الحمد لله .. والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد :
فقد تبين لنا – في مقال سابق – بعض جوانب الخطر اليهودي على الإنسانية ، ورأينا رأي العين الأساليب الخبيثة والطرق الماكرة والحيل الملتوية التي يفكر اليهود بها ويعيشون بها ولها !
ونواصل حديثنا عن اليهود تبصيرًا وتحذيرًا ؛ فنقول مستعينين بالله :
توجد مفاهيم سائدة في الفكر اليهودي يعتقدونها حقائق ثابتة من أهمها :
· أولاً : الصراع في منطقة الشرق الأوسط هو صراع بين إسلام متخلف ويهودية متقدمة ! وليس صراعًا بين قومية عربية وقومية صهيونية ، وتقوم فلسفة اليهود على أساس أن منطقة الشرق الأوسط لا يوجد بها سوى عالم إسلامي ! وأن القومية العربية هي اختراع خلقه الوهم الغربي !
وهذا يعني بوضوح أن اليهود يخوضون ضدنا حربًا دينية ، ويتقربون إلى الله بتخريب بلادنا ، وإفساد أخلاقنا ، وتدمير اقتصادنا ، ونحن نقاوم ذلك وندافع عن أنفسنا تحت راية القومية العربية وليست القومية الإسلامية !
ومع أن اليهود يعلنون دائمًا أن حربهم معنا مقدسة ، وأن التوراة هي التي أمرتهم بذلك وحثتهم عليه ؛ فإنهم يطلبون منا أن لا نرفع راية الجهاد الإسلامي ، وأن يتوقف الحديث عن هذه الفريضة الغائبة .
يقول إسحاق شامير في مؤتمر مدريد (31 / 10 / 1991) : ( إنني أناشدكم إلغاء الجهاد ضد إسرائيل ) .
وقد ظهرت مجموعة من الكُتاب أحباب اليهود في مصر وغيرها تطالب بتحقيق هذه الرغبة لليهود ! وبرغم هذا الوضوح فإن بين صفوفنا قوم في القمة والقاعدة يصرون على أن الدين لا دخل له بصراعنا مع اليهود .
وهذا شيء عجيب ، وغريب ، ومريب ، في نفس الوقت !!
· ثانيًا ، يعتقد اليهود أن الصراع الذي بيننا حتمي لا يمكن التهرب منه ، وأن المواجهة بيننا قائمة ، والحرب قادمة ، وكل ما يجري الآن هو مناورات لكسب الوقت ، وليست لحل الأزمة ، وآخر هذه المناورات الاتفاق الأخير بين رئيس وزراء إسرائيل ورئيس بلدية فلسطين – كما يسميه بعض الكُتاب – والذي يعد نكسة جديدة للقضية الفلسطينية .
وكان أهم عناصر المناورة اليهودية هو عزل مصر عن المشاركة في صياغة القرار ، والاكتفاء بإحاطتها علمًا بما يحدث بعدما حدث ، وبما يجري بعدما جرى ، وذلك ليقينهم بأن الرئيس مبارك له رأي واضح للحفاظ على حقوق المسلمين في فلسطين .
والاتفاق الأخير هو عقد إذعان يشبه عقود تركيب التليفونات ؛ فأنت تناقش نصوص العقد لتفهم بغير اعتراض ولا تعديل ! وكان من أهم بنود الاتفاق :
1- الانسحاب من 13 % من الضفة الغربية ؛ والحقيقة أن الانسحاب من 1 % فقط !! حيث نص الاتفاق على أن 1% تخضع للسيطرة الفلسطينية الكاملة ، و 12 % تخضع للسيطرة الإدارية فقط !!
2- فتح مطار رفح للفلسطينيين حتى يتمكنوا من السفر بالطائرات كغيرهم من البشر ؛ أما الإشراف الأمني بكل أبعاده فهو لليهود ! وهذا يعني أنه مجرد إذن بالسفر من قبل السلطات الإسرائيلية .
3- محاكمة كل من ترغب إسرائيل في محاكمته من الفلسطينيين تحت إشراف المخابرات الأمريكية .
والخلاصة ؛ أن الوفد الفلسطيني رجع من أمريكا بحقائب مليئة بخيبة الأمل والإحباط والتسليم والإذعان .
وهكذا يسعى اليهود بخطوات سريعة في اتجاه الهدف المنشود (دولة يهودية من النيل إلى الفرات ) .
· ثالثًا : وهي حقيقة من أغرب المعتقدات اليهودية التي لا يعرفها الكثيرون ؛ وذلك باعتقادهم أن استئصال اليهود كان هدفًا لكل الدول الأوربية فترة الحكم النازي في ألمانيا ؛ وذلك بتواطؤ هذه الدول مع ألمانيا ، وأن التعاطف مع اليهود بعد ذلك مرحلة مؤقتة أو عابرة يمكن أن تتعصب أوربا بعدها ضد اليهود ! ولذلك تسعى إسرائيل إلى فرض نفسها كدولة شرق أوسطية ، وليست امتدادًا للحضارة الغربية .
· رابعًا : يقول خبراء السياسة : إن ورقة الإسلام هي العنصر الأساسي الذي يستغله اليهود لتفتيت منطقة الشرق الأوسط والسيطرة عليها ، وذلك بالعمل في محورين في وقت واحد :
الأول : تشويه التراث الإسلامي وتصوير الإسلام على أنه إرهاب .
الثاني : خلق القناعة بأن التراث الإسلامي مستمد من أصول يهودية ؛ وذلك لإظهار فضل اليهودية على الإسلام ، بل ويتحدث بعضهم عن وجود مصادر يهودية للقرآن الكريم !!!
وعندما يتحدثون عن حوار الحضارات يسعى اليهود إلى ترسيخ مفهوم خلاصته ؛ أن الفكر اليهودي هو المصدر الأصيل والمباشر للفكر الكاثوليكي عند النصارى وللفكر الإسلامي عند المسلمين !!
· خامسًا : يعتقد اليهود أن التعامل مع المنطقة العربية يجب أن ينبع من مفهوم القوة والعنف ؛ لأن هذه المنطقة لا تفهم سوى هذه اللغة ! وبناء على هذا فاليهود يستعدون للحرب ، ونحن نعد العدّة لسلام دائم مع قوم لا يريدونه ولا يبحثون عنه ، بل ولا يفكرون فيه !!
كما يعتقد اليهود بأن إيران ليست ضد إسرائيل ؛ لأن العلاقة بين إيران واليهود علاقة تاريخية ، وهناك ترابط حضاري بين الشعبين الفارسي ، واليهودي !!
ويؤمن اليهود بأن العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل ليس محورها حاجة إسرائيل إلى الولايات المتحدة ؛ وإنما هو حاجة الولايات المتحدة إلى إسرائيل !! وعلى هذا ينبغي أن يقوم تحالف بينهما على قدم المساواة والندية .
· بعد عرض هذه المتعقدات الخمسة السائدة في الفكر اليهودي ينبغي أن نلحظ بوضوح أن أهداف الولايات المتحدة الأمريكية في بلادنا العربية ( في الشرق الأوسط ) تتلاقى وتنطبق تمام الانطباق مع أهداف اليهود ؛ فهما في المصالح والأهداف وجهان لعملة واحدة ! وتتركز الأهداف الأمريكية على محاور ثابتة من أهمها :
– فرض التخلف على منطقة الشرق الأوسط عن طريقين : خلق عدم استقرار للحكومات وإثارة القلاقل والفتن الداخلية مما يعوق النمو والتقدم الاقتصادي لتلك الدول ، حتى تصبح كالأيتام على موائد اللئام !
– والطريق الثاني : استنزاف ثروات المنطقة في عمليات شراء السلاح ، وقد نبه على ذلك الرئيس مبارك في لقائه مع الصحفيين الأفارقة .
– وتهدف الولايات المتحدة أيضًا إلى منع المنطقة من الوحدة الحقيقية ، بتمزيقها وتحويلها إلى كيانات هشة ومتصارعة ، وتجني إسرائيل ثمرة هذين الهدفين عندما ترى نفسها تواجه دولاً قد أنهكها التمزق والتخلف .
· وبعد هذا البيان : نسوق إلى القارئ الكريم نماذج حية يشاهد من خلالها بوضوح : كيف يفكر اليهود !!
· يقول بن جوريون – وهو من كبار قادة اليهود ورئيس وزراء سابق – : ( على من يقود السياسة الإسرائيلية أن يتصور نفسه راكبًا دراجة ، ويريد أن يصعد الجبل !! وهو ينتظر حتى يجد حافلة متجهة إلى أعلى ، فيضع نفسه في وضع يجعله مشتبكًا مع الحافلة ، ولا يفعل أكثر من أن يغير وضعه تبعًا لحركة الحافلة في صعودها إلى أعلى ! ولا يتعب نفسه ، ولا يبذل جهدًا أكثر من الاحتفاظ بتوازنه ) !!
فاليهود نبات متسلق ، لا ينمو إلا على ساق نبات آخر اسمه أمريكا !! أرأيت كيف يفكر اليهود ؟!
· اليهود … وألمانيا :
يزعم اليهود ويعلنون ويكررون أن هتلر – قائد الحكم النازي في ألمانيا – قد أباد ستة ملايين يهودي في معسكرات الإبادة والاعتقال ، وكان الهدف من وراء ذلك هو استئصال اليهود من على وجه الأرض !
والعجيب أن المؤرخين السياسيين يؤكدون أنه لا توجد أي وثائق يقينية تدل على وجود هذه الإبادة الجماعية بهذا الشكل الذي ذكره اليهود .. إذن ما هو الهدف ؟
لقد أطلق اليهود هذه الشائعة القوية قبل سنة 1948 م حتى ينالوا عطف العالم عليهم في إقامة دولة لهم بفلسطين تضمن لهم البقاء وعدم التشرد ، حتى لا تتكرر الإبادة المزعومة ولا المذابح الوهمية … ولقد استطاع اليهود من خلال هذه الدعاية استنزاف الأموال الطائلة من ألمانيا بصفة دورية متكررة منذ أكثر من خمسين عامًا وحتى الآن ، تعويضًا لهم عما حدث !!
بل تمكن اليهود من الضغط على الحكومة الفرنسية وكسب تعاطف الرأي العام حتى صدر في باريس 1990 م قانون يعرف باسم ( قانون جيسو ) ؛ يقضي بالسجن على كل من يتشكك في رقم الستة ملايين يهودي الذين يقال إن هتلر وأعوانه قد أبادهم .
أرأيت كيف يفكر اليهود ؟
· اليهود … والمستقبل :
يعتقد البعض أن الصراع مع اليهود يتعلق بفلسطين المحتلة والقدس الشريف .. وهذا غير صحيح .
ويعتقد آخرون أن اليهود – كما هو معلن – يريدون إقامة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات ! وهذا غير دقيق ! أما الحقيقة التي في عقول اليهود ؛ فهي أنهم يريدون – لو استطاعوا – إقامة حكومة عالمية تحكم العالم بأسره ، وتحقق استعلاء اليهود على سائر البشر ، وسيطرتهم على كل حكومات العالم !
والطريقة التي يفكر بها اليهود تؤكد هذه الحقيقة ؛ فهم يخططون لمشاريع خيالية نسوق منها هذا المثال :
يخطط اليهود لتحويل تل أبيب إلى عاصمة سياحية ومصرفية لمنطقة الشرق الأوسط ، بل وفي ربط هذه المنطقة بالقارات الثلاث ؛ وكلمة العاصمة السياحية تعني ربط تل أبيب بالعالم القديم من خلال أربعة خطوط حديدية : أحدها : يتجه إلى طهران عبر بغداد ، والثاني : يخترق صحراء سيناء ليصل إلى الرباط ! على امتداد ساحل البحر الأبيض المتوسط الإفريقي ، والثالث يدور حول البحر الأحمر مخترقًا شبه الجزيرة العربية شرقًا ، وحوض وادي النيل غربًا لتجتمع هذه الروافد الثلاثة في تل أبيب ليصعد منها خط رابع يصل إلى أوربا عبر إستانبول ؛ وبذلك تصير تل أبيب عاصمة عالمية للسياحة في دول القارات الثلاث ( أوربا – إفريقيا – آسيا ) .
أرأيت كيف يفكر اليهود ؟
· اليهود … والسادات :
لقد استطاع هنري كسينجر – وزير خارجية أمريكا – أن ينقذ إسرائيل سنة 1973 م من هزيمة ساحقة ، مستغلاًّ في ذلك مكر اليهود وضعف المفاوض المصري ( الرئيس السادات ) بشهادة وزراء خارجية مصر .
يقول محمد إبراهيم كامل – وزير خارجية مصر – ( قدرة السادات التفاوضية من خلال التجربة التي حدثت في كامب ديفيد كانت غير موفقة وسيئة للغاية ! فقد اعتمد – أي السادات – على عناصر معينة على أمل أن تدفع بالمبادرة إلى طريق النجاح ، دون أن يدرس حدود إمكانيات الشخصيات التي واجهها ، سواء مناحم بيجين ، أو الرئيس الأمريكي كارتر ، الذي اعتمد عليه اعتمادًا كليًّا في كامب ديفيد ) . اهـ .
ويزيد محمود رياض – وزير خارجية مصر – الأمر توضيحًا فيقول : ( وكان ضعف السادات يتمثل في فشله في حرب أكتوبر 1973 م في تحقيق مكاسب سياسية ، وتحويل الميزان العسكري لصالح إسرائيل عام 1978م ، كما تخلى السادات عن الاختيار العسكري بتوقيعه اتفاق فض الاشتباك في عام 1975 م ، وتعهده بعدم استخدام القوة ) .
ثم يضيف قائلاً : ( فتاريخ السادات معروف لدّي بالكامل … الرجل لم يمارس سياسة خارجية ، هذا فضلاً على أنه – وإن كان يقرأ – إلا أنه ليس بمقدار اطلاع عبد الناصر !! ولم تكن لديه التجربة الشخصية على التفاوض ، وتدهش إذا سمعت وقرأت رأي كيسنجر في أنور السادات وقدرته التفاوضية ؛ فلقد عقد كيسنجر مقارنة بين القدرات التفاوضية لكل من الملك فصيل والرئيس الأسد والرئيس السادات ، وكانت النتيجة أن السادات أضعفهم !! فليست لديه قدرة على التفاوض ، ويروي كينسجر أنه حين ذهب لإسرائيل قدموا له مشروعًا ليقدم للسادات ، فقال لهم : لا ، قدموا له مشروعًا متشددًا حتى إذا ما رفضه فإنه يوافق على مشروع متشدد آخر ! وكانت النتيجة موافقة السادات على المشروع المتشدد بمنتهى السهولة ) !!
( ويمكرون ويمكر الله ، والله خير الماكرين )
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
وللحديث بقية إن شاء الله .
|