معنى الإلحاد وأقسامه

الاستاذ / احمد خالد الطحان

تعريف الإلحاد:

تحرير المعنى نصف الفهم، لذا من المهم تحديد مفهوم اللفظ لغةً واصطلاحاً، وكلمة الإلحاد كلمة عربية فصيحة، قال ابن فارس: اللام والحاء والدال أصلٌ يدلُّ على ميل عن استقامة. يقال: ألْحَدَ الرجل، إذ مال عن طريقة الحقِّ والإيمان. وسُمِّي اللَّحدُ لأنه مائل في أحد جانبي الجَدَث. يقال: لحَدْت الميِّتَ وألحدت. والمُلْتَحَد: الملجأ، سمِّي بذلك لأن اللاجئ يميل إليه.[1]

قال الأزهري: معنى الإلحاد في اللغة: الميل عن القصد. وقال الليث:: ألحد في الحرم إذا ترك القصد فيما أمر به ومال إلى الظلم وأنشد:

لما رأى الملحد حين ألحما ♦♦♦ صواعق الحجاج يمطرن دما[2]

فالإلْحَاد: العُدُول عن الاستقامة والانحراف عنها

وأَلْحَدْتُ: مَارَيْتُ وجَادَلْتُ، قوله تعالى: ﴿ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ ﴾ (الحج 25) أَي انحرافا بظلم، وقد أَلْحَد في الحَرَمِ: تَرَكَ القَصْدَ فيما أُمِرَ به ومالَ إلى الظلم، وألحد في الحرم: أشرك بالله تعالى، وقيل: الإلحاد فيه: الشك في الله، وأصل الإلحاد الميل والعدول عن الشيء، و لاحد فلان فلانا: اعوج كل منهما على صاحبه ومالا عن القصد. والملتحد: الملتجأ و الملجأ، أي لأن اللاجئ يميل إليه، قال تعالى: ﴿ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا ﴾ [3]

فوائد من التعريف:

إذا كان التعريف العام للإلحاد يعني: الميل والعدول عن الطريق القويم، فهذا يعني أن كل تَرْكٍ للدين وهَجْر لأحكامه هو نوع إلحاد، ومن ثم فالإلحاد يشمل كل أنواع الكفر والشِّرك بالله تعالى، والميل والحيدة عن أوامره وأحكامه جل وعلا، والتجرؤ على نواهيه سبحانه.

وهذا المعنى هو الذي جاء في كتاب الله تعالى في قوله جل شأنه: ﴿ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ ﴾ (الحج 25).

قال الإمام الطبري رحمه الله: ” يقول تعالى ذِكْرُه: ومن يرد فيه إلحادا بظلم نذقه من عذاب أليم، وهو أن يميل في البيت الحرام بظلم… واختلف أهل التأويل في معنى الظلم الذي من أراد الإلحاد به في المسجد الحرام، أذاقه الله من العذاب الأليم، فقال بعضهم: ذلك هو الشرك بالله وعبادة غيره به… وقال آخرون: هو استحلال الحرام فيه أو ركوبه… عن ابن عباس، قوله: ﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ (الحج: 25) يعني أن تستحل من الحرام ما حرم الله عليك من لسان أو قتل، فتظلم من لا يظلمك، وتقتل من لا يقتلك، فإذا فعل ذلك فقد وجب له عذاب أليم… وقال آخرون: بل ذلك احتكار الطعام بمكة… وقال آخرون: بل ذلك كل ما كان منهيا عنه من الفعل، حتى قول القائل: لا والله، وبلى والله… وأولى الأقوال التي ذكرناها في تأويل ذلك بالصواب القول الذي ذكرناه عن ابن مسعود وابن عباس، من أنه معني بالظلم في هذا الموضع كل معصية لله، وذلك أن الله عَمَّ بقوله ﴿ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ ﴾ (الحج 25) ولم يخصص به ظلم دون ظلم في خبر ولا عقل، فهو على عمومه. فإذا كان ذلك كذلك، فتأويل الكلام: ومن يرد في المسجد الحرام بأن يميل بظلم، فيعصي الله فيه، نذقه يوم القيامة من عذاب موجع له. ” [4]

فمجيء كلمة الظلم بعد كلمة الإلحاد أبانت معناها ومرماها من كونها: الميل عن الحق إلى الباطل والضلال.

فكل ملحد هو مائل عن الحق إلى الباطل، وليس من المكرمات أو المفاخر أن ينتسب أحد للإلحاد، بل مَعَرَّة بغير علم وضلال وخسران، ومن قال عن نفسه: ملحد = فالمعني ضال كما تبين.

وقال الله سبحانه: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ (الأعراف:180).

قال الإمام الطبري رحمه الله:” وأما قوله: ﴿ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ﴾ (الأعراف:180)، فإنه يعني به المشركين، وكان إلحادهم في أسماء الله، أنهم عدلوا بها عما هي عليه، فسموا بها آلهتهم وأوثانهم، وزادوا فيها ونقصوا منها، فسموا بعضها “اللات” اشتقاقا منهم لها من اسم الله الذي هو “الله”، وسموا بعضها “العُزَّى” اشتقاقا لها من اسم الله الذي هو “العزيز” [5]

وقد نقل عن ابن عباس وقتادة أن الإلحاد هو التكذيب والشرك وقوله “يلحدون” أي يشركون ثم قال:” وأصل الإلحاد في كلام العرب: العدول عن القصد، والجور عنه، والإعراض. ثم يستعمل في كل معوج غير مستقيم، ولذلك قيل للحد القبر: لحد، لأنه في ناحية منه، وليس في وسطه ” [6]

فكلمة الإلحاد جاءت في القرآن بمعنى الشرك والتكذيب.

وقد وردت كلمة الإلحاد ومشتقاتها في القرآن في مواضع عديدة كما في، سورة النحل: ﴿ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ ﴾ (النحل:103).

سورة فصلت: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمَّنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ (فصلت40).

وكلمة الإلحاد في القرآن لا تأتي بمعنى الإلحاد بالمفهوم الحالي (المعاصر) المتعارف عليه. وكذلك الشخصيات المذکورة في القرآن من الذين كانوا لا يؤمنون بالرسالة النبوية كانت شخصيات غير ملحدة (بالمفهوم المعاصر) بل کانوا يؤمنون بتعدد الآلهة “مشركون” فرغم اعتقادهم بوجود الإله الأوحد فإنهم كانوا في نفس الوقت يؤمنون بأن التماثيل التي كانوا يعبدونها باستطاعتها الشفاعة لهم عند الإله الأعظم: ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ (العنكبوت 61).

وفكرة إنكار وجود الخالق من الأساس فكرة مستبعدة تماما في كل العصور، لأن الإنسان فُطِر على وجود إله خالق، وهذه حقيقة لا ينكرها حتى الملحد، لكنه يعاند ويكابر ﴿ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّا ﴾ (النمل:14)، يقول المؤرخ الإغريقي بلوتارك: “لقد وُجِدَت في التاريخ مدن بلا حصون، ومدن بلا قصور، ومدن بلا مدارس، ولكن لم توجد أبدا مدن بلا معابد”.[7]

ولقد اغتر كثير من الباحثين بكتابات المستشرقين عن الإلحاد وساروا في ركابهم فأصبحوا يرددون:” إن كلمة الإلحاد هي ترجمة لكلمة إغريقية قديمة وهي atheos وكانت هذه الكلمة مستعملة من قِبَل اليونانيون القدماء بمعنى ضيق وهو عدم الإيمان بإله وفي القرن الخامس قبل الميلاد تم إضافة معنى آخر لكلمة إلحاد وهو إنكار فكرة الإله الأعظم الخالق “.

ثم قسموا الإلحاد قسمين:

” الأول: إلحاد قوي أو إلحاد موجب وهو نفي وجود إله (إلحاد نفي).

الثاني: إلحاد ضعيف أو إلحاد سالب وهو عدم الاعتقاد بوجود إله.

فالفرق بين الملحد الموجب والسالب – عندهم – هو أن الملحد الموجب ينفي وجود الله تعالى، وقد يستعين بنظريات علمية وفلسفية لإثبات ذلك، بينما الملحد السالب يكتفي فقط بعدم الاعتقاد بالله نظرا لعدم قناعته بالأدلة التي يقدمها المؤمنون.” [8]

وهذا كله كلام – لو ناقشناه بمبدأ الملحدين المادي – لا زمام له ولا خطام، ولا دليل عليه ولا برهان، بل هو (تنظير هروب) حتى يتوهم الناس أن لهم تقسيمات ونظريات ويكون كلامهم أشبه بكلام أهل العلم…!!

والحق الذي لا مِرية فيه عندنا نحن المسلمين: أن الإلحاد ظهر قبل اليونانيين القدماء بل وقبل كل القدماء الأقدمين، نعلمه من ديننا علم اليقين، وقد سجل القرآن الكريم معالم الإلحاد الأولى وحكاها تفصيلا وتحذيرا فقال رب الأرباب سبحانه: ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾ (البقرة: 34) وقال تعالى: ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً ﴾ (الكهف 50 )، وقال جل وعز: ﴿ فَسَجَدَ الملائِكَةُ كُلُّهُم أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾ (ص: 75،74).

فإبليس الملعون هو أبو الملحدين ففي آيات البقرة وص ” وكان من الكافرين ” وفي آية الكهف ” ففسق عن أمر ربه ” فالفسق والكفر هما أصل الإلحاد وعينه، وهذه هي بذرة الإلحاد الأولى.

والنَّابِهُ لا يَأْبَهُ لكلام المستشرقين عن الإلحاد، لأنهم ملحدين!! وحدود علمهم فَلْسَفَات اليونانيين القدماء والإغريق، ومعظمها تُرَّهات بَتْرَاء، عَرْجاء عمياء شوهاء، لا اتصال لها ولا إسناد، ولو اتصل إسنادها، فقد كفانا خبر السماء عما تحت أديمها.

كما أن فلاسفة اليونان والإغريق هم من أسسوا لمنهج الشك الإلحادي، فكانوا يشُكُّون في الثوابت والمُسَلَّمات، شكٌ من أجل الشك، فكان الشك عندهم نوع رياضة من رياضات العقل، وسوف يتبين فساد ذلك في أنواع الإلحاد.

فإبليس هو أول من ألحد وجاء الوصف في القرآن الكريم بالكفر والفِسْق،

والكُفر لغة: الستر قال ابن فارس في مادة (كفر): الكاف والفاء والراء أصل صحيح يدل على معنى واحد، وهو الستر والتغطية، وإذا أطلق الكفر في الدين فيعني الجحود والعصيان.

قال الإمام الطبري رحمه الله:” معنى الكفر في قوله: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ فإنه الجحود. وذلك أن الأحبار من يهود المدينة جحدوا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وستروه عن الناس وكتموا أمره، وهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم.

وأصل الكفر عند العرب: تغطية الشيء “[9]

أما الفسق فهو الخروج والعدول لغة واصطلاحا، قال الإمام الطبري رحمه الله:” وقوله: ﴿ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ﴾ يقول: فخرج عن أمر ربه، وعَدَلَ عنه ومَالَ … وكذلك الفِسْق في الدين إنما هو الانعدال عن القصد، والميل عن الاستقامة، ويحكى عن العرب سماعا: فسقت الرُّطَبة من قشرها: إذا خرجت منه، وفسقت الفأرة: إذا خرجت من جحرها” [10]

ولنكن دائما على ذُكْرٍ لمعنى الإلحاد وأنه: الميل والعدول عن الطريق القويم، وأن الكفر: الجحود والإنكار، والفسق هو: الخروج والعدول

وقد ذكر الله تعالى أن إبليس قال: ﴿ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِم وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾ (الأعراف 17،16).

والطريق القويم هو صراط الله المستقيم وقد قال إبليس: ﴿ لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيم ﴾، فكان أول الملحدين وأول من دعا إلى الإلحاد، وأمَالَ العباد عن الطريق المستقيم مستعينا بذريته من الجن ومن أطاعه من الإنس فتشيطنوا وأصبحوا شياطين الإنس ﴿ شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ﴾ (الأنعام 112).

فالإلحاد عمليا بدأه إبليس لكنه لم يُسَمَّى إلحادا بل سمي: كُفرا، وفسوقا، وإباءً لأمر الله تعالى، واستكبارا، وضلالا… وسمي فيما بعد زندقة وإلحاداً.

وكلمة زندقة تحمل في الإسلام معني الكفر والضلال، وأقدم نص وقفتُ عليه فيه هذه الكلمة ما رواه الطبراني مرفوعا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ما كانت زندقة إلا كان بين يديه التكذيب بالقدر” [11] وإن كان هذا الحديث فيه ضعف كما ذكر محقق المعجم الشيخ حمدي عبد المجيد السلفي – رحمه الله وأسكنه فسيح جناته – إلا أن رواية الإمام الطبراني لهذه الكلمة دال على تداولها في هذا الزمان المبكر (توفي الطبراني سنة 360 هـ).

وهذه الكلمة لها أصول فارسية وأطلقت أول ما أطلقت على مُنكري الغيبيات، ومن كان لا يؤمن بالآخرة ووحدانية الخالق سبحانه، وانتشرت في أقوال العلماء وخاصة ردودهم على المتكلمين فنجدها موجودة بكثرة في كلام الأئمة: الشافعي وأحمد ويحيى بن معين وتلاميذهم، وكان هذا الوقت هو بداية انتشار الفكر المنكر للغيبيات (الإلحادي)، نتيجة ترجمة كتب أصحاب الملل والفلسفات الفارسية واليونانية.. وغيرها.

يقول ابن منظور في لسان العرب مادة (زندق): الزنديق: القائل ببقاء الدهر، فارسي معرب، وزندقته أنه لا يؤمن بالآخرة، ووحدانية الخالق.

وكما يقول علماء الأصول: لا مشاحة في الاصطلاح، فالمعنى ثابت معلوم، سميناه إلحادا أو كفرا أو فسوقا أو ضلالا أو زندقة فالمعنى: عدم الإيمان.

وهذا ما ذكره أحد الملحدين المعاصرين حيث قال: أنا لا أنكر وجود إله، ولكني لا أؤمن بوجود إله.!!

فالإلحاد وصف لأي موقف فكري لا يؤمن بوجود إله، لأن شرط العلم – عندهم – هو أن يكون المعلوم قضية منطقية صحيحة، مثبتة، ويمكن الاعتقاد بها، ولما كان ادعاء وجود إله – حسب اعتقاد الملحد – غير مثبت فإن التصديق بوجود إله ليس عِلْما. وإنما هو نمط من الإيمان الشخصي غير قائم على أدلة وما يقدم بلا دليل يمكن رفضه بلا دليل. ومن هذا فإن الإلحاد – عند الملحدين – هو موقف افتراضي بمعنى أنه ليس ادعاء وإنما هو جواب على ادعاء بالرفض.

ومن ثم يُعرَّف الإلحاد بأنه: عدم الإيمان بوجود إله وليس إنكارا للأدلة العلمية والعقلية ونحوهما على وجود صانع واعي للكون والحياة ومستحق للعبادة (الله).

فالإلحاد ليس إنكارا لكنه عدم إيمان وهذا يتفق مع تعريف ابن منظور للزنديق حيث قال: (وزندقته أنه لا يؤمن بالآخرة، ووحدانية الخالق) لكنه لا يتطابق مع فعل إبليس وقوله حيث قال: ﴿ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ (الحجر:36) وقال: ﴿ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً ﴾ (الإسراء: 62).

فقوله: ” رَبِّ “، وقوله: ” إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ” دال على أنه يؤمن بالرب ويؤمن بالآخرة يوم القيامة وهذا يكشف عن أنواع ودرجات مختلفة للكفر والإلحاد، وهذا هو موضوع المبحث القادم.

——————————————————————————–

[1] ينظر: معجم مقاييس اللغة لابن فارس (5/ 236).

[2] ينظر: تهذيب اللغة الأزهري (2/ 73).

[3] ينظر: المخصص لابن سيده (2/ 78)، تاج العروس من جواهر القاموس (9/ 135).

[4] ينظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن 18/ 595 وما بعدها.

[5] ينظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن ( 13/ 282 ).

[6] ينظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن ( 13/ 283 ).

[7] ينظر: مجلة الوعي الإسلامي الكويتية العدد 557 نوفمبر-ديسمبر 2011، مقال بعنوان: هل حقا الدين أفيون الشعوب.

[8] هذا هو التقسيم السائد والمعروف للإلحاد عند كل الدارسين، ولا أعلم أحدا سبقني في التقسيم الذي ذهبت إليه للإلحاد.

9 جامع البيان عن تأويل آي القرآن ( 1/ 255 ).

[10] ينظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن ( 18/ 42 ).

[11] ينظر: المعجم الكبير 6/ 186 رقم ( 5944 ).