التوصيات الشرعية

في ظل انتشار فيروس (كوفيد – 19) المعروف بفيروس كورونا

د. محمد رفيق مؤمن الشوبكي
د. محمد رفيق مؤمن الشوبكي

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن ولاه؛ أما بعد:

بادئ ذي بدء، أسأل الله جل وعلا أن يحفظكم بحفظه ويكلؤكم برعايته، وأن يصرف عنكم وعن المسلمين والناس جميعًا الوباء والبلاء، وفي ظل الأزمة الصحية الناجمة عن انتشار فيروس كورونا، فإنني أقترح مجموعة من التوصيات الشرعية؛ وهي:

1- الالتزام بالتعليمات الصادرة عن الجهات الرسمية لمواجهة فيروس كورونا والحد من انتشاره، بما في ذلك تقييد الحركة وعدم الخروج من البيوت إلا لضرورة ملحة، وكذلك التزام المشتبه بإصابتهم بالمرض بالحجر الصحي وفقًا للإجراءات الصادرة بالخصوص، ووقف الزيارات وتجنب الاجتماعات؛ فالشريعة الإسلامية مبنية على جلب المصالح ودرء المفاسد؛ وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا ضرر ولا ضرار))؛ [رواه ابن ماجه والحاكم والدارقطني، وصححه الألباني]، ويستدل من هذا الحديث على تحريم الضرر بالنفس؛ وذلك بإلقائها في المخاطر، والنهي عن إلحاق الضرر بالآخرين.

 

2- اتباع الإرشادات الصحية الصادرة عن أهل الاختصاص؛ وأبرزها: المحافظة على نظافة اليدين والبدن والملابس والأماكن، وجميع هذه الإرشادات تنسجم مع ديننا الحنيف الذي يأمرنا بالطهارة، بل إن أول باب من أبواب الفقه الإسلامي باب الطهارة.

 

3- الأخذ بكافة أسباب السلامة والوقاية؛ ومنها: ترك المعانقة والتقبيل عند اللقاء؛ درءًا لانتشار العدوى، وأن يجتنب المريض غيره من الأصحاء؛ مخافة أن ينقل العدوى لهم؛ فقد ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يوردنَّ مُمْرِضٌ على مُصِحٍّ)) [متفق عليه]، وعدم دخول المكان الذي ينتشر فيه الوباء وكذا عدم الخروج منه؛ فعن عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا سمعتم به – يعني: الطاعون – بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارًا منه))؛ [متفق عليه]، وذكر العلماء أن هذا يشمل كل وباء.

 

4- الاستعانة بالله سبحانه وتعالى والتسليم بقضائه؛ فقال تعالى: ﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [التوبة: 51]، ويجب على المسلم الصبر على الابتلاء وعدم السخط؛ فعن أبي يحيى صهيب بن سنان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عجبًا لأمر المؤمن؛ إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له))؛ [رواه مسلم].

 

5- عدم المبالغة في الخوف والقلق والتوتر، فالمطلوب منا التوكل على الله جل وعلا، والأخذ بالأسباب مع حسن الظن بالله تعالى؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي))؛ [متفق عليه]، وقد أمرنا ديننا الحنيف بترك التشاؤم؛ لما فيه من سوء الظن بالله تعالى وتوقع البلاء؛ وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه الفأل الحسن، ويكره الطيرة))؛ [رواه ابن ماجه، وصححه الألباني]، وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الطيرة شرك، ثلاثًا، وما منا إلا ولكن الله يذهبه بالتوكل))؛ [رواه أبو داود، وصححه الألباني]؛ ومعنى هذا الحديث: أن الطيرة – وهي التشاؤم – من أعمال أهل الشرك؛ لأنها سوء ظن بالله تعالى، وقوله: ((وما منا إلا))؛ أي: ما منا أحد إلا يعتريه التشاؤم، ولكن الله عز وجل يذهب عنه هذا الفعل بالتوكل على الله وحده، مع الأخذ الأسباب.

 

6- الحذر من نشر الإشاعات وتناقل الأخبار التي تبث الخوف والذعر في نفوس المسلمين دون تثبت وتوثق؛ فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((كفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع))؛ [رواه مسلم].

 

7- المحافظة على صلاة الجماعة في البيوت في فترة تقييد الحركة، وعدم تفويت أجر صلاة الجماعة، فيصلي الرجل إمامًا بعائلته أو من يقيمون معه؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجةً))؛ [متفق عليه].

 

8- استثمار الأوقات في البيوت خصوصًا مع الأبناء وتوجيه النصح والإرشاد لهم، والعمل على تنظيم برنامج دعوي يتضمن الذكر والدعاء، وتلاوة القرآن، وصلاة النوافل، وغيرها من الطاعات، وهذا من الخير العظيم الذي يدفع البلاء بإذنه تعالى.

 

9- التكافل الاجتماعي بين المسلمين جميعًا، وإعانة القوي للضعيف، والسؤال عن الأهل والأصدقاء والمعارف وتلمس حاجاتهم؛ فعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى))؛ [رواه البخاري ومسلم].

 

10- الدعاء والتضرع إلى الله سبحانه وتعالى أن يكشف هذا البلاء والوباء عن المسلمين والبشرية جمعاء، والمحافظة على أذكار الصباح والمساء، وفي هذا المقام نذكر بعضًا من الأدعية والأذكار التي تدفع البلاء والمرض:

أ- عن خولة بنت الحكيم قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من نزل منزلًا فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء حتى يرحل من منزله ذلك))؛ [رواه مسلم].

 

ب- عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من قال: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، ثلاث مرات – لم تصبه فجأة بلاء حتى يصبح، ومن قالها حين يصبح ثلاث مرات، لم تصبه فجأة بلاء حتى يمسي))؛ [رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني].

 

ت- اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة؛ ففي الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اسألوا الله العفو والعافية؛ فإن أحدًا لم يُعْطَ بعد اليقين خيرًا من العافية))؛ [رواه الترمذي، وصححه الألباني].

 

ث- ((اللهم إني أعوذ بك من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء))؛ [رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].

 

ج- ((اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك))؛ [رواه مسلم من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهم].

 

ح- ((اللهم إني أسألك من الخير كله، عاجله وآجله، ما علمت منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشر كله، عاجله وآجله، ما علمت منه، وما لم أعلم، اللهم إني أسألك من خير ما سألك عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وسلم، وأعوذ بك من شر ما عاذ منه عبدك ونبيك، وأسألك أن تجعل كل قضاء تقضيه لي خيرًا))؛ [رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها].

 

خ- ((اللهم إني أعوذ بك من البرص، والجنون، والجذام، ومن سيئ الأسقام))؛ [رواه أبو داود، وصححه الألباني من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه].

 

ختامًا نسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظنا وإياكم من الوباء والبلاء ومن كل داء

والحمد لله رب العالمين.