الوعي يدمغ الإلحاد!

أدق الكائنات الحية على الإطلاق يقودها الغرض والهدف والغاية، وتتمتع بالوعي و تحليل المعلومات ثم إعطاء رد فعل بِناءًا على تلك المعلومات، مثلاً الأميبا وحيدة الخلية لو جاء بجوارها غِذاء متحرك فإنها تلف أذرعها حوله بحذر حتى لا يهرب، في حين لو كان الغذاء ثابتًا لا يتحرك – حُبيبة نشا – فإنها تلتصق به دون احتراس.
والأميبا كائن وحيد الخلية بلا مخ ولا عين ولا أعصاب ولا حواس.

و البويضة بعد تخصيبها تُعبِّر عن استقلالها البيولوجي ويكون لها وعي وإحساس بحقيقة أنه يمكنها التفاعل مع بيئتها، وتبدأ في الإنقسام الذاتي لخلايا يفوق في عددها نجوم مجرة درب التبانة، و لديها القدرة على تلقي المعلومة ومعالجتها والتفاعل باستقلال مع المعلومة.

لا يمكن أن يبلغ الكمبيوتر مهما اشتد تعقيده أبسط درجات الوعي في كائن وحيد الخلية كالأميبا، ومع ذلك عملية تصنيع الكمبيوتر عملية واعية وذكية للغاية وفي حدود زمان ومكان، أما الخلية الأولية كالأميبا التي تفوق في كل عضية من عضياتها أعلى الكمبيوترات تعقيدًا بل ربما لا مجال للمقارنة، لأن نسبة وعي أذكي الكمبيوترات على الإطلاق تساوي صفر، I.Q.=ZERO ، ومع ذلك المطلوب أن نُصدق أن العشوائية أنشأت الأميبا والإنسان، والذكاء الإنساني لم يستطع أن يُنشيء أبسط صور الوعي، إنها أضيق حدود السذاجة إن استطعت ابتلاعها ابتلعت بعد ذلك أي شيء.
إنه السؤال المفصلي والجوهري، بين الدين المنطقي والإلحاد العبثي .

الإلحاد لا يطرح أجوبة بل يزيد المشكلة تعقيدًا، فلا مبرر مادي للقدرة على الإحساس بالمعلومة ومعالجتها، وإخراج رد فعل ذكي، كما عند أي كائن حي، ولا مبرر مادي للتكامل على كل المستويات – ذاتية التنظيم والتنسيق، ذاتية الإنضباط -، لا مبرر مادي للإدراك والوعي والقيمة والهدف والغاية، بل لا مبرر مادي للحياة نفسها بوصفها كينونة مستقلة، لا يمكن لوصلات عصبية أن تُفرز القيمة والهدف والجمال والغاية والحِس الأخلاقي والإمتنان للوجود والحياة، والشعور بالسمو والكيان، والقيمة والحرية، إن هناك وعي أعمق يؤثر على سلوك هذه الأسلاك العصبية.

ليست هناك آلية مادية لتشرح المعنى والوعي في حياتنا، إذا قال لك شخص تحبه أنه يحبك ساعتها سيُفرز جسدك الإندورفين والدوبامين، في حين لو قررت الإنفصال عنه وقال لك أنه يحبك ساعتها سيفرز جسدك الكورتيزول والأدرينالين، المعني والوعي هو الذي يقرر السلوك المادي وليس العكس .

ليست هناك آلية مادية لتشرح كيف تصطدم فوتونات الضوء بشبكية عينك وتصنع صورة ثلاثية الأبعاد للواقع من حولك داخل خلايا مُخك المظلمة؟ إنها عملية لا يوجد للعلم إجابة عنها .. إنها الوعي.. إنها الحياة نفسها.

المادية لن تجيب عن معنى وجودنا، فالوعي لا يفهمه إلا الوعي، لهذا نحتاج إلى الدين، بالمنطق العلمي والعقلي نفسه الذي احتجنا به إلى المادية.

وقد أثبت د. روجر سبيري Roger Sperry الحائز على نوبل في وظائف المخ أن الوظائف العقلية لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالمخ المادي وهي فقط قد تستعمله كآلة .
يقول السير جون إكلز John C. Eccles الحاصل على نوبل في الطب” أجدني مضطرًا إلى القول بطبيعة غير مادية لذاتي وعقلي، طبيعة تتفق مع ما يسمونه الروح.”
وقد وضع جون إكلز مع فيلسوف العلوم الأشهر كارل بوبر Karl Popper ، كتاب يشي عنوانه بأبعاد القضية وعنوان الكتاب” الذات والمخ التابع لها The Self and its Brain “.

ويعترف روبرت كون Robert L.Kuhn الحاصل على الدكتوراة في بحوث المخ ، أن هناك جوهر غير مادي يتحد بالمخ ليفرز العقل، ولا مفر من اعتباره الروح التي يتحدث عنها المتدينون .

ويعترف ليونارد ملدينوف Leonard Mlodinow الفيزيائي الشهير والمشارك co-author في كتاب التصميم العظيم مع ستيفن هاوكنج 2010 أن الوعي والعقل غير ماديين .
https://www.youtube.com/watch?v=WGvzheu1JQA

والعقل هو مناط التكليف ويوجِب على صاحبه النظر والاستدلال والقيام بما كُلف به، ويمثل العقل ميزة فريدة وضعها الله عز وجل في الإنسان؛ به يعرف ثم يعمل، ومن هنا كانت مسئولياته، ولولا العقل ما صحَّت مُحاكمة ولا وُضع دستور ولا عُرف حق من باطل، ومِن هنا نحن لسنا مُخيرين في رفض التكليف الإلهي، طالما تمتعنا بالعقل.