الصهيونِية والعنصريات الحديثة………..بقلم /ريجينا الشريف

المصدر: من كتاب “الصهيونية غير اليهودية”

 

الصِّهْيَوْنِيَّة والعنصريات الحديثة
تأليف: ريجينا الشريف – ترجمة: أحمد عبدالله عبدالعزيز

•  •  •  •  •

عندما وصفتِ الجمعيةُ العامَّةُ للأمم المتحدة الصِّهْيَوْنِيَّةَ بأنها “شكل من أشكال العُنصرية والتمييز العنصري” في قرارها رقم 3379 (30) الصادر في 10 نوفمبر عام 1975 أصيب العالم الغربي بصدمة عنيفة، فالصِّهْيَوْنِيَّة ترمز إلى عكس ذلك: إنها شكل من أشكال القومية، وهي حركة التحرير الوطنية للشعب اليهوديّ، وقد لخص برنارد لويس، العالِم البارز بشؤون الشرق الأوسط، الموقف بقوله:
ليستِ الصِّهْيَوْنِيَّةُ حركةً عُنصريةً في الأساس، ولكنها شكل من أشكال القومية، أو حركة تحرير وطنيّ بالمصطلح الحديث، وهي – كغيرها من الحركات – تَجمَع تياراتٍ مختلفةً، بعضها نابع من العُرف والضرورة، والبعض الآخَر حملته لها رياح التغيير والأنماط الدولية، وأهم ما في الأولى هو الديانة اليهودية، بتأكيدها المستمرِّ على صِهْيَوْنَ، والقُدس، والأرض المقدسة، وأفكار العبودية، والاغتراب والعودة، وهي أفكار متداخِلة معًا ومتكرِّرة، وكان للإيمان بالمسيح المنتظَر، وحركاتِ الإحياء الديني التي ظهرت بين اليهود من القرن السابع عشر ـ: مساهمةٌ مهمَّة في نُشُوء هذه الحركة[1].

وقد قَبِل برنارد لويس – كغيره من الكثيرين المدافعين عن الصِّهْيَوْنِيَّة – الأسطورةَ الصِّهْيَوْنِيَّةَ التي تكتنف إسرائيل، وأيَّد الفكرة القائلة: إن الصِّهْيَوْنِيَّةَ السياسيَّةَ العَلْمانيَّة تمثل تحقيق المعتقدات الروحية اليهودية.
إن الفَهْم الواضح لظاهرة الصِّهْيَوْنِيَّة غيرِ اليهودية بمنظورها التاريخي الكامل، يُمكِّنُنا من خلع قِناع أسطورة الصِّهْيَوْنِيَّة، ورؤيتِها على حقيقتها الأساسية، وهي أنها نتاج الفلسفات الأوروبية العُنصرية والاستعمارية، لم تكن الصِّهْيَوْنِيَّة في أساسها حركة يهودية متميزة، وكانت تواجه معارضة اليهود المتدينين، الذين أنكروا محاولة إعطاء أبعاد جغرافية للمملكة الروحية من جهة، كما كانت تواجه من جهة أخرى معارضة من جانب اليهود الداعين للحقوق المدنية، الذين كانوا يسعون إلى الخلاص الكامل، وسياسات الهجرة المفتوحة.

ومع مطلع هذا القرن كان الاستعمار الصِّهْيَوْنِيُّ لفِلَسطين جزءًا من الحركة الاستعمارية الأوروبية الكبرى؛ فالصِّهْيَوْنِيَّةُ – شأنها في ذلك شأن اللا ساميَّة، والنازية، والتمييز العنصري – كانتْ جزءًا أساسيًّا من الثقافة الفكرية والسياسية الأوروبية، وذاتَ جذور تمتد إلى أبعدَ من القرنين التاسعَ عَشَرَ والعشرين، والصِّهْيَوْنِيَّة بِمَظْهَرِها غير اليهودي تَكشف بوضوح عن الارتباط الوثيق بين الصِّهْيَوْنِيَّة، والعُنْصُريَّة، واللا سامية، والنازية، والتمييز العُنصري.

الصِّهْيَوْنِيَّة واللا سامية والعُنصرية:
كان الصِّهْيَوْنِيُّون الأوائلُ؛ كهرتزل، ووايزمن، يعتبرون اللا سامية وضعًا طبيعيًّا، وردَّةَ فعل طبيعية وعَقْلانية من غير اليهود ضد “وضع اليهود الشاذِّ، والسخيف الخاطئ في “الشتات”[2] وكان آرنولد توينبي يرى أن الصِّهْيَوْنِيَّة غير اليهودية قد تنبع من الشعور بالذنب حول اللا سامية، وهو يربط بذلك بين الصِّهْيَوْنِيَّة واللا سامية بعبارات سيكولوجية[3]. والواقع أن تاريخ الصِّهْيَوْنِيَّة غير اليهودية – كما رأينا – حافل بالأمثلة على أنصار الصِّهْيَوْنِيَّة الذين كانوا لا ساميين عن تعمد، وقد اقتبَسْنا في الفصل الأول بعضًا مما قاله ماينرتز هاجن، كبير الضباط السياسيين في فلسطين وسورية في هيئة أركان النبي، وأحد الصِّهْيَوْنِيِّينَ المتحمسين، وفيما يلي مَثَل آخَرُ من لا ساميته الصريحة:
إنني مشرب بعواطف لا سامية، وأتمنى لو تنفصل الصِّهْيَوْنِيَّة عن القومية اليهودية؛ ولكنها لا تستطيع ذلك! إنني أفضل قبولها على أن أرفضها لأسباب غير جوهرية[4].

وهو نفسه الذي قال:
إن آرائي عن الصِّهْيَوْنِيَّة هي آراء صِهْيَوْنِيٍّ متحمِّس، والأسباب التي أثارت في نفسي إعجابًا بالصِّهْيَوْنِيَّة كثيرةٌ ومتنوعة، ولكنها متأثرة بشكل رئيس بوضع اليهود غير المُرضي في العالم، والميل العاطفي الكبير لإعادة إيجاد جنس بعد تشرُّدٍ دام ألفَي عام، والقناعة بأن الأدمغة والأموال اليهودية – إذا ما ساندتها فكرة قوية كالصِّهْيَوْنِيَّة – تستطيع أن تقدم الحافز نحو التنمية الصناعية، التي تحتاجها فلسطين بشكل مُلِحٍّ بعد أن بقيت أرضًا براحًا منذ بداية العالم[5]، وليس هذا التحالُف بين اللا سامية والصِّهْيَوْنِيَّة قضيةً سيكولوجية، سواء أكانت عقلانيةً أم لا شعورية، فهما يعملان نظريًّا وعمليًّا على نفس المستوى، ويُكَمِّل كلٌّ منهما الآخَرَ ويَدْعَمُهُ.

وكان ماينرتز هاجن يدرك الأهمية الاستراتيجية لفلسطين:
الواقع أنه ليس من المبالغة في شيء القول بأن فلسطين قويةً وصديقةً أمرٌ حيوي للأمن الاستراتيجي المستقبلي للكُومَنْوِلْث البريطاني، ولا يمكنها أبدًا أن تكون قوية وصحيحة في ظل السيطرة المجزَّأة، بَلْهَ في ظلِّ أيِّ شكل من أشكال الحكم العربيّ[6].
والارتباط بين اللا سامية والصِّهْيَوْنِيَّة غير اليهودية أعمق من ذلك بكثير، وهو ليس مجردَ توازُن للمصالح ضد الأهواء، فقد قامت الصِّهْيَوْنِيَّة غير اليهودية على أساس الاحترام الرومنطيقي لليهود كجنس؛ ولكن ذلك يخفي وراءه مواقف أكثر سلبًا تجاه اليهود كشعب، كان الصِّهْيَوْنِيُّون غيرُ اليهود من أمثال بلفور، ولويد جورج، وماينرتز هاجن، يؤمنون بشدة بتفرد اليهود كجنس، وكانت هذه الفكرة عن تفردهم هي التي جعلت الحصص النسبية للهجرة لبريطانيا (الكوتا) تأخذ شكل المطالب القومية في فلسطين.

أما على مستوى السياسات العملية: فقد اعتبر ثيودور هرتزل اللا ساميين أكثر الحُلَفاء والأصدقاء الذين يمكن الاعتماد عليهم، وبدلا من أن يهاجم هرتزل اللا سامية ويَشْجبها أعلن أن “اللا ساميين سيكونون أكثر الأصدقاء الموثوقين، وستكون الدول اللا سامية حليفة لنا”[7] وقد رحب باحثٌ صِهْيَوْنِيٌّ آخَرُ، هو جاكوب كلالزكن باللا سامية، وعبَّر عن موافقته على أن يكون اليهود أقلية في روسيا القيصرية[8].
ونظرية تفرُّد الجنس اليهودي هذه، هي أساس الشَّكّ العميق الذي كان يَستشعره الصِّهْيَوْنِيُّونَ اليهودُ وغيرُ اليهود تُجاه المتهوِّدين؛ كاللورد مرنتاجو، ولوسين ولف، واللورد ريدنج، وسَنُفْسِحُ المجالَ لماينرتز هاجن ليتحدث عن هذا الإحساس:
ولكن إذا كان اليهود سيُحَقِّقون نفوذًا في هذه البلاد في المِهَن والتجارة، والجامعات والمتاحف، والمالية، وكأصحاب للأراضي، فإن علينا طبعًا أن نعمل ضدهم، ولكن ذلك لن يكون على شكل معسكرات اعتقال[9].

وكانت النَّزَعات العنصرية في فلسفة القرن التاسعَ عَشَرَ قائمةً على الفكرة الرئيسة، وهي أن جنسًا ما متفوِّق بشكل طبيعي على غيره من الناس، والصِّهْيَوْنِيَّة – بحسب ادِّعائها أن اليهود يشكلون “الجنس المختار”، الذي ينبغي ألا يذوب في الأجناس “الأقلَّ منه شأنًا” الأخرى – ليست إلا مظهرًا آخر من مظاهر هذه العنصرية.
لم تنشأ الأفكار العنصرية – بما في ذلك الصِّهْيَوْنِيَّة، واللا سامية، والنازية – من فراغ؛ فقد كانتْ مرتبطةً بِقُوَى تاريخيَّة محدَّدة، تَسود في مجتمع يسعى إلى الشرعية، وتطوُّرُ العنصرية بأشكالها المختلفة كان متوافقًا مع ظهور وتَوَسُّع الاستعمار الأوروبي، القائم على استعمار العالم غير الأوروبي، وقد استغلت العنصرية وفلسفتها الأساسية لجعل النظام الاستعماري شرعيًّا، ولتقديم الدعم الأيديولوجي لعملية الاستعمار، “واجب الرجل الأبيض” هو أن يحضر الأمم “المتأخرة” غير القادرة على مساعدة نفسها.

كان الصِّهْيَوْنِيُّون غيرُ اليهود يحملون وِجْهَةَ نظر عنصرية محددة عن اليهود، وكانت هذه متأصِّلة في أسطورة القرن التاسِعَ عَشَرَ العنصرية الاستعمارية، كان اليهود يحظون بالاحترام كجنس مختار خارجَ المحيط المسيحي غير اليهودي، وكان التفوق اليهودي أمرًا مسلَّمًا به بالمقارنة مع تخلُّف العرب، وكان ذلك مقرونًا بتعظيم الفضائل اليهودية باعتبارها نقيضًا للرذائل العربية، ومما قاله ماينرتز هاجن: “الذكاء فضيلة يهودية، والخداع رذيلة عربية”[10]، وقد وصف اليهود بأنهم “نشيطون، وشُجعان، وحازمون، وأذكياء”، ووصف العرب بأنَّهم “مُنْحَطُّون، وأَغْبِياء، وَخَوَنَة، لا يُنتِجون إلا الأمور الشاذَّة المتأثّرة بصمت ورومنطيقية الصحراء”[11].
ومع التوسع الاستعماريّ البريطانيّ في الشرق الأوسط أصبح المواطنون العرب هدفًا محتومًا للعنصرية؛ بسبب ديانتهم، وثقافتهم، ولونهم، وفوق ذلك كله بسبب معارضتهم للتدخل الأجنبي، وكان اليهود يعنون بالنسبة لفلسطين “التقدم”، و”إقامة حكومة حديثة”، في حين يرمز العرب إلى “الركود، والفجور، والحكم المتعفِّن، والفساد، والمجتمع الكاذب”[12].

وكان الصِّهْيَوْنِيُّونَ غيرُ اليهود يتهمون العرب باستمرارٍ بالرجعية، ويلقون مسؤولية انحطاط فلسطين والشرق الأوسط على كواهلهم، وقد هيأت هذه النظرية العنصرية المسرح للاستيطان الاستعماري اليهوديّ في فلسطين، ويُعبِّر ماينرتز هاجن عن ذلك بصراحة:
لن يصل العربيّ الفلسطينيّ إلى مستوى الموهبة الطبيعية اليهودية بأية حال، وسيبقى اليهوديّ دائمًا في القمَّة، وهو ينوي البقاء هناك. إنه يتطلع إلى دولة يهودية ذات سيادة في فلسطين، وإلى وطن قومي حقيقي، وليس إلى اتحاد فدرالي عربي يهوديّ زائفٍ … إنَّ اليهودي، مهما وهن صوته ورقت طباعه، سينجح في النهاية وسيُسمَع صوته، سيتهدد العربيّ وسيتوعَّد، وسيعزف آخَرون في أوروبا وأمريكا مدائحه إذا ما تكسرت الأوركسترا المحلية، ولكنه سيبقى حيث هو وحيث كان… مقيمًا الشرق يَجْتَرُّ أفكارًا راكدة، ولا يرى أبعد من مبادئ محمد الضيقة[13].

وكان الصِّهْيَوْنِيُّون الأمريكيون غيرُ اليهود، كما رأينا، يُضمِرون نفس الأفكار والأهواء المعاديةَ للعرب، وعلينا أن نذكر كيف أن لودج “لم يكن يحتمل أبدًا فكرة أن تكون القدس وفلسطين تحت حكم المحمَّديِّينَ”، وأن حكم العرب لفلسطين كان يبدو “إحدى اللطخات الكبيرة على وجه الحضارة لا يجب أن تمحى”[14]. وبعث كلارك كليفورد مذكرة للرئيس ترومان بعد ذلك الوقت بعِقْدَيْنِ من الزمان، يَحُثُّهُ فيها على العمل الجادِّ لتَقْسِيم فلسطين محذِّرًا من أنَّ “الولايات المتحدة تبدو موضِعَ سُخْرِية وهي ترتجف أمام تهديدات قِلَّةٍ من القبائل الصحراوية الرُّحَّل”[15]، أمَّا اليهودُ فقد كانوا من ناحية أخرى قومًا يُعتَمَد عليهم؛ لأن مجتمعهم “نتاج المغامرة الحرة”، وفلسطين اليهودية “ستتَّجه بقوة نحو الولايات المتحدة، وهي تمثل حصنًا قويًّا ضد الشيوعية”[16].
ومع صعود نجم الصِّهْيَوْنِيَّة غير اليهودية كانت مجموعة كاملة من الآراء المتحاملة على العرب تتكون في ضمير الغربيين، وقد تم إيجاد قوالبَ عنصريةٍ ثقافيةٍ ثابتةٍ لا تزال تنمو في الغرب، وكان اليهود يُجَسِّدون معظم الفضائل الغربية، وينبغي لهم أن يستوطنوا فلسطين من أَجْلِ الحضارة، ذلك أنَّ المُهِمَّة الأولى للصِّهْيَوْنِيَّة هي “تحضير وتحديث فلسطين” كقاعدة للحضارة في مواجهة الهمجية كما أعلن هرتزل نفسه ذات مرة[17].

وكان المؤمِنُونَ بِالجِنْسِ اليَهُودِيِّ وتَمَيُّزِه العِرقِيِّ من غير اليهود أكثر منهم بين اليهود الغربيين أنفسهم، وقد قدم اللورد إدْوِين صمويل مونتاجو أبرز ممثِّلي اليهود الإنجليز مذكرةً لمجلس الوزراء البريطاني في أغسطس عام 1917 إبان المداولات حول وعد بلفور، أكَّد فيها وجهة نظره أن “سياسة حكومة جلالته لا سامية في النهاية، وستثبت أنها أساس لتجمع اللا ساميين في كل بلد في العالم”[18].
وقد رفض اللورد مونتاجو بشكل قاطع الفكرة الصِّهْيَوْنِيَّة عن أُمَّة يهودية متميزة، وشجب الصِّهْيَوْنِيَّة “كعقيدة سياسية ضارَّة” وشكْلٍ من أشكال اللا سامية، كما اتَّهم – بشكل غير مباشر – الصِّهْيَوْنِيِّينَ البريطانيين غيرَ اليهود (بلفور ولويد جورج واللورد ملنر ومارك سايكس وغيرهم) بأنَّهم لا ساميون سِرِّيُّون، يريدون تجريد اليهود من الوضع التحرُّرِيّ الذي حصلوا عليه حديثًا في الحياة السياسية والمدنية في إنجلترا.

وكان الصِّهْيَوْنِيُّون غيرُ اليهود يعارِضون بشكل مباشر يهود إنجلترا، الذين يَسْعَوْنَ إلى التحرر الكامل، وعلى ذلك فقد رأينا اللورد شافستري يهاجم قانون التحرر الكامل عام 1858 بحجة أنه سيخرق ما يسمى المبادئ الدينيَّة، وفي عام 1905 ناضل بلفور من أجل إقرار قانون الغرباء الذي يَحُدُّ من الهجرة اليهودية من أوروبا الشرقية بسبب “الويلات الأكيدة التي أصابت البلاد نتيجة هجرة كانت يهودية في مُعظمها”[19]. وقد تعرَّض بلفور، الذي اعتبر بعد 12 عامًا صِهْيَوْنِيًّا عظيمًا، لهجومٍ في المؤتمر الصِّهْيَوْنِيِّ السابع بسبب اللا سامية المكشوفة في سياسته المعادية للهجرة اليهودية، واتَّهمه المندوب الإنجليزي للمؤتمر م. شاير بـ “اللا سامية الصريحة ضد الشعب اليهودي كله”[20].
وكان لويد جورج كذلك معروفًا بمُيوله المختلطة حول دور اليهود في إنجلترا؛ فقد كانت بعض خُطَبِه في البرلمان حول جنوب إفريقيا مثلاً تصطبغ بلا ساميته الفظَّة “حتى في النقاش الذي دار في البرلمان عام 1904 حول عرض شرق إفريقيا على الصِّهْيَوْنِيِّينَ أبدى سُخريته من اليهود[21]، وقد خاطب زميله اليهوديّ في الحزب (السير الفرد موفد) بأنه “عضو آخَرُ من جنسه سَيِّئُ السُّمْعَة”[22]، وقد لاحظَ رئيس الوزراء أسكويث Asquith   موقفه المزدوج المتلوِّن من اليهود عِندما كان وزيرًا للذخيرة، ووصفه في مُذَكَّراته بأنَّه الوحيد المؤيِّد لمذكَّرة هربرت صموئيل عن مُستَقْبَل فلسطين “الذي لا داعيَ لِلقَوْلِ بأنَّهُ لا يكثرث شَرْوَى نقير باليهود أو ماضيهم أو مستقبلهم”[23].

وكانتِ اللا سامية كذلك أحد العوامل التي اجتذبتْ مارك سايكس للصِّهْيَوْنِيَّة، فقد كان نُفوره من اليهود: “يتجلى في شَكِّه بالصِّهْيَوْنِيَّة في بادئ الأمر، ولكن ما أنِ وقف على المعنى الحقيقيّ للصِّهْيَوْنِيَّة حتى بدأ ينظر إليها – وهو المؤمِن بالقومية والاستعمار، والمتحمِّس لهما – في ضوء مختلف”[24].
وكان من نتيجة التمجيد الصِّهْيَوْنِيِّ “للعِبْرِيِّ الحقيقي” بالمقارنة مع اليهوي المتأنكلز أن تُقْبَلَ هذه الأيديولوجيَّة الجديدة، ولم يكن يحمل حبًّا لليهودي الهجين “كغيره من الصِّهْيَوْنِيِّينَ غيرِ اليهود، وكان يفضِّل عليه اليهوديَّ الذي يؤكد تَمَيّزه العِرْقِيّ كـ”وايزمان”، ويظهر إحساسه القومي المستقلّ باعتزاز، ولم يبدأ مارك سايكس يعمل من أجل هدف الصِّهْيَوْنِيَّة في فلسطين إلا بعد أن تعرَّف شخصيًّا على الزعيم الصِّهْيَوْنِيِّ اليهوديّ[25].

وتَرَادُف الصِّهْيَوْنِيَّة واللا سامية يُعلِّل كذلك الآراءَ المتناقضةَ عن الكولونيل هاوس مستشار وودرو ولسن، فقد هَلَّلَ له بعض الصِّهْيَوْنِيِّينَ باعتباره صديقًا للصِّهْيَوْنِيَّة، والقوةَ الدافعة لسياسات الرئيس ولسن الصِّهْيَوْنِيَّة، بينما اتَّهمه آخَرون بأنه كان يعمل ضد الصِّهْيَوْنِيَّة بسبب آرائه اللا سامية المكشوفة[26]، والتي تكشفت في مراسلاته مع ولسن.
وعندما انقلب هِتلر ضد اليهود في ألمانيا في الثلاثينيات قال هاوس للسفير الأمريكي في برلين: “إنهم (النازيون) على خطأ؛ بل إنَّهم رهيبون، ولكن يجب ألا يسمح لليهود بالسيطرة على الحياة الاقتصادية والفِكرية في برلين كما كان حالهم لفترة طويلة”[27].

الصِّهْيَوْنِيَّة والنازية:
إن الرابطة بين الصِّهْيَوْنِيَّة واللا سامية ربطت الصِّهْيَوْنِيَّة كذلك بالنازية، فقد كان آباء النازية السياسيون والإيديولوجيون يشاركون الصِّهْيَوْنِيِّينَ فَذْلَكَاتِهِمْ، ففِكْرة “الجنس المختار” عند النازية لم تكن تختلف عن فكرة “الجنس المختار” عند الصِّهْيَوْنِيَّة إلا في هُوية هذا الجنس: هل هو الجنس الآرِيّ أو اليهوديّ؟ ولم يكن الصِّهْيَوْنِيُّونَ اليهودُ وغيرُ اليهود يَستشعرون أَيَّةَ كراهيةٍ للنازية وسياساتها، وممارساتها اللا سامية، وقد طلب وايزمان ذات مرة من ريتشارد ماينرتز هاجن أن يوضح الصِّهْيَوْنِيَّة ومضامينها لهتلر، الذي كان يعتقد أنه “غير معادٍ للصِّهْيَوْنِيَّة”[28]. وكان ماينرتز هاجن نفسه أكثر ما يكون تفهُّمًا لِلا سامية النازية فقد كتب:
إن وِجْهَةَ نظري الخاصَّة أنَّ للألمانيِّ الحقَّ الكاملَ في أن يعامِلَ اليهوديَّ كأجنبيٍّ وينكر عليه المواطَنَة الألمانية، إن له الحقَّ في طرده من ألمانيا، ولكن ذلك يجب أن يتم برفق وعدل… إن اليهود يعامَلون الآن في ألمانيا كغرباء، كما هم في الواقع غرباء من حيث الجنس والتقاليد، والثقافة والدين[29].

وكان وايزمان، حَسَبَ رأي ماينرتز هاجن، يفضل “أن يَهْلِكَ اليهودُ الألمانُ جميعًا على أن يرى فلسطين وقد ضاعت”[30]، وقد كلف وايزمان ماينرتز هاجن بأن يَعْقِدَ صفقةً مع النازيين تساعد اليهود الألمان على الهجرة إلى فلسطين.
وتبرز الدراسات الحديثة حول التعاون النازيّ الصهيونيّ تماثُل مصالح الطرفينِ[31]، ولا يهمنا في دراستنا هذه علاقاتهما التقنية المشتركة، فقد عولجت بشكل موسَّع في مكان آخَرَ[32]؛ ولكنَّ جوهَرَ هذه العلاقة النازيَّة الصِّهْيَوْنِيَّة يشير بوضوح إلى طبيعة الصِّهْيَوْنِيَّة العنصرية:
ولقد كانت الصِّهْيَوْنِيَّةُ ترى أنَّ النازيِّينَ مؤهَّلون للانضمام إلى صفوف الصِّهْيَوْنِيِّينَ غير اليهود، وكانت النازية – بعُنصريتها اللا سامية – هي التي جعلت المشروعَ الصِّهْيَوْنِيَّ أمرًا مُمكنًا في فلسطين عام 1948.

لم تكن فلسطين اليهوديَّة قبل أن يظهر هتلر على المسرح السياسي الأوروبيّ أكثرَ من مشروع مستوطَنَة صغيرة تضمُّ أقلَّ من 200 ألف يهوديّ، يعتمد معظمهم على الأموال الصِّهْيَوْنِيَّة التي تجمع من خلال “الشتات”، وفي عام 1927 كانت الهجرة اليهودية من فلسطين تفوق الهجرة إليها، ولم يكن اليهود يملكون عام 1934 إلا 5 % من أراضي فلسطين، وبينما كان غير اليهود يصفون فلسطين بأنها “أرض الحليب والعسل” فإن فكرة الهجرة إلى “أرض جرداء” في الشرق لم تكن تستهوي يهود العالم كثيرًا، ورغم الاضطهادات اللا سامية العنيفة كانت غالبية اليهود تُفضِّل البحث عن ملاذٍ لها في الولايات المتحدة أو إنجلترا، ولكن قوانين الهجرة المقيدة في الدول الأَنْجُلُوسَكْسُونِيَّة كانت تجعل ذلك مستحيلاً، وفي أعقاب معسكرات الإبادة النازيَّة أصبح مستقبَل فلسطين يهوديَّة أمْرًا مَضْمونًا.

وخِلالَ مُناقشات الجمعيَّة العامَّة لِلأُمَمِ المُتَّحدة حول فلسطين عام 1947 وقع حادث له دَلالته؛ ففي الوقت الذي كان يجري فيه التَّصويت على تقسيم فلسطين، قُدِّمَ قرارٌ آخَر يدعو كلَّ الدول الأعضاء للسماح لليهود بالدخول إليها حَسَبَ حِصَصٍ معيَّنة، ولم يكن مُفاجِئًا أن يُهزَم هذا القرار بعد فشل مؤتمر أيفيان وبرمودا، فقد قامَتِ الدُّوَلُ الَّتي صَوَّتَتْ إلى جانب التقسيم بالتصويت ضد قرار الهجرة اليهودية، أو الامتناع عن التصويت، أما الدول التي كانت قد صوَّتَتْ ضِدَّ تقسيم فلسطين وضد الصِّهْيَوْنِيَّة فإنَّها صوَّتتِ الآن إلى جانب حِصَصٍ نِسْبِيَّة (كوتا) أعلى للهجرة اليهودية إلى الدول الغربية، وعبَّرَتْ عن رغبتها في استقبال المزيد من المهاجرين اليهود[33].

الصِّهْيَوْنِيَّة وسياسة التمييز العنصري:
إن التشابُه بين الصِّهْيَوْنِيَّة وسياسية التمييز العنصري في جنوب إفريقيا يكمن في احتكام كلٍّ منهما لنفوذ “حضاري” نابع من المبادئ التَّوْرَاتِيَّة؛ فالكنيسة الإصلاحية الألمانية – وهي كنيسة المستوطنين الذين هم من أصل أوروبي في إفريقيا – تعتمد على فِقْرات من العهد القديم؛ لتظهر أن عدم المساواة بين الأجناس أمْر كَتَبَهُ الله. ويعتبر مواطنو إفريقيا سلالات حام الدنيا، بينما يعتبر المستوطنون البيض أنفسهم سلالات سام، الذين ينبغي عليهم أن يُحَضِّرُوا هؤلاء السودَ[34].
وتعتمد الصِّهْيَوْنِيَّة على فِقرات العهد القديم لتُبَرِّرَ الادعاء اليهوديَّ بحق تَمَلُّك واستعمار فلسطين؛ فاليهود وَحْدَهُم هم القادرون على إعادة “الحضارة” إلى فلسطين، التي يطالبون بها كحق لهم طبقًا للنبوءات التَّوْرَاتِيَّة.

وقد تجلتِ العلاقةُ الوثيقة المتبادَلة بين الصِّهْيَوْنِيَّة والتمييز العنصري في إيمان الجنرال جان كريستيان سمتس الراسخ بالصِّهْيَوْنِيَّة وافتتانه بها “لم ينبثق عن دوره كوكيل للوجود البريطاني الاستعماري فحَسْبُ؛ بل من لاهوت قومه الإفريقانيين العنصري الذي تم تفسيره بشكل غير صحيح[35]، وصهيونِيَّته نابعة من خَلْفِيَّته الشخصية، ومفهومه عن الحضارة الغربية التي حورتها معتقداته الدينية الكالفنية، ولقد كانت صداقته للزعيم الصِّهْيَوْنِيِّ حاييم وايزمان نتيجة لصِهْيَوْنِيَّتِهِ، وليست سببًا لها.
كان موقِفُ سمتس من الصِّهْيَوْنِيَّة نتيجة طبيعيَّة لإيمانه بالدور التاريخي المهيمِن للحضارة الغربية، ومكان اليهود باعتبارهم حَمَلَتِها وحُماتها، وكانت الحضارة في نظره هي “الحضارة البيضاء”، وكانت وَحْدَةُ البِيض ضرورةً مطلقة، ولا مجال فيها للا سامية الغربية التقليدية، وكان اليهود حَسَبَ فلسفة سمتس في عداد البِيضِ، بينما كان العرب في عداد السود، وكان الأساس الروحي لهذه المعادلة العنصرية هو اعتقاده بأن خلفية كل من اليهود وشعبه في جنوب إفريقيا واحدة.

إنَّ لهما نفس الخصائص، فكلاهما شعب عنيف شديد مُتَدَيِّن جِدًّا، وحياة كل منهما مَبْنِيَّة على الدين الذي تَلَقَّيَاهُ من كتاب واحد وهو العهد القديم… إنهمُ الشعب المختار – كما يَشعر الألمان أنهم الشعب المختار – الذي اختاره الله نفسُهُ، وفَضَّلَهُ على الآخَرين، وكل يهوديٍّ يُدرك أنه اختير خِصِّيصَى ليكون يهوديًّا[36].
وكان سمتس يُبرِزُ في مناسبات كثيرة الارتباطَ الروحيَّ بين البِيضِ في جنوب إفريقيا واليهود في فلسطين؛ ففي خطاب ألقاه عام 1919 أمام حشد من الصِّهْيَوْنِيِّينَ قال:
لا داعي لتذكيركم بأنَّ البِيضَ في جنوب إفريقيا، وبخاصَّة المستوطنون الألمان المُسِنُّونَ، قد نشأوا على التعاليم اليهودية، لقد كان العهد القديم – وهو أروعُ أدب أنتجه عقل الإنسان – أساسَ الثقافة الألمانية في جنوب إفريقيا[37].

ولم يكن سمتس – بتصنيفه العِرْقِيِّ إلى بِيضٍ وسُودٍ – يُبدي أيَّ احترام للعرب كشعب، ولا لوضعهم في فلسطين، شأنُهُ في ذلك شأن غيره من الصِّهْيَوْنِيِّينَ غير اليهود، وتَصِفُ كاتبةُ سيرةِ حياتِهِ سارة جيرترود ملن، وهي يهوديَّةٌ من جنوب إفريقيا، موقفه المتعالي هذا:
أمَّا العربُ، فلا يَبْدُو العربيّ البدويّ غريبًا للمواطن الإفريقي كما هو بالنسبة للأوروبيّ، لأن الإفريقيَّ يعرف الشعوب السُّود البَشَرَةِ جيّدًا، وهي شعوب تُشبِه العرب فعلاً؛ لأن الدم العربي موجود فيهم[38].
أمَّا الشعب اليهوديّ: الذي اعتاد سمتس أن يشير إليه باسم “الشعب الصغير” فإن له رسالة تحضير في العالم لا يُعْلَى عَلَيْها[39]. والشعب اليهوديُّ – فوق ذلك كله – منبعُ الحضارة الغربية، وله يدين الغرب بوجوده، وعليه أن يُوقِظَ الشَّرق الأوسط: “الذي انقضت قرون على نَوْمِهِ”، “ويقوده على دروب التقدّم”[40].

وقد كَشَفَ موقف سمتس من الهجرة اليهودية إلى جنوب إفريقيا خلال العهد النازيِّ أن الصِّهْيَوْنِيَّة واللا سامية متعاضِدَتان؛ ففي أثناء نقاش برلماني عام 1947 حول مسألة الهجرة الأجنبية اقترح السيد كنتردج، أحد أعضاء وفد جنوب إفريقيا، أن تكون قوانينُ الهجرة إلى جنوب إفريقيا أكثر تسامحًا، بحيث تُتيح لعدد أكبرَ من اليهود دخولها، فاعترض سمتس على هذا الطلب “الإنسانيّ” لأسباب صِّهْيَوْنِيَّةٍ، محتجًّا بأنَّ الهجرة اليهوديةَ المتزايدةَ إلى جنوب إفريقيا لن تَحُلَّ المشكلةَ اليهودية؛ ولكنها ستخلق عَداءً للسامية فقط، واقترح سمتس أن تُرَكِّز جنوب إفريقيا جهودها للمساعدة في إقامة وطن قوميّ يهوديّ في فلسطين كحَلِّ للمشكلة اليهوديَّة.

وتوجت الأُسس النظرية المشتركة للصِّهْيَوْنِيَّة والتمييز العنصري تتويجًا بالعلاقة الخاصة التي قامت فيما بعد بين حكومة إسرائيل والنظام العنصري في جنوب إفريقيا، واستمرت الروابط الشاملة بينهما منذ عام 1948 على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية، متحديةً القوانينَ الدوليةَ، وإداناتِ التمييزِ العنصريِّ، وكانت حكومة جنوب إفريقيا برئاسة سمتس من أولى الدول التي اعترفت بدولة إسرائيل في 14 مايو عام 1948 وعقب ذلك بيومين هزم حزب (دانيال أف ما لان الوطني) سمتس في الانتخابات العامة، ولكن وصول ما لان للرئاسة لم يؤثر على تعاون الصِّهْيَوْنِيَّة مع جنوب إفريقيا[41].
كانت مشاعر ما لان مَزِيجًا من اللا سامية والصِّهْيَوْنِيَّة، فـ”ما لان” هو نفسه الذي قَدَّمَ عام 1930 مشروع قانون الكوتا، الَّذي يَحُدُّ الهجرة اليهودية من أوروبا الشرقية، وكانت سياسات حزبه الوطنيِّ المعاديةُ لليهودية تقارب اللا سامية العنيفة، وكان معروفًا عنه موالاته لهتلر وتعاونه مع النازية، ورغم هذا السِّجِلِّ الطويل من اللا سامية وجد الحزب الوطني سببًا لتعديل سياسته اللا سامية العَلَنِيَّة، على الأقل في الوقت الذي أوشك هدف الحركة الصِّهْيَوْنِيَّة السياسية – وهو خلق دولة يهودية في فلسطين – أن يصبح حقيقة[42].

وكانت الحكومة الوطنية برئاسة ما لان هي التي اعترفت بشكل شرعي بالدولة اليهودية بعد الانتصار الهزيل الذي حقَّقَتْهُ على سمتس في 26 مايو عام 1948، وكان التحالف الذي قام بين إسرائيل الصِّهْيَوْنِيَّة وجنوب إفريقيا العنصرية هو النتيجة الطبيعية لفلسفتيهما السياسية العنصرية المشتركة، وكان الامتياز الذي مَنَحَهُ ما لان للدولة الجديدة يعني أنه يؤكد أن الإحساس العِرْقِيَّ لليهود سيجعلهم: “يفهمون ويحترمون مشاعر كل قطاع في المجتمع غيرِهم”[43]، وقد أبدى الدكتور لسلي روبين، أحد مواطني جنوب إفريقيا المبعَدِينَ، وواحدٌ من مؤسسي حزب الأحرار، الملاحظة الماكرة التالية:
كان هناك شعور بالصلة مع الإسرائيليِّينَ في التخلُّص من النَّيْرِ البريطاني، وقد يَصِفُ عالِم النفس ذلك بأنه إعجاب بما أنجزه الآخَرون، وما يُعتَبَر بالنسبة لهم رغبة مكبوتة، كما أن كثيرًا من أعضاء الحزب الوطني – وهذه وجهة نظر واحد من زعماء الفكر الإفريقانيِّينَ – رَأَوْا أن انتصار اليهود على العرب هو انتصار للبِيضِ على غيرهم، وقد عبر ما لان، الذي كان قد تقدَّمَ به العُمر، عن حماسِهِ لإعادة اليهود إلى وطنهم القديم طبقًا للنبوءة التَّوْرَاتِيَّة[44].

وتعكَّر صَفْوُ العلاقات الطيِّبَة بين إسرائيل وجنوب إفريقيا فيما بين يوليو عام 1961 ويونيو 1967 بسبب تصويت إسرائيل في الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى جانب قرار يُدين سياسة التمييز العنصري في جنوب إفريقيا، وكان هدفها من ذلك هو تَهْدِئَةَ دول إفريقيا السوداء التي كانت تسعى إلى كسب رضاها آنذاك، وقد كشف رئيس وزراء جنوب إفريقيا هندرك ف فيرود عن زيف الإدانة الإسرائيلية للتمييز العنصري بإبراز التطابق بين الصِّهْيَوْنِيَّة والنظام العنصري “لقد أخذ الصِّهْيَوْنِيُّون إسرائيلَ من العرب بعد أن عاشوا فيها أَلْفَ عام.. إن إسرائيل دولة عنصرية كجنوب إفريقيا”[45] .
وكان دعاة التمييز العنصري في جنوب إفريقيا يدركون وَحْدَةَ المصير التي تربط مستقبل جنوب إفريقيا بإسرائيل، كما أبدت ذلك صحيفة الحزب الوطني الرسمية “داي بيرجر” Die Burger  :
لإسرائيل وجنوب إفريقيا مَصِيرٌ مشترَك؛ فكلاهما مشغول بالصراع من أجل بقائه، وكلاهما في صراع دائم مع الأكثرية الحاسمة في الأمم المتحدة، إنهما يَعتمدان على القوة في منطقة لولاهما لوقعت في مناهضة للغرب، ومن مصلحة جنوب إفريقيا أن تنجح إسرائيل في احتواء أعدائها الذين يُعَدُّون من أشد أعدائها الشِّرِّيرِينَ، وإذا ما أُغْلِقَتِ المِلاحةُ حول رأس الرجاء الصالح بسبب تقويض سيطرة جنوب إفريقيا، فإن إسرائيل ستُثِيرُ كلَّ العالم ضد ذلك[46].

كانتِ النَّكسة الَّتي أصابت العلاقاتِ الرسميةَ بين الحكومتينِ نتيجةَ إدانة إسرائيلَ اللفظيةِ لسياسة التمييز العنصري عام 1961 ـ: قصيرةَ الأجل؛ ففي أعقاب الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967 عادت العلاقات الحميمة والعَلَنِيَّة بين الدولة اليهودية وجنوب إفريقيا، واتَّسَعَ نِطاق العلاقات السياسية الأيديولوجية والاقتصادية والعسكرية بين الطرفين، وفي عام 1973 أدان المجتمع الدولي لأول مرة “التحالفَ غيرَ المقدس بين الاستعمار البرتغالي والعنصرية في جنوب إفريقيا والصِّهْيَوْنِيَّة والاستعمار الإسرائيلي”[47].

[1]   Bernard Lewis “The Anti – Zionist Resolution” . Foreign Affaris . Vol . 55 . No 1 . Oct . 1976 , p . 55
[2]   The Diaries Of Theodora Herzl (New York, 1956)
[3]   Arnold Toynbee, The study of History (New York, 1961)
[4]   Richard Meinertzhagen, Middle East Diary 1917 – 1956 (London . 1959) . p . 67
[5]   المصدر السابق ، ص 49.
[6]   المصدر السابق ص 203.
[7]   هرتزل، المصدر السابق ، مجلد 1، ص 84.
[8]   انظر كتابه Krisis Und Entscheidung im Judentum (Berlin, 1921) pp. 118 . 62.
[9]   ماينرتز هاجن، المصدر السابق، ص 183.
[10]   المصدر السابق ، ص 81.
[11]   المصدر السابق، ص 17.
[12]   المصدر السابق، ص 12.
[13]   المصدر السابق، ص161، وص 167.
[14]   حديث السناتور لودج عام 1922 في بوسطن   330 . New Palestine , Vol . 2 , 1922 . p .
[15]   كلارك كليفورد لترومان، 6 مارس, 1948 أوراق كلارك كليفورد، مكتبة ترومان، صندوق 13و ص 10 – 11.
[16]   المصدر السابق ، صندوق 14 “ملخص الاقتراحات للسياسة الأمريكية في فلسطين”.
[17]   ثيودور هرتزل ، الدولة اليهودية (لندن 1934).
[18]   بريطانيا العظمى، مكتب السجل العام، 24 / 23   و24 أغسطس 1917.
[19]   مجلس العموم، 10 يوليو 1905 O.R    مجموعة 155 ومجلس العموم 2 مايو 1905 OR    مجموعة 795 انظر كذلك David V . Lipman , Social History of the Jews in England (London . 1945) P . 141 ff.
[20]   بروتوكولات ، المؤتمر الصهيوني السابع 1905 ص 85.
[21]   كما ورد في   142. Leonare Stin, The Balfour Declaration (London 1961) p.
[22]   المصدر السابق.
[23]   إيرل أكسفورد واسكوث، “ذكريات وتأملات” (لندن 1928) مجلد 2 ، ص 65.
[24]   شتاين، المصدر السابق 274.
[25]   Nahum Sokolow, The History Of Zionism (London, 1919) . Vol. 2, p . Xxi
[26]   في كتابه “أمريكا وفلسطين” (نيويورك 1945) ص 31 وصف روبن فنك – هاوس بأنه صديق مخلص للصهيونية، أما أدلر Selig Adler   فيصفه بأنه (ليس معاديًا للصهيونية فحسب، ولكنه لا سامي كذلك” انظر: The Palestine Question In The Wilson Era. Journal of Jewish Social Studies , Vol . 10 . No . 4 . 1948. P . 306.
[27]   كما ورد في William E. Dodd, Jr. and Martha Dodd (eds.) Ambassador Dodd’s Diary (New York , 1941) . p . 10.
[28]   كما ورد في ص 152 من المصدر السابق لماينرتز هاجن الذي أجرى ثلاثة لقاءات مع هتلر وروبنروب Ribbentrop  ، وزير الخارجية الألماني، فيما بين عامي 1934 و 1939 وكان موضوع الصهيونية يبحث في كل مرة.
[29]   المصدر السابق، ص 152 و158.
[30]   المصدر السابق.
[31]   يعتبر كتاب الياهو بن اليسار (La Diplomatie du llle Rich et les Juifs (Paris , 1969   واحدًا من أكمل الدراسات الموثقة والموثوقة عن التحالف النازي الصهيوني.
[32]   المصدر السابق، وكذلك Klaus Pokehn “Sercet Contacts Zionist – Nazi Relatious 1933 – 1941
 مجلة “الدراسات الفلسطينية”، مجلد 5 ، رقم 3 / 4 ربيع / صيف 1967 ص 54 – 82 يبحث المؤلف أصول وعلاقات اتفاقية هافارا التي عقدت عام 1933 والتي قايضت الهجرة اليهودية إلى فلسطين بواردات البضائع الألمانية إليها، في وقت كانت الدول الغربية مقاطعة ألمانيا النازية اقتصاديًّا.
[33]   سجلات الأمم المتحدة، الجلسة 127 للجمعية العامة، 28 نوفمبر 1947.
[34]   للاطلاع على دراسة مفصلة للأساس الأيدلوجي للتفرقة العنصرية في جنوب إفريقيا انظر: جورج جبور “الاستعمار الاستيطاني في جنوب إفريقيا والشرق الأوسط” (بيروت 1970).
[35]   Richard p . Stevens ”Israel and Africa” in Zionism and racism (Tripoli, 1977) P, 165.
[36]   H . C . Armstrong , Grey Steel: J.C Smuts, A Study In Arrogance (London, 1937) . p . 330
[37]   كما ورد في : R.P Stevens, Weizmann and Smuts . A Study In Zionist 0 South African Coop. (Beirut , 1975) , p . 33.
[38]   Sarah Gertrude Millin , General smuts (London , 1936) . Vol . 2 . pp . 112 – 113
[39]   كما ورد في ص 483 من كتاب Stein   السابق.
[40]   انظر كتاب ستيفنس “وايزمان، وسمتس” السابق، ص 112.
[41]   South African Zionist Record 18 April 1947
[42]   Richard G . Weisbord, ” Dilemma of south Jewry . Journal of Modern African studies’ Vol . 5 . September 1967 . p . 239.
 [43]   المصدر السابق ص 236.
[44]   L. Rubin “Afrikaaner Nationalism and The Jews” . Africa South . Vol . 1 No . 3 . April – June 1957 . p2
[45]   Rand Daily Mail . 21 November 1961.
[46]   Die Burger cape Province . 29 May 1968.
[47]   قرار الجمعية العامة رقم 351 في 14 ديسمبر 1973، انظر كذلك “تقرير عن العلاقات بين إسرائيل وجنوب إفريقيا” الذي تبنته لجنة الأمم المتحدة الخاصة بالتمييز العنصري في 19 أغسطس 1976.

المصدر الكتاب الاصلي 

https://booksdrive.net/kutub/الصهيونية-غير-اليهودية-جذورها-في-التاريخ-الغربي-kutub-pdf.net.pdf