عندما قررّ السويدي سيبستيان بلاسكو المتخصصّ في الإقتصاد الدولي، والمتخرّج من الجامعات السويدية والأمريكية؛ أن يروي لي قصّة إسلامه لأنقلها إلى القراء العرب والمسلمين، دعوته إلى الغذاء، وأعترف أنني كدت أبكي أثناء اللقاء لأمرين:
أولها. أنني إزددت يقينا بعظمة الإسلام وقدرته على إخراج الحي ّ من الميت، خصوصا وأنني رأيت أمامي شابا سويديا أخذ من الإسلام كل عظيم، وإلتزم به وحافظ على الإيجابيات المتوفرة في حضارته.
ثانيها. كما أنني بتّ أبكي عندما قال لي أنّه عندما بدأ يهتم بالإسلام ويبحث عن الدين الإسلامي وبدأ يميل إليه، قال في قرارة نفسه الإسلام لا يختلف عني وعن مسلكيتي كثيرا، فأنا أعاشر أصدقاء مسلمين معي في الحيّ والثانوية، وهم يزنون مثلما أزني، ويشربون الخمرة مثلما أشرب الخمرة، ويذهبون للمراقص مثلما أذهب أنا أيضا إلى المراقص، إذن -كما قال سيبستيان- إذا كان الأمر يتعلق بالشهادتين فسوف أقر بهما وأنتهى الأمر عند هذا الحدّ، وتلفظت بالشهادتين، لكنني عندما تعمقّت في الدراسات الإسلامية، وأدركت أن الشهادة بأن الله واحد، وأنّ محمداً رسول الله، وخاتم الأنبياء، منهج حياة ومسلكية حضارية، وإلتزام ديني، أدركت كم فرطّ هؤلاء المسلمون الذين كنت أعيش بين ظهرانيهم في دينهم، خصوصاً بعد أن اجتاحتهم شهوات الغرب، وأنستهم معنى الإلتزام الديني.
ورغم كون سيبستيان خريج كلية الاقتصاد في جامعة لوس أنجلوس؛ إلاّ أنّ أسواق العمل في السويد قد إضطهدته بسبب إسلامه، فقلت له في اللقاء: إذا كنت سويديا وبسبب إسلامك رفضتك أسواق العمل، فماذا يقول المسلمون القادمون من العالم الإسلامي، والذين يراد لهم أن يعيشوا فقط من خلال المساعدات الإجتماعية، عالة على الغربي الذي يدفع ضرائبه للدولة؟
درس سيبستيان بلاسكو في أرقى الجامعات السويدية والأمريكية، وقد درس في السويد الإقتصاد الإجتماعي، ثمّ أتمّ دراساته العليا في أمريكا في مجال الإقتصاد الدولي وإدارة الأعمال، وقد كان معه هذا اللقاء حول إكتشافه للإسلام…
كسويدي وغربي كيف كانت حياتك قبل أن تتعرّف إلى الإسلام!
حياتي في السويد قبل الإسلام كانت ضائعة وبدون هدف، فقد كنت عديم الإتجّاه، كالسكران الذي لا يعرف له وجهة مطلقا، لم يكن لي أدنى هدف في الحياة، لقد كنت أستسهل الذنب، وأفعل كل ما يريده جسدي المادي، وكل ما تمليه عليّ شهواتي، وكنت على الدوام أسترسل وراء نزواتي وشهواتي في كل السياقات المحرمة، ولم أكن أهتم بوجودي كإنسان، بل لم أكن أتساءل لماذا أنا موجود على هذه السطيحة بالأساس..
كنت عبداً للشهوات إذن!
لقد كنت أعيش في مستنقع الذنوب والموبقات، وبدل أن أرقى بإنسانيتي إلى الدرجات العليا؛ فقد تدحرجت إلى أسفل سافلين في قعر الذنوب والخطايا، والحمد للّه الذي أنقذني من براثن الذنوب، وأخرجني من هذا العالم الشهواني المادي إلى عالم التوحيد والنور، فالحمد لله الذي خصنّي بهذه النعمة العظيمة؛ أن قادني إلى الإسلام، والذي بفضله أصبح لي هدف ومنهج ومسلكية في الحياة، قبل إسلامي كان تصوري -أو فلنقل إعتقادي- أنّ الحياة التي نحياها هي حياة واحدة غير متصلة، وغير ممتدة بأي حياة أخرى، ولذلك كان في تصوري السابق أن أعيش هذه الحياة المقطوعة عن أي تواصل بكل ملذاتها وشهواتها، وأن أرخي العنان لشهواتي بإعتبار أنّ هذه الحياة لا تتكررّ، وبطبيعة الحال وبفضل الإسلام أدركت أنّ هذه الحياة المؤقتة متصلة بحياة أبقى وأخلد، لقد أجابني الإسلام عن كل التساؤلات التي كانت تجول في خاطري، وأخرجني من دائرة الحيرة إلى دائرة الإستقرار والطمأنينة.
لكن كيف توصلت إلى حقيقة الإسلام!
لقد قادني إليه البحث والدراسة، ويجب أن أعترف أنّ وجود بعض المسلمين معي في أقسام الدراسة جعلني أبحث عن سرّ التمايز بيننا، وكان هذا سببا لبداية بحثي عن المداليل القرآنية، وماذا يقول القرآن الكريم، وكنت على الدوام فضوليا أن أستزيد من معرفة الإسلام، وشرعت في التعمق والبحث عن كل ما له علاقة بالإسلام، وهذه البحوث التي قرأتها هيأتني أن أستقبل الإسلام نفسيا، وأشعر تلقائيا أنني متجاوب فطرياً ونفسياً وعقلياً مع تعاليمه، فقررت أن أسلم، لكن هذا الإسلام النظري لم يقنعني بتاتا، فقد أسلمت لكن بدون أن أمارس الشعائر الدينية، فقررت أن ألتزم بالإسلام نظريا وتطبيقيا، فبدأت أُأدي الصلاة، وأصوم وسأبقى كذلك إلى أن أموت إن شاء الله.
عندما استوعبت تفاصيل العقيدة والشريعة الإسلامية، ألم يؤثرّ عليك بعض المسلمين في الغرب من الذين ينتمون إلى الإسلام شكلا ويتجافون عنه عملا وسلوكا كما قال المفكر الإسلامي الشهيد سيّد قطب ّ!
صحيح جدا، كنت على الدوام أقول لماذا يفرط المسلمون في دين رائع ومتألق وديناميكي كالإسلام، وربما بالنسبة إليّ فقد إستوعبت مبدأ انّ الإسلام شيئ والمسلمون شيئ آخر، لكن بقية الغربيين يحاولون فهم الإسلام من خلال مسلكية المسلمين في الغرب، فإذا كانت هذه المسلكية خاطئة قرن الغربيون بين الإسلام وبين هذه المسلكية الخاطئة وعدّوها من الإسلام، لكن إذا كانت مسلكية المسلمين في الغرب في إيقاع واحد مع تعاليم الإسلام الحضارية والراقية فإنّ ذلك سيساهم في تقديم رؤية رائعة وجيدة عن الإسلام، وشخصيا ما زلت أذكر كيف أنّ رجلا مسلما أثرّ في إلى أبعد الحدود، فقد كنت أرى فيه الإسلام مجسدا على الأرض.
صحيح أننّي عاشرت بعض المسلمين الذين كانوا لا يختلفون مطلقاً عن السويديين في مسلكيتهم الحياتية من إستهتار بالذنوب والمعاصي، لكني وعندما بدأت أعاشر الملتزمين بدينهم أدركت كم أنّ الإسلام عظيم، وكم هو جميل ورائع ومتألق أيضا، وهذه العشرة الطيبة دفعتني إلى مزيد من الإلتزام بأحكام الشريعة الإسلامية.
وأعتقد جازما أنّ أنسب طريقة لنشر الإسلام في الغرب هي أن يعي المسلمون في الغرب أنّ إلتزامهم بالإسلام الحضاري سيعكس جمالية الإسلام، وهذا من شأنه أن يدفع الغربيين لإعتناق الإسلام؛ لأنّهم يبنون نظريتهم عن الإسلام بناءاً على ما يرونه في حياة المسلمين وتصرفاتهم في الغرب، وليس بناءاً على ما يقرؤونه.
جوابك هذا يقودني إلى سؤالك عن مستقبل الإسلام في الغرب، وكيف ترى هذا المستقبل!
المستقبل لهذا الدين الإسلامي، وأتصور أن مستقبل الإسلام في الغرب وفي العالم مشرق للغاية، إنّ كل الإحصاءات والدراسات في الغرب والتي إضطلعت بها مؤسسات ضليعة في البحث والإستقصاء تبيّن أنّ الإسلام هو من أكثر الديانات نموا وإنتشارا في أوروبا وغيرها، وأنّ نموه وإنتشاره سريع للغاية، وفي نظري فإنّ تقويم مسلكية بعض المسلمين في الغرب سيساهم في نشر الإسلام الصحيح.
كما أن تقديم الإسلام بشكل حضاري، وبالصياغة التي يستوعبها العقل الغربي من شأنه أن يسرّع في أن يصبح الإسلام سيدّ المعادلة في الغرب.
كيف كانت ردّات فعل عائلتك وأقربائك عندما أصبحت مسلماً ملتزماً!
في الواقع أن عائلتي إستقبلت إسلامي بإيجابية كبيرة، ولم أجد رد فعل معاكس من قبلهم، نعم كانوا يطرحون عليّ أسئلة في هذا السياق عن الإسلام وثقافته، وأنا كنت أجيب على الدوام، وأحاول إيصال الفكرة الصحيحة لهم، وأنا أحمد الله أن أهلي استقبلوا إسلامي برحابة صدر. ودعني أقول لك أنّ هناك أسراً إسلامية في الغرب لا تريد لبنيها أن تلتزم بالإسلام، وهم يرفضون جملة وتفصيلا أن يكون أحد أعضاء الأسرة ملتزما كلياً بالإسلام!!!
وماذا عن إضطهاد المرأة المسلمة في فرنسا وحرمانها من إرتداء حجابها!
هذا أمر غير مقبول بتاتا، وقد أتفهم أن تقوم مجموعة بشرية متسلطة بحظر أفكار معينة، أو تعاقب تيارات فكرية بعينها، لكن أن يصل الأمر إلى حظر تعاليم السماء، وعدم السماح للمسلم بأداء فرائضه ومناسكه، فهذا ظلم لا يعادله ظلم، فلا يجوز مطلقا حرمان مؤمن من ممارسة معتقده.
وفي السياق ذاته كيف ترى ما قامت به جريدة يولاند بوستن الدانماركية التي إستهانت بالرسول محمد عليه الصلاة والسلام!
قمة السخافة، وأوج الإستهتار بالمقدسات، فالجريدة ورسوماتها ساقطة لا محالة .
ما هي الآليات المثلى لنشر الإسلام في الغرب!
المسلمون في الغرب أقليّة، يجب أن تنظّم هذه الأقلية نفسها، من خلال أن يرقى المسلمون إلى مستوى دينهم، وأن يتعاطوا جدياً مع دينهم، وأن لا يدعوه وراءهم، فيجب أن يجعلوا القرآن أمامهم وخلفهم وعلى جوانبهم، وأينما داروا يجب أن تكون وجهتهم الإسلام، وهذا الإرتقاء إلى مستوى الإسلام سيشكّل أفضل وسيلة لنشر الإسلام -بإذنه تعالى- في الغرب.
ويجب على المسلمين في الغرب أن يفكروا في تملك وسائل الإعلام من إذاعات وتلفزيونات وجرائد؛ لأنّ ذلك سيسهم في تقديم صورة ناصعة عن الإسلام، عكس الصورة التي يحرص بعض الناس على تقديمها عن الإسلام، وتملك المسلمين لوسائل الإعلام في الغرب أمر متاح ومباح في نفس الوقت. وللإشارة فإنّ الغربيين لديهم فضول كبير لمعرفة الإسلام، وأنا شخصيا قبل إسلامي لم تكن لديّ تلك المعلومات الكافية عن الإسلام، ربما معلومات عامة، فلو كان للمسلمين وسائل إعلامية في الغرب ربما لأمكنني أن أصبح مسلما في وقت باكر.
ومثلما سيؤثّر إلتزام المسلمين في الغرب بإسلام على الغربيين، ويجعلهم يقبلون على هذا الإسلام، فكذلك الأمر بالنسبة للمسلمين في العالم الإسلامي، الذين يجب أن يتركوا الإختلافات المذهبية والتقاتل والتخاصم والصراعات الدائمة المذهبية والسياسية؛ لأنّ وحدتهم وقوتهم ستجعل الغربيين لا يتسهينون بالإسلام وأمة الإسلام. وقد تخصصّ الإعلام الغربي في ملاحقة مثالب المسلمين ونقائصهم وصراعاتهم، وتضخيمها؛ ليحرّف الرأي العام في الغرب، ويقدم الإسلام على أساس أنّه قرين للتخلف والديكتاتورية، والفقر والأمراض.. وما إلى ذلك.
بإعتبارك غربياً وسويدياً، كيف أصبحت ترى هذا الغرب عندما أصبحت مسلماً ملتزماً!
في كل حضارة يوجد مساوئ ومحاسن، وربما سأحتاج إلى وقت طويل لإحصاء كل ذلك، غير أنّ الإفراط في المادية، والإبتعاد عن الروح، أدى إلى إنكسار كبير في الحضارة الغربية، ولأجل ذلك بدأ الغربيون المسيحيون يقبلون على الإسلام، لأنّه دين المستقبل من جهة، ولأنّه أجاب عن كل التساؤلات الوجودية المعقدة والمحيرة، ورسم نهجاً سامياً للحياة.
وبصياغة غربية بسيطة فإنّ الإسلام هو دين العقل والمنطق، والعقل البشري عندما يتجرد عن الإيديولوجيا يكتشف تلقائيا عظمة الإسلام.
وأنت شخصياً ماذا أعطاك الإسلام!
لقد أعطاني الله بالإسلام ذلك الشيء الذي كنت أفتقده في حياتي، وكنت أتمناه على الدوام، لقد عرفت من أنا، وإلى أين، وكيف، ولماذا، وما إلى ذلك من التساؤلات، لقد أرجعني الإسلام إلى إنسانيتي وفطرتي وروحي ونفسي، لقد أدركت بالإسلام سرّ الحياة، وسرّ الوجود، وسرّ الممات وبعد الممات، وبعد أن كنت عبثياً شهوانياً استرجعت هويتي الإنسانية بفضل الإسلام.
لقد أعطاني الإسلام منهج حياة، وأستطيع أن أقول أنا مسلم إذن أنا موجود، فقبل الإسلام كنت عدماً لم أكن شيئا مذكوراً. والحمد لله ربّ العالمين الذي هداني إلى خطّ الإسلام.
شكراً لك سيبستيان على هذا الحوار الشيق، وأتمنى أت تصل كلماتك هذه إلى المسلمين كافة في القارات الخمس، ووفقك الله تعالى .
حاوره: الكاتب والمفكر يحيى أبو زكريا: abouzakaria10@hotmail.com
المصدر: نقلا عن موقع الجزائر تايمز:
http://www.algeriatimes.net/news/algernews.cfm?ID=1778
نقلا من موقع موسوعة الاغجاز العلمي فى القرآن الكريم