جائزة نوبل في الكيمياء للعام 2018 هي ضربة جديدة لنظرية التطور لكن بنكهة مختلفة!

جائزة نوبل في الكيمياء للعام 2018 فاز بها مجموعة من العلماء قاموا بتقليد نظرية التطور داخل معمل، حيث قاموا بنفس تجربة جامعة ولاية ميتشجان سابقة الذِكر، لكن بتوسع أكبر وبتدخل مباشر في جينوم الكائن الحي.

قام العلماء الذين فازوا بالجائزة بعمل طفرات في الكود الجيني لبعض الإنزيمات داخل الباكتريا تحت ضغط شديد وبسرعة شديدة، وهذا يعني أن الطفرات التي تحتاج لمليار عام حتى تحدث، قام العلماء تحت ضغط شديد للتطفير بعملها في شهورٍ قليلة!

وقاموا في مرحلةٍ تالية بعزل الطفرات النافعة، عزلوا الطفرات التي أضافت خصائص أفضل للإنزيم، وهذا معناه أنهم قاموا بعمل انتخاب صناعي للطفرات بدلاً من الانتخاب الطبيعي الذي من المفترض أن يحصل بصورة تلقائية.[1]

إذن هم قاموا حرفيًا بتطبيق ركني النظرية: الانتخاب الطبيعي والطفرات في معمل فماذا كانت النتيجة؟

النتيجة أنه مع كل هذا الضغط التطفيري “طفرات مليار سنة وانتخاب طبيعي مليار سنة” أُجريا في هذه المعامل المتقدمة لم يخرج لنا نوع جديد من الكائنات الحية!

لم ينتقل نوع من الميكروبات إلى نوعٍ آخر.

لم يظهر بروتين واحد جديد وظيفي جديد!

لم يظهر إنزيم واحد جديد!

كل ما حصل هو أن الإنزيمات التي أصبحت أكثر كفاءة، تم انتخابها صناعيًا؛ أي تم عزلها لإعادة زراعتها. فلم يحصل انتخاب طبيعي وإنما حصل انتخاب صناعي Artificial Selection instead of Natural Selection.

الانتخاب الطبيعي لم يستطع ذاتياً الإبقاء على الإنزيمات الأكفأ وإنما قام العلماء بعمل انتخاب صناعي.

فالكود الجيني للإنزيم في تلك التجارب التي استغرقت نظريًا بلايين الاعوام من التطور البيولوجي، هذا الكود الجيني لم يأتِ بجديد، وهذا كلام الموقع الرسمي لنوبل!

فإنزيم السبتليسين subtilisin محور عمليات التطفير كان موجودًا من البداية، لكن هذه التجارب التي قامت بمحاكاة نظرية التطور لمليار عام تقريبًا جعلته أكثر كفاءة في تفكيك بروتين الكايسين casein فالإنزيم زادت قوته بعد تركيز شديد للطفرات على شفرته الجينية؛ لكن في الجيل الأول من الطفرات إنزيم السبتليسين subtilisin ظل كما هو سبتليسين subtilisin أيضًا في الجيل التاني السبتليسين subtilisin هو سبتليسين subtilisin لكن أكثر كفاءئة وقدرة على تفكيك الكايسين casein في الجيل الثالث يبقى السبتليسين subtilisin كما هو!

نفس الإنزيم داخل نفس الميكروب داخل نفس النوع داخل نفس العائلة، لكن فقط مجرد تنوع ضمن إطار الإنزيم نفسه.

تمت أعمدة نظرية التطور لأول مرة تحت رصدنا المباشر؛ “نظرية التطور في معمل”نظرية التطور تحت ميكروسكوباتنا.

فهل حصلنا على انتخاب طبيعي أو أنواع جديدة؟

الإجابة بالإجماع هي: لا.

كل ما رصدناه كان مجرد متغيرات ضمن الإنزيم الواحد، أي: نفس الانزيم لكن بصور مختلفة من الكفاءة.

فالحوض الجيني في التجربة التي فازت بنوبل على عمقها وعلى تنوعها الشديد، الحوض الجيني بقي في إطار نفس النوع، والإنزيم بقي في إطار نفس الإنزيم.

لكن هنا سؤال: ألم تُثبت هذه التجربة حصول طفرات نافعة في إطار إنزيم السبتليسين؟

والجواب: الطفرات النافعة في عالم الكائنات الحية هي حقيقة لكنها كما قلنا قبل ذلك نادرة جدًا.

والعجيب في حالة إنزيم السبتليسين أن الطفرة التي حصلت فيه والتي جعلته يبدو وكأنه أصلح وأكفأ بعد بلايين الأعوام من الطفرات، هذه الطفرة جعلته أصلح وأكفأ لاستخدامنا نحن له في الوقود الحيوي مثلا، أما في الجملة بالنسبة للكائن الحي فالإنزيم أصبح هشًا وفقيرًا.[2]

فالطفرات المتكررة جعلته بالنسبة للكائن الحي أضعف وعمره أقصر مقارنة بالإنزيم الطبيعي الذي لم يتطفر.

الخلاصة: نظرية التطور بعد بلايين الأعوام لم تفعل أي شيء!

والانتخاب الطبيعي لم يظهر أصلا!

والإنزيمات اكتسبت خصائص أفضل لنا وليس للكائن الحي؛ فالإنزيم الذي حصلت له طفرات أصبح فقيرًا.

الانتخاب الطبيعي فشل في توليد أنواع جديدة.

الانتخاب الطبيعي لم يستطع أن يستقدِم الأصلح ولا حتى أن يُبقي على الأصلح!

الانتخاب الطبيعي لا يعمل؛ هذه نتيجة نوبل للكيمياء.

وهي نفس النتيجة التي توّصل إليها الداروينيَيْن الملحدَين جيري فودور Jerry Fodor

وماسيمو بياتيلي بالماريني Massimo Piattelli-Palmarini ، حيث لم يجدا بدًا من تخطئة داروين رأساً، وصنَّفا في تهافت مفهوم الانتخاب الطبيعي كتابهما: “الأمر الذي أخطأ فيه داروين What Darwin Got Wrong”. وكان مما صدّرا به كتابهما ما يلي: “هذا ليس كتاباً عن الله، ولا عن التصميم الذكي، ولا عن الخلق. ليس أياً من أحدنا متورطٌ في شيءٍ من ذلك. لقد ارتأينا أنه من المستحسن أن نوضح هذا منذ البداية، لأن رأينا الأساسي فيما سيأتي يقضي بأن هناك خطأ ما – وربما خطأ لدرجة قاتلة – في نظرية الانتخاب الطبيعي”.[3]

لا يلزم أن تكون عالم أحياء أو فيزياء لتتأكد أن نظرية التطور لا تعمل!

مليار عام من التطور في معمل لم تأت ببروتين واحد جديد!

نظرية التطور باختصار هي: أمل يكافح بقوة ضد البيانات التجريبية والرصدية.

الغريب أن داروين نفسه منذ قرن ونصف من الزمان كان يستشعر هشاشة نظريته، ففي عام 1862 أرسل عالم النبات جوزيف هوكر Joseph Hooker رسالة إلى داروين قال فيها: “هل تظن أن التنوع مثلا في شكل مناقير الطيور أو الاختلاف بين البشر مصدره انتخاب طبيعي ؟

لا إطلاقا

الأمر ببساطة أن هناك تنوع وراثي، اختلافات موروثة في الأجداد -اختلافات داخل النوع الواحد-“.

سبحان الله!

وكأنه يتكلم عن الحوض الجيني للنوع الذي تم رصده بعد حوالي مائة عام من هذا الكلام؛ الحوض الجيني الذي يتيح أشكالاً مختلفة ضمن إطار النوع الواحد.

المهم أن داروين ردّ عليه قائلا : “الجزء الذي أدهشني فعليًا في خطابك وقلب كياني رأسًا على عقب هو الذي ذكرت فيه أن كل اختلاف نراه يمكن أن يكون قد حدث دون أي انتخاب، وإني كنت ومازلت أتفق معك تمامًا في ذلك، ولكنك أحطت بالموضوع إحاطة تامة ورأيته من زاوية جديدة”.

للأسف دعاة الإلحاد أصروا على جعل فلسفة داروين دينًا وعقيدة؛ لأنه لو سقط داروين فسيذعنون لإثبات الخلق الإلهي المباشر فليس بديل ثالث إما تطور أو خلق مباشر!

إما نظرية التطور أو المعجزة كما قال ريتشارد داوكينز.[4]

فهم يريدونها تطور، لذلك سيظلون يجادلون بكل ما أتوا من قوة!

{وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} ﴿٥٤﴾ سورة الكهف.

 

[1] Arnold directed an enzyme’s evolution by introducing genetic mutations to create multiple variants of a chosen enzyme. She would then see the effect each mutation had and choose the variants that could prove to be useful, such as one that could operate in a solvent, rather than a water-based environment.

 

[2] Modified enzymes are poor, weak things compared to natural enzymes, even with the best of protein engineers’ efforts.

Dr. Douglas Axe

[3] Fodor, J. & Piattelli Palmarini, M., What Darwin Got Wrong, p.15

(من مقدمة كتاب تصميم الحياة، دار الكاتب، ص10).

[4] Without gradualness, we are back to a miracle

River out of Eden (1995) p.83