تعرَّض العالَمُ الإسلاميُّ لموجة جديدة من الهجمات الصليبية، تتخذ أشكالاً وصورًا حديثة، لا تتوقف عند حدِّ الغزو العسكري؛ بل تتعدَّاه إلى الغزو الفكري والاقتصادي والسياسي والاجتماعي للعقل والمجتمعات المسلمة.

ومع الحملة الصليبية التي تتزعمها أمريكا، ظهرت هجمة من نَوْعٍ جديد تستهدف العملَ الخيريَّ الإسلامي، بما فيه من منظمات وهيئات ومُؤسسات وأفراد، وذلك تحت زعم “تجفيف منابع الإرهاب”، ووقف تمويله، والملاحظ أنَّ هذه الحملة رافقها نشاطٌ ملحوظ لمنظمات التنصير، التي تعمل تحت ستار الإغاثة، وهو ما يدفع للتَّساؤل: هل هذا التزامن مقصود؟

وللتعرُّف على ذلك، سنُلقي بعضَ الضوء على التنصير واستراتيجيته تجاه العالم الإسلامي، ثم نبحث في الاستراتيجية الأمريكية تجاه الإسلام، خاصة فيما يتعلق بـ “مكافحة الإرهاب”، وذلك بصفتها راعية التنصير الجديدة، ومِنْ ثَمَّ التعرف على نقاط التقاطع بين الاستراتيجيتين، والتي أتاحت المجال أمام مُنظمات التنصير.


التنصير واستراتيجيته تجاه الإسلام

أهداف التنصير:

الهدفُ الأَوَّل لما يقوم به المنصِّرون هو خلع المسلمين عن عقيدتهم، وتَحوليهم إلى النصرانية، واختلف الباحثون بعد ذلك في تحديد أهم أهداف التنصير كحركة عالمية:

1- فالهدف الرئيس والمشترك لرجال الكنائس ورجال الاستعمار: هو القضاء على مصدر القوة الأساسيَّة التي يعتمد عليها المسلمون، ألا وهي العقيدة؛ فالعقيدة هي التي تقف عائقًا أمام انتشار التنصير، بل تتعدَّى الدور الدفاعي إلى الهجوم بنشر الإسلام في قلب معاقل النصرانية.

فحتى يتمكن الاستعمار الحديث من تحقيق هدفه المنشود، فإنه يركز على زعزعة العقيدة في نُفُوس المسلمين، بحيث يصبح الإسلام مجرد شعارات جوفاء، وطقوسًا كهنوتية صماء، ومن ثم ينعزل عن ميدان الحياة عزلاً تامًّا، وبهذه العملية – التفريغ العقدي – يصبح المسلمون فريسة طبيعية للاحتواء الاستعماري الخبيث.

وهذا ما صرَّح به أحد مؤسسي الإرسالية الأمريكية العربية، وهو المنصِّر الأمريكي الشهير “صموئيل زويمر”، في مؤتمر القدس التنصيري 1935م، حيثُ قال: “مهمتكم هي أن تخرجوا المسلم من الإسلام ليصبحَ مخلوقًا لا صلة له بالله، ومن ثَمَّ لا صلة له بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها، وبذلك تكونوا أنتم بعملكم هذا طليعة الفتح الاستعماري في الممالك الإسلامية، لقد أعددتم في ديار الإسلام شبابًا لا يعرف الصلة بالله، ولا يريد أن يعرفها، وأخرجتم المسلم من الإسلام، ولم تدخلوه في المسيحية، ومن ثَمَّ جاء النشء طبقًا لما أراده الاستعمار، لا يهتم بالعظائم، ويحب الراحة والكسل، ولا يصرف همَّه في دنياه إلا الشهوات، فإذا تعلَّم فللشهوات، وإذا جمع المال فللشهوات، وإذا تبوَّأ أسمى المراكز فللشهوات، وفي سبيل الشهوات يجود بكل شيء، باركتكم المسيحية”.

1- نشر عقيدتهم، جاء في البند الأول من النَّص الخاص بالكنيسة والعالم: “إنَّ الكنيسة تنوي أن تظهر بصورة أكثر دِقَّة لأتباعها وللعالم بأَسْره طبيعتها ورسالتها العالمية”، وشرح البند السابع عشر من نفس النص ذلك بقوله: “إنَّ الطبيعة والرسالة كيان واحد لا انفصال فيه، فالكنيسة ليس نتيجة ما أو مطلبًا يُمكن إضافته من الخارج؛ لكنَّه يمثِّل كيانها في حد ذاته، إنها مُرسلة إلى العالم أجمع من قبل يسوع المسيح”.

2- كما تسعى حركة التنصير العالمية إلى بسط هيمنة الكنيسة النَّصرانية سياسيًّا وثقافيًّا وعلميًّا ودينيًّا على العالم كله، وهو ما أشار إليه “روبرت ماكس” أحد أشهر المنصرين في أمريكا الشمالية بقوله: “لن تتوقف جهودُنا وسعينا في تنصير المسلمين حتى يرتفع الصليب في سماء مكة، ويقام قداس الأحد في المدينة”.

3- الحيلولة دون دخول النَّصارى في الإسلام، وهو ما يُعبر عنه البعض بحماية النصارى من الإسلام، وذلك عن طريق تشويه صورة الإسلام، وحجب نوره عن الغرب؛ لإقناعهم بعدم صلاحيته لهم كنظام حياة.


الاستراتيجية العامة للتنصير

تنقسم استراتيجية التنصير إلى شقين:

الأوَّل: جذب المؤيِّدين الجدد، وانطلاقًا من ذلك ركزت حركة التنصير العالمية جهودَها على مناطق وفئات “الفراغ العقدي”؛ لأنَّهم أسهل في الإقناع، فعن طريق مدِّ يد العون والأعمال الخيرية تحت شعار الصليب يتحقق ما يريدون؛ لهذا لم يكن التنصير هو المحركَ الأساس لغزو تلك المناطق، وإن كان التنصير استفاد بشدَّة من احتلالها عسكريًّا بهدف السَّيطرة وبسط الهيمنة، ونهب الثَّروات والخيرات.

أمَّا الشق الثاني: فيتمثل في التصدي لعوائق الانتشار والهيمنة، وانطلاقًا من ذلك تركزت الجهود باتجاه العالم الإسلامي، فحركة التنصير العالمية، إضافةً إلى الصراع العقدي، والحقد على الإسلام والمسلمين – لها من الدراية والوعي النَّاتج عن دراسات المستشرقين ما يجعلها واعية بأن الإسلام هو العائق الأساس، والمهدِّد الحقيقي لوجودها في العالم، وهو ما أكَّده الرئيس الأمريكي السابق بوش لمجلة التايم: “الإسلام ينتشر من وسط منطقته الواقعة بين خطي عرض 10 /40 بقوة؛ ليصلَ إلى كل بقاع الأرض؛ ولذلك فإننا لا بُدَّ أن نستخدم نفس الاستراتيجية، ونغزوه في عقر داره بتعاليم الإنجيل الحقَّة التي تحرر العقول”، وتقول التايم: “وكانت النتيجة لأفكار بوش أنْ قام العديد من المبشرين بحشد أنفسهم في هذه المنطقة”.

أركان حركة التنصير:
1- المستشرقون: وهم أدمغة الحملات الصليبية الحديثة، وشياطين الغزو الثقافي للعالم الإسلامي، ودورهم هو دراسة الإسلام وواقع المسلمين؛ للتعرُّف على مواطن القوة والضعف، ومن ثم وضع الحلول والوسائل الاستراتيجية التي تُسهم في تحقيق الأهداف التنصيرية في البلاد الإسلامية، إضافةً إلى تهيئة المسلمين للغزو القادم، فهم طلائع الجيوش الصليبية.

2- المنصرون: هم أذرع التنصير على الأرض؛ لذلك فإنَّ مجال تحركهم يتركز في النواحي الإغاثيَّة والاجتماعية والخيرية والتربوية، وكل ما له علاقة مُباشرة مع عامة الناس.

3- قوى الغزو المباشر: السِّلاح المباشر لتحقيق أهداف التنصير، سواء في تنصير المسلمين، أو إبعادهم عن دينهم، أو تحقيق الأحلام والنبوءات بالسيطرة على العالم، وهو ما يتداخل مع أهداف الهيمنة، وتكوين الإمبراطورية التي تحلم بها القُوى العالمية.

 

الوسائل الاستراتيجية للتنصير

باستقراء الوسائل المستخدمة في التنصير، يتَّضح أن حركة التنصير العالمية كانت لها طريق استراتيجي ثابت، وهو “الغاية تبرِّر الوسيلة”، ويتفرع عن ذلك استراتيجيات متنوعة، تختلف باختلاف الزمان والمكان ووضع الفئة المستهدفة من التنصير، وتندرج تلك الاستراتيجيات تحت عُنوانَيْن رئيسين:

الأول: هو العنف والغزو المباشر والاحتلال.

والثاني: هو التغلغل غير المباشر؛ اعتمادًا على أعمال الإغاثة والتعليم والتشكيك في الثوابت، ويعتمد اختيار الاستراتيجية المؤقتة على الزمان والمكان وواقع الفئة المستهدفة، وأي من الأركان الثلاثة السابقة هي المسيطرة والموجهة لدفَّة السلطة في الدول الراعية للتنصير.

فقوى الاستعمار الهادفة للهيمنة تركِّز على الغزو المباشر؛ لأنه الطريق الأسرع لتحقيق أهدافها، إضافةً إلى كونه يحقق في النِّهاية أهداف التنصير، ويُسهل مهمته، الذي بدوره يسهل ويُمهد الطريق أمام الغزو بأقل مقاومة ممكنة.

والقُوى الدينية إذا كانت هي المسيطرةَ مُباشرة على دفَّة الأمور، اتجهت إلى التغلغل السلمي الذي يُحقق أهدافها ببطء، ولكن بفاعلية كبيرة، وتتحاشى انتفاضة النوازع الدينية لدى المسلمين، أمَّا في الحالات التي تسيطر خلالها القوتان على مقاليد الأمور، بالتزامن مع انهيار في جانب المسلمين، تطبق الاستراتيجيتان بشكل متزامن.


الاستراتيجية الأمريكية والعمل الخيري الإسلامي

نحاول الآن أن نتعرَّف على الرعاية الأمريكية للتنصير، وما تقوم به من مُحاولات لإزالة العوائق من أمامه، وذلك من خلال إلقاء بعض الضوء حول الاستراتيجيَّة الأمريكية في ثلاثة جوانب: الاستراتيجية العامَّة، استراتيجية مُحاربة الإسلام أو “الإرهاب”، استراتيجية مُحاربة العمل الخيري.

أولاً: الاستراتيجية الأمريكية العامة:
تقوم هذه الاستراتيجية العامَّة على شقين رئيسين: المصالح والهيمنة والسيطرة، وتكوين الإمبراطورية “الأهداف الدينية وتحقيق النبوءات”.

ولا توجد خطوط فاصلة بين أهداف التنصير، وبين الهيمنة وتكوين الإمبراطورية والسيطرة على العالم، خاصَّة أنَّ نشر النصرانية كان من أهم سمات الإمبراطوريَّات السابقة؛ مثل البريطانية والفَرَنسية والإسبانية وغيرها، وأنَّه يتبادل الأدوار مع الاستعمار، فتارة يكون أداة من أدواته، وتارة يكون العكس، وغالبًا ما يكونا شريكين تتقاطع وتتشابك مصالحهما، ولأن أمريكا ورثت تلك الإمبراطوريات وحدَها، فقد استمرت على نفس النهج؛ لكنها طورت وبحثت عن الهيمنة المنفردة دون منازع؛ اعتمادًا على القوة والدين في ذات الوقت؛ لذلك يُمكن اختصار الاستراتيجية العامة لأمريكا في عنصر محدد، وهو “القطب الأوحد”.

واستراتيجية “القطب الأوحد” تحاول تحقيق مقولة كيسنجر الشهيرة: “إن الإمبراطوريات لا تهتم بأنْ تديرَ شؤونها في إطار نظام دولي؛ فهي تطمح إلى أن تكونَ هي ذاتها النظام الدولي”، وما مُصطلحات العولمة أو الأمركة إلا تعبيرًا وانعكاسًا لهذه الاستراتيجية المحددة، فأمريكا تُحاول صهر العالم بأسره في بوتقة واحدة لتدورَ جميعها في فلكها.

في ظل هذه الاستراتيجيَّة تقاتل أمريكا أيَّ قوة من شأنها أن تقف عائقًا أمام هيمنة دين الإمبراطورية، ونظامها الاقتصادي والسياسي؛ لذلك فهي تُحارب العقائد والقوى العسكرية والقُوى الاقتصادية المعادية، أو التي تقف عائقًا أمام بسط أيٍّ من عناصر ثالوث الهيمنة الأمريكي “الدين، والقُوة العسكرية، والمال”، وبعد انهيار الاتِّحاد السوفيتي لم يبقَ من يقف أمام بسط الهيمنة الأمريكية سوى الإسلام.

ثانيًا: الاستراتيجية الأمريكية تجاه الإسلام “مكافحة الإرهاب”:
ينطلق العداء الأمريكي للإسلام من الحقد العقدي المشار إليه سابقًا في أهداف التنصير، كما ينطلق من الصراع على السيطرة والهيمنة على العالم التي يتصدَّى لها الإسلام.

ويرى البعض أن استراتيجية أمريكا في التعامُل مع الإسلام والدُّول الإسلامية تقوم على: الاحتواء، الردع، مكافحة الإرهاب.

أ- الاحتواء:
حيثُ تحاول وقف المدِّ الإسلامي عن طريق ملء مناطق “الفراغ العقدي” قبل وصول الإسلام، وهي مهمة مؤسسات التنصير العملاقَة عن طريق الأعمال الخيريَّة والإغاثية.

والأهم في هذه الاستراتيجية: هو مُحاولة خلق صورة جديدة من الإسلام، وتشجيعها للقيام بذات المهمة فيما يتعلق بوقف المد الإسلامي بصورته الطبيعية، وهي صورة “الإسلام الوديع”، التي تصرف المسلمين عن مُواجهة القوى الكُبرى، فضلاً عن محاولة القيام بدور هجومي؛ لنشر العقيدة في معاقل تلك القوى، إضافة إلى أنها تبتعد عن العمل السياسي، وعن المقاومة، بتركيزها على العبادات والخلاص الفردي، فالزهد في الدنيا والانصراف عنها – بطريقة مُخالفة للشرع – وعن عالم السياسة – يضعف صلابة المسلمين في مُواجهة التحديات الخارجيَّة، أو مُحاولة تبوُّؤ المكانة الطبيعية، من هذا المنطلق يُمكن فهم لماذا أوصت لجنة الكونجرس الخاصة بالحريات الدينية بأنْ تقوم الدول العربية بتشجيع الحركات الصوفية.

ب- الردع:
تقوم على ردع أي قوة تحاول تهديدها، وذلك بالرَّد العسكري الساحق والتلويح بالخيار النووي، كما يندرج تحت ذلك فكرة “الإكراه”، والتي وصفها “جاك ليفي” بأنَّها “استخدام التهديدات لحثِّ الخصم على فعل شيء، أو التوقُّف عن فعل شيء، وليس الامتناع عن فعل شيء لم يقم به بعد”.

استخدمت أمريكا هذه الاستراتيجيَّة لتهديد أيِّ قوى إسلامية تُحاول الوقوف أمام زحف الإمبراطورية، وهو ما يبدو واضحًا في الإصرار على منع المسلمين من امتلاك السِّلاح النووي، “تم احتواء باكستان الدولة الإسلاميَّة الوحيدة التي أفلتت بقنبلتها النووية”.

وانتقلت بعد ذلك من مُجرد ردع الدول الإسلامية إلى التنفيذ الفعلي في حالة أفغانستان، وطوَّرت بعد ذلك هذه الاستراتيجية إلى “الضربات الوقائيَّة”، كما جاء في تقرير للبيت الأبيض 5 /9 /2004: “إنَّنا ندافع عن السلام بنقل المعركة إلى العدو والتَّصدي له في الخارج؛ كي لا نضطر لمواجهته هنا في الوطن”، وتحققت بغزو العراق.

ج- مكافحة الإرهاب:
في تعامُلها مع الإسلام تأخذ استراتيجيةُ “الرَّدعِ” شكلاً آخر غير فكرة “الردع للتوقف عن فعل شيء لم يقم بعدُ”؛ حيثُ تستخدم “الردع”؛ لمنع المسلمين من نشر الإسلام، والذي يعني انهيار المشروع الأمريكي.

لذلك فإنَّ “مكافحة الإرهاب” هي استراتيجية في حدِّ ذاتها، وهي إحدى الوسائل المستخدمة في مُحاربة الإسلام، والمنطلقة من استراتيجية ردع الدول الإسلامية، وأصبحت مرادفًا لمحاربة الإسلام؛ لذلك فإن الوسائل المستخدمة في “مكافحة الإرهاب” هي أيضًا وسائل محاربة الإسلام، ومن أهم هذه الوسائل: “تجفيف منابع الإرهاب”، ومن هنا فإنَّ المقصود بها تجفيف منابع الإسلام.

تقسم أمريكا طريقها في مُحاربتها للإسلام إلى مراحل متعددة، والمرحلة الراهنة هي استهداف “ثقافة المقاومة والجهاد”، وليس الإسلام برمته، وأشار إلى ذلك الرَّئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشيخ صالح الحصين، في تقديمه لكتاب “القطاع الخيري ودعاوي الإرهاب”، فقال: “قبل سنوات عُني أحدُ الباحثين بوضع فرضية أدخلها في حاسوبه الشَّخصي، وظَلَّ يرصد الأحداث وتصريحات السياسيِّين التي لها صلة بهذه الفرضية، وكان يُدهش كيف أنَّ الوقائع ظلت تؤيد فرضيته؟! لقد بَنَى هذه الفرضية بشكل هرم، كتب على ثلثِه الأعلى الجهاد، وعلى ثلثه الأوسط المؤسسات الخيريَّة والمؤسسات المالية، وعلى قاعدته القيم والمبادئ، وقد افترض أنَّ الغارة على الإسلام – في صراع الحضارات – سوف يكون هدفها الأول الجهاد، وهدفها الأخير القيم والمبادئ، مرورًا بالمؤسسات الخيرية والمالية”.

ومما يدل على ذلك أيضًا: خطاب ألقته وزيرة الخارجيَّة الأمريكية السابقة كوندوليزا رايس في “المعهد الأمريكي للسلام”، ونشر على موقع الوزارة في 23/8/2004، أشارت إلى أنَّ “النصر الحقيقي سيتأتَّى، لكن ليس من مُجرد عندما يهزم الإرهابيون بالقوة، بل حينما يتم التغلُّب على “عقيدة الموت والأحقاد”، بواسطة إغراء الحياة والرجاء، وحينما تستبدل الأكاذيب بالحقائق”.

واستراتيجية “تجفيف المنابع” هذه تقوم على تجفيف المنابع الفكريَّة والمادية لما تزعم أمريكا أنه السبب المباشر لظهور “الإرهاب”:
المنابع الفكرية: وحرب الأفكار هي ركن أصيل في الصِّراع مع الإسلام، فحركة الاستشراق شنَّت غزواتٍ فكريةً ضد الإسلام يُعانيها المسلمون إلى وقتنا الحاضر، ومن خلال دراسات المستشرقين، ومراكز الأبحاث، تعتقد أمريكا أنَّ خطورة الإسلام الحقيقية تكمُن في مفهوم الجهاد بمفهومه الشَّامل، وليس العسكري فقط، وخاصَّة فكرة الاستشهاد التي تؤرِّق الاحتلال، إضافةً إلى كون الجهاد هو المحرك الأساس لرفض الهيمنة الغربية، وأحد الأدوات المفترض أن تستخدم لنشر الإسلام ووقف الزحف الصليبي.

لذلك اتَّجهت استراتيجية التجفيف نحو هذا المفهوم، عن طريق تشجيع الحكومات الإسلامية لدَعْم الحركات الصُّوفية، وعن طريق جيوش العلمانيين للتشهير والتشكيك في ثقافة المُقاومة، تحت مزاعم عدم الاستعداد وتكافُؤ القُوى، وأنَّها تجلب مزيدًا من الدمار على المسلمين، ويظهر هذا المعنى الأخير بوُضوح في التعليقات على حرب غزة، كما توجهت الحرب أيضًا إلى المناهج الدراسية؛ أي: حرب “تغيير المناهج”، وبمصطلح بعض الحكومات العربية: “تطوير المناهج”.

المنابع المادية: عبَّر عن ذلك رئيس الوزراء البريطاني “جوردن براون” بقوله: “إذا كان التطرُّف هو القلب النابض للإرهاب الحديث، فإنَّ التمويلَ هو الدماء التي تجري في شرايين هذا الإرهاب”، وفي ظل عدم وضوح المقصود بالإرهاب، انطلقت حملة شعواء ضد مؤسسات العمل الخيري الإسلامي، وتَوَسَّعت تدريجيًّا لتشمل مصادرة الأموال الإسلاميَّة المهاجرة.

ثالثًا: الاستراتيجية الأمريكية في محاربة العمل الخيري الإسلامي:

من متطلبات الرعاية الأمريكية للتنصير: مُحاولة إزالة العوائق من أمامه، ومن أهمها “العمل الخيري الإسلامي”، وفيما يلي أهم أسباب هذه الحملة الأمريكية:

أولاً: إذا كان التنصير قد اعتمد التغلغلَ السلميَّ كاستراتيجية أساسية تجاه العالم الإسلامي، وكانت المنظمات الإغاثيَّة هي أداته؛ فمن المنطقي أن يكون العمل الخيري الإسلامي هو أول مَن تسعى مُنظمات التنصير لإزالته من طريقها، خاصَّة مع تنامي دور المؤسسات الخيرية الإسلاميَّة، وساعدها على ذلك أن حوالي 70% من مناطق الكوارث هي مناطق يقطنها مُسلمون مع الأسف، ومن الطبيعي أنَّ أهالي تلك المناطق المنكوبة يسارعون إلى مَن يشاركونهم في العقيدة والفكر، ويشعرون أنهم لا يمنُّون عليهم بقدر ما يقدمون لهم حقهم الذي نصَّت عليه شريعة الإسلام التي يؤمنون بها.

والمُشكلة التي تسببها المؤسسات الخيرية الإسلامية للمنصرين: أنَّها لم تعد تنتشر فقط في المناطق الإسلاميَّة لتواجه خطر التنصير؛ لكنَّها أصبحت تنتشر في مناطق الفراغ العقدي ومعاقل النصرانيَّة في الدول الغربية، وأصبحتْ أهم وسائل الدَّعوة إلى الإسلام.

لذلك كانت حركة التنصير هي أكبر المحرضين ضد العمل الخيري الإسلامي، بهدف إزالته من طرقها، ثُمَّ الانتشار في الفراغ الذي سيسببه غياب مُؤسسات الخير الإسلامية، ويشير إلى ذلك الباحث محمد النجار، الخبير بمركز الخليج للدراسات الاستراتيجيَّة خلال ندوة “مستقبل مؤسسات العمل الخيري الخليجي في ضوء الاتهام الأمريكي لها بتمويل الإرهاب”؛ حيث قال: “الحملة الأمريكية على هذه الجمعيات ترغب في القضاء على المكون الديني لهذه الجمعيات، وإفساح الطريق أمام جمعيات تنصيرية غربية لتَحُلَّ محلها، خصوصًا في أفغانستان والبوسنة”.

ثانيًا: يندرج العمل الخيري الإسلامي تحت الهدف المرحلي للاستراتيجية الأمريكية في “مكافحة الإرهاب”، فالدِّراسات الغربية أوضحت لهم أنَّ الجهاد في الإسلام لا يتوقف فقط على النَّواحي العسكرية المباشرة، وإنَّما يتعدَّى ذلك إلى اعتبار بذل الأموال من أهم أنواع الجهاد، وهو مُقدَّم في القرآن الكريم على الجهاد بالنَّفس؛ لذلك كان التوجه الأمريكي نحو الجمعيات الخيرية الإسلامية التي تُغذي هذا المفهوم لدى المسلمين.

ثالثًا: نجحت مؤسسات العمل الخيري الإسلامي في تحقيق الوَحدة بين المسلمين على مستوى العالم؛ حيث أشاعت روحًا من التكافُل الاجتماعي، وهذا مما يتعارض مع الاستراتيجية الأمريكية الثابتة تجاه المسلمين بمنع أيِّ تَحالفات بينهم، والإصرار على تفكيك الدول الإسلامية، وبذر الخلافات بينها.

رابعًا: في معظم أزمات المسلمين تظهر الأصابع اليهودية؛ حيث يقول “روبرت فيسك”: “إنَّ إسرائيل عملت على تشجيع خلق صورة من المُطابقة والتماثُل بين الإرهاب والإسلام… وبناءً على هذا فقد تَمَّ استهداف مؤسسات تعليمية وعلمية، ومؤسسات للأيتام وللفقراء والمساكين…”، وكانت المقاومة الفلسطينية مستهدفة لعدة أسباب، منها:

♦ تماشيًا مع الاستراتيجية الأمريكية المرحلية في مواجهة ثقافة الجهاد، والتي تؤججها المقاومة الفلسطينية.

♦ الاعتماد الفعلي لفصائل المقاومة على التبرُّعات الخارجية.

♦ الفصائل في حد ذاتها هي مُؤسسات خيرية؛ حيثُ تقدم خدماتها في المجالات الإنسانية والتعليمية للشعب الفلسطيني؛ لذلك كانت حركتا حماس والجهاد على رأس القوائم الأمريكية لمصادرة الأموال، وتم مصادرة أموالهما في العديد من الدول.

 

التنصير والانتشار في الفراغ

تقول دراسةٌ في مَجلة شؤون خليجية، العدد: 31، عام 2003م: “إن ما يجب التأكيد عليه في النهاية: هو أنَّ الاستمرارَ في مُمارسة الضُّغوط، وتوجيه الاتهامات، واتِّخاذ إجراءات عقابية ضد الجمعيَّات والمؤسسات الخيرية العربية والإسلامية، من شأنه أن يدفعها إلى التوقف أو تقلُّص دورها الإنساني، في الوقت الذي يشهد فيه العالم تزايدًا ملحوظًا في معدلات الفقر والبُؤس؛ نتيجةَ الكوارث الطبيعية والبرية الهائلة”.

ومن المعلوم أنَّ جهودَ نشر العقيدة تكاد تنحصر حاليًّا بين الإسلام والنَّصرانية، ويُحاول الدُّعاة من المسلمين التَّصدي لحملات التنصير، والانطلاق لنشر العقيدة في أنحاء العالم عن طريق المؤسسات الخيرية الإسلاميَّة، وهو ما يقوم به المنصرون أيضًا بصورة متشابهة إلى حد ما، إلاَّ أن تركيز التنصير يتجه إلى العالم الإسلامي والمناطق المحيطة به لأهداف استعمارية أخرى تحدثنا عنها سابقًا.

لذلك؛ من الطبيعي أن يُؤدِّي تحجيمُ نشاطِ أيٍّ منها إلى خلق مناطق فراغ، سيستغلها الطرف الآخر على الفَوْر، فمحاربة العمل الخيري الإسلامي أدَّت بالفعل إلى وُجود فراغ في المناطق التي كان ينتشر بها، أو في بعض المناطق التي كان يفترض أنْ يكون أول من يغطيها، والمثال الأوضح على ذلك ما حدث في الصومال، فبعد أحداث عام 1991 وانهيار النظام هناك، تدفقت هيئات التنصير، وسَبَقَت في ذلك الهيئات الإسلامية، ولما دخلت المنظمات الإسلامية بدافع إسلامي وإنساني، رحَّبَ بها أهل الصومال، وتقبَّلوا المعونة باليد والدعوة والنصيحة بالقَلْب، فثارت المنظمات التنصيرية، واستَعْدَتْ عليها أمريكا؛ لتفرغ لها الساحة، ولتكون البديل الاضطراري الذي لا غنى عنه للشَّعب.

ومع الحملة الأمريكية، مُنعت الهيئاتُ الخيريَّة الإسلامية من مُزاولة أعمالها الدَّعوية والإغاثية، وفي ذات الوقت صعدت المنظمات التنصيرية من أنشطتها مستغلة فراغ الساحة، ولتستولي على المدارس والمراكز التي توقَّف عنها دعم المنظمات الإسلاميَّة، فعلى سبيلِ المثال فرضت إحدى المنظمات التنصيريَّة على أهل قرية دار السلام جنوب غرب مقديشو – نَزْعَ الفتيات للنقاب في إحدى المدارس لقاء دعم المدرسة ماليًّا.


الفراغ الأكبر

إنَّ هذه الصورة من انتشار الهيئات التنصيريَّة في الفراغ الذي يُسببه غيابُ العمل الخيري الإسلامي، إنَّما هي صورة مُبسطة، وتبدو سطحيَّة في ظاهرها؛ ولكنَّها تختزل الصورة الأكبر للاستراتيجية الأمريكية تجاه الإسلام، وهي مُحاولة نشر النصرانية في الفراغ الذي سينشأ عن غياب الإسلام، بِحَسَبِ أحلام تكوين إمبراطورية “القطب الأوحد”، الذي لا يرضى إلا بأن تكون عقيدته الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية هي المسيطرة على العالم.


التوصيات

1- ضرورة النظر للقضية من خلال كونها نابعة من أساس ديني؛ مما يتيح الفرصة للتعرُّف على دوافعها الحقيقة، ومن ثَمَّ وضع تصورات ناجحة للتعامل معها، ولكن مع عدم إهمال الدوافع المادية، المتمثلة في استراتيجية الهيمنة، وحلم تكوين الإمبراطورية الأمريكية.

2- لا بد من الاعتراف بالخطر بين الإفراط والتفريط، فالتنصير بالفعل يغزو العالم الإسلامي، ويُحقق بعضَ النجاح؛ لكنه لا يحقق تلك النتائجَ المبالغ فيها التي يدعيها المُنصِّرون.

3- الدِّراسة الواعية لأساليب التنصير ووسائله، ومُحاولة وضع طرق للتَّصدي لها، خاصَّة أنَّ دراسة هؤلاء لظروف المسلمين وواقعهم تدفعنا إلى أن نكون نحن أولى بذلك منهم؛ حتى نتمكنَ من فهم واقع المسلمين، ثم التغلب على العقبات، ومعالجة الأزمات.

4- مع الأسف، لا توجد مراكز بحثية تهتم بالعمل الخيري الإغاثي الإسلامي، وتوفر دراسات ومعلومات حولَه وإحصاءات حول أنشطته، وذلك على الرَّغم من تراكم الخبرات الكبير لدى كلِّ هيئة على حِدَة؛ مما سيشكل ثروة هائلة من المعلومات في حالة دراستها مُجتمعة، وذلك على العكس من المنظمات التنصيرية التي تتوافر عنها المعلومات بشكل كبير، وخصصت لها العديد من الدِّراسات والبُحُوث للتعرُّف على التحديات التي تواجهها وسبل تخطيها، إضافةً إلى وضع الاستراتيجيات العامة لها، وخلال المؤتمر الخليجي الأول للعمل الخيري، حكى الخبير الشهير في العمل الخيري “عبدالرحمن السميط”: أنَّه شاهد في أرشيف كنيسة بروتستانتية ما كتبه منصِّر إنجليزي زار منذ حوالي 500 سنة قبيلةً مُسلمةً تحوَّلَت للوثنية في مدغشقر.

5- ضرورة عقد مؤتمرات لتبادل الرَّأي والخبرة والتنسيق بين مُختلف الجمعيَّات الخيرية الإسلامية، ووضع استراتيجية مُوحدة لمواجهة هذه الأزمة.

6- على جمعيات العمل الخيري الإسلامي أنْ تواكبَ الأحداث، وتتحدَّى الظروف التي أحيطت بها، ولا تستسلم للضُّغوط من أجل وقف نشاطها، لكن عليها – مع الأسف، في ظل عدم الدَّعم الرسمي لها في هذه الأزمة – أن تنحني “بذكاء” انحناءة السُّنبلة للعاصفة حتَّى تَمُرَّ بأقل الخسائر، ثم تعود للنهوض من جديد أقوى من ذي قبل، مُستفيدة من تلك العاصفة في مُواجهة الأزمات المستقبليَّة، وبالطبع لا نعني بذلك دعوة للاستسلام، ولكن هو ما تفرضه الأزمة التي يمر به العمل الخيري.

7- من الضروري – خاصة في ظل هذه الهجمة الشرسة – نبذُ الخلافات بين المؤسسات والهيئات الإسلاميَّة، والتي تُعرقل العمل الدعوي، فعليها التحرُّر من خلفيتها المحلية والإقليمية، والانطلاق في التعامُل مع بعضها إلى فضاء العَلاقة على أساس الإسلام.

8- على صعيد التخطيط لِمَا بعد العاصفة، يجب أن تنوع الجمعيَّات الخيرية الإسلامية مصادرَ تمويلها، ولا تعتمد على التبرُّعات وأموال الزكاة فقط؛ بل يجب أن تستفيد من تجربة المؤسسات التنصيرية – مع الأسف – في مجال تفعيل وتنشيط التمويل، من خلال إقامة مشروعات خاصَّة بها، تضمن لها استمرار التمويل في حالة مُرورِها بمثل تلك الأزمات.

9- الاحتراف بكل ما تعنيه الكلمة من معانٍ، فمن المقرر أنَّ معظم من يقوم على الجمعيات الخيرية الإسلامية هم مِن المخلصين المتطوعين لذلك، فلا نكاد نجد متخصصًا في الإدارة يُشرف على جمعيات الخير، وينطلق ذلك من كون العمل الخيري الإسلامي ذاته يقوم على التطوُّع الشخصي والاجتهادات الفردية، وهو الأمر الذي طالب به “عبدالرحمن السميط” في مُؤتمر “العمل الخيري: الواقع والتحديات”؛ حيثُ أوضح أن الجمعيات الخيرية تقوم على اجتهادات فردية “غريبة”، وقال: (كفانا متطوعين)، ودعا إلى الاحتراف في هذا المجال.

10- يُمكننا أن نتعلم – مع الأسف – من منظمات التنصير في كيفية إعداد خبراء في التنصير، فهناك على سبيل المثال نشرة تنصيرية تُسمى (ديت لاين)، تخطط لأتباعها طُرُق التنصير، وتحضهم على الانضمام إلى دوراتها التدريبية التي تعقدها لتأهيلهم للقيام بهذه المهمة.

11- التواصل مع الرأي العام، واستغلال وسائل الإعلام المختلفة لعرضِ عدالة موقفها، ودَحْض الافتراءات الأمريكيَّة، فكما يقال دائمًا: الهجومُ خير وسيلة للدِّفاع، وهناك تجربة جديرة بالدِّراسة في هذا الصَّدد، وهي إصدار مُؤسسة عبدالعزيز بن باز الخيرية بالسعودية أول مجلة متخصصة في العمل الخيري على مستوى العالم العربي، تسمى “الخيرية”، التي كما يقول المسؤولون عنها: تتطلع إلى أنْ تكونَ صوت العمل الخيري والمدافع عنه والساعي إلى دعمه وتطويره، واستشراف مستقبله خلال الفترة المقبلة.

12- على الحكومات في الدُّول الإسلاميَّة، إذا كانت تعرضت لضغوط كبيرة لتحجيم العمل الخيري الإسلامي، فعليها بالمقابل أنْ تتصدَّى لجحافل المُنصرين المنطلقة باتجاه العمل الإسلامي، وتقول “نيويورك تايمز” 1 /11 /2004: إنَّ حصولَ أي مُنصر على تأشيرة دخول إلى بلد عربي أو مسلم يعدُّ أمرًا صعبًا، غير أنَّ ذلك لا يوقف هؤلاء المنصرين، الذين يلجؤون غالبًا إلى طرق أخرى، أوضحت أنَّ العديد من المنصرين يأتون إلى بُلدان الشرق الأوسط بتأشيرة دراسيَّة أو كمبرمجي حاسب آلي أو غيرها من الأعمال، ثم يشرعون في مُمارسة نشاطهم التنصيري في الكتمان.

13- رغم كل هذه الضغوط الحقيقية التي تواجه جمعيات الخير، فلا ينبغي أن نتخذه مبررًا للكسل، وعدم بذل جهودنا في الدعوة؛ لأنَّ هذه الجمعيات التي تعمل في الدَّعوة إلى الله تعلم جيدًا أنَّ هذا الطريق كتب عليه أنَّه لا يكون ممهدًا بالورود، بل هو عقبات متتالية، وهو ما نعرفه باسم “التمحيص”.

قبل أن نرحل ونترك الصورة القاتمة، نودُّ عرض بعض المبشرات التي تدفع إلى المزيد من الجهد والعمل:
♦ غزو واحتلال العراق وما صاحب ذلك من مظاهر صليبيَّة تظهرها الكاميرات، إضافةً إلى تهافُت منظمات التنصير، وتسهيل مهمتها هناك، رغم هذا فهناك قناعة لدى المسلمين بأنَّ هذه الحرب جزءٌ من حملة صليبية جديدة ضدَّ المسلمين؛ مما جعلهم أكثر تمسكًا بدينهم، انقلب السحر على الساحر، فالمؤسسات التنصيرية انهمكت في النشاط الخارجي على حساب العمل الداخلي وسط شعوبها، تركت مساحة كبيرة للدَّعوة الإسلامية النابعة من الجاليات الإسلامية هناك، التي اكتسبت خبرة كبيرة من رحلات الدُّعاة العرب إليهم قبل التضييق الأخير.

♦ جاء في صحيفة المحايد، غرة ربيع الأول 1425 هـ، تحت عنوان: “تشاد والغارة التنصيرية”: كانت حالات إشهار الإسلام قليلة؛ لقُوة المنظمات التنصيرية والإمكانيات الهائلة المضادة، إلاَّ أنَّ التوفيق من الله – عزَّ وجل – ومن ثَمَّ النشاط المتزايد للجمعيات، والمنظمات الإسلامية استطاعت أنْ تُحول أعدادًا كبيرة إلى الإسلام، بدءًا من القساوسة والرُّهبان والشماسين وأتباعهم من الطلاب في الإرساليات، وبعض زعماء القبائل مع أفرادها؛ حيث اعتنق الإسلام منذ عام 1991م – 2002م أكثر من 43 قسًّا وراهبًا، و4 كرادلة، و6 رعاة، و46 شماسًا، و19 مسؤولاً كبيرًا، وإسلام الكاردينال الإيطالي المنتدب من قبل الفاتيكان، وأسلم معه أكثر من 150 من طلاب الإرساليات.

♦ كما يبقى لنا أن نتعلم من تجربة مُنصرة أمريكية، تعمل مستشارة طبية بولاية كاليفورنيا؛ حيثُ تقول: “عندما يرسخ في وجدانك أنَّ حبَّ المسيح هو أثْمن هدية للبشرية، فإنَّك ترغب في أن تجد أماكنَ وأناسًا؛ ليعرفوا تلك الحقيقة، وهذا ما يدفعنا إلى أماكن غريبة وظروف صعبة”، وعلينا أن ننظر إلى حرقة المنصر جوش على النَّشاط في دعوته، يقول: “في كل يوم أناجي الرَّبَّ قائلاً: استعملني، قل ماذا أفعل، قل لي ماذا أقول”، ويبدو أنَّه استمع للدُّعاء المحبب لدى المسلمين المخلصين “اللهم استعملنا ولا تستبدلنا”.


أهم المصادر

♦ حرب صليبية بكل المقاييس، أ.د. زينب عبدالعزيز.
♦ تنصير العالم: مناقشة لخطاب البابا يوحنا بولس الثاني “روعة الحقيقة”، أ.د. زينب عبدالعزيز.
♦ التبشير والاستعمار في البلاد العربية: عرض لجهود المبشرين التي ترمي إلى إخضاع الشرق للاستعمار لغربي، د. مصطفى خالدي، د. عمر فروخ.
♦ القطاع الخيري ودعاوي الإرهاب، د. محمد بن عبدالله السلومي.
♦ “ندوة مستقبل مؤسسات العمل الخيري الخليجي في ضوء الاتهام الأمريكي لها بتمويل الإرهاب”، مجلة شؤون خليجية، العدد: 32، شتاء 2003.
♦ المؤتمر الخليجي الأول للعمل الخيري، تحت عنوان: “العمل الخيري: الواقع والتحديات”، الكويت، 10 – 12 شوال 1425هـ.
♦ التقرير الارتيادي “الاستراتيجي” الصادر عن مَجلة البيان، الإصدار الأول 1424هـ، والإصدار الثاني 1425هـ.
♦ موسوعة مجلة البيان الإلكترونية، الإصدار الثاني.
♦ مجلة المجتمع الكويتية.
♦ قناة المجد الفضائية.

مواقع الانترنت:
♦ إسلام أون لاين.
♦ الجزيرة نت.
♦ مفكرة الإسلام.
♦ الإسلام اليوم.
♦ الدكتور سفر الحوالي.
♦ وزارة الخارجية الأمريكية.

رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/6034/#ixzz683e1qJoM