فضيلة الشيخ

محمد صفوت نور الدين – رحمه الله تعالى –

من 1363 إلى 1423 هـ – من 1943 إلى 2002 م

*******************

عالم فطن غزير العلم واضح المنهج

اسمه :

:: محمد صفوت بن نور الدين أحمد مرسي .

مواليد :

20/6/1943م بمدينة بلبيس .

مؤهلاته :

بكالوريوس علوم وتربية .

وظائفه :

عمل بوزارة التربية والتعليم حتى صار مديرًا عاماً بالتعليم .
تولى رئاسة جماعة أنصار السنة المحمدية بعد وفاة الشيخ محمد علي عبد الرحيم – خامس رؤساء الجماعة – عام 1412هـ – 1991م ، فصار بذلك أول رئيس من الجيل الثاني .
وقد تم انتخابه بالإجماع في يوم الخميس 22 شعبان 1412هـ الموافق 27/2/1992م .

ودامت مدة رئاسته لها ما يزيد على عشرة أعوام شهدت الجماعة خلالها ازدهارًا غير مسبوق من التنظيم والعمل المؤسس الناجح.

فقد أبدع الشيخ في رئاسة الجماعة، حيث ساهم مساهمة فعّالة في نشر دعوة التوحيد في ربوع مصر والعالم الإسلامي، وقد أرسى قواعد الجماعة على المنهج السلفي الصحيح على منهج أهل السنَّة والجماعة في إطار ضوابط لم تتعارض مع الحكومات، مما كتب لدعوته الاستمرارية والنجاح.

فكان ـ رحمه الله ـ يركز على تصحيح ما لدى الناس من الأخطاء ونشر دعوة التوحيد الخالصة النقية كما كان له ـ رحمه الله ـ مشاركات فعّالة في مجلة التوحيد التي كان يرأس إدارته و من خلال الأبواب الثابتة التي كان يحررها بنفسه ومن أبرزها باب السنَّة الذي شرح فيه كثيرًا من الأحاديث الصحيحة، فكانت كتاباته دسمة ومفيدة، ذات تحليل عميق يجذب القارئ.

ولحسن خلق الشيخ وحكمته وسياسته اللبقة جمع العلماء والدعاة حوله في جماعة أنصار السنَّة وأحبوه وأخلصوا للعمل معه فنهضت الجماعة به وبهم حتى صار لها قوة ضاربة في أعماق العالم الذي تألم وحزن لوفاة هذا الشيخ الكبير الذي ملأ الدنيا علمًا ودعوةً، تأثر بدعوته المباركة كثير من طلبة العلم في أنحاء العالم، وقد رعى جيلاً قادرًا بفضل الله على حمل لواء الدعوة ونشر التوحيد في العالم، فكان ـ رحمه الله ـ يجوب العالم داعيًا وعالمًا جليلا مخلصًا لدعوته التي أضفى عليها بحكمته ورؤيته الثاقبة الوضوح والجلاء مما أكسبه احترام وحب الجميع.

ولقد كان رحمه الله في فترة الستينات من القرن العشرين طالبًا بالجامعة ولم تشغله دروسه العلمية عن أن يستمع إلى شيوخ جماعة أنصار السنة المحمدية في بلدته بلبيس وفي المركز العام للجماعة ، من أمثال الشيخ، عبد الرحمن الوكيل، والشيخ خليل هراس ، رحمهما الله .

ولقد عوض ما فاته من التلقي على يد الشيوخ الأول أمثال الشيخ محمد حامد الفقي والشيخ أبو الوفاء درويش ؛ لأنه كان حريصًا على معرفة إنتاجهم العلمي في كتبهم وفي مجلة الهدي النبوي التي كانت تصدر عن أنصار السنة المحمدية .


وقد شغل الشيخ رحمه الله منذ الثمانينات وظيفة أمين عام الدعوة زمن رياسة الشيخ محمد علي عبد الرحيم ، وكانت له مساهمات كبيرة في الكتابة في مجلة التوحيد ، حتى إذا صار رئيسًا للجماعة أولى مجلة التوحيد عناية فائقة وساهم في تطويرها والكتابة فيها والفتيا على صفحاتها ، حتى شبت عن الطوق ، وانتشرت في غالب بلاد العرب والمسلمين ، وبلغ مجمل ما يطبع منها مائة ألف نسخة .

سمات دعوة الشيخ :

والشيخ ـ رحمه الله ـ منذ أن أخذ على عاتقه همَّ الدعوة صابرًا محتسبًا يبغي مرضاة ربه عاملاً بقوله تعالى : ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ﴾ ( 125 : النحل ) ، محبًا لعلماء الأمة، معظِّمًا لجهودهم، مقتديًا بأعلامهم العاملين بالكتاب والسنَّة بفهم سلف الأمة، مشاركًا في توعية المسلمين ومحذِّرًا من المؤامرات والخطط التي تحاك ضدهم، غيورًا على دين الله عزّ وجل، مظهرًا ومقتديًا بسنَّة نبيه صلى الله عليه وسلم ، ناطقًا بالحق في مرضاة الله، ذابًا بقلمه ولسانه عن كتاب الله وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم ، نابذًا للتقليد والتعصب حريصًا على توجيه الشباب إلى العلم الشرعي وتعليمه ونشره مع الرؤية الدقيقة لأثر هذا العلم في مواجهة التعصب والطيش والعجلة والحماس الذي قد يضر بعموم الأمة ومستقبلها الدعوي، كثير التأكيد على أن معالجة الغلو في الدين أو ما يسمى اليوم بالتطرف، أو الإرهاب لا يمكن مواجهته إلا بنشر العلم الشرعي هكذا عرفناه ـ رحمه الله ـ.
وإن كان مما يهوِّن علينا وعلى الأمة هذه المصيبة، هو تذكرنا لمصيبتنا العظمى، ألا وهي مصيبتنا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، حيث قال : ” إذا أصيب أحدكم بمصيبة، فليذكر مصيبته بي، فإنها أعظم المصائب “. ، فكان منهجه ـ رحمه الله ـ يرتكز على تصحيح ما لدى الناس من عقائد فاسدة بالحكمة والموعظة الحسنة، وربى أجيالا قادرة ـ بعون الله ـ على إكمال المسيرة .. كان للشيخ سمت طيب ووجه بشوش وجانب لين، أحبه كل من عرفه وتأثر به .. وحمل الشيخ صفوت هم الدعوة الإسلامية في صدره أينما ذهب .. سواء في المؤتمرات العلمية التي تقام داخل مصر أو في دول الخليج وغيرها .. أو في العالم الغربي الذي زار مؤسساته الإسلامية وألقى فيها محاضراته القيمة .. وبذل فيها عطاءه الذي لا ينضب.
رحم الله الشيخ صفوت الذي فارقت روحه الطاهرة جسده الكريم .. واصطفاه الله إلى الدار الآخرة وصلى عليه في يوم الجمعة بالحرم المكي بعد صلاة المغرب وحملت الجموع نعشه فوق الأعناق ليوارى جسده الطاهر ..
والشيخ ـ رحمه الله ـ كان يدعو ويلح في الدعاء أن يموت بالحرم المكي ويدفن في مكة المكرمة.
وصفوت نور الدين الذي أمضى حياته كلها في خدمة الإسلام والمسلمين عن طريق هذه الجماعة بنشاطاتها المختلفة وعن طريق مجلة التوحيد التي تصدر عنها وقارع أهل البدع والتصوف والانحراف وجادل أهل الباطل بالتي هي أحسن ونافح عن العقيدة والمنهج. يسافر ويتحمل المشاق في سبيل ذلك.
نسأل الله تعالى أن يتغمده بواسع رحمته ويخلف على المسلمين خيرًا وينصر الحق وأهله ودعاته.
وقد عرفت فضيلته منذ مدة طويلة عفيفًا شريفًا ذا أخلاق فاضلة وصفات حميدة يدعو إلى الله بالتي هي أحسن، عرفته يتحمل المشاق في سبيل ذلك، يحب جمع الكلمة، ويدعو إلى الائتلاف .. والاجتماع على العروة الوثقى، عرفته يحب أهل العقيدة السلفية ويدعو إليها، عرفته في حسن عبادته وكثرة ذكره لله تعالى أحسبه كذلك والله حسيبه .

مساهماته في خارج البلاد :

لم يكتف رحمه الله بما كان يقوم به من إلقاء الخطب والدروس اليومية في فروع ومساجد الجماعة ، بل امتد نشاطه إلى خارج البلاد محاضرًا في بلاد الغرب ، كما شهد عددًا كبيرًا من المؤتمرات العلمية التي كانت تعقد لمناقشة هموم الدعوة والمسلمين .
وكان آخر مؤتمر برياسته هو المؤتمر الذي عقد بالمركز الدولي لدعاة التوحيد والسنة بمسجد العزيز بالله ، وقد انتهت أعماله قبل سفر فضيلته إلى السعودية بيومين تقريبًا ، وكان شعار المؤتمر (( االإسلام والغرب حوار أم صراع )) .

مساهماته في الصحافة الدينية :

كان رحمه الله يحسن استقبال الصحفيين ويدلي لهم بآرائه ، وكان مرتب الفكر والمنهج بارعًا في الرد على ما يثيره الصحفي من علامات استفهام حول بعض المسائل الخلافية، وكان يتكلم عن منهج الجماعة ورجالها ومسيرتها ولا يتكلم عن نفسه ، وقد تم ذلك بأسلوب واضح وعبارات تدل على أن الرجل عالم فطن غزير العلم واضح المنهج .

ومن أبرز حواراته ما كان على صفحات اللواء الإسلامي مع فضيلة شيخ الأزهر د. محمد سيد طنطاوي يوم أن كان مفتيًا للجمهورية ، ود. أحمد عمر هاشم من جهة ، والشيخ صفوت نور الدين ، وصفوت الشوادفي من جهة أخرى .

والخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية .
أما عن منهجه في إدارة شئون الجماعة وسياسة رجالها ، فقد كان رحمه الله حريصًا كل الحرص على مال الجماعة ، وكان رحمه الله يحمي إخوانه من غيرهم ، بل وأحيانًا من أنفسهم، وأشهد الله أني لم أر رجلاً له قبول عند الناس بعد الشيخ محمد حامد الفقي رحمه الله إلا الشيخ صفوت نور الدين .
ومما يدل على غزير أدبه ومحبته لأنصار السنة أنه كان يقول لكل واحد منا : لا تهلك نفسك ، نريدك معنا .
ومن عجب أنه قال لي تلك العبارة ، قبل سفره بيوم : لا تهلك نفسك ، نريدك معنا .
وكان يشعر كل واحد منا أنه له فائدة كبيرة، وأن وجوده مهم لمسيرة الدعوة ، ولا ننسى أن من صفات القائد لهذه الجماعة أنه كان يلقى الناس بوجه طلق ، وأنه كان يحقق قول الرسول الكريم : ” تبسمك في وجه أخيك صدقة ” .

أما إخلاصه في محبته إخوانه الشيوخ الذين سبقوه في الجماعة فحدث ولا حرج ، لقد كان حريصًا بل شغوفًا بمعرفة كل جوانب حياتهم ومعارفهم وأخلاقهم وإنتاجهم العلمي وبحوثهم وكتبهم وآرائهم ، وكان كثيرًا ما يقول لي عندما أعرض عليه مشروع إخراج بعض كتابات السابقين : (( اكتب يا شيخ فتحي حتى يعرف الإخوة أننا على نفس المنهج كتاب الله وسنة رسوله بفهم سلف الأمة )) .
ولقد قدم لمجموعة من كتب تراث شيوخ الجماعة مثل كتاب شرح أحاديث الأحكام للشيخ حامد الذي يشعر بسعادة كبيرة كلما أخبرته عن قرب تمام الكتاب ، وقد قدم لكتب كثيرة أصدرتها الجماعة ، ولكن تلك المقدمات لم تكن مدحًا وتقريظًا مطلقًا ، بل كانت تحمل نظرة واعية وفهمًا جيدًا لمسيرة الجماعة ، مما يمكن أن نسميه (( نظرات في منهج ومسيرة الجماعة )) .

مكانته عند العلماء :

كانت للشيخ مكانته العلمية عند سائر الجمعيات الدينية والهيئات العلمية في مصر ، أما مكانته خارج البلاد فقد كان رحمه الله صاحب مكانة خاصة عند الشيخ عبد الرزاق عفيفي رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية السابق ونائب رئيس لجنة الفتوى بالسعودية، وكان بينهما مراسلات كثيرة ، كما كان له من المكانة اللائقة به ولجماعته عند سماحة الشيخ ابن باز وابن عثيمين وابن حميد والسبيل والفوزان والعديد من علماء بلاد الجزيرة .
وكانت له أيضًا مكانة عند الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق والشيباني بالكويت .
ولا أجد ما أقوله لأنصار السنة إلا ما قاله الشيخ عبد العزيز بن راشد النجدي عند وفاة الشيخ محمد حامد الفقي مؤسس الجماعة ، حيث نصح أنصار السنة بالآتي :
(( اعملوا يا أنصار السنة على تطهير القلوب والعقول ، وخصوصًا في هذا الزمن الذي كثر فيه إلحاد الماديين ، واستهتار الجهلة بالدين، فاصبروا وصابروا يا أنصار السنة ، فبالابتلاء يمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين ، وعليكم أن تقوموا بما أوجب الله عليكم من تبليغ دعوة التوحيد إلى الناس أفرادًا وجماعات )) .

مؤلفاته :

1 – التربية بين الاصالة والتجديد .
2 – موقف أهل الإحسان من صفات الرحمن .
3 – إتحاف الأنام بأحكام الصيام .
4 – احكام البيوع .
5 – أحكام المرأة .
6 – وجوب محبة النبى .
7 – عظم حق الوالدين .
8 – الشفاعة .
9 – التبرك المشروع والممنوع .

وفاته :

توفي رحمه الله يوم الجمعة 13 رجب 1423هـ الموافق 20/9/2002م بعد صلاة الجمعة في المسجد الحرام بمكة ، وصلي عليه في المسجد الحرام بعد صلاة المغرب ودفن في مقابر مكة .
وبذلك فاضت روحه إلى بارئها بعد حياة حافلة بالجهاد والدعوة في سبيل الله ، بغير كلل ولا ملل .
ومما يعتبر من حسن الخواتيم أن الله قبضه إليه يوم الجمعة بعد أن أدى قبلها بيوم أو يومين عمرة . و برحيل علم من أعلام الدعوة إلى الكتاب والسنَّة على منهج السلف الصالح جملة وتفصيلا، ألا وهو الشيخ المجاهد السلفي القدوة، ناشر السنَّة، أبو عبد الرحمن ” محمد صفوت نور الدين ” رئيس عام جماعة أنصار السنة المحمدية بمصر، ولا يسعنا في مثل هذا المقام إلا أن نقول ﴿ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ ( 156 : البقرة ) . اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلفنا خيرا منه وقد حضر جنازتة جمع كبير من المسئولين و المسلمين من شتى انحاء العالم ، رحم الله شيخنا الحبيب رحمة واسعة غفر له ، وأسكنه أعلى عليين في الجنة مع الأنبياء والشهداء والصالحين ، واللهم ألهم آله الصبر، واخلفهم خيرًا .
والله من وراء القصد .