تستحب زيارة مسجد رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – للصلاة فيه، وهي مشروعة سائر العام، وليس لها وقت مخصوص، وليست من الحج، لكن ينبغي لمن قدم للحج أن يزور مسجده – صلَّى الله عليه وسلَّم – ليدرك فضيلة الصلاة فيه، خصوصًا من يشق عليهم السفر إلى الديار المقدَّسة، كمن يأتون من خارج الجزيرة، فهؤلاء لو عرجوا على المدينة وزاروا المسجد وصلوا فيه، لكان أرفق بهم وأعظم لأجرهم، ولأدركوا في سفرة واحدة ما لا يدركه غيرهم.

وقد دل على مشروعية زيارة مسجده – صلَّى الله عليه وسلَّم – أحاديث كثيرة؛ منها:
1- ما روته عائشة – رضي الله عنها – أن النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: ((أنا خاتم الأنبياء، ومسجدي خاتم مساجد الأنبياء أحق المساجد أن يزار وتُركب إليه الرواحل))[1].

2- ما رواه أبو هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((صلاة في مسجدي هذا خيرٌ من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام))[2].

3- ما رواه أبو هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: ((ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة))[3].

4- ما رواه أبو سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: ((لا تشدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى))[4].

وهذا الحديث الأخير صريح الدلالة بمنطوقه على مشروعية شدِّ الرحال إلى هذه المساجد الثلاثة؛ لشرفها وفضلها وفضل الصلاة فيها ومضاعفتها، ودل بمفهومه على حرمة شد الرحال إلى أي بقعة من بقاع الأرض على وجه التعبُّد فيها غير هذه المساجد الثلاثة، فيحرم السفر لزيارة قبور الأنبياء والأولياء والصالحين وغيرهم، ومتى وصل الزائر مسجد رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – استحبَّ له أن يقدِّم رجله اليمنى حال دخوله ويقول: بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك، ثم يصلي ما شاء، و الأوْلَى أن تكون صلاته في الروضة؛ لشرفها وفضلها، فهي روضة من رياض الجنة، ثم بعد صلاته يزور قبر الرسول – صلَّى الله عليه وسلَّم – ويقف أمامه بكل أدبٍ ووقار، ويقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم؛ إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك حميد مجيد، أشهد أنك رسول الله حقًّا، وأنك قد بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ونصحت الأمة، وجاهدت في الله حق جهاده، فجزاك الله عن أمتك أفضل ما جزى نبيًّا عن أُمَّته.

ثم يأخذ ذات اليمين قليلاً، فيسلم على أبي بكر الصديق، ويترضى عنه ويدعو له.

ولا يجوز ذات اليمين قليلاً فيسلم على عمر بن الخطاب ويترضى عنه ويدعو له.

ولا يجوز لمسلم أن يقترب إلى الله بمسح الحجرة النبوية أو الطواف بها أو استقبالها حال الدعاء، بل يستقبل القبلة ولا يتقرَّب إلى الله إلا بما شرع، والعبادات مبناها على الاتباع لا الابتداع.

وزيارة قبره – صلَّى الله عليه وسلَّم – خاصة بالرجال، وأما النساء فلا تزور قبره – صلَّى الله عليه وسلَّم – ولا قبر غيره، لكنهنَّ يُصلِّينَ عليه، ويُسَلِّمْنَ وهنَّ في أمكنتهن، وهذا كله يبلغه – صلَّى الله عليه وسلَّم – كما أخبر عن ذلك بقوله: ((صلوا علىَّ؛ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم))[5].

ويستحب للرجال خاصة زيارة البقيع والسلام على أهله قائلاً:
((السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين…….)).

وإن زار بعد ذلك أُحدًا ووقفوا على شيء مما جرى لسلف هذه الأمة واعتبروا به وأخذوا منه درسًا للمستقبل، فهذا حسن ومطلوب))[6].


[1] رواه مسلم، انظر: “صحيح مسلم”، ج(4)، ص (25).

[2] رواه البخاري، ومسلم، انظر: “صحيح البخاري”، ج(2)، ص (76)، و”صحيح مسلم”، ج(4)، ص (125).

[3] رواه البخاري، ومسلم، انظر: “صحيح البخاري”، ج (3)، ص (49)، و”صحيح مسلم”، ج(4)، ص (123).

[4] رواه البخاري، ومسلم، انظر: “صحيح البخاري”، ج(2)، ص (76)، و”صحيح مسلم”، ج (4)، ص (46).

[5] رواه أبو داود، انظر: “صحيح أبي داود”، ج(1)، ص (383).

[6] انظر: “تفسير ابن كثير”، ج(1)، ص (519)، و”المجموع”، ج(7)، ص (217)، “حاشية ابن عابدين”، ج(2) ص (627).