سلسلة الدوجماتية والكتاب المقدس (2)
عند النصاري بالوثائق ……. أبي آدم
بقلم المهندس/ زهدي جمال الدين
اول مولود لليث
الفرع الثاني
أبي آدم
سوف نتناول الدراسات والأبحاث التي تناولت الخلق الأول والذرية التي جاءت من بعده وأبدأ بكتاب الدكتور عبد الصبور شاهين ثم أرد عليهم بعد استعراضي لكافة الأقوال.
1 – أبي آدم هو كتاب مبني على المعتقدات الإسلامية وضعه الأستاذ الدكتور عبد الصبور شاهين ، صدر أواخر التسعينات ثم أعيد طباعته بواسطة مؤسسة أخبار اليوم، وقد أثار ضجة كبيرة في العالم الإسلامي ، حيث يرى فيه الشيخ الدكتور عبد الصبور أن آدم هو أبو الإنسان وليس أبا البشر الذين هم خلق حيواني كانوا قبل الإنسان ، فاصطفى الله منهم آدم ليكون أبا الإنسان ، وهو ما أشار إليه الله في القرآن بـ(النفخ في الروح) ، وأباد الله الجنس البشري فلم يبق منهم إلا آدم ، فعدله الله وسواه كما ينص القران(الذي خلقك فسواك فعدلك).
ويستدل الشيخ عبد الصبور بآيات كثيرة على وجود البشر قبل الإنسان ، ولكنهم كانوا خلقاً غير معدلين بروح الله ، وهو ما دعى الملائكة عندما أخبرهم الله أنه سيخلق آدم لأن يقولوا: (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء)، يرى شاهين أن هذا كان قبل أن يصطفي الله آدم ويعدله ويسويه بأن ينفخ فيه من روحه فيصبح عاقلاً ومتحضراً ، قال الله: (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين).
وخلاصة الأمر أن آدم ولد من أب وأم بشريين تطور هو من بعدهما ليصبح أبا الإنسان المميز بالعقل المقيد بالشرائع.
ومما جاء في الكتاب:
▬ إن نظرة القدماء إلى القصة قد تأثرت بالتصور الإسرائيلي لها، وهو الوارد في سفر التكوين، حيث يختزل الزمان كله إلى أقل من ثلاثة آلاف سنة تستغرق عشرين جيلاً هم المسافة بين آدم وإبراهيم. صــ28
إن أول كائن إنسي له المميزات التشريحية للإنسان المعاصر، وله صفاته من الذكاء، والقدرة على التعبير عن نفسه هو (إنسان كرومانيون) والذي وجدت بقاياه في جنوب فرنسا، في كهوف ترك آثاره على جدرانها رسوماً لبعض الحيوانات التي إصطادها، ويتضح منها أن هذا المخلوق تمتع بقدر من الذكاء يربطه بالإنسان الحالي. وأقدم بقايا لإنسان كرومانيون ترجع إلى حوالي ثلاثين، إلى خمسة وثلاثين ألف سنة مضت، وهذه الفترة تعتبر من أقدم فترات التاريخ المسجل. صــ36
▬ لقد نشرت جريدة الأهرام في عددها الصادر (8/11/1972) :(أن البروفسور ريتشارد ليكي أحد العلماء الأنثروبولوجيا – علم الإنسان)..أعلن في كينيا أنه تم إكتشاف بقايا جمجمة يرجع تاريخها إلى مليونين ونصف مليون عام، وتعد أقدر أثر من نوعه للإنسان الأول .. وواضح إن الفرق الزمني هائل بين هذا الرأي، وما تقوله نظرية داروين. كما أن ا لفرق هائل أيضاً في جوهر التصور للإنسان الأول بين النظريتين، فهو عند داروين يمشي على أربع منذ مليون سنة، ثم إنتصبت قامته، عند ليكي يمشي منتصب القامة منذ ملونين ونصف المليون من السنين، وأنه كذلك منذ كان صــ40 : 41
▬ لقد سقطت فكرة (التطور الخالق)، ونقول : (فكرة) ، ولا نقول : (نظرية)، ورغم أن الناس قد فُتِنوا بهذه النظرية لعدة عقود من الزمن…سقطت بكل ما إرتبط بها من أفكار أخرى، وإنتصرت حقيقة (الخلق المستقل) التي قررها الدين، كما أكدها العلم، فما كان الإنسان إلا بشراً منذ كان، وما كان القرد إلا قرداً، وما كانت السمكة إلا سمكة في عالمها المائي، وكل ذلك لم يكن إلا طبقاً للمشيئة الإلهية المطلقة..صــ46
▬ خلق الإنسان (بدأ من طين)، أي عند بداية البشرية، ثم إستخرج الله منه نسلاً (من سلالة من ماء مهين)، ثم كانت التسوية ونفخ الروح، فكان (الإنسان) هو الثمرة في نهاية المطاف..عبر تلكم الأطوار التاريخية السحيقة العتيقة. صــ96
▬ أما (الإنسان) فلا يطلق بمفهوم القرآن إلا على ذلك المخلوق المكلف بالتوحيد والعبادة لا غير، وهو الذي يبدأ بوجود آدم عليه السلام، وآدم – على هذا النحو – هو (أبو الإنسان) ، وليس (أبو البشر) ، ولا علا قة بين آدم والبشر الذين بادوا قبله، تمهيداً لظهور ذلك النسل الآدمي الجديد. صــ104
▬ ومعنى ذلك أن خلق الإنسان تم عبر ثلاث مراحل هائلة، هي (الخلق، والتسوية، والنفخ)، ومن السذاجة أن نفسر هذا النفخ بأنه بث الروح في الجسد، فقد حدث ذلك في مرحلة (الخلق) الأولى، التي أحالت التراب أو الطين إلى مخلوق ظاهر (البشر) يتحرك على الأرض بالروح الحيواني، كما تتحرك سائر الكائنات من حشر، وطير وحيوان، ثم تناولت القدرة ذلك المخلوق في المرحلة الثانية (بالتسوية) أو ما يمكن تشبيهه بهندسة البناء وتجميله، وهي مرحلة التعديل المادي أو الظاهري، وقد إستغرقت ملايين السنين، والله أعلم بتفاصيلها، ثم جاءت المرحلة الثالثة للهندسة الداخلية، وهي المتمثلة في تزويد المخلوق السوي بالملكات والقدرات العليا، التي جوهرها (العقل) ، والحياة الإجتماعية ثمرة العقل، واللغة وسيلة الإتصال بين أفراد المجتمع من العقلاء، وبذلك إكتمل بناء (الإنسان). فكان (آدم) هو أول (إنسان)، وطليعة سلالة التكليف بتوحيد الله وعبادته. صــ110
▬ ومن المعاني الغيبية المجردة ذات الدلالة العميقة على مذهبنا هذا – ما جرى على لسان إبليس وهو يغري آدم وزوجه بالأكل من الشجرة المحرمة – قال: (ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين) ؟! فمتى عرف آدم وزوجه معنى الخلود ؟ وكيف لهما أن يتخيلاه، وهو معنى مرتبط بواقع لم يحدث من قبل، على فرض أنهما أول المخلوقات البشرية ؟؟ ونعني به واقع (الموت) وهو ضد الخلود ؟ إن ذلك يؤكد أنهما عاينا أجيالاً سابقة حصدها الموت، وإبتلعها الفناء، ولعل الخلود أو البقاء كان حلماً يراودهما، فجاءهما الشيطان من هذا الباب وقد عرف حلمهما، أو نقطة ضعفهما. صــ133
▬ على أننا ينبغي ألا تفوتنا ملاحظة ظهور زوج آدم، لم يرد ذكرها قبل ذلك، وهو ما يعني أن آدم كان متزوجاً قبل الإستخلاف الإصطفاء، وذلك ما يدل عليه سياق القصة. يقول الشيخ رشيد رضا: (والآية تدل على أن آدم كان له زوج..أي:إمرأة، وليس في القرآن مثل ما في التوراة من أن الله تعالي ألقى على آدم سباتاً، انتزع في أثنائه ضلعاً من أضلاعه فخلق له منه حواء إمرأته، وأنها سُميت إمرأة (لأنها من امرىء أخذت)، وما روي في هذا المعنى مأخوذ من الإسرائيليات، وحديث أبي هريرة في الصحيحين : (فإن المرأة خلقت من ضلع..). صــ167
وفي مناظرة تلفزيونية واجه الأستاذ الدكتور زغلول النجار الدكتور عبد الصبور شاهين وجهاً لوجه، ووصف نظريته بأنها ترسبات للفكر الوجودي، ثم أعاد الدكتور زغلول ترتيب رأيه في محاضرة على قرص مضغوط يرد فيها على الدكتور عبد الصبور من دون أن يسميه، واصفاً إياه بـ(أحد أساتذة اللغة)؛ غير أن محاضرة الدكتور زغلول النجار خلت من أي رد تفصيلي على نظرية الدكتور عبد الصبور شاهين، واكتفى النجار بذكر الأساسيات الواردة في أمهات الكتب.
2 – ذرية أدم عليه السلام من ابناء شتى منهم قابيل _ الكاتب منصور عبد الحكيم
بعد ان قتل قابيل اخاه هابيل رزق الله ادم وحواء بذكور واناث جاءت منها ذريته وليست ذرية ادم من ابنهما شيث كما يظن البعض–
بل ان قابيل ايضا له ذرية — وسوف نوضح الامر من خلال ما فى كتب السيرة والتاريخ واراء العلماء —
يقول الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله :-
ليس في الكتاب والسنة ما يدل على أن ذرية آدم عليه السلام كانت محصورة في قابيل وهابيل ، بل ينقل العلماء أنه قد ولد لآدم عليه السلام أولاد كثيرون ، ومنهم تناسل البشر ، وهو الذي يدل عليه ظاهر القرآن ، وذلك في قول الله تعالى :
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) النساء/1 .
قال ابن جرير الطبري رحمه الله :
“ذُكر أن حواء ولدت لآدم عليه السلام عشرين ومائة بطن ، أولهم قابيل وتوأمته قليما ، وآخرهم عبد المغيث وتوأمته أمة المغيث . وأما ابن إسحاق فذُكر عنه أن جميع ما ولدته حواء لآدم لصلبه أربعون من ذكر وأنثى في عشرين بطنا ، وقال : قد بلغنا أسماء بعضهم ولم يبلغنا بعض” انتهى .
“تاريخ الأمم والملوك” (1/98) .
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله :
“وقد ذكر أهل التاريخ أن آدم عليه السلام لم يمت حتى رأى من ذريته – من أولاده وأولاد أولاده – أربعمائة ألف نسمة ، والله أعلم” انتهى .
“البداية والنهاية” (1/96) .
ومع ذلك يذكر محمد بن إسحاق – وهو من العلماء بالأنساب والتاريخ – أن أنساب البشر كلهم ترجع إلى شيث بن آدم ، وأن نسل ولد آدم من غير شيث كلهم بادوا وانقرضوا ، وهذا في الغالب مأخوذ عن أهل الكتاب .
قال ابن جرير الطبري رحمه الله :
“وإلى شيث أنساب بني آدم كلهم اليوم ، وذلك أن نسل سائر ولد آدم غير نسل شيث انقرضوا وبادوا ، فلم يبق منهم أحد ، فأنساب الناس كلهم اليوم إلى شيث عليه السلام” انتهى .
“تاريخ الأمم والملوك” (1/103) ، وانظر: “التبصرة” لابن الجوزي (1/24،36) ، “البداية والنهاية” (1/98) .
ثانيا :
أما المدة بين آدم ونوح عليهما الصلاة والسلام فقد ورد النص عليها في حديث يصححه بعض أهل العلم :
عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رجلا قال : (يا رسول الله ! أنبيٌّ كان آدم ؟ قال : نعم ، مكلَّم . قال : فكم كان بينه وبين نوح ؟ قال : عشرة قرون) .
رواه ابن حبان في “صحيحه” (14/69) والحاكم في “المستدرك” (2/262) وقال : صحيح على شرط مسلم ، ووافقه الذهبي . وقال ابن كثير في “البداية والنهاية” (1/94) : هذا على شرط مسلم ولم يخرجه . وصححه الألباني في “السلسلة الصحيحة” (2668 ، 3289) .
من كتاب قصص الأنبياء ( البداية والنهاية ) للإمام الحافظ عماد الدين ابن الفداء اسماعيل ابن كثير يقول :
” و الذي رأيتة في الكتاب الذي بأيدي أهل الكتاب الذين يزعمون انه التوراه : ان الله عز و جل اجل قابيل و انظرة و أنة سكن في ارض “نود” في شرقي عدن و هم يسمنون قنين و انه ولد له خنوخ و لخنوخ عندر ولعندر محوايل ولمحاويل متوشيل ولمتوشيل لامك وتزوج هذا امرأتين عدا وصلا فولدت عدا ولدا اسمة ابل وولدا اخر اسمة توبل وولدت صلا ولدا اسمة توبال قين وبنتا اسمها نعمي”–
قال أبو اسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم النيسابوري المعروف بالثعلبي (ت 427ه) في (عرائس المجالس) في قصص الأنبياء عليهم السلام جميعا، ص 37…41:
قال محمد بن اسحاق عن بعض أهل العلم بالكتاب الأول: إن آدم كان يغشى حواء في الجنة قبل أن تهبط إلى الأرض فحملت له بقابيل وتوأمته (إقليما) وكانت أجمل النساء وأحسنهن خلقا…فلما هبطا إلى الأرض واطمأنا بها تغشاها فحملت هابيل و (لبودا)…وكان الرجل آنذاك يتزوج أيا من أخواته شاء إلا توأمته،…فلما أدركا أمر الله تبارك وتعالى أن ينكح كلا منهما بأخت أخيه، فرضي هابيل وسخط قابيل قائلا له: هي أختي -إقليما- ولدت معي في بطن واحد ونحن من أولاد الجنة وهما من أولاد الأرض وأنا أحق بأختي منه…
وأختلف في مصرع (هابيل) وموضع قتله، فقال ابن عباس على جبل (نود)!!!ال بعضهم على عقبة حراء وحكى الطبري قال جعفر الصادق بالبصرة في موضع المسجد الأعظم…
فقيل لقابيل : اذهب، فذهب طريدا شريدا فزعا مرعوبا لا يأمن من رآه فأخذ بيد (أخته إقليما)وذهب بها إلى (عدن بأرض اليمن)، فأتى إليه إبليس (لعنه الله) وقال له: إنما أكلت النار قربان أخيك لأنه كان يخدم النارويعبدها فانصب أيضا أنت نارا تكون لك ولعقبك فبنى بيت النار فهو أول من نصب النار وعبدها،…قالوا واتخذ أولاد قابيل آلات اللهو من أنواع الطبول والمزامير والطنابير وانهمكوا في اللهو وشرب الخمر والزنا وعبادة النار والأوثان والفواحش — والله اعلم
#منصور_عبدالحكيم.
http://mansor2455.blogspot.com.eg/20…og-post_2.html
– وذكرت الأستاذة إيزابيل أشوري على صفحتها تحت عنوان (أولاد آدم بمن تزوجوا) حيث قالت:
http://izapilla.blogspot.com/2013/04/id00035.html
(هذا السؤال حير الكثيرين وتضاربت فيه الاجوبة وإيزابيل تدلوا بدلوها هنا وتقدم رؤية تفسيرية تزاوج فيها بين نصوص الاديان.
لا علينا بالأديان الغير توحيدية كما في شرح منّوسمرتي أو آرياني ستيانس التي تقول بأن الرب خلق من اصبع ابهام رجله اليمنى رجلا ومن اصبع ابهام رجله اليسرى امرأة فكان النسل ثم زوج البنات بالبنين . فهذا الرأي ايضا يتجه إلى القول بأن البشرية ثمرة زنا المحارم .
نقرأ في نصوص الكتاب المقدس أن زواج آدم من حواء كان زواجا شرعيا وفق المقاييس الإلهية تم بإذن الرب كما نرى ذلك في قول حواء التي تقول في سفر التكوين 4 : 1 ( اقتنيت رجلا من عند الرب).
وكذلك قولها بعد ولاتها للمولود الثالث شيث كما في سفر التكوين أيضا الاصحاح الرابع 25 : (وعرف آدم امرأته أيضا ، فولدت ابنا ودعت اسمه شيث وقالت أن الله قد وضع لي نسلا) .
إذن نعرف من الآيات السابقة أشياء مهمة منها أن حواء تزوجت زواجا شرعيا بإذن الرب وأنجبت ذكور وانها لم تُنجب اناث كما يوحي النص بذلك .
فمن أين تزوج أبناء آدم ؟ ومن أين جاؤوا بقولهم أن أبناء آدم تزوجوا أخواتهم والتوراة لم تصرح بذلك ولا أي مصدر مقدس آخر؟.
نظرا لحساسية هذا المسألة فقد تغافلت كل تفاسير الكتاب المقدس عن مصدر ازواج أبناء آدم ، إلا تفسير القس انطونيوس فكري الذي جازف واخترع زوجة لقابيل لم يذكرها الكتاب المقدس ، ولم يخبرنا بمصدر هذه المعلومة من أين جاء بها حيث قال في شرح الكتاب المقدس – العهد القديم – القس أنطونيوس فكري التكوين 4 – تفسير سفر التكوين: (إمراة قايين هي أخته والله سمح بهذا أولًا ليقيم نسلًا).
ولكن لربما نستفيد من التوراة نفسها بأن قابيل عندما قتل أخيه هرب كما في تكوين 4 : 16 (وخرج قايين من لدن الرب وسكن في أرض نود شرقي عدن . وعرف قايين امرأته فحبلت وولدت حنوك وَكَانَ يَبْنِي مَدِينَةً، فَدَعَا اسْمَ الْمَدِينَةِ كَاسْمِ ابْنِهِ حَنُوكَ) ففي هذا النص وفي ارض الغربة عرف قابيل امرأته أي تعرف هناك على بنت وتزوجها ثم انجب منها اطفال وبدأ ببناء مدينة للسكن فيها , وهذا الافتراض يبقى معلقا لسبب أن ذرية البشر كلها من آدم ، فهل كان في ارض نود شرقي الاردن بشرا تزوج منهم قابيل ؟ .
ثم تتالى نسل قابيل حيث يقول في تكوين 4 : 18 ( وولد لحنوك عيراد وعيراد ولد محويائيل ومحويائيل ولد متوشائيل ومتوشائيل لامك واتخذ لامك لنفسه امرأتين اسم الواحدة عادة واسم الاخرى صلة فولدت عادة يوبال ، وصلة ايضا ولدت توبال . ولشيث أيضا ولد ابن فدعا اسمه أنوش) وهكذا استمر النسل بالتكاثر وأصبح في الأرض اولاد عمومة وأولاد خالة مما يحل التزاوج بينهم.
إذن من هذا التفسير نكتشف أن كل البشرية هم أولاد زنا لأن قابيل تزوج اخته كما يقول القس المحترم انطونيوس في تفسيره.
توجهت إلى المسيحية وطرقت باب الانجيل فلم أجد أي ذكر لهذا الخبر لا من بعيد ولا من قريب بل أن الانجيل لم يذكر حتى قضية خلق آدم وحواء وسكت عنها وكأن الأمر لا يعنيه !!.
اضطررت للجوء إلى تفاسير المسلمين . فوجدت تفاسير ومع الأسف الشديد أن بعض اهل السنة والجماعة تميل إلى قول القس أنطونيوس من أن آدم زوج الاخوة من الاخوات فهم يقرون بأننا ثمرة زنا وأولاد حرام كما جاء في تفاسيرهم وكتبهم الفقهية فيقولون : ((وقد كان في شرع آدم عليه السلام تزويج الأخ من أخته بخلاف شرائع من بعده وفيما يلي توضيح من الحافظ ابن كثير في هذه المسألة : قال رحمه الله تعالى : [ إن ] الله تعالى شرع لآدم عليه السلام أن يزوج بناته من بنيه لضرورة الحال ولكن قالوا كان يولد له في كل بطن ذكر وأنثى فكان يزوج أنثى هذا البطن لذكر البطن الآخر .. قال السدي فيما ذكر عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان لا يولد لآدم مولود إلا ومعه جارية فكان يزوج غلام هذا البطن جارية هذا البطن الآخر ويزوج جارية هذا البطن غلام هذا البطن الآخر)) تفسير ابن كثير . سورة المائدة . آية 27
ولكن أهل السنة والجماعة أكثر انصافا من القس أنطونيوس حيث انهم لم ينسبوا هذا القول إلى نبيهم بل نزهوه عن ذلك ونسبوا هذا القول إلى بعض اصحاب النبي وأبهموهم ولم يُبينوا من هم هؤلاء فقالوا : (عن ناس من أصحاب النبي !).
ولما رأيت أن ذلك أيضا من التفاسير اليهودية اتجهت إلى تفاسير وفقه الشيعة الإمامية فوجدت ما كنت ابحث عنه في تفسير للإمام الصادق عليه المراحم حيث يقول بأن الرب الله انزل من الجنة بنات زوجهن لأولاد آدم ، وأنزل من الولدان المخلدون شبابا تزوجوا ببنات آدم فكان نسل البشرية حلالا وليس سفاحا .فهو يقول كما يروي الصدوق في كتابه العلل عن الامام الصادق في حديث له ينكر فيه زواج الأخ بأخته فيقول : (سبحان الله عن ذلك علواً كبيراً يقول من يقول هذا ( اي تزاوج الابناء بالبنات ) : ان الله تعالي جعل أصل صفوة خلقه وأحبائه وأنبيائه ورسله وحججه والمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات من حرام !! ولم يكن له من القدرة ما يخلقهم من الحلال ، وقد اخذ ميثاقهم علي الحلال والطهر الطاهر الطيب)).
وهذا التفسير مما يُطرب له وهو جدا صحيح وهو اقرب للواقع إذا اخذنا بنظر الاعتبار أن آدم لم يلد سوى ذكور كما هو مذكور في الكتاب المقدس وبوضوح، خصوصا وأني وجدت ما يعضد هذا الرأي في الكتاب المقدس حيث يقول في سفر التكوين 6: 4 (أن أبناء الله ـــ الملائكة ــ رأوا بنات الناس أنهن حسنات دخل بنو الله على بنات الناس وولدن لهم أولادا).
وهنا يقصد أن الملائكة تزوجوا من البشر وهو لربما اشارة إلى قدوم مخلوقات من كوكب معين او عالم آخر وتزوجوا من بنات الارض وهو ما يُرمز له بالجنة .
طرحت ما جاء في تفسير الامام الصادق حول زواج ابناء آدم على بعض القساوسة المنصفين وبعض علماء اللاهوت مالوا كلهم إلى رأي جعفر الصادق واستحسنوه لأنه اقرب للواقع ويقبله العقل ولأن آدم وحواء كانوا في الجنة . ولأنه انزه واطهر لنسلنا ونسبنا وان انتسابنا لأمهات من الجنة افضل من كوننا أبناء زنا المحارم. فهل هناك تأويل آخر غير الذي وجدته ؟؟؟
افيدونا يرحمكم الرب .)انتهى بنصه.
وإليكم ردي (كاتب البحث زهدي)..
بداية كل الذي قال ونقول به نما هي اجتهادات شخصية لا نقلل منها ولا نسفه..وكفانا قول الحق سبحانه وتعالى: (ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم)..وبهذه الآية يتم حسم الأمر..
وعليه فلا اجتهاد مع النص..ولكن الاجتهاد يكون في ذات النص..
ولسوف أبدا من عند أقوى نقطة وتعبر بمثابة النقطة الفاصلة وهي وجود حرث آخر ذرأ الله فيه ذُرية آدم الأولى وذلك في عالم الذر يوم أن أخذ الله تعالى علينا الميثاق..
فما هو الميثاق؟..
الميثاق لغة العهد.
والميثاق شرعا واصطلاحا: هو العهد الذي أخذه الله تعالى من آدم وذريته.
فما هو هذا العهد الذي أخذه الله من آدم وذريته؟ والأصل في ذلك قوله تعالى:
(وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ ) الأعراف:172..
أولاً: العهد والميثاق الذي أخذه الله تعالى على ذريه آدم
قال الله تعالى في سورة البقرة: (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (البقرة:27).
قال ابن جرير والماوردي والقرطبي وابن كثير: قيل: العهد الذي ذكره الله عز وجل هو العهد الذي أخذه عليهم حين أخرجهم من صلب آدم الذي وصفه في قوله في سورة الأعراف: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ) (الأعراف:172) تفسير الطبري 1/183؛ وتفسير الماوردي 1/82؛ وتفسير القرطبي 1/246؛ وتفسير ابن كثير 1/66.
وقال تعالى في سورة الحديد: (وَمَا لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (الحديد:8).
قال الطبري: عنى بذلك: وقد أخذ منكم ربكم ميثاقكم في صلب آدم بأن الله ربكم لا إله لكم سواه، وهو قول مجاهد (انظر تفسير الطبري 27/218؛ وتفسير القرطبي 17/238.) .
وقد اختلف العلماء في هذا الميثاق وكيف أخذه الله من ذريه آدم وليس محل الخلاف هنا.
روى عن أبيّ بن كعب في قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ) (الأعراف: من الآية172) الآية. قال: ” جمعهم فجعلهم أرواحًا ثم صورهم فاستنطقهم فتكلموا، ثم أخذ عليهم العهد والميثاق، وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم؟ قال: فإني أشهد عليكم السماوات السبع والأرضين السبع وأشهد عليكم أباكم آدم عليه السلام أن تقولوا يوم القيامة لم نعلم بهذا، اعلموا أنه لا إله غيري ولا رب غيري فلا تشركوا بي شيئًا، إني سأرسل إليكم رسلي يذكرونكم عهدي وميثاقي وأنـزل عليكم كتبي، قالوا: (شهدنا بأنك ربنا وإلهنا، لا رب لنا غيرك، فأقروا بذلك ورفع عليهم آدم ينظر إليهم) ” رواه أحمد والطبري والحاكم واللالكائي.
( مسند الإمام أحمد (واللفظ له) 5/135؛ وتفسير الطبري 9/115؛ والمستدرك 2/323؛ وشرح أصول اعتقاد أهل السنة 559.).
ولا تناقض هنا بين الميثاق والفطرة، بل نقول أن المولود يولد على الفطرة – كما ثبت في الأحاديث الصحيحة،( انظر شرح أصول اعتقاد أهل السنة للكائي 3/562 وما بعدها حيث روى عدة أحاديث صحيحة – بعضها في البخاري ومسلم.) لأنه أعطى الميثاق وفيه الإقرار بربوبية الله ووحدانيته، ويبقى على ذلك ويولد عليه، ولكن هذه الفطرة تتغير بما يطرأ على الإنسان من عقائد فاسدة لأسباب كثيرة تصرفه عن فطرته وميثاقه.
أن هذا الميثاق ليس كافيًا لإقامة الحجة على الخلق، بل لا بد من إرسال الرسل وإنـزال الكتب، والآيات القرآنية صريحة بأن الله تعالى لا يعذب أحدًا حتى يقيم عليه الحجة بإنذار الرسل، وهو دليل على عدم الاكتفاء بما نصب من الأدلة وما ركز من الفطرة (انظر أضواء البيان للشنقيطي 2/336.). قال تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (الإسراء: من الآية15).
وقال سبحانه: (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) (النساء: من الآية165)…( أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ ) الأعراف:من الآية 172..
ثانيًا: العهد والميثاق الذي أخذه الله على النبيين
قال الله تعالى في سورة آل عمران: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) (آل عمران:81).
وقال سبحانه في سورة الأحزاب: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً) (الأحزاب:7).
فبعد أن أوجد الله عز وجل الذرية في عالم الذر اصطفى عز وجل منهم رسله الكرام وأخذ عليهم العهد بنصرة واتباع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
1- ظاهر الآية ويؤيد ذلك قوله تعالى في سورة الأحزاب: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ) (الأحزاب: من الآية7).
2- ما رواه الإمام أحمد في المسند عن عبد الله بن ثابت قال: ” جاء عمر بن الخطاب إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله إني مررت بأخِ لي من قريظة فكتب لي جوامع من التوراة، ألا أعرضها عليك، قال: فتغير وجه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال عبد الله: فقلت: ألا ترى ما بوجه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فقال عمر: رضينا بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رسولا، قال: فسرى عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم قال: “والذي نفسي بيده لو أصبح فيكم موسى ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم، إنكم حظي من الأمم وأنا حظكم من النبيين (” مسند الإمام أحمد 3/470 و4/265؛ وتفسير ابن كثير 1/378. ).
وكذلك ما رواه الحافظ أبو يعلى قال: حدثنا إسحاق حدثنا حماد عن مجالد عن الشعبي عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” والله لو كان موسى حيًا بين أظهركم ما حلّ له إلا أن يتبعني ” (أخرجه ابن كثير في تفسيره 1/378. ).
3- روى الطبري بسنده عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قال: لم يبعث الله عز وجل نبيًا، آدم فمن بعده إلا أخذ عليه العهد في محمد: لئن بعث وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه ويأمره فيأخذ العهد على قومه، وقرأ الآية ( انظر تفسير الطبري 2/508.).
4- ما روي عن ابن عباس وقتادة وطاوس من آثار في ذلك،( انظر تفسير الطبري 3/131 وما بعدها.) وهذا القول هو الراجح وهو الذي تسنده الأدلة ويوافق ظاهر الآية.
أنه لا يمتنع أن يؤمن النبيون – عليهم السلام- بمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإن لم يدركوه، بل هذا جزء من الإيمان لما يلي:
1- حتى يخبروا أممهم، ويأمروهم بالإيمان به إن أدركوه.
2- أن بعض النبيين سيدركه(أي يدرك أمة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا أنه يدرك شخص الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأن عيسى – عليه السلام – ينـزل في آخر الزمان.) كعيسى – عليه السلام – بعد نـزوله فإنه يحكم بشريعة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويكون من أتباعه(انظر شرح العقيدة الطحاوية – ص 448.) .
3- أن الإيمان به عقيدة حتى وإن لم يدركوه، كما نؤمن بالنبيين السابقين لنبينا – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعليهم أجمعين – وإن لم ندركهم ولن نتبعهم فيما خالف شريعة نبينا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكما يجب الإيمان بأشراط الساعة وعلاماتها وإن لم يدركها الأكثرون.
4- أما الدليل الرابع، وهو وصف من تولى بأنه من الفاسقين، وهذا لا يليق بالأنبياء فالرد عليه من وجهين:
أ- أن قوله: (فَمَنْ تَوَلَّى) (آل عمران: من الآية82) الآية للمخاطبين وقت نـزول القرآن، أو للأمم بعد أخذ الميثاق على أنبيائهم(انظر تفسير الطبري 3/335؛ والبحر المحيط 2/514.) .
ب- أنه على القول بأن الآية في الأنبياء فهي من باب قوله تعالى: (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) (الزمر: من الآية65). وقوله تعالى: (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ) (الحاقة:44-46).
5- أما الدليل الخامس، وهو أن المقصود أن يؤمن الذين في زمن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخذ الميثاق منهم أولى.
وهذا ضعيف من وجهين – أيضًا -:
أ- أنه ليس المقصود أن يؤمن الذين في زمن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقط، بل أن يؤمن الأنبياء وأممهم بالرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغيره من الأنبياء.
ب- أن درجات الأنبياء أعلى وأشرف من درجات الأمم، فصرف الميثاق إلى الأنبياء أقوى في تحصيل المطلوب والأمم تبع(انظر تفسير الرازي 8/116.) .
وبما سبق يتبين أن الراجح هو القول: بأن الله أخذ على النبيين ميثاقهم، وأن الأمم تبع لأنبيائهم، فالله قد أخذ الميثاق على النبيين، والأنبياء يأخذون الميثاق على أممهم(نظر تفسير الطبري 3/332؛ وتفسير القرطبي 4/124.) .
قال الطبري مرجحًا القول الثاني ورادا الأول:
ولا معنى لقول من زعم أن الميثاق إنما أخذ على الأمم دون الأنبياء لأن الله عز وجل قد أخبر أنه أخذ ذلك من النبيين فسواء قال قائل لم يأخذ ذلك منها ربها، أو قال: لم يأمرها ببلاغ ما أرسلت (أصحاب القول الأول لم يشكوا ولكن تأولوا.) وقد نصّ الله عز وجل أنه أمرها بتبليغه لأنهما جميعًا خبران من الله عنها، أحدهما أنه أخذ منها، والآخر منهما أنه أمرها فإن جاز الشك في أحدهما جاز في الآخر(تفسير الطبري 3/333.). .
وأختم هذا المبحث بالنقاط التالية:
1- أن الله عز وجل أخذ من النبيين العهد والميثاق بأن يؤمن بعضهم ببعض، ويصدق بعضهم بعضًا، وكل يبلغ أمته ويأمرها بالإيمان بذلك.
2- أن الله أمرهم بذلك فأقروا بالميثاق وأعطوا العهد عليه(تفسير الطبري 3/334.). .
3- أن الله أشهدهم على ذلك فشهدوا(وقيل شهدت الملائكة بذلك – أي أشهدهم الله – وقيل غير ذلك. انظر تفصيل ذلك في البحر المحيط 2/513؛ وروح المعاني 7/212.).
4- الميثاق الذي أخذ على ذرية آدم – والأنبياء منهم – عام وهذا ميثاق خاص.
5- قال بعض المفسرين: إن أخذ الميثاق على النبيين في ظهر آدم،( ممن قال بذلك مجاهد. انظر تفسير الطبري 21/126؛ وتفسير القرطبي 14/127.) وقيل بعد ذلك (ذكر ذلك الألوسي، وقال إن القول الأول بعيد كبعد ذلك الزمان. انظر روح المعاني 3/210.)..
وبهذا يتضح القول في معنى ميثاق النبيين والعهد الذي أخذه الله عليهم، والله أعلم بالصواب.
وأقوى ما يشهد لصحة هذا القول حديث أنس المخرج في الصحيحين عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة: أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت مفتديا؟ قال: فيقول: نعم قال: فيقول: قد أردت منك أهون من ذلك قد أخذت عليك في ظهر آدم ألا تشرك بي شيئا فأبيت إلا أن تشرك بي شيئا وقد روي من طريق أخرى قد سألتك أقل من ذلك وأيسر فلم تفعل فيرد إلى النار وليس فيه في ظهر آدم.
وفي هذا اليوم خلق الله سبحانه وتعالى الحجر الأسود وعليه فأنّ الله تعالى لمّا أخذ مواثيق العباد قال للحجر الأسود اشهد ، فالتقم الميثاق من الخلق كلّهم، فذلك قوله تعالى: (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالاْرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) سورة آل عمران: 83.
فهو يشهد لمن وافاه بالموافاة.
إنّ الأرواح جنود مجنّدة، فما تعارف منها في الميثاق ائتلف هاهنا، وما تناكر منها في الميثاق هو في هذا الحجر الأسود، أما والله إنّ له لعينين واُذنين وفماً ولساناً ذلقاً، فأخذ منهم جميعاً ميثاقهم وأشهدهم على أنفسهم.
فلا يتصورنَّ أحدٌ أنَّ مناسك الحجّ هي مجرّد فعّاليات تقام تعبّداً ليس إلاّ ، من دون أن تختزن أسراراً وبواطن وقيماً وتأريخاً . .
ودعونا ننظر إلى الحجر الأسود مجرّداً عن كلّ تأريخ ومعنى ، بعيداً عن عالم الملكوت .
مرَّ عمر بن الخطّاب على الحجر الأسود . فقال : والله يا حجر إنّا لنعلم أنّك حجر لا تضرّ ولا تنفع ، إلاّ أنّا رأينا رسول الله صلى الله عليه وآله يحبّك فنحن نحبِّك .
فقال على رضي الله تعالى عنه : كيف يا ابن الخطّاب! فوالله ليبعثنّه الله يوم القيامة وله لسانٌ وشفتان ، فيشهد لمن وافاه ، وهو يمينُ الله عزّ وجلّ في أرضه يبايع بها خلقه .
فقال عمر : لا أبقانا الله في بلد لا يكون فيه علي بن أبي طالب .
وعليه فالعبرة من التوجه للكعبة عند الحج الأكبر أو الحج الكبير هو، تجديداً للبيعة ليؤدّوا إليه العهد الذي أخذ الله عليهم في الميثاق ، فيأتوه في كلِّ سنة ويؤدّوا إليه ذلك العهد والأمانة اللذين أخذا عليهم.وذلك لأنّ الحجر قد التقم الميثاق من الخلق كلّهم ، فمن أجل ذلك أمرتم أنْ تقولوا إذا استلمتم الحجر :
أمانتي أدّيتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة يوم القيامة.
ولهذا كان الناس منذ عصر النزول يتقاتلون على استلام الحجر الأسود وتقبيله، رغم استحباب ذلك وعدم وجوبه.
وأمّا القُبلة والاستلام فلعلّة العهد تجديداً لذلك العهد والميثاق .
ففي سنن الترمذي بَاب مَا جَاءَ فِي الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ :
961 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ ابْنِ خُثَيْمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَجَرِ وَاللَّهِ لَيَبْعَثَنَّهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهُ عَيْنَانِ يُبْصِرُ بِهِمَا وَلِسَانٌ يَنْطِقُ بِهِ يَشْهَدُ عَلَى مَنْ اسْتَلَمَهُ بِحَقٍّ قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ .
وهكذا علمنا أن أخذ الذُرية من الظهور فقد أخذها الله من ظهر أبي الذُرية آدم عليه الصلاة والسلام بعد أن علَّمه بكافة أسماء الخُلفاء من ذُريته ومن ثم أخذ بقدرته تعالى كافة ذُرية آدم من ظهورهم والملائكة ينظرون، ولم يأخذ إلا ذات الأنفس الحية من التي سوف يذرأها في الأرحام في قدره المعلوم، ثم اصطفى من بينهم خُلفاء الله في الأرض وكان ذلك الحدث بُقدرة الله على مشهدٍ من كافة الملائكة فعرضهم على الملائكة وقال تعالى(ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)صدق الله العظيم [البقرة:31].
وتجدون في هذا الكلام الذي يُخاطب الله به ملائكته بإقامة الحجّة عليهم وقولاً غليظاً ومُهيناً وهو قوله تعالى: (إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) وذلك بسبب اعتراضهم على ربّهم في شأن اصطفاء خليفته من البشر بقولهم: (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء) [البقرة:30].
ولكن التحدي من الله بإقامة الحجّة على ملائكته كان خارج عن الخليفة الأول آدم عليه السلام بل التحدي كان في نطاق الذُرية ممن اصطفاهم الله وعرضهم على الملائكة وقال لهم: (أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)، تصديقاً لقول الله تعالى: (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)صدق الله العظيم، وذلك بعد أن أخذ الذُرية البشرية من الظهور من الظهر الأصل أبا البشرية آدم عليه الصلاة والسلام وذلك يدخل في علم الروح بقدرة الله، وما أوتيتم من العلم إلا قليلا،فأنطقهم بقدرته ونطقوا بالحقّ بقدرة الله إلا واحدٌ من الخُلفاء لم يكُن موجوداً في ذُرية آدم؛ بل مثله كمثل آدم ويُريد الله أن يجعله بُرهاناً مُبيناً للممترين بغير الحقّ من الذين سوف يجادلون في الميثاق الأزلي فيقولون وكيف تنطق ذُرية لا تزال في الظهور فتنطق بكلمة التوحيد فتشهدُ لله بالوحدانية والعبودية له وحده لا شريك له وهي لم تعلم ولم تتعلم وما يُدريهم بذلك مالم يكبروا ويعقلوا ثم يبعث الله إليهم رسولا ليُعلمهم بذلك؛ بل إن هذا مُخالف للعقل؟ وحتى يخرس اللهُ بالحقّ ألسنةَ المُمترين الذين يُجادلون في آيات الله وقُدراته بغير علمٍ ولا هُدىً ولا كتاب مُنير، ولذلك أخرَّ اللهُ خلقَ أحدِ الخُلفاء فلم يخلقه في ذُرية آدم ولم يكن موجوداً بين الخُلفاء من الذين عرضهم على الملائكة، والحكمة من ذلك ليجعله الله البرهان للعهد الأزلي على الواقع الحقيقي أمام البشر وقالوا(يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا * فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ ۖ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا) [مريم: 28 -29].
ومن ثم جاء بُرهان المعجزة من ربّ العالمين الذي أنطق الإنسان المنوي بالعهد الأزلي فأنطقه بالحقّ كما أنطقُ من كان في المهد صبياً برغم أن ذلك يستحيل في نظر العقل البشري أن ينطق طفل حديث الولادة بالكلام وشهادة الحقّ ولذلك قالوا: (كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا)؟ .
فأراهم الله بُرهان قُدرته كما أرى الملائكة من قبل يوم أنطق الذُرية بكلمة التوحيد وكذلك أنطق الذي كان غائباً وهو في المهد صبياً، وقال الله تعالى: (فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شيئاً فَرِيًّا *يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا * فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِي الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا* ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الحقّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ ما كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ *) [مريم:27 – 34].
أن حرثَكم منكم منذ أن خلق الله أبوكم آدم، تصديقاً لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا ربّكم الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً) [النساء:1].
وهذه من الآيات المُحكمات أنه لم يأتِ بأزواجٍ من غير ذرية آدم منذ الأزل القديم وجاء الشرع وحرم الزواج بالمحارم ومن اتقى وأصلح فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون، كما أنني لم أجد في الكتاب أن أزواج البشر منذ الأزل الأول في الحياة خلقهن الله من غير أنفسنا، تصديقاً لقول الله تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم:21].
ولذك فأنا كلي يقين بأن التكاثر كان من حواء وآدم ولا أعلم بجنس آخر شاركهم، تصديقاً لقول الله تعالى)يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا ربّكم الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا( [النساء:1].
فتدبر قول الله تعالى: (الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً) فمن أين جئتم بجنس ثالث لآدم وحواء؟ وأما بالنسبة للتشريع فحين يأتي التشريع والتحريم فمن وقتها يكون شرع الله ساري المفعول وما مضى قد مضى، كمثال قول الله تعالى: (وَلَا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا) [النساء:22].
وبعد خروج آدم لم يأتِ بعد التشريع في الزواج لأنه ليس إلا آدم وحواء، ولحكمةٍ من الله جاء التشريع بعد أن تكاثروا ومن ثم حرّم الزواج بين الأخ وأخته وأحلَّه لأبناء العمومة، فكانت تتزوج البنت ولد عمها واستمر التشريع في الزواج، أما الماضي فلم يُحاسبهم الله عليه من قبل نزول تشريع الزواج.
وكما أن الأخت من المُحرّمات فكذلك امرأة الأب من المُحرّمات، ولكننا نجد بأن الله لم يحاسب أو يُعاتب الذين تزوجوا ما نكح آباءهم من قبل من النساء نظراً لعدم إقامة الحجّة عليهم لعدم نزول تحريم الزواج على الأبناء ما نكح آباؤهم من النساء. تصديقاً لقول الله تعالى: (وَلَا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا) صدق الله العظيم [النساء:22].
وكذلك الأخت من المُحرّمات ولكنه لم ينزل التشريع بتحريم الزواج من الأخت إلا بعد التكاثر وبعد نزول التشريع تمَّ تحريم الزواج من الأخت كما تراه تمَّ التحريم على الابن من الزواج بمطلقة أبيه، وتفهم التشريع بأنَّ الله لا يُحاسب على الماضي من قبل نزول شرع الله ولكن الحساب يكون من بعد تنزيله؟ تصديقاً لقول الله تعالى : (وَلَا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا)صدق الله العظيم.
وبما أنكم تدّعون بأن التناسل للبشرية في العهد القديم كان في حرثٍ آخرَ وليس في أزواج منهم من أنفسهم، قُل هاتوا بُرهانكم إن كنتم صادقين؟ وذلك لأني لا أجد في القرآن ما تدّعون وإذا تعلمون بسلطانكم على دعواكم فأتوا به فلكُل دعوى بُرهان، ولا تُجادلوا في آياتٍ الله بغير سلطانٍ أتاكم، فإن فعلتم فقد خالفتم أمر الرحمن واتبعتم أمر الشيطان بقولكم على الله ما لا تعلمون، ذلك لأن الله قال بأن أزواجنا من ذات أنفسنا وليس من خلقٍ آخر..ومن ثم كان جدالكم حقاً يُراد به باطل، وأقصد جدالكم إذ كيف تحلّ الأخت لأخيها فلا بُد من إناثٍ من غير ذُرية آدم، فهل تريدون تغيير خلق الله ..وأما حُجتكم إذ كيف يُجامع الأخ أخته فهذا حقٌ يُراد به باطل وقد جاء التشريع الحقّ وحرم ذلك، وحدث ذلك قبل نزول التشريع وليس عليهم في ذلك شيء حتى يأتي التحريم وما كان الله ليُحاسبهم على ذلك ما لم يبعث إليهم رسولاً يُحل لهم ما أحله الله ويُحرم عليهم ما حرم الله وعفى الله عما سلف ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون، وقال الله تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا) صدق الله العظيم [الإسراء:15].
ولم أجد الأزواج أتت إلينا من خلقٍ آخر فلا تفتروا على الله الكذب وقد أفتاكم الله في مُحكم كتابه إن أزواجكم من أنفسكم من البداية وليس من خلقٍ آخر وقال الله تعالى(وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم:21].
فمن أين جئتم لأولاد آدم بإناثٍ من غير ذُرية آدم، والله سبحانه وتعالى يقول عن ذرية آدم عليه السلام أنه(بث منهما رجالاً كثيراً ونساءً)، أي بثّ من ذُرية آدم وحواء رجالاً كثيراً ونساءً فجعل الله لنا أزواجاً من أنفسنا وليس من ذُريات الشياطين أو الملائكة قال الله تعالى(وَاللَّـهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ۚ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّـهِ هُمْ يَكْفُرُونَ) [النحل:72].
“تالله لولا جاء الشرع وحرم ذلك لكان الأمر شيئاً طبيعياً أن ينكح الأخ أخته فينجب منها ذريته، ولكن نظراً لأن الشرع جاء من أول مرة بتحريم ذلك وعفى الله عما سلف ولم يصِفهم الله بأولاد زنى.
قلتم: وكيف يجوز أن ينكح الأخ أخته؟.
أقول: بسبب أنهم لا يعلمون أن ذلك محرمٌ عليهم بسبب عدم وجود التشريع؛ بل وعدهم الله بالشريعة والمنهاج من بعد خروجهم إلى حيث أنتم”، وقال الله تعالى:
(يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [الأعراف:35].
ونحن نعلم بأن آدم ليس برسولٍ بل نبيٌ ولكن المنهج لا يأتي به الأنبياء؛ بل يأتي به الرُسل، وإنما يورث الأنبياء علم كُتب المرسلين وكُل رسولٍ نبيٍّ وليس كُل نبياً رسولاً، ولكن آدم يعلم منهج العبودية لربّه كما علمه الله ولكنه لم يبعثه بالتشريع؛ بل الرُسل جاءت من ذُرية آدم، تصديقاً لقول الله تعالى)يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) ، ولن يُحاسب أولاد آدم الأولين بسبب نِكاحهُم لأخواتهم، تصديقاً لقول الله تعالى (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا) صدق الله العظيم [الإسراء:15].
وذلك لأن لهم حُجة على ربّهم إن لم يبعث إليهم رسولاً ليُحرِّم عليهم ذلك، فإن ثبت إن الله ابتعث إليهم رسولاً ليُبين لهم التشريع في الزواج ومن ثم عصوا أمر ربّهم فهنا قامت على هابيل وقابيل الحجّة فيُعذبهم الله بسبب نكاحهم لأخواتهم، وأما إذا ثبت أنهم نكحوا أخواتهم من قبل مبعث الرسل إليهم فلا حُجة لله عليهم؛ بل الحجّة لهم على الله سبحانه وتعالى – حاشاه – بسبب عدم بعث الرسول الذي ينهاهم عن ذلك وقد قال الله تعالى: (وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)الأنعام:48.
إذاً الرُسل هم حُجة الله على الناس وقبل مبعثهم فلا حُجة لله عليهم، تصديقاً لقول الله تعالى: (رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) [النساء:165].
أفلا ترون بأن لأولاد آدم حجة على ربّهم لئن حاسبهم على نكاح أخواتهم بادئ الأمر نظراً لعدم وجود شرع يُحرم ذلك عليهم؟ ومن بعد التحريم فمن اتبع الحقّ فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون، تصديقاً لقول الله تعالى: (وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) .
ونرى في قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا ربّكم الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً) [النساء:1].
فقد بيَّن الله في هذه الآية المُحكمة بأن التناسل لم يتجاوز الذكر والأنثى من أولاد آدم ولا نلتفت إلى الذين غيروا خلق الله، كما هو في تلك الشريعة الباطلة والتي تنادي بتغيير خلق الله بأن لابُدّ من إناثٍ من غير ذُرية آدم حتى يتم التناسل بادئ الأمر بينهم، وهذا ما تبيَّن لي من ردود الكل في هذه القضية وعلى رأسهم الدكتور الشيخ عبد الصبور شاهين وهو ما تُريدون التوصل إليه. ولكني أكرر: لا أريد أن أفتي – فأنا لست بالمفتي – ولكنني اخشى القول بأنكم من شياطين البشر حتى تُعرضوا عن ذكر الرحمن فتتبعوا ما لم يُنزل الله به من سُلطان بحجة أنه كيف ينكح الأخ أخته؟ وقد أفتيناكم بآياتٍ مُحكماتٍ بيِّنات أنهُ: لا حُجة لله على هابيل وقابيل بسبب نكاح أخواتهم نظراً لأنهم لم يأتوا بعد رسُل منهم بشرع ربّهم وأخبركم الله بذلك أنه لا حُجة له عليهم ولن يُحاسبهم على ذلك، تصديقاً لقول الله تعالى: (رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) [النساء:165].
أفلا ترون أنه لا تثريب عليهم ولا حساب نظراً لعدم إقامة الحجّة لربهم عليهم بسبب أنه لم يأتِهم رسولٌ حرم عليهم ذلك فعصوا أمر ربهم؟ .