تزايدت حوادث الانتحار في السنوات الٱخيرة و باتت اخبار انتحار المراهقين تحديداً ٱكثر شيوعاً من ٱي وقت مضى.
وفق احصاءات رسمية ، سجلت أعلى نسبة انتحار في دمشق 84 حالة، تليها اللاذقية 83 حالة انتحار، بينما سجلت حلب 42 حالة انتحار منذ عام 2015 وحتى العام 2018 . فهل هي الحرب ، ٱم ضغوط الحياة ، ٱم سلاسل العادات و التقاليد الإجتماعية هي الي تسببت في تلك الزيادة ؟ ٱم ٱن النسبة لم تتغير بل ٱصبحت تحت الضوء اليوم ٱكثر بفضل وسائل التواصل الإجتماعي و سرعة انتقال المعلومات في عصرنا الحالي؟
في جميع الٱحوال هي لحظة تٱمل نتوقف فيها لنفهم من وجهة نظر علم النفس : ما الذي يدفع المراهق للتفكير بالإنتحار ؟
الانتحار هو قتل النفس عمداً حيث يلقى ما يقارب800 ألف شخص حتفه كل عام بسبب الانتحار أي أن شخص كل 40 ثانية  يموت جراء الانتحار في مكان ما حول العالم وتوجد مؤشرات دالة على أنه في مقابل كل شخص يلقى حتفه بسبب الانتحار يوجد على الأرجح نحو أكثر من 20 شخصاً آخرين يحاولون الانتحار. فالانتحار يحدث في كل مناطق العالم وفي مختلف مراحل العمر. وهناك عائلات كثيرة حدثت فيها حالات انتحار و حاولت إخفاء ذلك عن المجتمع، وهذا أمر سيئ للغاية، فبدل مواجهة الحقيقة فإنهم يخفونها، معتقدين بأن ذلك أمر مخجل أو أن الآخرين سيظنون بأن  هذه العائلة فاشلة أو مفككة أو لا تستطيع منح أبنائها التربية الصحيحة.
مرحلة المراهقة تعرف  على أنها فترة نمو الإنسان ونمائه التي تعقب مرحلة الطفولة وتسبق مرحلة البلوغ في عمر يتراوح بين 10 سنوات و19 سنة. وهي تمثل واحدة من التحولات الحاسمة في عمر الطفل وتتميز بسرعة هائلة في وتيرة نموه وتغيره بحيث لا تسبقها في ذلك سوى مرحلة الرضاعة.
وحيث أن الانتحار يحتل المرتبة الثانية بين أهم أسباب الوفاة بين الشباب في الفئة العمرية 15-29 سنة على مستوى العالم فهذا  يوضح لنا حجم المشكلة وأهمية توجيه  انتباه خاص ومحاولات للوقاية منها، ويترتب على الانتحار أثرٌ متسعٌ يطال المجتمعات والأسر التي فقدت أحباءها بسببه .
ما الذي يجعل المراهق عرضة للانتحار؟
يعاني معظم المراهقين الذين يحاولون الانتحار من مشكلات في التكيف مع الضغط النفسي المصاحب لكونهم مراهقين مثل التعامل مع الرفض والفشل والانفصال واضطراب العلاقات الأسرية  ويعانون شعور قوي بالإجهاد والاضطراب وعدم الثقة بالذات والضغط للنجاح وعدم الاستقرار المالي و غيرها من الشكوك والمخاوف خلال نموهم  وقد يبدو الانتحار حلاً لمشاكلهم وخلاصاً من ضغط الواقع عليهم.
يجب على الأهل أن ينتبهوا لهذه العلامات على المراهقين الذين قد يحاولون قتل أنفسهم :
حديثه الدائم عن الانتحار أو الموت  على سبيل المثال  التفوه بعبارات مثل “سأقتل نفسي” أو “لن أسبب لكم مشكلات  بعد اليوم ”  “الأمور غير مهمة” “ولن أراكم ثانية “.
تغيير ملحوظ في الشخصية و تقلبات المزاج المفاجئة والحادة .
فقدانه الاهتمام بالأشياء كالنشاطات الاجتماعية,و إهمال غير عادي للمظهرالشخصي.
عدم الاختلاط بالآخرين وتفضيل العيش في وحدة.
أعمال العنف وسلوك التمرد و الهروب و العدوانية.
تعاطي الخمور والمخدرات والحشيش والمهدئات والمسكنات وكافة االمواد التي تسبب اعتماد نفسي أو جسدي.
الملل المستمر وصعوبة التركيز أو تدهور في أداء الواجبات المدرسية.
كثرة الشكاوى من الأعراض الجسدية ، وغالبا ما تتصل بالمشاعرالمزعجة  مثل آلام المعدة ، و الصداع ، والتعب.
التغاضي عن المديح أو الجوائز
التخلي عن ممتلكاته المفضلة .
فجأه يصبح مبتهج بعد فتره من الركود (لأنه وجد الحل النهائي  لمشاكله ).
الشعور بالعيش بلا غاية أو الشعور باليأس  كأن يقول “أنا سيء”  “أنا غير مهم “.
تغيير الروتين العادي، بما في ذلك أنماط الأكل أو النوم.
وجود جروح أو حروق دون مبرر سببها إيذاء النفس.
أسباب الانتحار عند المراهقين :
– الحب المفرط وتخلي الحبيب عنه والذي يعد السبب الأول في بعض الاحصائيات .
– وفاة فرد مهم من أفراد الأسرة أو صديق عزيز جداً.
– الاعتداء عليه أو التعرض لحادث أدى إلى تشوه في جسده.
– تعرضه للبلطجة من قبل أشخاص أقوياء لا يقدر عليهم.
– طلاق الأبوين.
– الفشل في الامتحانات الدراسية.
– الحزن الدائم والاكتئاب الوراثي.
– الصعوبة في التركيز واتخاذ القرارات.
– تخيل الانتحار بأنه من الحلول الممكنة للمشاكل المستعصية.
ما عوامل الخطورة المتعلقة بانتحار المراهقين؟
الإصابة باضطراب نفسي  مثل الاكتئاب.
وجود محاولات انتحار سابقة أو تاريخ عائلي من السلوك الانتحاري.
وجود تاريخ عائلي من الإصابة باضطراب المزاج.
وجود تاريخ من التعرض للاعتداء البدني أو الجنسي.
التعرض للعنف  مثل الإصابة بسلاح ما أو التهديد به.
هناك عوامل أخرى عند اجتماعها مع العوامل المذكورة أعلاه  قد تؤدي إلى زيادة خطورة انتحار المراهقين،وتشمل:
سهولة الوصول إلى وسائل الانتحار مثل الأسلحة النارية وفقدان الأصدقاء المقربين أو أفراد العائلة أو الخلاف معهم،
تناول الكحوليات أو المخدرات،حدوث حمل عن علاقة غير شرعية،العزلة الاجتماعية.
ماذا ينبغي عليّ فعله في حالة الشك في أن ابني المراهق يفكر في الانتحار؟
إذا راودك الشك في أن ابنك المراهق قد يفكر في الانتحار، فتحدث إليه في الحال ولا تقلق من استخدام كلمة “انتحار” فالتحدث حول الانتحار لن يزرع أفكار الانتحار في رأس المراهق. اطلب من ابنك المراهق أن يتحدث حول مشاعره واستمع إليه جيدًا بإنصات، لا تتجاهل مشكلاته ولا يتملكك الغضب  بل حاول طمأنة ابنك المراهق بتأكيد حبك له ،ذكّره بأنه ما من مشكلة إلا ولها حل وأنك ترغب في مساعدته.
علاوة على ما سبق، تأكد من الحصول على المساعدة الطبية لابنك المراهق. اطلب من الطبيب الخاص بولدك المراهق إرشادك وتوجيهك. عادة ما يحتاج المراهقون الذين يشعرون برغبتهم في الانتحار إلى زيارة طبيب نفسي أو اختصاصي علم نفس متمرس في تشخيص وعلاج الأطفال الذين يعانون من مشكلات الصحة العقلية. سيحتاج الطبيب إلى تكوين صورة دقيقة لما يحدث من عدة مصادر، مثل المراهق أو الوالدين أو الأوصياء أو أشخاص آخرين مقربين من الشخص المراهق أو تقارير المدرسة والتقييمات الطبية أو النفسية السابقة.
الوقاية
يمكنك اتباع هذه الخطوات للمساعدة في وقاية ابنك المراهق من الانتحار على سبيل المثال:
-علاج الاكتئاب أو القلق  لا تنتظر حتى يأتيك ابنك المراهق محمّلاً بعبء مشكلاته ليطرحها بين يديك. فإذا كان حزينًا أو قلقًا أو تبدو عليه علامات  الصراع النفسي فاسأله عن المشكلات التي يعاني منها واعرض عليه المساعدة.
– انتبه جيدًا إذا كان ابنك المراهق يفكر في الانتحار، فمن المحتمل أن تظهر عليه بعض العلامات التحذيرية التي ذكرت سابقا ً. استمع إلى ما يقوله طفلك وراقب سلوكياته وتصرفاته.،لا تتجاهل أبدًا تهديداته بالانتحار ولا تظنها تمثيلية عاطفية من تمثيليات المراهقين.
– شاركه مشاعرك اجعل ابنك المراهق يدرك أنه ما من أحد إلا ويشعر بالحزن أحيانًا، وأنت واحد من هؤلاء. حاول أن تجعله يدرك أن الأشياء ستتحسن.
لا تشجعه على العزلة. شجّع ابنك المراهق على قضاء وقت مع الأصدقاء أو العائلة بدلاً من أن يخلو بنفسه  لكن لو رد بالرفض لا تضغط عليه ولا تجبره.
شجعه على ممارسة النّشاط البدني. يمكن أن يساعد النشاط البدني الخفيف في تقليل أعراض الاكتئاب.
ابذل جهدك لدعم خطة العلاج إذا كان ابنك المراهق يخضع للعلاج النفسي فذكّره بأن الأمر قد يستغرق بعض الوقت حتى يشعر بتحسن ساعده على الالتزام بتوصيات الطبيب المعالج له. وكذلك شجعه أيضًا على المشاركة في الأنشطة الترفيهية والأنشطة التي يتم فيها بذل مجهود بسيط والتي ستساعده في إعادة بناء الثقة.
قم بتخزين الأسلحة النارية والأدوية في مكان آمن  يمكن لسهولة الوصول إلى وسائل الانتحار أن تزيد من خطر انتحار الشخص المراهق.
تذكر أن الوقاية من انتحار المراهقين ليست أمرًا مستحيلاً. وإذا كنت قلقًا بشأن سلوك ابنك المراهق  فتحدث إليه ولا تتردد في طلب المساعدة.
إذاً يمكن الوقاية من الانتحار وثمة تدخلات فعالة لذلك. حيث يُعتبر تحديد حالات الاكتئاب والاضطرابات الناجمة عن تعاطي الكحول وعلاجها بشكل مبكر أمراً أساسياً للوقاية من الانتحار على المستوى الفردي، علاوةً على الاتصال للمتابعة بمن سبق لهم محاولة الانتحار وتقديم الدعم النفسي في المجتمعات المحلية. و التدخلات الفعالة على مستوى السكان والرامية إلى الحد من الوصول إلى وسائل الانتحار.
ومن منظور النظم الصحية يتعين أن تدمج  الوقاية من الانتحار ضمن خدمات الرعاية الصحية بشكل أساسي .
د.لانا سعيد – اختصاصية في الطب النفسي