أولاً : أقوال بولـس في توحيد الذات الإلـهية و إفراد الله تعالى بالإلـهية والربوبية و الخالقية و القدرة المستقلة :

1 ـ يقول بولس في رسالته الأولى إلى أهل قورنتس ( و في الطبعات البروتستانتية تسمىكورنثوس ) (8 / 4 ـ 6 ) :

” و أماالأكل من لحم ما ذبح للأوثان فنحن نعلم أن لا وثن في العالم، و أن لا إلـه إلاالله الأحد [2]. و قد يكون في السماء أو في الأرض ما يزعم أنه آلهة، بل هناك كثيرمن الآلهة و كثير من الأرباب، و أما عندنا نحن فـليسإلا إلـه واحد و هو الآب،منه كل شيء و إليه نحن أيضا نصير. و رب واحد و هو يسوع،به كل شيء و به نحن أيضا ”

فهذا النص صريح في انحصار الإلـهيةبالله الآب وحده (لا إله إلا الله الأحد ) ( و أما عندنا فليس إلا إله واحد: وهو الآب، منه كلشيء )، و أما وصف المسيح بالرب فلا يرادبه الإلـهية و إلا لانتفى الحصر لها بالآب الذي كرره في كلامه هنا مرتين، بلالمراد ـ كما سنوضحه في آخر الموضوع ـ السيد المعلم.

2 ـ و يقول بولس في رسالته إلى أهل أفسس (4 / 5 ـ 6 ) :

” و هناك رب واحد و إيمان واحد و معمودية واحدة، و إلــهٌ واحدٌ أبٌ لجميع الخلقو فوقهم جميعا يعمل بهم جميعا و هو فيهم جميعا ”

قلت : فهنا أيضا أكد أن الآب هو وحده الإلــه لجميعالكائنات.

3ـ و يقول بولس في رسالته الأولى إلى طيموتاوس (2 / 5 ):

” لأن الله واحد، و الوسيط بين الله و الناس واحد و هو إنسان أي المسيح يسوع ”

وهذه الجملة غاية في الصراحة و الوضوح في إفرادالله تعالى بالألوهية و نفيها عن المسيح إذ هي تؤكد أولا أن الله واحد، و أنالمسيح شيء آخر، حيث هو الواسطة بين الله و الناس، و بديهي أن الواسطة غيرالموسوط، علاوة على تأكيده أن المسيح، ككلٍّ، إنسانٌ، و بهذا يتم الفصل بين اللهو المسيح بكل وضوح، و تخصص الألوهية لله تعالى وحده فقط، فأنى يؤفكون !!

4 ـ ثم يقول بولس في نفس الرسالة، بعد جملته تلك (6 / 13 ـ 16 ):

” و أوصيك في حضرة الله الذي يحيي كل شيء و في حضرة يسوع المسيح الذي شهد شهادةحسنة في عهد بنطيوس بيلاطس، أن تحفظ هذه الوصية و أنت بريء من العيب و اللوم إلىأن يظهر ربنا يسوع المسيح فسَــيُظْـهِرُه في الأوقات المحددة له:

المبارك العزيز الوحيد ملك الملوك و رب الأرباب، الذي وحده له عدم الموت، ساكنافي نور لا يدنى منه، الذي لم يره أحد من الناس و لا يقدر أن يراه، الذي لهالكرامة و القدرة الأبدية، آمين.” (حسب الترجمة البروتستانتية )

ذلك السعيد القدير وحده ملك الملوك و رب الأرباب الذي له وحده الخلود و مسكنه نورلا يقترب منه وهو الذي لم يره إنسان و لا يستطيع أن يراه، له الإكرام و العزةالأبدية. آمين.”(حسب الترجمة الكاثوليكية للرهبانية اليسوعية )

و هذا النص أيضا صريحٌ واضحٌ في توحيد الله و اعتباره وحدهملك الملوك و رب الأرباب، كما هو صريح في المغايرة و التمايز بين الله تعالى فيمجده و علاه، الذي وحده لا يموت و لا يُرى، و بين المسيح، الذي سيظهره الله.

5 ـ و فيما يلي نص خطبة خطبها بولس في أعيان مدينةأثينا، كما جاءت في أعمال الرسل (17 / 22 ـ 32 ):

” يا أهل أثينة، أراكم شديدي التديّن من كل وجه، فإني و أنا سائر أنظر إلىأنصابكم وجدت هيكلا كتب عليه: إلى الإلـه المجهول!. فَما تعبدونه أنتم و تجهلونه،فذاك ما أبشركم به. إن الله الذي صنع العالم و ما فيه، و هو رب السماء و الأرض،لا يسكن في هياكل صنعتها الأيدي، و لا تخدمه أيدي بشرية، كما لو كان يحتاج إلىشيء. فهو الذي يهب لجميع الخلق الحياة و النفس و كل شيء. فقد صنع جميع الأممالبشرية من أصل واحد، ليسكنوا على وجه الأرض كلها، و جعل لسكناهم أزمنة موقوتة وأمكنة محدودة، ليبحثوا عن الله لعلهم يتحسسونه و يهتدون إليه، مع أنه غير بعيد عنكلٍّ منا. ففيه حياتنا و حركتنا و كياننا، كما قال شعراء منكم: فنحن أيضا منسلالته. فيجب علينا، و نحن من سلالة الله، ألا نحسَبَ اللاهوت يشبه الذهب أوالفضة أو الحجر، إذ مَـثَّـلَه الإنسان بصناعته و خياله. فقد أغضى الله طرفه عنأيام الجهل و هو يعلن الآن للناس أن يتوبوا جميعا و في كل مكان، لأنه حدد يومايدين فيه العالم دينونة عدل عن يد رجل أقامه لذلك، و قد جعل للناس أجمعين برهاناعلى الأمر، إذ أقامه من بين الأموات ”

فقد تكلم كلاما جميلا عن الله تعالىو لم يأت بذكر على أن المسيح كان هو ذاك الله الذي تكلم عنه، بل علىالعكس قال أنالله أقام رجلا (أي إنسانا) ليدين العالم عن طريقه و أماته ثم بعثه ليجعلهعَلَمَاً و دليلا على يوم القيامة، وهكذا نلاحظ التمايز و الفصل التام بين اللهفي وحدانيته و المسيح.

ثانياً: أقوال بولس الواضحة في توحيد الأفعال [3] وفي توحيد العبودية أي صرف كل مظاهر العبادة مثل الصلاة و الدعاء و الشكر و الحمدوالثناء و الاستغاثة و الالتجاء لله الآب وحده دون غيره :

1ـ يقول بولس في رسالته إلىأهل فيليبي (4 / 6 ـ 7 ):

” لا تكونوا في هم من أي شيء كان. بل في كل شيء لترفع طلباتكم إلى اللهبالصلاة و الدعاء مع الشكر. فإن سلام الله الذي يفوق كل إدراك يحف قلوبكم وأذهانكم في المسيح يسوع ”

قلت: فطلب الحوائج و الصلاة و الدعاء و الشكر يجب رفعهالله تعالى، لكي ينزل الله سكينته على المؤمنين بواسطة المسيح و لكي يثبت قلوبهم ـفي المصاعب ـ على الإيمان و الثقة بالمسيح و محبته.

2 ـ و يقول في رسالته إلى أهل أفسس (3 / 14 ـ 20 ) :

” لهذا أجثو على ركبتي للآب، فمنه تستمد كل أسرة اسمها في السماء و الأرض، وأسأله أن يهب لكم، على مقدار سِـعَة مجده، أن تشتدوا بروحه ليقوى فيكم الإنسانالباطن [4] و أن يقيم المسيح في قلوبكم الإيمان، حتى إذا تأصلتم في المحبة وأسسـتم عليه، أمكنكم أن تدركوا مع جميع القديسين ما هو العرض و الطول و العلو والعمق و تعرفوا محبة المسيح التي تفوق كل معرفة فتمتلئوا بكل ما لله من كمال. ذاكالذي يستطيع بقوته العاملة فينا أن يبلغ ما يفوق كثيرا كل ما نسأله و نتصوره، لهالمجد في الكنيسة و في المسيح يسوع على مدى الأجيال و الدهور آمين “.

قلت : فبولس يؤكد أن الصلاة (الجثو على الركبتين )، إنماهي للآب فقط، لأنه منه وحده يستمد كل شيء اسمه و وجوده كما أنه بيده تعالى قلوبالعباد و منه تعالى الثبات و التوفيق و الهداية التي ينزلها على من يشاء بواسطةالملائكة و المسيح، فالمسيح هو مَجرَى الفيض و واسطة المدد فحسب، لذا فالتسبيح والمجد لله تعالى المعطي و المفيض، و يا ليت النصارى يأخذون بهذا و يكفون عن عبادةالمسيح، و الجثو للصلبان والتماثيل !

3 ـ و يقول في رسالته الثانية إلى أهل قورنتس (1/ 3 ـ 4 و 9 ـ 10 ):

” تبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح، أبو الرأفة و إلـه كل عزاء، فهو الذي يعزينافي جميع شدائدنا لنستطيع، بما نتلقى نحن من عزاء من الله أن نعزي الذين هم في أيةشدة كانت… لئلا نتكل على أنفسنا بل على الله الذي يقيم الأموات، فهو الذيأنقذنا من أمثال هذا الموت و سـيُـنـقِـذُنا منه: و عليه جَعَـلْـنَا رجاءَنابأنه سينقذنا منه أيضا. ”

ثم يقول في نفس الرسالة أيضا :

“…. و إن الذي يثبتنا و إياكم للمسيح، و الذي مسحنا، هو اللــه، و هو الذيختمنا بختمه و جعل في قلوبنا عربون الروح…

الشكر لله الذي يستصـحبنا دائما أبدا في نصرِهِ بالمسيح و ينشر بأيدينا في كلمكان شذى معرفته… ”

4 ـ و يقول في رسالته الأولى لأهل قورنتس (1/ 4 ـ 8 ـ 9. و 15 / 57 ):

” إني أشكر الله دائما في أمركمعلى ما أوتيتم من نعمة الله في المسيح يسوع… و هو الذي يثبتكم إلى النهاية حتىتكونوا بلا عيب يوم ربنا يسوع المسيح. هو الله أمين دعاكم إلى مشاركة ابنه يسوعالمسيح ربنا (ثم يقول ):… فالشكر لله الذي آتانا النصر عن يد ربنا يسوع المسيح “.

قلت: في كل هذه العبارات ـ و مثلها الكثيرفي رسائل بولس ـ نلاحظ التأكيد على أن الله تعالى مولى النعم و مصدر الرحمة والفيض و موضع الرجاء و الثقة، و هو هادي النفوس و مزكيها و مولى المؤمنين وناصرهم، أما دور المسيح في ذلك، فهو الوسـيلة و الواسطة التي اختارها الله لينزلرحمته بواسطتها و يفيض تخليصه و هدايته و عزاءه و نصره عبرها، فالرحمة و النعمةالآتية من المسيح مصدرها في الحقيقة هو الله الآب الفياض والمنعم ابتداء و ذاتا،لذا نجد بولس يرفع الشكر و الثناء و الصلاة و التمجيد لله تعالى.

ثالثـاً : أقوال بولـس الصريحة الواضحة في أن اللهَ تعالى إلـهُ المسـيحِ و خالقُهُ وسيدُهُ و أن المسيحَ عبدٌ مخلوقٌ خاضعٌ لسلطان الله :

1 ـ أما أنالمسيح عليه السلام مخلوق لله فقد جاء واضحا في رسالة بولس إلى أهل قولسي (أوكولوسي ) (1 /15 ) حيث قال يصف المسيح:

” هو صورة الله الذي لا يرى و بكر كل خليقة ”

ومرادنا من العبارة فهو وصف المسيح بأنه ” بكر كل خليقة ” التي تصرح بأن المسيح هو باكورة خليقة الله أي أول مخلوقات الله المتصدر لعالمالخلق، و بديهي أن المخلوق عبد لخالقه و لا يكون إلـها أبدا.

2 ـ و أما أن اللهَُ تعالى إلـهُ المسيح فقد جاء صريحا في قول بولس في رسالته إلىأهل أفسس (1 / 16 ـ 17 ):

” لا أكف عن شكر الله في أمركم، ذاكرا إياكم في صلواتي لكي يهب لكم إلــهُ ربِّنايسوع المسيحِ، أبو المجد، روحَ حكمة يكشف لكم عنه تعالى لتعرفوه حق المعرفة ”

قلت: فهذا بيان صريح في أن الله تعالى، أبا المجد، هوإلــهُ يسوع، و بالتالي يسوع عبده، و هذا نفي قاطع لإلـهية المسيح لأن الإله لايكون له إلـه !

3 ـ و أما أن المسيح يستمد قوته من الله و يخضع فيالنهاية، ككل المخلوقات، لله تعالى، فقد جاء صريحا في كلام بولس التالي، فيرسالته الأولى إلى أهل قورنتس (كورنثوس): (15 / 24ـ 28 ):

” ثم يكون المنتهى حين يسلِّم (المسيحُ ) المُلْـكَ إلى اللهِ الآبِ بعد أن يكونقد أباد كل رئاسة و سلطان و قوة. فلا بد له (أي للمسيح ) أن يملك حتى (( يجعل جميعأعدائه تحت قدميه ))، و آخر عدو يبيده هو الموت، لأنه (( أخضع كل شيء تحت قدميه )). و عندما يقول: (( قد أخضع له كل شيء )) فمن الواضح أنه يستثني الذي أخضَعَ لهكلَّ شيء. و متى أَخضَع له كل شيء، فحينئذ، يخضع الابن نفسه لذاك الذي أَخضَعَ لهكلَّ شيء، ليكون اللهُ كل شيء في كل شيء. ”

قلت: تظهر من هذا النص الحقائق التالية:

¨ أنالمُلْكَ الحقيقيَ الأصيلَ لِلَّهِ الآبِ وحدَه، و أما السلطان و المُلْكُ الذيأوتيه المسيح، فهو من عطاء الله و موهبته، و هو أمانة لأداء رسالة محددة وفقمشيئة الله، ثم يسلم المسيح فيما بعد الأمانة لصاحبها الحقيقي.

¨ أنالمسيح لم يخـضِع شيئا من قوات الشر في العالم بقوته الذاتية، بل الله تعالى هوالذي أخضعها له.

¨ أنالمسيح نفسَه، بعد أن ينصره الله على قوى الشر و يجعلها تحت قدميه، سيخضع بنفسهلله ليكون الله تعالى وحده الكل في الكل. و يذكرنا هذا بقوله تعالى في قرآنهالمجيد: ((و أن إلى ربك المنتهى )).

و كل نقطة من هذه النقاط الثلاث تأكيد واضح على عدم إلـهية المسيح و كونه محتاجالله و خاضعا له سبحانه و تعالى، و على انحصار الإلهية بالله الآب وحده.

4 ـ و هاك قول آخر لبولس يؤيد أيضا ما قلناه، قال في رسالته الثانية إلى كورنثوس (13 /4 ):

” أجل، قد صُـلِبَ (أي المسيح ) بضعفه، لكنه حيٌ بقوة الله. و نحن أيضا ضعفاءفيه، و لكننا سنكون أحياء معه بقدرة الله فيكم. ”

قلت: فما أصرح هذه العبارة في تأكيد عبودية المسيح لله وعدم إلـهيته، حيث يقول أنه أي المسيح ضعيف بنفسه لكنه حي بقوة الله تعالى، مثلنانحن الضعفاء بأنفسنا و لكن الأحياء بقوة الله تعالى.

5 ـ و أما أن اللهَ تعالى سيدُ المسيح و مولاه الآمرُ له،فجاء واضحا في قول بولس في رسالته الأولى إلى أهل قورنتس أيضا (11 / 3 ):

” و لكني أريد أن تعلموا أن رأس كل رجل هو المسيح و رأس المرأة هو الرجل و رأسالمسيح هو الله “.

قلت: من الواضح أنه ليس المراد هنا بالرأس، معناه الحقيقي،بل المراد معنىً مجازيٌّ للرأس هو “الرئيس المُطاع و السيد الآمر” [5]. فهذا النصيقول أنه كما أن الرجل هو سيد المرأة و رئيسها القوام عليها و الذي ينبغي عليهاإطاعته [6]، فكذلك المسيح عليه السلام سيد الخلق (في عصره) الذي ينبغي على الناسإطاعته و الامتثال لأمره، و الله تعالى سيد المسيح و رئيسه و القوام عليه، الذييجب على المسيح إطاعته و الامتثال لأمره. أفليس هذا رد صريح للادعاء بأن المسيحهو الله ذاته أو أنه إله مماثل لأبيه؟‍‍‍‍‍!

رابعاً: تأكيد بولس الدائم، على الغـيـريـّة الكاملة بين الله تعالى و المسـيح عليهالسلام و التعبير عنهما دائما ككائنين اثنين و شخصين منفصلين :

منأوضح الأدلة على عدم اعتقاد بولس إلـهية المسيح ما يظهر في كل عبارة من عباراترسائله من فصل و تمييز واضحين بين الله، و الذي يعبر عنه غالبا بالآب أو أبينا، والمسيح الذي يعبر عنه غالبا بالرب أو ربنا، و اعتبارهما شخصين اثنين و كائنينمنفصلين. و توضيح ذلك أن بولس يؤكد أن الله واحد أحد لا إله غيره، كما مر، كمايؤكد ألوهية الآب، و يؤكد أن المسيح غير الآب، فبالنتيجة لا يمكن أن يكون المسيحإلـها ـ في نظر بولس ـ لأنه لو كان إلـها لصار هناك إلـهين اثنين، طالما أنالمسيح غير الآب، و هذا ما يؤكده بولس عندما يؤكد أن الله واحد لا إله غيره. وأعتقد أن المسألة واضحة لا تحتاج لتأمل كبير! و الشواهد على هذا الموضوع ـ أعنيأن الله غير المسيح و أنهما اثنين ـ من كلام بولس، كثيرة جدا، مر بعضها فيما سبق،و نضيف هنا بعض الشواهد الأخرى لمزيد من التوضيح:

1 ـ الديباجة الدائمة التي يفتتح بها بولس رسائله فيقول:

” عليكم النعمة و السلام من لدن الله أبينا و الرب يسوع المسيح ” [7]

2 ـ في رسالته الأولى إلى أهل قورنتس (3 / 22 ):

” كل شيء لكم و أنتم للمسيح و المسيح لله ”

3 ـ و في رسالته الثانية إلى أهل تسالونيقي (2 / 16 ـ 17 ):

” عسى ربنا يسوع المسيح نفسه، و الله أبونا الذي أحبنا و أنعم علينا بعزاء أبديٍّو رجاء حسنٍ، أن يعزيا قلوبكم و يثبتاها في كل صالح من عمل و قول ”

4 ـ و في رسالته إلى أهل أفسس (1 / 19 ـ 22 ) يتحدث بولس عن عمل الله الذي عملهفي المسيح فيقول:

“… إذ أقامه من بين الأموات و أجلسه إلى يمينه في السموات فوق كل صاحب رئاسة وسلطان و قوة و سيادة و فوق كل اسم يسمى به مخلوق، لا في هذا الدهر وحده بل فيالدهر الآتي أيضا، و جعل كل شيء تحت قدميه و وهبه لنا فوق كل شيء رأسا للكنيسة ”

و هذا الموضوع نفسه تكرر مرارا في رسائل بولس. انظر على سبيل المثال: أعمالالرسل: 13 / 30، و رسالته إلى أهل رومية: 8 / 11 و 10 / 9، و رسالته الأولى إلىأهل تسالونيقي: 1 / 10، و رسالته إلى أهل أفسس: 1 / 20 و رسالته إلى أهل قورنتس: 6 / 14.

ففي كل هذا تأكيد واضح وضوح الشمس في رابعة النهار على التمييز و الفصل الكاملبين الله و المسيح و أنهما اثنان لا واحد.

خامساً : بولس يصفالمسيح بصفات ينفيها عن الله و يـنـزِّه الله عنها :

1 ـبين بولس مراراً موت المسيح و أنه دفن و بقي في قبره ثلاثة أيام إلى أن بعثه اللهتعالى حيا: انظر رسالته إلى رومية: 8 / 34 و 14 / 9، و رسالته إلى أهل غلاطية: 2/ 21، و رسالته إلى أهل فيليبي: 2 / 8.. الخ.

هذا في حين يقول بولس واصفا الله تبارك و تعالى: “….. المبارك العزيز الوحيد،ملك الملوك و رب الأرباب الذي وحده له عدم الموت ساكنا في نور لا يدنى منه، الذيلم يره أحد من الناس و لا يقدر أن يراه، الذي له الكرامة و القدرة الأبدية. آمين.” [8]

2 ـ كما ذكر بولس في رسائله مرارا أن المسيح تألم و عانىالشدائد، فعلى سبيل المثال نجده يقول في رسالته إلى أهل كولوسي ( / 24): “… أفرح في آلامي لأجلكم و أكمل نقائص شدائد المسيح في جسمي لأجل جسده الذي هوالكنيسة “، أو يقول في رسالته الثانية إلى أهلقورنتس (1 / 5 ): ” فكما تفيضعلينا آلام المسيح، فكذلك بالمسيح يفيض عزاؤنا أيضا “.

هذا في حين أن بولس، لما كان يقوم بالتبشير مع برنابا، في منطقة إيقونية، و ظهرتعلى أيديهما معجزات في مدينة لسترة حيث أقاما رجلا مقعدا خلقة فجعلاه يمشي ـ كماجاء في سفر أعمال الرسل ـ، و هجم وثنيو المدينة عليهما معتقدين أنهما إلهين نزلامن السماء! و أرادوا أن يقدموا لهما ذبائح!! فصاحا (أي بولس و برنابا ) في أولـئكالوثنيين الجهلة قائلين:

” أيها الرجال! لماذا تفعلون هذا؟ نحن أيضا بشر تحت آلام مثلكم نبشركم أن ترجعوامن هذه الأباطيل إلى الإلـه الحي الذي خلق السموات و الأرض و البحر و كل مافيها… ” أعمال الرسل: 14 / 8 ـ 15.

فاعتبر بولس أن كونه و زميله بشرا تحت آلام أكبر دليل على أنهما ليسا بآلهة. وبالتالي فانطلاقا من هذا المنطق الصحيح لا يمكن أن يكون المسيح إلـها برأي بولس،لأن المسيح أيضا كان بشرا تحت شدائد و آلام كما مر معنا من أقوال بولس التيسقناها آنفا.

_____________________________

شبهة :

تعبيربولس عن المسيح بـِ ” الربّ ”

الرد على هذهالشبهة :

كلمة ” الرب ” هي عبارة بولس المفضلة عندما يشير إلى المسيح عليه السلام، و هو يكررهافي رسائله كثيرا، خاصة في افتتاحيات رسائله حين يقول مثلا: “عليكم النعمة والسلام من لدن أبينا و الرب يسوع المسيح، تبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح… “(2 قورنتس: 1/2 ـ3)، أو قوله: ” و يشهد كل لسان أن يسوع المسيح هو الرب ” (فيليبي: 2/1)… الخ.

و الحقيقة أن وصف المسيح بالربّ أو بربِّنا، لا يقتصر على بولس بل يقول به جميعأصحاب رسائل العهد الجديد الآخرين أيضا، أي القديسون يوحنا و بطرس، و يهوذا ويعقوب أخوا المسيح عليه السلام لأمه.

و كان هذا مما صدمني جدا لما طالعت العهد الجديد لأول مرة، إذ كنت أتصور أنمرادهم من كلمة الرب ما نعهده نحن المسلمون منها: أي رب العالمين و بارئ الخلائقأجمعين الخالق الرازق سبحانه و تعالى… فكنت أستغرب وأستهجن وصف المسيح الذي هوعبدٌ لله تعالى و محتاج لمدده، بصفة الرب، أي جعله خالقنا و رازقنا مع أنه هونفسه مخلوق و مرزوق من الله!!

إلا أني لما تبحرت بمطالعة العهد الجديد و درست مدلولات بعض ألفاظه، خاصة لفظةالرب و مشتقاتها، دراسة مقارنة دقيقة، تأكدت من أن كتَّاب و مؤلفي العهد الجديدلم يكونوا يعنون بكلمة الرب عند إطلاقها على المسيح معنى الله الخالق الرازقأبدا، بل يعنون بها معنى المعلم و السيد المطاع أمره، فكلمة الرب كانت وصفالمنزلة المسيح الرسالية النبوية التعليمية و مقامه ومنصبه الذي أقامه الله فيه،لا وصفا لطبيعته أو تحديدا لجوهر ذاته.

و قد سبق و أشرت، في الفصلين الماضيين، لعض الشواهد من الأناجيل التي تدل علىذلك، و فيما يلي إعادة سريعة لها :

(1) فقد جاء في إنجيل يوحنا أناليهود كانوا يخاطبون النبي يحيى عليه السلام بعبارة :

“رابِّـي ” (يوحنا: 3/26) ، و من الواضح أن أحدا لم يقصد ألوهية يحيى عليه السلام .

(2) كما جاء في نفس الإنجيل (يوحنا: 1/38) أيضا ما نصه:

” فقالا (للمسيح): ربِّـي!، الذي تفسيره يا معلم، أين تمكث؟ ”

[ ملاحظة: جملة: (الذي تفسيره يا معلم) المعترضة، هيليوحنا نفسه مؤلف الإنجيل و ليست لأحد من الشراح، فهي من متن الإنجيل نفسه وليستمضافة ] .

(3) و جاء في إنجيل يوحنا كذلك (20 / 16) :

” قال لها: يا مريم! فالتفتت إليه و قالت له ربوني الذي تفسيره: يا معلم “.

(4) و جاء أيضا في إنجيل يوحنا (13/ 13 ـ 14)أنالمسيح قال لتلامذته:

” أنتم تدعوني ” المعـلِّـم و الـرب ” و أصبتم فيما تقولون فهكذا أنا. فإذا كنتأنا الرب و المعلم قد غسلت أقدامكم فيجب عليكم أنتم أيضا أن يغسل بعضكم أقدام بعض “.

لكن النسخة التقليدية القديمة (البروتستانتية)للعهد الجديد ترجمت نفس تلك الآياتكالتالي:

” أنتم تدعوني معلماً و ســيـداً و حسنا تقولون لأني أنا كذلك، فإن كنت وأناالســيـد و المعلم غسلت أرجلكم فأنتم يجب عليكم أن يغسل بعضكم أقدام بعض”

إذاً ما ترجم بالسـيِّـد في الترجمة التقليدية القديمة، ترجم بالـربّ في الترجمةالحديثة، أي اختيرت لفظة الرب بدلا من السيد لترجمة الأصل اليوناني، مما يؤكد أنالمقصود بالأصل من كلمة الرب هو معنى السيد و أنهما مترادفان.

(5) و جاء في إنجيل لوقا (20 / 41 ـ 44) أن المسيحعليه السلام قال لليهود:

” كيف يقال للمسيح أنه ابن داود و داود نفسه يقول في كتاب المزامير: “قال الربلـربـِّي: اجلس عن يميني حتى أجعل أعداءك موطئا لقدميك”؟ فداود نفسه يدعو المسيحربا، فكيف يكون المسيح ابنه؟ “.

في هذا النص يستند المسيح عليه السلام لآية في مزامير داود (الزبور) يعتبرهابشارة عنه، فإذا رجعنا لمزامير داود في العهد القديم وجدنا أن البشارة هي الآيةالأولى من المزمور رقم 110، و لفظها ـ كما في الترجمة الكاثوليكية الحديثة ـ:

” قال الرب لسـيّدي اجلس عن يميني حتىأجعل أعداءك موطئا لقدميك” العهد القديم / ص 1269.

فما عبر عنه المسيح بلفظة ربي هو في الحقيقة بمعنى سيدي و لا حرج فالمقصود واحد.

لذلك نجد أن الترجمات العربية المختلفة للعهد الجديد، خاصة القديمة منها كانتتستخدم لفظة السيد في مكان لفظة الرب، و لفظة المعلم في مكان لفظة رابِّـي. وفيما يلي أمثلة مقارنة تدل على ما نقول، أخذناها من ثلاث ترجمات مختلفة للعهدالجديد هي التالية (من الأقدم إلى الأحدث):

· الترجمةالبروتستانتية القديمة التي قامت بها: جمعية التوراة البريطانية و الأجنبية، طبعكامبريدج، بريطانيا. و رمزتُ لها بالترجمة البريطانية البروتستانتية.

· الترجمة المسماة: كتاب الأناجيل المقدسة. طبع المطبعةالمرقسية الكاثوليكية بمصر في عهد رئاسة الحبر الجليل الأنبا كيرلِـس الثانيبطريرك المدينة العظمى الإسكندرية و سائر الكرازة المرقسية، سنة 1902 مسيحية. ورمزتُ لها بالترجمة المصرية الكاثوليكية.

· ترجمة الكتاب المقدس الحديثة التي قامت بها الرهبانية اليسوعية في بيروت عام 1989 و نشرتها دار المشرق. و رمزتُ لها بالترجمة البيروتية اليسوعية.

موضعالشاهد

الترجمة البروتستانتية

الترجمة الكاثوليكية

الترجمة البيروتية

إنجيليوحنا: 1/ 49 أجاب نثنائيل و قال له: يا معلم ! أنت ابن الله أنت ملك إسرائيل. أجاب ناثانائيل و قال له: رابي ! أنت هو ابن الله أنت ملكإسرائيل. أجابه نتنائيل: رابي ! أنت ابن الله، أنت ملك إسرائيل.

إنجيليوحنا: 3/ 1 ـ 2

هذا جاء إلى يسوع ليلا و قال له: يا معلم نعلم أنك قد أتيت منالله معلما لأنه ليس أحد يقدر أن يعمل هذه الآيات التي أنت تعمل إن لميكن الله معه.

فجاء إلى يسوع ليلا و قال له: رابي ، نحن نعلم أنك أتيت من اللهمعلما لأنه ليس يقدر أحد أن يعمل هذه الآيات التي أنت تعمل ما لميكن الله معه.

فجاء إلى يسوع ليلا و قال له: رابي ، نعلم أنك جئت من لدن اللهمعلما فما من أحد يستطيع أن يأتي بتلك الآيات التي تأتي بها إن لميكن الله معه.

إنجيليوحنا: 4 / 11.

قالت له: يا ســيـد ! لا دلو لك و البئر عميقة فمن أين لك الماءالحي؟

قالت له الامرأة: يا ســيـدي ! إنه لا مستقى لك و البئرعميق فمن أين لك الماء الحي؟

قالت له المرأة: يا رب ! لا دلو عندك و البئر عميقة، فمن أين لكالماء الحي؟

إنجيليوحنا: 4 / 15.

قالت له المرأة: يا سيد أعطني هذا الماء لكي لا أعطش…

قالت له الامرأة: يا سيد أعطني هذا الماء لكي لا أعطش…

قالت له المرأة: يا ربّ ، أعطني هذا الماء لكي لا أعطش..

إنجيليوحنا:4 / 49.

فقال له خادم الملك: يا ســيـد! انزل قبل أن يموت ابني. فقال لهيسوع: اذهب ابنك حي !

فقال له الرئيس: يا رب ! انزل قبل أن يموت فتاي. فقال له يسوع: امض فابنك حي!

فقال له عامل الملك: يا رب ! انزل قبل أن يموت ولدي. فقال لهيسوع: اذهب إن ابنك حي!

إنجيليوحنا: 5/7

أجابه المريض: ” يا سيد ، ليس لي إنسان يلقيني في البِرْكة متىتحرك الماء

أجاب المريض وقال: ” يا سيد ليس لي إنسان لكي إذا تحرك الماءيلقيني في البِرْكة

أجابه العليل: ” يا رب ، ليس ليمن يغطني في البِرْكة عندما يفور الماء ..

إنجيليوحنا: 6 / 34.

فقالوا له: ” يا ســيـد ! أعطنا في كل حين هذا الخبز.

فقالوا له: ” يا ســيـد ! أعطنا هذا الخبز في كل حين.

فقالوا له: ” يا رب ! أعطنا هذا الخبز دائما أبداً.

إنجيليوحنا: 13 / 36.
قال له سمعان بطرس: يا سيد إلى أين تذهب؟ قال يسوع: حيث أذهب لا تقدر أن تتبعني…

قال له سمعان بطرس: إلى أين تذهب يا رب؟ أجابه يسوع: حيث أذهب أنالا تقدر أن تتبعني…

فقال له سمعان بطرس: يا رب إلى أين تذهب؟ أجاب يسوع: إلى حيث أناذاهب لا تستطيعُ الآن أن تتبعني…

إنجيليوحنا: 14 / 5.

قال له توما: يا ســيـد ! لسنا نعلم أين تذهب فكيف نعرف الطريق؟

قال له توما: يا رب ! لسنا نعرف أين تذهب فكيف نقدر أن نعرفالطريق؟

قال له توما: يا رب ! إننا لا نعرف إلى أين تذهب فكيف نعرفالطريق؟

إنجيليوحنا: 14 / 8. فقال له فيليبـس: يا ســيـد ! أرنا الآب و كفانا! قال له فيليبس: يا رب ! أرنا الآب و حسـبنا!
قال له فيليبس: يا رب ! أرنا الآب و حسـبنا!

وأكتفي بهذه الأمثلة، و الحقيقة أن هذا نجده في كل مواضع استخدام لفظة الرب فيالترجمات المختلفة و القديمة بشكل خاص، و أعتقد أن ما ذكر يكفي لليقين بأن مرادكاتبي الأناجيل و رسائل العهد الجديد، و منهم بولس، من لفظة الرب، ليس إلا معنىالسيد أو المعلم المُطاع أمره.

ومن ناحية أخرى إذا رجعنا إلى القاموس العبري ـ العربي [16] نرى أن لفظة الربالعبرية تعني:[ حاخام، معلم، وزير،ضابط، سيد ].

فإذا عرفنا أن اللغة العبرية كانت هي لغة الكتاب المقدس الأصلية ( للعهد القديم ) الذي كان مرجع مؤلفي العهد الجديد، و عرفنا أن السيد المسيح عليه السلام كانبالنسبة إليهم: المعلم الأكبر و الحاخام الأعظم، و السيد الذي تعلو سيادته وسلطانه الروحي كل سيادة في الأرض، عرفنا لماذا كانوا يطلقون عليه لفظ ” الرب ” وماذا كانوا يعنون بها.

و من الجدير ذكره هنا، و هو ما قد يفاجئ القارئ، أنه حتى في اللغة العربية، قدتطلق لفظة الرب، المطلقة من غير أي إضافة، على المـلِك و السيد، كما ذكر صاحبلسان العرب حيث قال أن أهل الجاهلية يسمون الملك: الرب، و أنه كثيرا ما وردت كلمةالرب مطلقةً، في أشعارهم، على معنى غير الله تعالى [17].

كماجاء في لسان العرب: ” الرب: يطلق في اللغة على المالك، و السيد، و المدبر، والمربي، و القيِّم، و المنعم… و (عن) ابن الأنباري: السيد المطاع، قال تعالى: فيسقي ربه خمرا، أي سيده، و يكون الرب المصلح، ربَّ الشيءَ إذا أصلحه ” [18].

و قد وردت في القرآن الكريم بهذا المعنى عدة مرات، من ذلك الآيات التالية :

1. { قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلحالظالمون } يوسف / 23.

2. { يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا… } يوسف / 41.

3. { و قال للذي ظن أنه ناجمنهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين } يوسف / 42.

4. { فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بالالنسوة اللاتي قطعن أيديهن } يوسف / 50.

5. و كذلك وردت بهذا المعنى في سورة التوبة في الآية:{ اتخذوا أحبارهم و رهبانهم أربابا من دون الله و المسيح بن مريم و ما أمرواإلا ليعبدوا إلـها واحدا لا إلـه إلا هو سبحانه و تعالى عما يشركون } التوبة / 31.

فمنالواضح أنهم لم يتخذوا أحبارهم آلهة خالقين رازقين ! إنما اتخذوهم سادة و أرباب استسلموا لسلطتهم و أطاعوهم طاعة عمياء في كل شيء حتىفي تحريم الحلال و تحليل الحرام، و تشريع العقائد الجديدة غير المنزلة،كما وردتفسيرها في الحديث الشريف عن عدي بن حاتم ـ و كان نصرانيا فأسلم ـ قال للنبي صلىالله عليه وسلم ، لما سمعه يتلو هذه الآية: ” إن النصارى لم يعبدوا أحبارهم ورهبانهم! ” فأجابه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ): ” بلى إنهم حرموا عليهم الحلال و أحلوا لهم الحرام فاتبعوهم فتلكعبادتهم إياهم ” [19] .

6. و في هذا المعنى أيضا قوله تعالى: { قل يا أهل الكتابتعلوا إلى كلمة سواء بيننا و بينكم ألا نعبد إلا الله و لا نشرك به شيئا و لايتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون } آلعمران /64.

و لا شك أنه ليس المقصود أن لا نتخذ بعضنا بعضا آلهة خالقين رازقين، بل المقصودأن لا نتخذ بعضنا بعضا سادة طغاة متسلطين نركع و نسجد لهم و نطيعهم طاعة عمياءحتى في تحليل حرام الله أو تحريم حلاله أو تقرير عقائد إيمانية غيبية ما أنزلالله بها من سلطان، كما فعل فريق من النصارى في حق الباباوات.

كل هذه الأمثلة أوردتها للتأكيد على أن لفظة ” الرب ” لا ينحصر معناها في اللهتعالى الخالق الرازق، بل كثيرا ما تأتي بمعنى المالك الآمر و السيد المطاع. و هذاالمعنى الأخير هو المراد في لغة العهد الجديد و لغة التلاميذ عندما يطلق علىالمسيح و هو الذي كان يعنيه بولس من لفظة الرب عندما يطلقها على السيد و المعلمالأكبر المسيح عليه السلام، فليس في هذه اللفظة أي دليل على ألوهيته.

___________________________________________________

[2] يطابق هذا كلمةالتوحيد و شعار الإسلام، الذي هو جميع الرسالات السماوية: لا إلـه إلا الله.

[3] توحيد الأفعال ـ مصطلح كلامي إسلامي ـ يقصد به إفراد الله تعالى وحده بالقدرةالذاتية المستقلة على الخلق و الإحياء و الإحداث و الإيجاد و الإمداد و الهداية والضلال…، فما يحصل في الوجود من خلق و إحداث و رزق و إمداد فهو من فعل الله وخلقه و إيجاده، لا موجد غيره و لا فاعل بالاستقلال سواه، فبيده وحده الخلق والرزق و النفع و الضر و العطاء و المنع و الهداية و الضلال و حتى أفعال العبادتمت بقوته و إرادته و مدده و مشيئته و إذنه، فلا فاعل و لا مؤثر في الوجود إلا هوأو به أي بالاستناد للاستطاعة التي منحها و المشيئة التي قدرها، و كل هذا متضمنفي معنى: لا حول و لا قوة إلا بالله.

[4] يقصد “بالإنسان الباطن ” الصفة العقلانية للإنسان، خلافا ” للإنسان الظاهر ” الذي يشير إلى جسمه الفاني،و عبارة الإنسان الباطن قريبة جدا لمعنى كلمة قلوبكمالتي وردت في كلام بولس في الفقرة التي بعدها [مستفاد من حاشية العهد الجديدباختصار].

و إذا أردنا عبارةمماثلة لذلك في لغة الإسلام أي كلام الله تعالى في القرآن المجيد فهي قوله تعالىمثلا: ” إنهم فتية آمنوا بربهم و زدناهم هدى و ربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالواربنا رب السموات و الأرض…” الكهف / 14. أو قوله تعالى مثلا: ” أولـئك كتب فيقلوبهم الإيمان و أيدهم بروح منه..” الآية، المجادلة / 22. أو قوله عز و جل: “هوالذي أنزل السكينة في قلوب المؤمـنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم و لله جنودالسموات و الأرض و كان الله عليما حكيما ” الفتح / 4.

[5] هذا المجاز يستخدم حتى اليوم في العامية و الفصحى، في كثير من اللغات و منهاالعربية فنقول مثلا: فلان رأس تلك العصابة، أو رأس القوم، بل كلمة الرئيس إنمااشتقت من الرأس.

[6] يماثل هذا، المبدأ الإسلامي: ” الرجال قوَّامون على النساء “.

[7] رومية: 1 / 7، و قورنتس الأولى: 1 / 3، و قورنتس الثانية: 1 / 2 ـ 3، وغلاطية: 1 / 3 ـ 4، و فيليبي: 1 / 2 الخ…

[8] الرسالة الأولى لتيموثاوس: 6 / 15 ـ 16. و العبارة أوردتها من النسخةالبروتستانتية لأنها أوضح هنا في بيان الشاهد المطلوب.

[16] تأليف: ي افوجمان، طبع عام 1980، دار الجيل، بيروت.

[17] انظر لسان العرب لابن منظور: مادة ربب: ج 1 / ص 399.

[18] المرجع السابق:، مادة ربب، ج 1 / ص 400.

[19] تفسير القرآن العظيم لابن كثير: 2 / 362، و قال عن الحديث: رواه الإمام أحمدو الترمذي و ابن جرير (الطبري) من طرق عدة.