أصل التحريف من انحراف الشيء عن جهته ومیله عنها إلى غيرها، فهؤلاء الأحبار بين الله عز وجل أن تحريفهم للكلم من بعد مواضعه لم يحصل لهم عن جهل ونقص في معرفة الحق، بل كانوا يعرفون الحق ويعقلونه ثم يبدلونه وهم واثقون في أنفسهم أنهم في تحريف ما حرفوا كاذبون على الله مفترون مبطلون. ولا شك أن هذا الفريق من بني إسرائيل هم شر الناس وأضرهم على الإنسانية كلها؛ فإن من يحرف كلام الله عن جهل وقصور في الفهم وإن كان مستحقًا لغضب الله وسخطه؛ لجرأته على تحريف كلام الله، وعلى القول على الله عز وجل بغير علم؛ فإن من حرف کلام الله بعد فهمه وعقله ومعرفته يكون أعظم إثمًا وأفحش جرمًا.

أصل التحريف من انحراف الشيء عن جهته ومیله عنها إلى غيرها ([1])، فهؤلاء الأحبار بين الله عز وجل أن تحريفهم للكلم من بعد مواضعه لم يحصل لهم عن جهل ونقص في معرفة الحق، بل كانوا يعرفون الحق ويعقلونه ثم يبدلونه وهم واثقون في أنفسهم أنهم في تحريف ما حرفوا كاذبون على الله مفترون مبطلون.

ولا شك أن هذا الفريق من بني إسرائيل هم شر الناس وأضرهم على الإنسانية كلها؛ فإن من يحرف كلام الله عن جهل وقصور في الفهم وإن كان مستحقًا لغضب الله وسخطه؛ لجرأته على تحريف كلام الله، وعلى القول على الله عز وجل بغير علم؛ فإن من حرف کلام الله بعد فهمه

وعقله ومعرفته يكون أعظم إثمًا وأفحش جرمًا.

وقد اتفق المسلمون على أن اليهود حرفوا التوراة وغيروا فيها وبدلوا، إما في ألفاظها وإما في معانيها وأحكامها بسبب انحرافهم، كتغييرهم حکم رجم الزاني إلى تسخيمه وتسويد وجهه وفضحه إن كان من الأغنياء وأعيان بني إسرائيل ووجوههم، ورجمه إن كان من الفقراء، فقد روى البخاري([2]) ومسلم([3]) في صحيحيها واللفظ للبخاري من حديث عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- أن اليهود جاءوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكروا له أن رجلًا منهم وامرأة زنيا؛ فقال لهم رسول الله: «ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟» فقالوا: نفضحهم ويجلدون، قال عبد الله بن سلام -رضي الله عنه-: كذبتم إن فيها الرجم، فأتوا بالتوراة، فنشروها فوضع

أحدهم يده على آية الرجم فقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبدالله بن سلام -رضي الله عنه- ارفع يدك، فرفع يده، فإذا آية الرجم؛ فقالوا صدق یا محمد، فيها آية الرجم، فأمر بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرجما، فرأيت الرجل يحني على المرأة يقيها الحجارة.

فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران: 93]، فجاءوا فقالوا لرجل منهم ممن يرضون أعور: اقرأ، فقرأ حتى انتهى موضع منها؛ فوضع يده عليه، فقال: ارفع يدك فرفع، فإذا آية الرجم تلوح. قال:  يا محمد إن فيها آية الرجم ولكنا نتكاتمه بيننا، فأمر بهما فرجما.

وفي لفظ مسلم: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أتي بيهودي ويهودية قد زنيا، فانطلق رسول -صلى الله عليه وسلم- حتى جاء يهود فقال: ما تجدون في التوراة على من زنى؟ قالوا نسود وجوههما ونحممهما ونحملهما بين وجوههما ويطاف بهما. قال: {فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران: 93]، فجاءوا بها فقرءوها حتى إذا مروا بآية الرجم وضع الفتى الذي يقرأ يده على آية الرجم، وقرأ ما بين يديها وما وراءها، فقال له عبدالله بن سلام وهو مع رسول الله: مره فليرفع يده فرفع يده، فإذا تحتها آية الرجم، فأمر بها رسول الله ﷺ فرجما. قال عبد الله بن عمر -رضي الله عنها-: كنت فيمن رجمها؛ فلقد رأيته يقيها من الحجارة بنفسه.

وقد وصف الله تبارك وتعالى هؤلاء المحرفين لكلام الله بعد سماعه وفهمه في جملة من الصفات الذميمة؛ حيث يقول: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 41].

والشواهد على تحريف اليهود للتوراة كثيرة من واقع الأسفار الخمسة التي تتكون منها مجموعة التوراة عندهم، ولا يستطيع أن ينكرها اليهود ولا غيرهم، فاليهود يعتقدون أن موسی كتب أسفار التوراة الخمسة بيده، مع أن فيها وصف موت موسی ودفنه، فكيف کتب موسی هذا بيده؟!

ففي الفصل (الإصحاح الحادي والثلاثين من سفر التثنية ما نصه (24): فعندما كمل موسی كتابة كلمات هذه التوراة بيده في كتاب إلى تمامها (25) أمر موسى اللاويين حاملي تابوت عهد الرب، قائلا: (26) خذوا كتاب التوراة هذا وضعوه بجانب تابوت عهد الرب إلهكم ليكون هناك شاهدًا علیکم (۲۷) لأني عارف تمردكم ورقابكم الصلبة، هو ذا وأنا بعد حي معكم، اليوم قد صرتم تقاومون الرب فكم بالحري بعد موتي (۲۸) اجمعوا إلى كل شيوخ أسباطكم وعرفاءكم لأنطق في مسامعهم بهذه الكلمات وأشهد عليهم السماء والأرض (۲۹) لأني عارف أنكم بعد موتي تفسدون وتزيغون من الطريق الذي أوصيتكم به”.

وفي الفصل (الإصحاح) الرابع والثلاثين من سفر التثنية: (5) فمات هناك موسی عبد الرب في أرض موآب حسب قول الرب (6) ودفنه في الجواء في أرض موآب مقابل بیت فغور، ولم يعرف إنسان قبره إلى اليوم” اهـ.

فهذه شواهد ثابتة لا يستطيع أحد من کهنتهم وأحبار السوء فيهم أن ينكر أنها من صميم

التوراة عندهم، وهي شاهد عدل على أنهم قد حرفوا الكلم من بعد مواضعه، وأنهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعدما عقلوه وهم يعلمون([4]).


[1]– ينظر: لسان العرب 9/43.

[2]– رقم (3635).

[3]– رقم (1699).

[4]– تهذيب التفسير 1/174-176.