مغادرتهم المقبرة. ويسير الموكب إلى بيت الحداد الذي هو بيت أحد أقرباء المتوفى المختار ليكون مركز الحداد للأيام السبعة المقبلة المعروفة ب ״شفعاة״.
الحداد عملية، والحداد الخالص هو الذي يسمح لأولئك الذين يشعرون بالخسارة العميقة أن يحزنوا بشدة، لكن ليس وحدهم، ويشجعهم الأقارب والأصدقاء على التغلب على أحلك أوقاتهم والرجوع ثانية إلى المجتمع معترفين بالخسارة التي أصابتهم، لكنهم يستعدون للتحرك في الحياة. وتعترف الديانة اليهودية بأن لهذه العملية عدة مراحل، المرحلة الأولى، المسماة ״الفجع״، هي مرحلة بين العلم بفقدان المحبوب والدفن. فخلال هذه الفترة القصيرة لا يتوقع من النادب اتباع أي من الأوامر باستثناء اتخاذ إجراءات الدفن. ففي هذا الوقت العصيب لا يستطيع فيه المفجوع تقبل المواساة ولا يتوقع من أحد مواساته. ويقول التقليد ما يلي، ״لا تواسي صديقك في الوقت الذي يكون فيه فقيده ممددا أمامه״ (أفوت 4: 23). تقوم مراسم الجنازة والدفن بالتخفيف والسلوان عن النادبين وهم ينظرون إلى جثة محبهم تتوارى في القبر.
المرحلة التالية هي فترة الأيام السبعة المعروفة ب ״شفعاه״ هذه فترة الحداد العميق. تضاء شمعة على شرف المتوفى في البيت وتغطى كل المرايا. لا يسمح للنادبين بالعلاقات الزوجية أو بقص الشعر والحلاقة والعمل في مهنهم أو حتى بدراسة التوراة باستثناء النصوص المتعلقة بالتأسف والحزن. ومن المتوقع أن تأخذ الخسارة والحزن كل أفكارهم في تذكر المفقود الغالي. لا يكون أهل الحداد وحدهم في أثناء هذه الفترة لأن المجتمع المحلي يأتي إليهم بالأطعمة ويواسيهم بالطريقة التقليدية. لا يستقبلون الزوار. فالزوار يدخلون البيت بكل هدوء ويهيئون الطعام لأهل الحداد والضيوف ويجلسون بهدوء لإتاحة الفرصة للنادبين أن يتحدثوا عن الميت ويعبروا عن حزنهم أو عن أي شعور آخر، ويشجعونهم على التعبير عن مشاعرهم وعلى الأكل. يتم تأدية الصلوات اليومية في بيت الحداد لضمان بأن النادبين يستطيعون قراءة القاديش، وهي صلاة لحمد الله تتلى بمناسبة الوفاة.
المرحلة التالية هي ״شلوشيم״ وتنتهي في ثلاثين يوما بعد الدفن (ثلاثة وعشرون يوما بعد الشفعاه). فالبيت، خلال هذه الفترة، لم يعد مليئا بالزوار الذين يأتون بالطعام. الكل يعود إلى عمله وإلى الكنيس، ويستأنف الحياة الطبيعية في الغالب، لكنهم لا يستطيعون قص الشعر واللحية بعدُ، ولا الخروج للمتعة والحفلات أو الزواج. تعتبر هذه فترة انتقالية بين الحزن العميق وبين الفترة التي تعود فيها الحياة إلى مجراها الطبيعي، ويستمر الأهل والأصدقاء في الزيارة والمؤاسات.
ينهي إتمام الشلوشيم فترة الحداد إلا بالنسبة للأولاد الذين يستمرون في الحداد على أبويهم مدة سنة. يتخلى بعضهم عن الحلاقة طوال المدة لكن ذلك ليس واجبا. بإمكانهم حضور المهرجانات والاحتفالات لكن يتلون ״القاديش״ يوميا في الصلوات التي يتم فيها النصاب الشرعي. تشتمل هذه المدة السنوية في الحقيقة على أحد عشر شهرا لأنه حسب التقليد فحتى المذنبون الذين ارتكبوا خطايا فظيعة يجازون لا محالة يوم القيامة بعد أحد عشر شهراً.
تنتهي فترة الحداد رسميا بوضع حجر كعلامة على رأس القبر. يحيي أولاد المتوفى ذكرى آبائهم بتلاوة القاديش وإضاءة شمعة أربعاً وعشرين ساعة وسيلتحقون بـ ״يزكور״ وهو رسم خاص لذكرى الموتى يقام آخر يوم أعياد الحج وفي يوم الغفران.