عبد الله : أما زلت تعتقد أن يسوع هو الرب ?

عبد المسيح : نعم. ففي إنجيل يوحنا (1/1) :

(فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ. وَكَانَ الْكَلِمَةُ هُوَ اللهُ )  [يوحنا 1/1].

عبد الله : لقد اتفقنا أن كلام الله لا ينبغي أن يتناقض مع بعضه, فإذا تناقضت عبارتان إما أن تكون أحدهما أو كلاهما خطأ.

والآن إذا كنت تفهم من (يوحنا 1/1) أن يسوع هو الرب, فكم ربا لهذا الكون, ألم يؤكد الكتاب المقدس في أكثر من موضع علي التوحيد المطلق  الذي يتناقض مع مفهوم “يسوع الرب”, وتأمل هذه النصوص :

(فَاعْتَرِفُوا الْيَوْمَ وَرَدِّدُوا فِي قُلُوبِكُمْ قَائِلِينَ: إِنَّ الرَّبَّ هُوَ الإِلَهُ فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَعَلَى الأَرْضِ مِنْ تَحْتُ وَلَيْسَ إِلَهٌ سِوَاهُ ) [تثنية 4/39].

(اسْمَعُوا يَابَنِي إِسْرَائِيلَ: الرَّبُّ إِلَهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ،  (تثنية 6/4) [تثنية 6/4].

(أَنْتُمْ شُهُودِي يَقُولُ الرَّبُّ، وَعَبْدِي الَّذِي اصْطَفَيْتُهُ، لِتَعْلَمُوا وَتُؤْمِنُوا بِي، وَتُدْرِكُوا أَنِّي أَنَا أَنَا هُوَ اللهُ ، لَمْ يُوْجَدْ إِلَهٌ قَبْلِي وَلاَ يَكُونُ إِلَهٌ بَعْدِي. أَنَا هُوَ الرَّبُّ، وَلاَ مُخَلِّصَ غَيْرِي)
[إشعياء 43/ 10-11].

(هَذَا مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ الْقَدِيرُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ وَفَادِيهِ: «أَنَا هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ، وَلاَ إِلَهَ غَيْرِي)    [إشعياء 44/6].

(لأَنَّ هَكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ خَالِقُ السَّمَاوَاتِ، «إِنَّهُ اللهُ مَكَوِّنُ الأَرْضِ وَصَانِعُهَا، وَمُرْسِي قَوَاعِدِهَا: لَمْ يَخْلُقْهَا لِتَكُونَ خَوَاءً، بَلْ لِتُصْبِحَ آهِلَةً بِسُكَّانِهَا. أَنَا هُوَ الرَّبُّ وَلَيْسَ هُنَاكَ آخَرُ) [إشعياء 45/ 18].

واقرأ أيضا  المزيد من الأمثلة في : تثنية 4/35, خروج 8/10, صموئيل الثاني 7/22, ملوك أول 8/23, أيام أول 17/20, مزامير 86/ 9  و 89/ 6 و 113/ 5, يوشع 13/4, وأخيرا  زكريا 14/9.

عبد المسيح : ولكن هذه الأمثلة كلها من العهد القديم لا من العهد الجديد.

عبد الله : حسنا, اقرأ ما جاء على لسان يسوع نفسه في مرقس (12/29) :

(أولى فَأَجَابَهُ يَسُوعُ: «أُولَى الْوَصَايَا جَمِيعاً هِيَ: اسْمَعْ يَاإِسْرَائِيلُ، الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ)

[مرقس 12/29].

وكذلك ما جاء في تيموثاوس الأولى (2/5) :

(فَإِنَّ اللهَ وَاحِدٌ، وَالْوَسِيطُ بَيْنَ اللهِ وَالنَّاسِ وَاحِدٌ، وَهُوَ الإِنْسَانُ الْمَسِيحُ يَسُوعُ، الَّذِي بَذَلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عِوَضاً عَنِ الْجَمِيعِ. هَذِهِ شَهَادَةٌ تُؤَدَّى فِي أَوْقَاتِهَا الْخَاصَّةِ) [تيموثاوس الأولى 2/5].

وكورنثوس الأولي (8/4) :

(فَفِيمَا يَخُصُّ الأَكْلَ مِنْ ذَبَائِحِ الأَصْنَامِ، نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ الصَّنَمَ لَيْسَ بِإِلهٍ مَوْجُودٍ فِي الْكَوْنِ، وَأَنَّهُ لاَ وُجُودَ إِلاَّ لإِلهٍ وَاحِدٍ) [كورنثوس الأولي 8/4].

والآن إما أن يكون ما جاء في (يوحنا 1/1) هو الصواب وباقي النصوص كلها خطأ أو العكس.

عبد المسيح : هذا قرار صعب.

عبد الله : فلنلجأ إلى القرآن ليوضح لنا الإشكال المتعلق بلفظ “الكلمة”, فالقرآن يستخدم نفس اللفظ في ذكره لعيسى عليه السلام ولكن بمفهوم واضح صحيح, ففي سورة آل عمران نقرأ:

)َ فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ ((آل عمران / 39).

وفي نفس السورة أيضا  نقرأ:

) إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (
(آل عمران / 45).

فأنت ترى أن “الكلمة” في القرآن (نابعة من الله أو تابعة لله) وليست “ذات” الله, ويتفق ذلك مع ما جاء في رسالة كورنثوس الأولى (3/23) :

(وأنتم وَأَنْتُمْ لِلْمَسِيحِ، وَالْمَسِيحُ لِلهِ ) [كورنثوس الأولي 3/23].

لذا فإن عبارة (يوحنا 1/1)  لِتتفق مع كل النصوص الأخرى ينبغي أن تُقرأ: الكلمة كانت “من الله”, وربما حذفت “من” نتيجة للترجمة من الأرامية إلى اليونانية إما عمدا أو دون قصد, والله أعلم, ففي اللغة اليونانية: الرب =  Theos أما كلمةTheou    فتعني : من الرب, أي أن اختلاف حرف واحد في النقل أو الترجمة يغير المعنى كلية.

عبد المسيح : ولكن لِمَ يُطْلَق وصف “كلمة” على يسوع في القرآن وفي الإنجيل سويا?

عبد الله : لأن خلق عيسى ابتداء في رحم مريم العذراء لم يكن بواسطة مادية أو نطفة بشرية وإنما كان بإرادة الله المتمثلة في كلمة “كن”, مصداقا لقوله تعالى :

) قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (
(آل عمران/47)

عبد المسيح : ولكنا نعتقد أيضا  أن يسوع هو الرب لأنه “امتلأ بالروح القدس”.

عبد الله : إذا كان الأمر كذلك فماذا تقول في أناس غيره امتلأوا –  طبقا  للكتاب المقدس –  بالروح القدس مثل :

(فَقَدْ كَانَ بَرْنَابَا رَجُلاً صَالِحاً مُمْتَلِئاً مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ وَالإِيمَانِ. وَانْضَمَّ إِلَى الرَّبِّ جَمْعٌ كَبِيرٌ.)  [أعمال 11/24].

(وَنَحْنُ نَشْهَدُ عَلَى هَذَا، وَكَذَلِكَ يَشْهَدُ الرُّوحُ الْقُدُسُ الَّذِي وَهَبَهُ اللهُ لِلَّذِينَ يُطِيعُونَهُ»)
[أعمال 5/32].

وكذلك : (وَوَقَعَ الاخْتِيَارُ عَلَى اسْتِفَانُوسَ، وَهُوَ رَجُلٌ مَمْلُوءٌ مِنَ الإِيمَانِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ)
[أعمال 6/5].

و :  (بَلْ تَكَلَّمَ بِالنُّبُوآتِ جَمِيعاً رِجَالُ اللهِ غالْقِدِّيسُونَف مَدْفُوعِينَ بِوَحْيِ الرُّوحِ الْقُدُسِ)
[بطرس الثانية 1/21].

و :  (وَحَافِظْ عَلَى الأَمَانَةِ الْكَرِيمَةِ الْمُوْدَعَةِ لَدَيْكَ، بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْحَالِّ فِينَا )
[تيموثاوس الثانية 1/14].

و :  (وَنَحْنُ نَتَكَلَّمُ بِهَذِهِ الأُمُورِ لاَ فِي كَلاَمٍ تُعَلِّمُهُ الْحِكْمَةُ الْبَشَرِيَّةُ، بَلْ فِي كَلاَمٍ يُعَلِّمُهُ الرُّوحُ الْقُدُسُ، مُعَبِّرِينَ عَنِ الْحَقَائِقِ الرُّوحِيَّةِ بِوَسَائِلَ رُوحِيَّةٍ) [كورنثوس الأولى2/ 13].

و :  (وَلَمَّا سَمِعَتْ أَلِيصَابَاتُ سَلاَمَ مَرْيَمَ، قَفَزَ الْجَنِينُ دَاخِلَ بَطْنِهَا. وَامْتَلَأَتْ أَلِيصَابَاتُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ) [لوقا 1/41].

عبد المسيح : ولكن امتلاء يسوع بالروح القدس تم منذ كان في رحم أمه.

عبد الله : ونفس الشيء حدث ليوحنا المعمدان كما جاء في لوقا (1/13, 15) :

(فَقَالَ لَهُ الْمَلاَكُ: «لاَ تَخَفْ يَازَكَرِيَّا، لأَنَّ طِلْبَتَكَ قَدْ سُمِعَتْ، وَزَوْجَتُكَ أَلِيصَابَاتُ سَتَلِدُ لَكَ ابْناً، وَأَنْتَ تُسَمِّيهِ يُوحَنَّا، … وَسَوْفَ يَكُونُ عَظِيماً أَمَامَ الرَّبِّ، وَلاَ يَشْرَبُ خَمْراً وَلاَ مُسْكِراً، وَيَمْتَلِيءُ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَهُوَ بَعْدُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ) [لوقا 1/13, 15].

عبد المسيح : ولكن يسوع كان يصنع المعجزات, ألم يطعم خمسة آلاف دفعة واحدة من خمسة أرغفة وسمكتين فحسب ?

عبد الله : لقد صنع مثل ذلك  بقدرة الله أليشع وإيليا, فالأول أطعم مائة شخص بعشرين رغيف شعير مع بعض كيزان الذرة :

(وَحَضَرَ رَجُلٌ مِنْ بَعْلِ شَلِيشَةَ حَامِلاً مَعَهُ لِرَجُلِ اللهِ عِشْرِينَ رَغِيفاً مِنَ الشَّعِيرِ، مِنْ أَوَائِلِ الْحَصَادِ وَسَوِيقاً فِي جِرَابِهِ. فَقَالَ: «أَعْطِ الرِّجَالَ لِيَأْكُلُوا». فَقَالَ خَادِمُهُ: «مَاذَا؟ هَلْ أَضَعُ هَذَا أَمَامَ مِئَةِ رَجُلٍ؟» فَقَالَ أَلِيشَعُ: «أَعْطِ الرِّجَالَ لِيَأْكُلُوا، لأَنَّهُ هَذَا مَا يَقُولُ الرَّبُّ: إِنَّهُمْ يَأْكُلُونَ مِنْهَا وَيَفْضُلُ عَنْهُمْ». فَوَضَعَهَا أَمَامَهُمْ فَأَكَلُوا، وَفَضَلَ عَنْهُمْ حَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ)
[ملوك ثاني 4/42-43].
كما بارك في قليل من الزيت لدى أرملة حتى قضت بثمنه ديونها وأغناها الله :

(فَجَاءَتْ إِلَى رَجُلِ اللهِ وَأَخْبَرَتْهُ. فَقَالَ لَهَا: «اذْهَبِي وَبِيعِي الزَّيْتَ وَأَوْفِي دَيْنَكِ، وَعِيشِي أَنْتِ وَأَبْنَاؤُكِ بِمَا يَتَبَقَّى مِنْ مَالٍ ») [ملوك ثاني 4/7].

ومثل ذلك ما جاء منسوبا إلى إيليا:

(جَرَّةُ الدَّقِيقِ لَمْ تَفْرُغْ، وَقَارُورَةُ الزَّيْتِ لَمْ تَنْقُصْ، تَمَاماً كَمَا قَالَ الرَّبُّ عَلَى لِسَانِ إِيلِيَّا )
[ملوك أول 17/16].

فَكَانَتِ الْغِرْبَانُ تُحْضِرُ إِلَيْهِ الْخُبْزَ وَاللَّحْمَ صَبَاحاً وَمَسَاءً، وَكَانَ يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ النَّهْرِ)  [ملوك أول 17/6].

عبد المسيح : ولكن يسوع كان يبرئ الأبرص !

عبد الله : وكذلك جعل أليشع الأبرص “نعمان” يغتسل في نهر الأردن فشفي من البرص:

(فَنَزَلَ نُعْمَانُ إِلَى نَهْرِ الأُرْدُنِّ وَغَطَسَ فِيهِ سَبْعَ مَرَّاتٍ، كَمَا أَمَرَ رَجُلُ اللهِ، فَرَجَعَ لَحْمُهُ كَلَحْمِ صَبِيٍّ صَغِيرٍ، وَطَهُرَ مِنْ بَرَصِهِ) [ملوك ثاني 5/ 14].
عبد المسيح : ولكن يسوع جعل الأعمى يبصر  !

عبد الله : وكذلك فعل أليشع :

(وَتَضَرَّعَ أَلِيشَعُ قَائِلاً: «يَارَبُّ، افْتَحْ عَيْنَيْهِ فَيُبْصِرَ». فَفَتَحَ الرَّبُّ عَيْنَيِ الْخَادِمِ، وَإِذَا بِهِ يُشَاهِدُ الْجَبَلَ يَكْتَظُّ بِخَيْلٍ وَمَرْكَبَاتِ نَارٍ تُحِيطُ بِأَلِيشَعَ) [ملوك ثاني 6/ 17].

(فَلَمَّا أَصْبَحُوا دَاخِلَ السَّامِرَةِ صَلَّى أَلِيشَعُ قَائِلاً: «يَارَبُّ افْتَحْ عُيُونَهُمْ فَيُبْصِرُوا». فَفَتَحَ الرَّبُّ عُيُونَهُمْ، وَإِذَا بِهِمْ يَجِدُونَ أَنْفُسَهُمْ فِي وَسَطِ السَّامِرَةِ) [ملوك ثاني 6/ 20].

كما استطاع أليشع أن يصيب أناسا بالعمى :

(وَعِنْدَمَا تَقَدَّمَ جَيْشُ أَرَامَ نَحْوَ أَلِيشَعَ صَلَّى إِلَى الرَّبِّ قَائِلاً: «أَصِبْ هَذَا الْجَيْشَ بِالْعَمَى». فَضَرَبَهُمُ الرَّبُّ بِالْعَمَى اسْتِجَابَةً لِدُعَاءِ أَلِيشَعَ) [ملوك ثاني 6/ 20].

عبد المسيح : أما يسوع فقد كان يحيي الموتى !

عبد الله : جرى الشيء نفسه على يد إيليا :

(فَاسْتَجَابَ الرَّبُّ دُعَاءَ إِيلِيَّا، وَرَجَعَتْ نَفْسُ الْوَلَدِ إِلَيْهِ فَعَاشَ) [ملوك أول 17/ 22].

وكذلك على يد أليشع :

(وَدَخَلَ أَلِيشَعُ الْبَيْتَ وَإِذَا بِالصَّبِيِّ مَيْتٌ فِي سَرِيرِهِ. فَدَخَلَ الْعُلِّيَّةَ وَأَغْلَقَ الْبَابَ وَتَضَرَّعَ إِلَى الرَّبِّ، ثُمَّ اضْطَجَعَ فَوْقَ جُثَّةِ الصَّبِيَّ، وَوَضَعَ فَمَهُ عَلَى فَمِهِ، وَعَيْنَيْهِ عَلَى عَيْنَيْهِ، وَيَدَيْهِ عَلَى يَدَيْهِ، وَتَمَدَّدَ عَلَيْهِ، فَبَدَأَ الدِّفْءُ يَسْرِي فِي جَسَدِ الصَّبِيِّ) [ملوك ثاني 4/ 32-34].

وأكثر من ذلك عادت الحياة إلى جثة رجل ميت بمجرد مسها لعظام أليشع بعد موته:
(وَ فِيمَا كَانَ قَوْمٌ يَقُومُونَ بِدَفْنِ رَجُلٍ مَيْتٍ. فَمَا إِنْ رَأَوْا الْغُزَاةَ قَادِمِينَ حَتَّى طَرَحُوا الْجُثْمَانَ فِي قَبْرِ أَلِيشَعَ، وَمَا كَادَ جُثْمَانُ الْمَيْتِ يَمَسُّ عِظَامَ أَلِيشَعَ حَتَّى ارْتَدَّتْ إِلَيْهِ الْحَيَاةُ، فَعَاشَ وَنَهَضَ عَلَى رِجْلَيْهِ) [ملوك ثاني 13/ 21].

عبد المسيح : ولكن يسوع مشى على الماء !

عبد الله : ألم ينفلق البحر بأكمله ليمشي عليه موسى وأتباعه :

(فَاجْتَازَ الإِسْرَائِيلِيُّونَ فِي وَسْطِ الْبَحْرِ عَلَى أَرْضٍ يَابِسَةٍ، فَكَانَ الْمَاءُ بِمَثَابَةِ سُورَيْنِ عَنْ يَمِينِهِمْ وَعَنْ يَسَارِه ) [خروج 14/22].

عبد المسيح : ولكن يسوع كان يطرد الشياطين !

عبد الله : لقد أكد هو نفسه أن ذلك في مقدور غيره من البشر:
(وَإِنْ كُنْتُ أَنَا أَطْرُدُ الشَّيَا طِينَ بِبَعْلَزَبُولَ، فَأَبْنَاؤُكُمْ بِمَنْ يَطْرُدُونَهُمْ؟ لِذَلِكَ هُمْ يَحْكُمُونَ عَلَيْكُمْ؟)  [متى 12/ 27] و: [ لوقا 11/ 19]
بل إن الحواريين أيضا  قد تمكنوا من طرد الشياطين:

(فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ سَيَقُولُ لِي كَثِيرُونَ: يَارَبُّ، يَارَبُّ، أَلَيْسَ بِاسْمِكَ تَنَبَّأْنَا، وَبِاسْمِكَ طَرَدْنَا الشَّيَاطِينَ، وَبِاسْمِكَ عَمِلْنَا مُعْجِزَاتٍ كَثِيرَةً؟) [متى7/ 22].

ليس هذا فحسب بل إن المسيح قد تنبأ بأن معجزات ستظهر على أيدي أنبياء كذبة:

(فَسَوْفَ يَبْرُزُ أَكْثَرُ مِنْ مَسِيحٍ دَجَّالٍ وَنَبِيٍّ دَجَّالٍ، وَيُقَدِّمُونَ آيَاتٍ عَظِيمَةً وَأَعَاجِيبَ، لِيُضَلِّلُوا حَتَّى الْمُخْتَارِينَ، لَوِ اسْتَطَاعُوا ) [متى 24/24].

عبد المسيح : ولكن ما فعله إيليا وأليشع إنما كان نتيجة دعائهم للرب !

عبد الله : وما كان يسوع يصنع شيئا إلا بفضل الله وقدرته كما صرح نفسه بذلك:

(وَأَنَا لاَ يُمْكِنُ أَنْ أَفْعَلَ شَيْئاً مِنْ تِلْقَاءِ ذَاتِي، بَلْ أَحْكُمُ حَسْبَمَا أَسْمَعُ، وَحُكْمِي عَادِلٌ، لأَنِّي لاَ أَسْعَى لِتَحْقِيقِ إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَةِ الَّذِي أَرْسَلَنِي)  [يوحنا 5/ 30].

(أَمَّا إِذَا كُنْتُ أَطْرُدُ الشَّيَاطِينَ بِإِصْبَعِ اللهِ، فَقَدْ أَقْبَلَ عَلَيْكُمْ مَلَكُوتُ اللهِ ) [لوقا 11/ 20].

وكل ما جرى على يده من معجزات جرى مثله على يد من سبقه من الأنبياء, وارتبط تحقيق معجزاته بالإيمان بها, كما جاء في (مرقس 5/6  6):

(وَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَعْمَلَ هُنَاكَ أَيَّةَ مُعْجِزَةٍ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمَسَ بِيَدَيْهِ عَدَداً قَلِيلاً مِنَ الْمَرْضَى فَشَفَاهُمْ. وَتَعَجَّبَ مِنْ عَدَمِ إِيمَانِهِمْ. ثُمَّ أَخَذَ يَطُوفُ بِالْقُرَى الْمُجَاوِرَةِ وَهُوَ يُعَلِّمُ ) [مرقس 6م 5-6].

عبد المسيح : ولكن المسيح مات وقام بعد ثلاثة أيام !

عبد الله : سنتناول موضوع الصلب والقيامة فيما بعد, لأن هناك الكثير مما يقال في رد الموضوع من أساسه, ولكني أكتفي الآن بأن فكرة الصلب والقيامة إنما نشأت على يد بولس الذي لم يلق المسيح أبدا  في زمانه :

(اذْكُرْ يَسُوعَ الْمَسِيحَ الَّذِي أُقِيمَ مِنَ الْمَوْتِ، وَهُوَ مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ، كَمَا أُعْلِنُهُ فِي إِنْجِيلِي) [تيموثاوس الثانية 8/2].

أما رواية القيامة, كما جاءت في إنجيل مرقس (16/ 9-20), فقد حذفت من العديد من طبعات الكتاب المقدس –  كما أوضحت آنفا،  وفي غيرها من الطبعات تكتب وحدها بخط صغير أو بين قوسين مع التعليق عليها, ودعني أسألك بدوري سؤالا  محددا : هل قال يسوع يوما أنه الرب, أوقال : “ها أنا ربكم فاعبدوني”, أو نحو ذلك.

عبد المسيح : لا ولكنه بشر ورب  في نفس الوقت.

عبد الله : وحتى هذه هل جرت على لسانه بأي صيغة من الصيغ ?

عبد المسيح : لا.

عبد الله : بل إنه قد تنبأ أن أناسا بعده سيعبدونه بالباطل, وسيتبعون عقائد باطلة وشرائع يبتدعونها من عند أنفسهم لا يرضاها الله :

(إِنَّمَا بَاطِلاً يَعْبُدُونَنِي وَهُمْ يُعَلِّمُونَ تَعَالِيمَ لَيْسَتْ إِلاَّ وَصَايَا النَّاسِ) [متى 9/15].

وقد صدقت نبوءته, أليست أهم ركائز المسيحية المعاصرة  قد استحدثت من بعده, وما نطق بها المسيح ولا دعا إليها: ابتداء من التثليث إلى بنوته لله وربوبيته وانتهاء بفدائه تكفيرا عن الخطيئة الأولى.

ولو راجعت بدقة كل أقوال المسيح المدونة في العهد الجديد ما وجدت تصريحا ولا إشارة لربوبيته, فهو يقول صراحة:

(لِذَلِكَ قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «عِنْدَمَا تُعَلِّقُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ تَعْرِفُونَ أَنِّي أَنَا هُوَ، وَأَنِّي لاَ أَعْمَلُ شَيْئاً مِنْ نَفْسِي، بَلْ أَقُولُ الْكَلاَمَ الَّذِي عَلَّمَنِي إِيَّاهُ أَبِي)  [يوحنا 8/ 28].

و: (سَمِعْتُمْ أَنِّي قُلْتُ لَكُمْ: إِنِّي ذَاهِبٌ عَنْكُمْ ثُمَّ أَعُودُ إِلَيْكُمْ. فَلَوْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي، لَكُنْتُمْ تَبْتَهِجُونَ لأَنِّي ذَاهِبٌ إِلَى الآبِ، لأَنَّ الآبَ أَعْظَمُ مِنِّي)  [يوحنا 14/ 28].

و : (فَأَجَابَهُ يَسُوعُ: «أُولَى الْوَصَايَا جَمِيعاً هِيَ: اسْمَعْ يَاإِسْرَائِيلُ، الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ  )  [مرقس 12/ 29].

و : (وَفِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ، صَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «أَلُوِي أَلُوِي، لَمَا شَبَقْتَنِي؟» أَيْ: «إِلهِي إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي?) [مرقس 15 : 34].

ثم : وَقَالَ يَسُوعُ صَارِخاً بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «يَاأَبِي، فِي يَدَيْكَ أَسْتَوْدِعُ رُوحِي!»

)  [لوقا 23/ 46].

وأخيرا  : (وَأَمَّا ذَلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ فَلاَ يَعْرِفُهُمَا أَحَدٌ، لاَ الْمَلاَئِكَةُ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ وَلاَ الاِبْنُ، إِلاَّ الآبُ)  [مرقس 3213/ 32].

فيسوع في الإنجيل هو “النبي” وهو “المعلم” وهو “عبد لله” وهو “المسيح”, قبل أن يحوله البشر إلى “ابن للرب” ثم إلى “الرب يسوع”.

ودعنا الآن نحتكم إلى المنطق: كيف يولد الرب من جسد إنسان فان  كأي بشر غيره? ولقد كان ينام بينما الرب لا ينام كما جاء في مزمور (121/4) :

(أنه لا ينعس ولا ينام حافظ اسرائيل)  [مزمور121/4].

والرب هو القوي الجليل فكيف يدعي عليه أنه حوكم وامتهن وصُلِب; وكيف يكون المسيح ربا إذا كان نفسه دائم العبادة لله كما في (لوقا 165/ 16) : أَمَّا هُوَ، فَكَانَ يَنْسَحِبُ إِلَى الأَمَاكِنِ الْمُقْفِرَةِ حَيْثُ يُصَلِّي)  [لوقا 165/ 16].

وكان يتعرض لمكائد الشيطان فيدفعه كأي بشر صالح, واقرأ (لوقا 4/ 1-13) ثم (جيمس 1/13) :

(أَمَّا يَسُوعُ، فَعَادَ مِنَ الأُرْدُنِّ مُمْتَلِئاً مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. فَاقْتَادَهُ الرُّوحُ فِي الْبَرِّيَّةِ أَرْبَعِينَ يَوْماً، وَإِبْلِيسُ يُجَرِّبُهُ، وَلَمْ يَأْكُلْ شَيْئاً طَوَالَ تِلْكَ الأَيَّامِ. فَلَمَّا تَمَّتْ، جَاعَ. فَقَالَ لَهُ إِبْلِيسُ: «إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ، فَقُلْ لِهَذَا الْحَجَرِ أَنْ يَتَحَوَّلَ إِلَى خُبْزٍ». فَرَدَّ عَلَيْهِ يَسُوعُ قَاِئلاً: «قَدْ كُتِبَ: لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ مِنَ اللهِ!» ثُمَّ أَصْعَدَهُ إِبْلِيسُ إِلَى جَبَلٍ عَالٍ، وَأَرَاهُ مَمَالِكَ الْعَالَمِ كُلَّهَا فِي لَحْظَةٍ مِنَ الزَّمَنِ، وَقَالَ لَهُ: «أُعْطِيكَ السُّلْطَةَ عَلَى هَذِهِ الْمَمَالِكِ كُلِّهَا وَمَا فِيهَا مِنْ عَظَمَةٍ، فَإِنَّهَا قَدْ سُلِّمَتْ إِلَىَّ وَأَنَا أُعْطِيهَا لِمَنْ أَشَاءُ. فَإِنْ سَجَدْتَ أَمَامِي، تَصِيرُ كُلُّهَا لَكَ!» فَرَ دَّ عَلَيْهِ يَسُوعُ قَائِلاً: «قَدْ كُتِبَ: لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسْجُدُ، وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ!» ثُمَّ اقْتَادَهُ إِبْلِيسُ إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَأَوْقَفَهُ عَلَى حَافَةِ سَطْحِ الْهَيْكَلِ، وَقَالَ لَهُ: «إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ، فَاطْرَحْ نَفْسَكَ مِنْ هُنَا إِلَى الأَسْفَلِ فَإِنَّهُ قَدْ كُتِبَ: يُوصِي مَلاَئِكَتَهُ بِكَ لِكَيْ يَحْفَظُوكَ، فَعَلَى أَيْدِيهِمْ يَحْمِلُونَكَ، لِئَلاَّ تَصْدِمَ قَدَمَكَ بِحَجَرٍ». فَرَدَّ عَلَيْهِ يَسُوعُ قَائِلاً: «قَدْ قِيلَ: لاَ تُجَرِّبِ الرَّبَّ إِلهَكَ!» وَبَعْدَمَا أَكْمَلَ إِبْلِيسُ كُلَّ تَجْرِبَةٍ، انْصَرَفَ عَنْ يَسُوعَ إِلَى أَنْ يَحِينَ الْوَقْتُ) [لوقا 4/ 1-13].

(وَإِذَا تَعَرَّضَ أَحَدٌ لِتَجْرِبَةٍ مَا، فَلاَ يَقُلْ: «إِنَّ اللهَ يُجَرِّبُنِي!» ذَلِكَ لأَنَّ اللهَ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يُجَرِّبَهُ الشَّرُّ، وَهُوَ لاَ يُجَرِّبُ بِهِ أَحَداً) [جيمس 131/ 13].

فكيف يكون عيسى إذن رَبًّا ? وهذه كلها بعض الأمثلة الدامغة على أن عيسى – بنص الأناجيل –  إنما كان نبيا بشرا; حاشا له أن يدعي الربوبية, وإذا تمعنت في سيرته في الأناجيل لازددت يقينا بذلك.

عبد المسيح : أنا معك أن هذا ما يتضح من سيرة المسيح; إلا أننا في ذات الوقت نسلم بأنه الرب بلا جدال.

عبد الله : ألا يتعارض ذلك التسليم مع ما نص عليه الكتاب المقدس نفسه من أن عليك أن تبرهن كل شيء:  (امْتَحِنُوا كُلَّ شَيْءٍ وَتَمَسَّكُوا بِالْحَسَنِ) [تسالونكي الأولى 5/ 21].

عبد المسيح : إنه حقا أمر محير.

عبد الله : ولكننا نقرأ في رسالة كورنثوس الأولى (14/ 33):

(فَلَيْسَ اللهُ إِلهَ فَوْضَى بَلْ إِلهُ سَلاَمٍ، كَمَا هِيَ الْحَالُ فِي كَنَائِسِ الْقِدِّيسِينَ)
[كورنثوس الأولى 14/ 33].

حقا  إن ما يبتدعه البشر لأنفسهم بأنفسم هو الذي يبعث الحيرة !