ذهَبَ جَمَاهيرُ الفُقَهاءِ إلى استحبابِ صيامِ الستِّ من شوَّالٍ، لما رواه أبو أيُّوب الأنصاريّ رضيَ اللهُ عنهُ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ: (مَن صَامَ رمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتَّاً مِن شوَّالٍ كانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ) رواه الإمام مسلم[1].

وهو مذهب الحنفية في المختار، والشافعية، والحنابلة، وقولٌ للمالكية، وهو مذهب داود الظاهري.

وقيلَ بكراهةِ صيامها، وهو مذهبُ المالكيةِ وقولٌ للحنفية.

(قال يَحيَى: وسَمِعْتُ مالكاً يَقُولُ في صِيَامِ سِتةِ أيامٍ بعدَ الفِطْرِ مِن رمَضَانَ: إنه لَمْ يَرَ أَحَداً مِن أهلِ العِلمِ والفِقْهِ يَصُومُهَا، ولَم يَبْلُغْنِي ذلكَ عن أحَدٍ من السَّلَفِ، وإنَّ أهلَ العِلمِ يَكرَهُونَ ذلكَ ويَخافُونَ بدعَتَهُ، وأَنْ يُلْحِقَ برَمَضَانَ ما ليسَ منهُ أهلُ الجَهَالَةِ والجَفَاءِ لوْ رأَوْا في ذلكَ رُخصةً عندَ أهلِ العِلمِ، ورَأَوْهُم يَعمَلُونَ ذلكَ)[2].

قال النووي: (قَولُ مالكٍ: لَم أَرَ أحَداً يَصُومُهَا، فليسَ بحُجَّةٍ في الكَراهةِ، لأنَّ السُّنَّةَ ثبَتَت في ذلكَ بلا مُعارِضٍ، فكَوْنُهُ لَم يَرَ لا يَضُرُّ، وقولُهُم لأنَّهُ قد يَخفَى ذلكَ فيُعتَقَدُ وُجُوبُهُ ضعيفٌ، لأنهُ لا يَخفَى ذلكَ على أحَدٍ، ويَلْزَمُ على قولِهِ إنهُ يُكرَهُ صَوْمُ عَرَفَةَ وعاشُوراءَ وسائرِ الصَّومِ المَندُوبِ إليهِ، وهذا لا يَقُولُه أحَدٌ)[3].

وقال الإمام ابن القيم: (كَوْنُ أهلِ المدينةِ في زَمَنِ مالكٍ لَم يَعمَلُوا بهِ لا يُوجبُ ترك الأُمَّةِ كُلّهم لهُ, وقد عَمِلَ بهِ أحمدُ والشافعيُّ وابنُ الْمُبارَكِ وغيرهم)[4].

قال ابنُ عبد البر المالكي: (لَم يَبلُغ مالكاً حديثُ أبي أيوبَ على أنهُ حديثٌ مَدَنيٌّ، والإحاطةُ بعلمِ الخاصَّةِ لا سبيلَ إليهِ، والذي كَرِهَهُ لهُ مالكٌ أَمْرٌ قد بيَّنَهُ وأَوْضَحَهُ.. وأمَّا صيامُ السِّتَّةِ الأَيَّامِ من شوَّالٍ على طَلَبِ الفضلِ وعلى التأويلِ الذي جاءَ بهِ ثوْبَانُ رضيَ اللهُ عنهُ فإنَّ مالكاً لا يَكرَهُ ذلكَ إن شاءَ اللهُ، لأنَّ الصَّوْمَ جُنَّةٌ وفضلُهُ معلُومٌ.. وما أظُنُّ مالكاً جَهِلَ الحديثَ واللهُ أعلَمُ، لأنهُ حديثٌ مَدَنيٌّ.. وقد يُمكِنُ أن يكونَ جَهِلَ الحديثَ ولو عَلِمَهُ لقالَ بهِ، واللهُ أعلَمُ)[5].

وقال القاضي عياض المالكي: (قال شُيوخُنا: ولَعلَّ مالكاً إنما كرهَ صَوْمه على هذا، وأنْ يَعتقدَ مَن يَصُومُه أنه فرضٌ، وأمَّا مَن صَامَهُ على الوجهِ الذي أرادَ النبيُّ عليه السلام فجائزٌ)[6].

قال أبو الوليد الباجي المالكي: (قالَ مُطَّرِفٌ: إنما كَرِهَ مالكٌ صيامَهَا لئلاَّ يُلْحِقَ أهلُ الجَهلِ ذلكَ برمَضَانَ، وأمَّا مَن رَغِبَ في ذلكَ لِما جاءَ فيهِ فلَم يَنْهَهُ، واللهُ أعلَمُ وأحكَمُ)[7].

وقال ابن القيِّم: (قال مُطَرِّفٌ: كانَ مالكٌ يَصُومُهَا في خاصَّةِ نفسِهِ)[8].

وقال ابنُ عابدين الحنفي: (في الغايَةِ عن الحَسَنِ بنِ زِيادٍ: أنهُ كانَ لا يَرَى بصَوْمِها بأساً، ويقُولُ: «كَفَى بيومِ الفِطْرِ مُفرِّقاً بيْنَهُنَّ وبينَ رمَضَانَ» اهـ، وفيها أيضاً: «عامَّةُ المُتأخِّرينَ لَم يَرَوْا بهِ بأساً، واختَلَفُوا هل الأفضَلُ التفرِيقُ أو التتابُعُ» اهـ.)[9].

وسُئلَ الشيخُ ابنُ بازٍ عن القول بأن صيام الستّ من شوال بدعة؟! فأجاب: (هذا القولُ باطلٌ، وحديث أبي أيوب صحيحٌ، وله شواهد تقوِّيه وتدلُّ على معناه)[10].

فعُلمَ مما تقدَّم: أن صيام ستة أيام من شوال سُنةٌ، لصحَّة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولو وُجد في بعض البلدان مَن يَعتقدُ من الجَهَلَةِ أنَّ صيام الستّ من شوالٍ فرضٌ لصيامها عَقِبَ يوم الفطر، أو أنها من رمضان، فينبغي لطلبة العلم دفع هذه المفسدة وذلك بتأخير صيامها لوسط الشهر أو آخره، قال الإمام ابنُ القيم رحمه الله: (فلا رَيْبَ أنه متى كان في وصلها برمضان مثل هذا المحذور كُرِهَ أشدّ الكراهة، وحُميَ الفرض أن يُخلطَ به ما ليسَ منه، ويَصومها في وسط الشهر أو آخره، وما ذكَرُوهُ من المحذورِ فدفعُه والتحرُّز منه واجبٌ، وهو من قواعد الإسلام)[11].

مع القيام بواجب الدَّعوة والتعليم، وبيان السُّنة، والتحذير من البدعة، والله المستعان.

والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.

——————————————————————————–

[1] ح204 – 1164 (بابُ استحبابِ صَوْمِ سِتَّةِ أيامٍ من شوَّالٍ إِتْبَاعاً لرمَضَانَ).

[2] الموطأ 1/ 310 ح684 رواية يحيى الليثي.

[3] المجموع شرح المهذب 6/ 379 للنووي.

[4] تهذيب السنن 3/ 1226 لابن القيم.

[5] الاستذكار 3/ 380 لابن عبد البر.

[6] إكمال المعلم بفوائد مسلم 4/ 139 للقاضي عياض.

[7] المنتقى شرح الموطأ 2/ 76 لأبي الوليد الباجي.

[8] تهذيب السنن 3/ 1212.

[9] الدر المختار 2/ 435.

[10] مجموع فتاويه 15/ 389-390.

[11] تهذيب السنن 3/ 1218.